الديانتان اليهودية والمسيحية
ليستا ديانتين سماويتين
دكتور مهندس / محمد الحسيني إسماعيل

بعد أن احتدم النقاش حول بحث : " البابا شنودة الثالث يروي لنا كيف تصارع الإنسان مع " الله " .. وكيف أسره ..!!!كان عليّ أن أبين للإخوة المشاركين .. وغير المشاركين أن الديانتين اليهودية والمسيحية ليستا ديانتين سماويتين لما تحوياه من أساطير وخرافات .. استنادا للأسباب التالية ..

أولا : بادىء ذى بدء نجد أن الديانة الإسلامية تقول بأن " الله هو مصدر الدين " ؛ وليس الدين مصدر الإله .. كما هو شائع في الفكر الديني الحالي ..!!! فالله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الذى يشرع الدين للبشر فى كل الرسالات . فموقف محمد ( r ) من الدين ، هو نفس موقف الأنبياء والرسل السابقين عليه من الدين . فالله ـ سبحانه وتعالى ـ هو المصدر فى كل الرسالات ، كما جاء فى قوله تعالى :

) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا والَّذِى أوْحَيْنآ إلَيْكَ وَمَا وَصَّيـْنا بِهِ إبْراهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أنْ أقيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيـَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) (
( القرآن المجيد : الشورى {42} : 13 )

[ التفسير : يجتبى : يصطفى ويختار لنفسه وولايته من يحب / من ينيب : من أقبل إلى طاعته وراجع التوبه ]

وبذلك تصبح الرسالات جميعها واحدة بغض النظر عن النبى أو الرسول أو الشعب المرسل إليه الرسالة . وليس هذا فحسب بل أن كل أسماء الديانات السابقة على الإسلام هى إسلام أيضا ، كما جاء فى قوله تعالى :

) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيـًا بَيـْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ (19) (
( القرآن المجيد : آل عمران {3} : 19 )

وبذلك تكون أسماء الديانات السماوية المختلفة مثل " الديانة اليهودية " و " الديانة المسيحية " ، إنما هى أسماء وضعية ومن صنع البشر بعد إنحرافها عن الدين الحق ، ولم يوح الله بديانات بهذه الأسماء . وأرجو التنبه إلى الفرق بين اسم النبي المرسل واسم الدين .. فلا يجوز أن يسمى الدين الإسلامي باسم " الديانة المحمدية " .

فكما سبق وأن أشرت ـ في كتابات سابقة ـ أنه من الأمور البديهية ، طالما أن الله واحد ولا متغير ، فلا بد وأن يكون الدين هو الآخر واحدا ولا متغيرا . وبهذا المعنى ؛ لابد وأن تكون الأديان السماوية التي جاءت قبل الإسلام تحمل نفس الإسم أى " الدين الإسلامى " أيضا .

ثانيا :كلمة " إسلام " كما تجىء فى الفكر الإسلامى ، إنما تعنى الإنقياد الكامل وتسليم النفس طوعا لله سبحانه وتعالى ، ليكون للإنسان فضل الطاعة الإختيارية فقط . لأنه إن لم يسلم طوعا فهو يسلم كرها وإن لم يدرك أو يعى هذا المعنى . وهى معان يحول دون إدراك المرء لها هو جهله فحسب ولا غيبيات فى هذا ، كما جاء فى قوله تعالى :


) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أسْلَمَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيـْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنـْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبـِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) (
( القرآن المجيد : آل عمران {3} : 83 - 84 )

[ الأسباط : أولاد يعقوب أو أحفاده ]

وبذلك تكون " الديانة الإسلامية " هى إسم الدين المشترك الذى هتف به كل الأنبياء والرسل ، وانتسب إليه كل أتباعهم . وهكذا تقول " الديانة الإسلامية " ، بأن كلمة " الإسلام " تتسع لكل المؤمنين بـ " الله " فى كل زمان ، وفى كل مكان . فـ " الإسلام " ليس مقصورا على المؤمنين برسالة محمد ( r ) ، وليس دينا جديدا دعا إليه محمد ( r ) ، وإنما هو دين الرسل والأنبياء السابقين والمؤمنين جميعا ، كما تبينه الآيات السابقة . وهكذا يصبح " الله ( I ) الواحد اللامتغير ( الصمد ) هو مصدر الدين الواحد اللامتغير " وهو " الدين الإسلامى " . وليس هذا فحسب ، بل يتجاوز معنى اسم الدين الواحد إلى إسم " أتباع " الدين كذلك . بمعنى إذا كان إسم أتباع " الديانة الإسلامية " هم " المسلمون " ، فلا بد وأن يكون ـ إذن ـ اسم أتباع الديانات السابقه على الإسلام هم " المسلمون " أيضا .. وبديهي على رأسهم الأنبياء والرسل ، كما يجىء ذلك فى قوله تعالى في الآيات التالية :

فـ " نوح " ( عليه السلام ) يقول لقومه :


) فَـإِن تَوَلَّيـْتـُمْ فَمَا سَأَلْتـُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أجْرِىَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أنْ أكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ (72) (


( القرآن المجيد : يونس {10} : 72 )


ويقول رب العزة عن إبراهيم ( عليه السلام ) :


) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ (67) (


( القرآن المجيد : آل عمران {3} : 67 )


ووصى بها كل من إبراهيم ويعقوب بنيهما من بعدهما ، كما جاء فى قوله تعالى :


) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِىَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَّمُوتُنَّ إِلَّا وَأنْتـُم مُّسْلِمُونَ ( 132) أمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْـقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَـا تَعْـبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُوا نَعْبـُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءَابَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسِمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) (


( القرآن المجيد : البقرة {2} : 132 - 133 )


ويقول يوسف ( عليه السلام ) :


) رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أنْتَ وَلِيِّى فِى الدُّنـْيـَا وَالأخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَألْحِـقْنِى بِالصَّالِحِينَ (101) (


( القرآن المجيد : يوسف {12} : 101 )


ويقول موسى ( عليه السلام ) لقومه :


) وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِن كُنْـتُمْ ءَامَنْـتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلـْنَا رَبَّنـَا لاَ تَجْـعَلْنَا فِتْنَةً لِلْـقَومِ الظَّالِمِينَ (85) (


( القرآن المجيد : يونس {10} : 84 )


حتى " سحرة فرعون " أسلموا أيضا ، عندما آمنوا بموسى عليه السلام ، فقال لهم فرعون :


) لَأُقَطِّعَنَّ أيْدِيَكُمْ وَأرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنـَا مُنقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنـقِمُ مِنَّا إِلَّا أنْ ءَامَنَّا بِآياتِ رَبـِّنَا لَمَّا جَاءَتْـنَا رَبـَّنَا أفْرِغْ عَلَيْنـَا صَبْرًا وَتـَوَفَّنـَا مُسْلِمِينَ (126) (


( القرآن المجيد : الأعراف {7} : 124 - 126 )


بل حتى " فرعون " نفسه أسلم ..!!! قبل أن يدركه الغرق ، وفى لحظاته الأخيرة يقول بأنه آمن بالإسلام ، دين موسى وقومه ، وإنه من المسلمين . كما جاء فى قوله تعالى :


) وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأتـْبـَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيـًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أدْرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ ءَامَنْتُ أنَّـهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا الَّذِى ءَامَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأنَا مِنَ المُسْلِمِينَ (90 ) (


( القرآن المجيد : يونس {10} : 90 )


و" عيسى " ( عليه السلام ) وحواريوه أيضا مسلمون ، كما جاء فى قوله تعالى :


) فَلَمَّا أحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُفْرَ قَالَ مَنْ أنـْصَارِى إِلَى اللَّهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أنـْصَارُ اللَّهِ ءَامَنـَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأنَّا مُسْلِمُونَ (52) (


( القرآن المجيد : آل عمران {3} : 52 )


وفى موضع آخر ، يقول رب العزة :


) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحَوَارِيينَ أنْ ءَامِنُوا بِى وَبِرَسُولِى قَالُوا ءَامَنَّا وَاشْهَدْ بِأنَّنـَا مُسْلِمُونَ (111) (


( القرآن المجيد : المائدة {5} : 111 )


ثالثا : أن محمد ( r ) ـ نفسه ـ كان يعلم أنه لم يأت بالإسلام كدين جديد ؛ بل هو دين كل من سبقوه من الرسل ؛ لقوله تعالى له :


) مَّا يُـقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبـَّكَ لَذُو مَغْفِرَةً وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) (


( القرآن المجيد : فصلت {41} : 43 )


وهكذا ، يتوالى إسم الأديان السابقة ، بأنها " الإسلام " ، وإسم أتباعها بأنهم " المسلمون " ، وليسوا باليهود أو النصارى أو المسيحيون ، إلا بانحرافهم عن الديانة الحقة .

ولهذا يحسم الحق ـ تبارك وتعالى ـ القضية الدينية بقوله تعالى :



) وَمَن يَـبـْتَغِ غَيْرَ الإسْلامَ دِينًا فَلَنْ يُـقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الأخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ (85) (



( القرآن المجيد : آل عمران {3} : 85 )


وليس فى القضية نبرة تعصب ، أو إشارة ما إلى هذا المعنى من قريب أو من بعيد . فمن الأمور البديهية ، إذا كان " الله " ـ سبحانه وتعالى ـ قد أوحى لأنبيائه ورسله بالدين الصحيح ، ألا وهو الدين الإسلامى ، ثم ذهب الفرد ليعتنق دينا آخر لم يقل به الله ، فمن الأمور البديهية أنه لن يقبل منه ، ولن يكون له خلاص فى الآخرة ، وبالتالى سوف يكون من الخاسرين .

ومما سبق تصبح الديانتين اليهودية ( نسبة إلى سبط او مملكة يهوذا .. رابع أبناء يعقوب ـ u ـ من زوجته ليئة ) ، والمسيحية ( نسبة إلى المسيح عليه السلام ) ليستا بديانات سماوية .. بمجرد أن أصبح اسمهما : اليهودية والمسيحية . ولابد من التنبه أن هذا المعنى لا يحمل التشكيك في رسالات موسى وعيسى ( عليهما السلام ) . فكما رأينا من النصوص القرآنية أن الديانتين اليهودية والمسيحية ـ من المنظور الإسلامي ـ لم يتعدى معناهما عن " أحد الصور الأولى للديانة الإسلامية " ( One of the Versions of the Islamic Religion ) .. ولهذا كان ينبغي أن يطلق عليهما اسم " الدين الإسلامي " .. والأتباع هم : " المسلمون " .

الديانتان اليهودية والمسيحية ليستا ديانتين سماويتين ...
وننهى هذا البحث للمنظور القرآنى ( العهد الأخير أو الحديث ) لليهود والنصارى الذى يصمهم المولى ـ عز وجل ـ بأنهم أهل كفر .. وأهل ضلال .. وأن مصيرهم الخلود في النار ..!!! ففى القرآن المجيد يأتى ذكرهم صراحة ، بأنهما أتباع ديانات ضالة وليست صحيحة ( لأنها لو كانت صحيحة لأصبحت إسلاما كما سبق وأن بينا ) ، كما جاء فى قوله تعالى :



) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًـا مِّـن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُـوَ سُبْحَانَهُ عَمَّـا يُشْرِكُونَ (31) (



( القرآن المجيد : التوبة {9} : 30 ـ 31 )


[ يهود : أطلقت هذه الكلمة أولا على سبط أو مملكة يهوذا الابن الرابع ليعقوب من زوجته ليئة .. ثم عممت بعد ذلك لتشمل الشعب اليهودي بأسره / قولهم بأفواههم : أى بدون سند للقضية / يضاهئون : يشابهون به ( أى أنهم يقولون بنفس ما يقول به الذين كفروا ) / قاتلهم الله : لعنهم الله بكفرهم / أنى يؤفكون : كيف يصرفون عن الحق مع قيام الدليل عليه / الأحبار : علماء اليهود / أربابا من دون الله : بمعنى إنقياد الشعب لأئمتهم ، الذين قاموا بتحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله ، وهو مالم يقل به الله ورسوله المسيح عيسى ابن مريم ] .

وفى موضع آخر ؛ يصفهم الحق ـ تبارك وتعالى ـ بالكفر مباشرة لإعتقادهم الخاطئ فى أن المسيح ( u ) هو الله .. وأن الله ثالث ثلاثة .. كما جاء هذا فى قوله تعالى :



) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) (



( القرآن المجيد : المائدة {5} : 72 ـ 73 )


وإذا قال القرآن المجيد بنص صريح ..) لَّـقَد كَفَرَ الَّذينَ قَالوا إنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثلاثـةٍ …(، ثم يأتى ـ منهم ـ من يأتى ليقول بأن الإسلام يقر بالتثليث المسيحى ، بديهى لا ينبغى الرد عليه وعلى هذا التغييب العقلى ، لأنـها إما محاولة صادرة بغير علم عن جاهل ..!!! أو هى محاولة صادرة عن من يعتقد فى علم فتكون هى محاولة صادرة عن جاهل أيضا ..!!!


وإذا قال القرآن المجيد بنص صريح ..) لَّـقَد كَفَرَ الَّـذينَ قَالوا إنَّ اللَّـهَ هُوَ المَسيحُ ابنُ مَريَمَ …( ونجد أن المسيحيين يقطعون بألوهية المسيح .. أي لا لبس لديهم .. ولا شك في أن المسيح هو " الله " ( يغفر الله لنا مثل هذا التجاوز اللفظي ) ..!!! فيكون معنى هذا ـ وبما لا يدع مجالا لأي شك ـ أن الشعوب المسيحية .. وكذا اليهودية هم :

· أهل كفر .
· وأهل شرك .
· وأن مصيرهما الخلود في النار .

ولا توجد أدنى شائبة شك في ذلك .. ولا ينبغي المجاملة في مثل هذه الأمور لأنها مسألة وجود ومصير .. إلى جانب أننا سوف نحمل أوزارهم إذا لم نبلغهم بهذا . وبهذه المعانى السابقة تكون المسيحية واليهودية ليستا بديانتين سماويتين بأي حال من الأحوال ..!!! وكيف نطلق عليهما ديانات سماوية .. والمولى ( U ) يقطع بكفر أهلهما ..؟!!! فما عدا الإسلام فإنما هي ديانات وضعية بقي في بعضها .. بعض آثار من الوحي الإلهي الصادق .. التي لا تعرف إلا بالقياس إلى القرآن والسنة المطهرة .

وأخيرا ؛ لابد من ملاحظة أن الإسلام يسمح بوصف أهل هذه الديانات المخالفة بأنهم أهل كتاب .. ولا يسمح بوصف أديانهم بأنها أديان سماوية . لذا ينبغي لنا ـ نحن المسلمين ـ أن نكف عن ترديد مثل هذه الألفاظ والعبارات بدون وعي منا . فلا يصح قول : " المسيحية ديانة سماوية " .. أو " الأديان السماوية الثلاث .. اليهودية والمسيحية والإسلام " .. فمثل هذا القول فيه تضليل خطير لهم ولنا .

وأخيرا نأتى إلى شهادة عيسى ( u ) ، على رؤس الأشهاد ، على كذب أهل المسيحية .. وما نسبوه إليه زورا وبهتانا ، عندما يجيب على سؤال المولى ( U ) له ..


) وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) (


( القرآن المجيد : المائدة {5} : 116 ـ 120 )


فهذا هو عيسى ( u ) ، قول الحق ، وهذا هو موقفه من دعواهم الباطلة عليه ..!!! ولن يدرك الإنسان الكافر ـ فى ما يدرك ـ ذلك المنطق المتعالى الوارد فى تلك الآيات الكريمة السابقة . ولهذا لن يبقى ـ فى ما يبقى لمن لا يعى ـ إلا قوله تعالى ..



) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) (



( القرآن المجيد : مريم {19} : 86 - 95 )


[ التفسير : وردا : جمع وارد بمعنى يمشى عطشان / إدا : منكرا عظيما / الإنفطار : الإنشقاق / هدا : سقوطا وهدما ]

وعلينا أن نتنبه إلى سياق المعنى القائل : ) إِن كُلُّ مَن فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ إِلَّا آتِى الرَّحْمَنِ عَبْدًا ( ... فالمسيح ( الإله فى الصورة البشرية من وجهة نظر العقيدة المسيحية ) كان على الأرض ، لذا سيأتى " الله " عبدا ، وحتى إن صعد المسيح الى السماء ( الآب ) فهو سيأتى " الله " عبدا أيضا . فالله ( I ) منزه عن التحيز ، أى أن يكون له تحيز ما فى الأرض ولا فى السماء . وما قصدت بهذا التنبيه إلا لأقطع الطريق على كثيرين من المرضى ـ كما يصفهم بهذا علماء النفس الأمريكيون ـ من هواة التفسير المشوه للآيات ، والتبرير الفاقد للعقل والمنطق .. وحتى لا تضل به الخاصة قبل العامة .

تداعيات الاعتراف بالديانتين اليهودية والمسيحية بأنهما ديانتان سماويتان ..
كان يلزم الإشارة هنا إلى أن اعترافنا ـ نحن المسلمين ـ بأن الديانتين اليهودية والمسيحية هما ديـانتان سماويتان .. يمثل " كارثة إنسانية " حقيقية بكل المعاني .. نظرا لاحتواء هذا الاعتراف ـ ضمنيا ـ على أمور كثيرة مضللة .. منها الخمسة التالية :
الأمر الأول : ( الخداع ) .. بمعنى أننا ـ باعترافنا هذا ـ نقوم بخداع جموع هاتين الديانتين ـ بما في ذلك رجال الدين أنفسهم ـ وبأنهم على نوع من الحق .. بشهادة الدين الإسلامي نفسه .. وهذا لم يحدث .. لأن الدين الإسلامي قال بكفرهما .
الأمر الثاني : ( التدني ) .. بمعنى أننا ـ باعترافنا هذا ـ نتدنى أو نهبط بمستوى الدين الإسلامي إلى مستوى الأسطورة .. والخرافة .. وانعدام القيم الأخلاقية .. الموجودة عليها تلك الديانتين .
الأمر الثالث : ( الحرمان ) .. بمعنى أننا نحرم جموع هاتين الديانتين من مجرد التفكير في وجود دين حق ـ يستحق الدراسة ـ مخالف لدياناتهم الوثنية .. طالما وأننا جميعا نعتقد في أو نؤمن بنفس المناهج السماوية الخرافية من منظورهم .. حتى وإن اختلف زمن التنزيل ( حتى في حالة اعترافهم بتنزيل الديانة الإسلامية ) .
الأمر الرابع : ( النفي أو الإلغاء ) .. بمعنى أننا ننفي أو نلغي العمل بالدعوة بالدين الإسلامي .. لتوصيل البلاغ الإلهي الحق ( أو الأخير ) إلى تلك الفئات .. طالما وأننا نملك ما يملكون .. أو .. طـالما وأننا نتقاسم نفس الفكر أو التراث الديني الخرافي ..!!!
الأمر الخامس : ( النقل أو النسخ ) .. بمعنى أننا ـ باعترافنا هذا ـ نساهم في صحة الفكر المسيحي القائل بأن الدين الإسلامي .. هو دين منقول أو منسوخ عن الديانتين اليهودية والمسيحية طالما وأننا نقر بأنهما ديانتان سماويتان . أو بمعنى آخر ؛ أن الدين الإسلامي ـ من منظورهم ـ هو صورة مشوهة أو حتى صورة منتقاة .. من الديانتين اليهودية والمسيحية طالما وأن ديـاناتهم سماوية وسابقة على الإسلام .. والإسلام دين لاحق عليهما . وهنا ينبغي ضرورة التفريق بين الإيمان بالكتب والرسل وهو الفكر الذي يقضي به الإسلام .. وبين الاعتراف بمضامين الديانات بشكلها الحالي ..!!! فكل منهما قصة مختلفة تمام الاختلاف عن الأخرى . فيجب التنبه إلى أن الإسلام يسمح بوصف هؤلاء بأنهم أهل كتاب .. ولكن لا يسمح بوصف دياناتهم بأنها ديانات سماوية .
وبهذه المعاني السابقة تكون النتيجة الطبيعية .. هو ( الإضلال ) .. بمعنى أننا نصبح القوم المسئولين عن إضلال جموع هاتين الديانتين .. لنحمل أوزارا فوق أوزارنا .. [ ولرؤية وثنية تلك الديانتين أنظر : " الحقيقة المطلقة .. الله والدين والإنسان " ؛ لنفس المؤلف . يطلب من مكتبة وهبة ]

وأخيرا ؛ يبقى أن أقول : إذا كانت الإنسانية تصنف أو تدرج بعض الأشخاص تحت مسمى " مجرمى الحرب " لمجرد مسئوليتهم عن التسبب فى قتل أو إهلاك بضعة مئات أو بضعة آلاف من البشر فحسب .. وتطالب بمحاكمتهم ..!!! فما بال الحال بأفـراد .. يقومون بتضليل وخداع البلايين من الناس البسيطة ـ المغيبة فكريا ـ ليتسببوا فى إهلاكهم بشكل أبدى ؛ بديهى لابـد وأن يندرج هؤلاء تحت مسمى أحط من مسمى " مجرمى الحرب " ..!!!

وبديهى ؛ ما أقوله لا يحوى أى نبرة لتعصب ما .. أو أى إكراه ما .. لتقبل آخرين أو إرغامهم على إعتناق الدين الإسلامي ، ولكن ما أقصده هو توخى الدقة العلمية إلى أبعد معانيها عند التعرض للقضايا الدينية ، بطريقة لا يحتمل معها أي شك فى محاولة الكاتب غش وخداع القارىء . فالخطأ غير مقصود ( أو حتى الجهل ) ـ بديهى ـ يمكن قبوله بتحفظ إلى حد ما ..!!! أما الخطأ المتعمد ، فبديهى ، يندرج تحت أساليب الغش والخداع .. أو النصب الذى يستوجب الحساب والعقاب ..!!! ففى الواقع ؛ أن مصير كل إنسان معلق بمعرفته الحقة والصحيحة للدين ، وأن هذا المصير ليس وهما فكريا من صنع خيال الإنسان يحتمل الشك أو التأويل ، بل هو " قضية علمية " محسومة فرضا وبرهانا . لذا فتوخى الصدق فى التبليغ بالديانات مطلوب بأبعد معانيه .. كما وأن حرية الآخرين فى إعتناق أى دين مكفولة لهم بأعم معانيها .. لأنها غايات من الخلق ..!!!

وبديهى ؛ تنطوى أساليب الغش والخداع الدينى على معنى التغرير وإضلال العامة والأتباع . وليس معنى هذا أن العامة والأتباع فى حل من المسئولية الشخصية الخاصة بالمعرفة الدينية الكاملة ..!!! فكلاهما ـ أى التابع والمتبوع ـ مسئول عن هذه المعرفة .. فلا أعذار فى عدم تحقيق الإنسان للقوانين الطبيعية ..!!! فكل من التابع والمتبوع لم يحققا الغـايات من خلقهما .. وبالتالى يكون مصيرهما معا .. الخلود في النار ..



) ... وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العَذَابِ (165) إذْ تَبَرَّأ الَّذِينَ اتُّبِعُوا (رجال الدين) مِنَ الَّذِينَ اتـَّبَعُوا (الشعب) وَرَأَوُاْ العَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا (الشعب) لَوْ أنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيـهِمُ اللَّهُ أعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجينَ مِنَ النَّارِ (167) (



( القرآن المجيد : البقرة {2} : 165 - 167 )


[ التفسير : وتقطعت بهم الأسباب : أى لن يقبل منهم أى أعذار أو أى تبرير لأسباب ضلالهم ، وظلمهم للآخرين ولأنفسهم ، كما وأنه لا توجد أسباب يمكن أن يقولها الآئمة للشعب حتى يقوم الشعب باتباعهم . كما لا توجد أسباب يمكن أن يقولها الشعب لتبرير اتباعه للآئمة ، فالذنب ـ هنا ـ واقع على الطرفين ، وكلاهما فى النار . وموقف الآئمة هنا هو نفس موقف الشيطان من إضلال الناس كذلك . كما يمكن أن تستوعب كلمة " الأسباب " أيضا معنى الوصل الذى يمكن أن يكون بين الآئمة والشعب فى الحياة الدنيا من الأرحام والمودة وخلافه / حسرات : جمع حسرة ، والحسرة هى أشد الندامة ]

فهل يتنبه العامة ورجال الدين إلى هذه المعاني ..؟!!!