## محاضرات عن الصراع بين بولس و تلاميذ المسيح ,لأستاذ اللاهوت الألمانى أوتو فليدرر ##

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

## محاضرات عن الصراع بين بولس و تلاميذ المسيح ,لأستاذ اللاهوت الألمانى أوتو فليدرر ##

النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: ## محاضرات عن الصراع بين بولس و تلاميذ المسيح ,لأستاذ اللاهوت الألمانى أوتو فليدرر ##

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2005
    المشاركات
    363
    آخر نشاط
    19-09-2011
    على الساعة
    02:23 PM

    افتراضي ## محاضرات عن الصراع بين بولس و تلاميذ المسيح ,لأستاذ اللاهوت الألمانى أوتو فليدرر ##

    نقلا عن أويس القرنى
    _______________________

    لأستاذ اللاهوت الالمانى أوتو فليدرر كتب عديده متميزه , و أحد هذه الكتب عباره عن سلسة محاضرات عن تأثير بولس على المسيحيه Otto Pfleiderer , Lectures on the influence of the apostle Paul on the development of Christianity , و قد ترجمت لكم ملخصا لهذه المحاضرات القيمه


    أرجو أن تستفيدوا منها



    الكتاب مقسم الى عدة محاضرات , و لكنى سأقتصر على المحاضرات التى تتناول الصراع بين بولس و تلاميذ المسيح , أو بين بولس و المسيحيين المتهودين




    و هاكم رابط الكتاب



    http://www.archive.org/details/lectu...flue00pflerich

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2005
    المشاركات
    363
    آخر نشاط
    19-09-2011
    على الساعة
    02:23 PM

    افتراضي

    المحاضره الثالثه : نزاع رسول الأمميين مع المسيحيين المتهودين :






    ينبغى أن نتعجب أن النزاع بين بولس و المسيحيين المتهودين قد حصل فى مرحلة متأخره , ففى خلال الأربعة عشر سنه لأعماله التبشيريه الأولى فى مناطق سوريا و كيليكيه , كان هناك توافق بينه و بين كنائس اليهوديه , فبحسب كلام بولس نفسه أنهم كانوا يمجدون الله بسبب ثمرة كرازته . ربما أن بولس نفسه لم يلاحظ حينها كل النتائج التى ستترتب على مبادئه بسبب تحرر المسيحيه من الناموس , كما يمكن أيضا أن تكون كنائس اليهوديه لم تصل لها معلومات دقيقه عن الكنائس البعيده عنها نوعا ما , أو أن النتائج العامه التى حققها بولس جعلتهم سعداء بحيث غضوا الطرف عن العناصر المسيحيه الأمميه و اتصال اليهود بالمسيحيين الأممين , و لكن عندما انتشرت كرازة بولس أكثر و أكثر فى المناطق الوثنيه , زاد عدد الكنائس فى المناطق الوثنيه و فى نفس الوقت فى العاصمه السوريه " أنطاكيه " , و نمى العنصر الأممى فى العدد و التأثير , بحيث أن نمط المجتمع هناك صار أكثر تحررا , مما لفت الانتباه فى أورشليم , و ذهبت الفرحه بنجاح بولس و حل محلها القلق و الريبه بخصوص نتائج هذه التطورات .



    و رأى الأكثر غيره , أنه لا يمكنهم الصمت على أفعال بولس , و ذهبوا الى أنطاكيه ليراقبوا و يعارضوا هذا السلوك المتحرر , و قال عنهم بولس " الإخوه الكذبه المدخلين خفيه " , و نشأ اضطراب ليس بالقليل فى المجتمع الأنطاكى الخليط , خصوصا عند أولئك الذين كانوا يحتجون بأبى كنيستهم , و يمكننا أن نتخيل الوضع المؤلم الذى وجد بولس نفسه فيه , فإذا نجح هذا الحزب الغيور أن يجعل المؤمنين الأممين يختتنون و يخضعون للناموس اليهودى , تحت دعوى أن كنيستهم هى الكنيسه الأم , و أن الرسل فى صفهم , فإن الكرازه للأممين كانت ستحتضر , و سيكون عمل الرسول بولس للأممين بلا أى أمل مرجو , لأنه لو خضع لهم فى ضرورة التمسك بالناموس , فليس هناك أى أمل فى نجاح مهمته الى الوثنيين , الذين يشكل الناموس اليهودى عائقا منيعا أمام تحولهم الى المسيح .



    بينما و من ناحية أخرى , اذا أهمل بولس مطالب المتهودين , دون أن يتفاهم مع الرسل و ينال رضاهم عن كرازته المتحرره من الناموس للأمميين , فإنه بذلك سيقطع العلاقه ما بين الكنائس الأمميه و الكنيسه الأم , مما يجعل بقاء و استمرار مثل هذه الكنائس الأمميه أمرا عسيرا , و بالتالى فقد رأى بولس أن مصير كرازته يتوقف على أن يحظى بموافقة الكنيسه الأم , و بالتالى فقد سلك الطريق المباشر مع أنه الأخطر , و اختار أن يناقش المسأله مع الكنيسه الأم و قادتها البارزين , و من الطبيعى أن يكون بولس قد أخبر كنيسة أنطاكيه بخطته تلك , و لا بد أن الكنيسه تبنت هذا الحل حتى يلتئم الجسد , و بالتالى أرسلت بولس و معه برنابا كمندوبين رسميين الى أورشليم .



    هذه الرحله الى أورشليم كما سجلت فى سفر الأعمال لا تستبعد القصه التى يرويها بولس نفسه , بل إن كلا التعليقين يكمل الآخر بشكل يثير الإعجاب , و نفس الأمر يمكن أن يقال عن الأحداث التاليه التى حدثت فى أورشليم , و التوافق ما بين التعليقات أكبر بكثير من التناقضات , و يمكن تفسيره بسهوله أنه يعود الى اختلاف وجهة نظر كل كاتب .




    لا نجد فى أى موضع تقرير ما بأن الكنيسه كلها كانت فى جانب بولس , و أن الغيورين على الناموس يشكلون جزءا صغيرا لا قيمة له , فعلى العكس , لا يمكننا أن نغض الطرف أننا لو افترضنا هذا فسيكون من العسير أن نفهم كيف نشأت مثل هذه النزاعات الحيه التى تسجلها رسالة غلاطيه فى الاصحاح الثانى و سفر الأعمال فى الاصحاح الخامس عشر .



    و بالتالى فمن المرجح أن هذا النزاع عندما عرض على كنيسة أورشليم , ترددوا و لم يحسموا الأمر بين الأطراف المتنازعه . لقد كانت فكرة غريبة بالطبع على عقولهم اليهوديه , أن ينظروا الى الأممين كإخوة لهم دون أن يلتزموا بالناموس , و هم الذين نظروا إليهم طويلا كخطاه و غير طاهرين , و هذا الأمر قد يقدح أيضا فى سمعة الكنيسه الناشئه فى عين الشعب اليهودى و تهتز سمعتها الباره , مما يضر بالكرازه فى اسرائيل نفسها . و كذلك هل يمكن ليسوع المسيح أن يقبل مثل هؤلاء الناس فى مملكته المستقبليه و هو الذى قال أنه لم يأت لينقض الناموس ؟


    فى ضوء هذه الأسئله , لا بد أنهم مالوا فى البدايه الى رأى الغيورين على الناموس , و لكن فى نفس الوقت لا يمكنهم أن يتفادوا النجاح الذى حققه بولس و برنابا فى كنائس الأمم . ألم تكن الكنيسه بحاجه حينها أن ترى أن الكرازه للأمم مسرة للرب ؟ , ألم يتنبأ الرسل عن قدوم الأمم فى زمان الإكمال ؟ , أليست بعض أقوال يسوع تثنى على إيمان الأمميين و أخزى بها اليهود ؟


    لم تستطع الكنيسه الأم - بالرغم من نهجها المحافظ - أن تتجاهل كل هذه الاعتبارات , و لكن على الرغم من هذا فإن بولس وحده يقف متجاسرا أمام الجموع الغيوره على ناموسها اليهودى . فى الواقع , كانت لحظة عصيبه , ستحدد مصير المسيحيه , و قد مالت الكفه تجاه رأى ما فى البدايه , ثم مالت فى النهايه تجاه الرأى الآخر , عندما أيد الرسل الكرازه المتحرره للأمم . و بكل تأكيد يخبرنا سفر الأعمال بالحقيقه عندما يقول أن بطرس هو الذى أخذ زمام المبادره فى هذا الأمر , على الرغم أن الحديث الذى ينسبه سفر الأعمال الى فم بطرس يظهر آثارا للفتره اللاحقه لمحرر هذا الحديث , و لكن لا بد أن محبة بطرس للمسيح هى التى دفعته أن يمد يده لرسول الأمم .

    سار يعقوب أخو الرب , و يوحنا الرسول على نهج بطرس , و أكدا على رابطة الأخوه , و لكنهما ( و بالأخص يعقوب ) لم يفعلا هذا بشكل صريح مثل بطرس , فسفر الأعمال يظهر روح يعقوب اليهوديه الصارمه التى قيدت مثل هذا التحالف الأخوى , و يبدو أنه بسبب عدم انتمائه لتلاميذ المسيح - بعكس بطرس - لم يتأثر بروح المسيح المتحرره .


    بخصوص شروط الاتفاق , نجد اختلافا بين التعليقين , فبحسب بولس كانت شروط الاتفاق هى , الاول : أن يكون مجال كرازته للأمم و مجال كرازه الرسل الأخرين لليهود مجالان منفصلان فى المستقبل . الثانى : أن يتذكر بولس الفقراء فى كنائس اليهوديه و أن يجمع لهم العطايا من الأمميين .


    ان سفر الأعمال يلتزم الصمت بخصوص هاتين النقطتين , و يقول عوضا عن ذلك أنه قد فرض على المسيحيين الأمميين أن يمتنعوا عن اللحم المقدم للأوثان , و الزنا و الدم و المخنوق .


    هذا الاختلاف ما بين التعليقين محل جدل شديد , و الدخول فيه حاليا سيطيل الكلام و أنا أريد الالتزام بالموضوع . بما أن بولس لم يذكر هذه الموانع الأربعه على الأمميين , بل يؤكد أن ذوى السمعه لم يطلبوا منه شيئا ما , باستثناء أن يتذكر الفقراء , فبالتالى فى حديثه عن أكل اللحم المقدم للأوثان لا يشير الى قرار الرسل بخصوصه , و بالتالى ربما أن الشك فى الصحه التاريخية لهذا الاتفاق يجد له أساسا متينا .


    و لكن لا يستلزم من هذا أن كاتب سفر الأعمال اخترع قصته بشكل تحكمى , و من أجل غرض عقائدى محدد , بل على العكس ينبغى أن نفترض أن هذه الشروط الأربعه ليعقوب تنتمى الى الالتزامات التى تفرض على المهتدين حديثا , و عندما نتذكر أن أول المسيحيين الأمميين كان معظمهم مهتدون جدد , فإن الاستنتاج يطرح نفسه أن هؤلاء المهتدون الجدد حافطوا على نهج حياتهم السابقه , و بالتالى المحافظه على الأوامر الخاصه بالمهتدين الجدد صارت هى نقطة البدء للمسيحيين الأمميين فى بعض الكنائس .


    ليس مرفوضا أن يكون مثل هذا التقليد له أصل رسولى , و أن ينسبه كاتب سفر الأعمال الى مجمع رسولى , و لكنى لا أستبعد احتمالية أنه بعد أن حدث اتفاق عام فى أورشليم بخصوص الموضوع الرئيسى , جرى نقاش النقاط الأخرى بعد ذلك , و لكن بولس تجاهل ذكر هذا , بينما كان كاتب سفر الأعمال على علم به من خلال تقليد الكنيسه فى أنطاكيه , و اعتبره جزءا رئيسيا من الاتفاق , و بالتالى ليس من المستحيل أن نوفق بين التعليقين .




    إن هذا الإتفاق يحوى بداخله بذور الاختلاف , فإنه يفصل بين مجتمع مسيحى أممى لا يلتزم بالناموس و مجتمع مسيحى متهود يلتزم بالناموس , كيف يمكن أن يتعايش المجتمعان معا خصوصا فى مجتمع مختلط مثل الذى نجده فى أنطاكيه ؟ , لا بد أن يخضع أحد الطرفين للآخر , أن يعيش الأممى تحت الناموس ليرضى المسيحيين المتهودين , أو أن يعيش المسيحى المتهود بلا ناموس ليرضى المسيحيين الأمميين , و بالتالى بدأت الكنيسه فى أنطاكيه تحت قيادة بولس و برنابا تمارس الحريه و تتجاوز الاتفاق الرسولى .


    و لكن كيف نظرت أورشليم لهذه الأحداث التى تجرى ؟ , هنا أيضا نلاحظ الاختلاف ما بين بطرس و يعقوب , فبطرس لم يتردد فى زيارة كنيسة أنطاكيه المتحرره فكريا , و أن يتوافق بقلبه الكبير مع سلوكها المتحرر , بعكس يعقوب الذى رأى فى هذا السلوك المتحرر انتهاكا صريحا للاتفاق الذى عقد فى أورشليم , و انكار للأشياء المقدسه فى الوعى اليهودى , و انتقاص من قدر البر الى مستوى خطاة الوثنيين , و تدنيس للإيمان بالمسيح , و ربما أن غالبية من كانوا فى أورشليم يتفقون معه فى طريقة تفكيره هذه .


    و بالتالى أراد البعض أن يتحقق من الأوضاع فى أنطاكيه و أن يشحذوا الوعى اليهودى لبطرس , و أصاب وصولهم أكثر الأنطاكيين تحررا بحالة من الشلل , فلم يكن من الممكن ركوب خطر معارضتهم , و خضعوا لمبادئهم الصارمه فى خجل . تنحى بطرس عن المسيحيين الأمميين , الذين كان يرافقهم على موائدهم قبل ذلك , و حذى حذوه بعد ذلك المسيحيون المتهودون الأخرون , و حتى برنابا شعر أن الموجه المضاده تجرفه , و بالتالى كان هناك تأثير كبير لهذه الحركه مما جعل المسيحيون الأمميون يشعرون أنهم واقعون تحت ضغط أخلاقى , و بدوا يميلون للخضوع الى العادات اليهوديه .


    لم يستطع بولس أن يمنع نفسه أكثر من هذا , و مع حماسته المعروفه عنه عندما تكون الأمور الدينيه على المحك , عارض بطرس و اتهمه بالرياء , لأنه لم يكن هو وحده يتراجع , بل كان يجعل الآخرين أيضا يتراجعون عن مبادىء الحريه التى كانت اعتبرت صالحه . و اذا قال المتهودون أن المتحررين يدنسون الإيمان بالمسيح , كان رد بولس أنهم هم من يخطئون فى حق المسيح بجعله هو و الناموس جنبا الى جنب , و يجعلون موته بلا فائده , و يبطلون نعمة الله , و بالتالى فقد عبر بولس عن عدم التوافق الداخلى ما بين الايمان بالمسيح و المحافظه على النظام اليهودى , و أن موقفه من الناموس ليس فقط أمرا يجب تفهمه , بل هو وحده و فقط الموقف المسيحى الصحيح , و لكن المسيحيه المتهوده لم تكن لتحتمل مثل هذا الكلام من بولس , و لهذا نظرت اليه بارتياب .


    و بما أن بولس نقض اتفاق أورشليم بإصراره على نقض الناموس , فقد اعتبر المسيحيون المتهودون هذا الاتفاق لاغيا و غير ملزم لهم , و بدأت معارضه ضد بولس فى كنائسه الأمميه الخاصه به , و يصعب علينا أن نحدد مدى اشتراك الرسل الاصليون فى حركة المعارضة تلك لأننا لا نمتلك معلومات بخصوص هذا الأمر . و لكن - و على الرغم من ذلك - عندما نرى احتجاج المتهودين بالأسماء الشريفه للرسل , و استشهادهم على مصداقيتهم أمام كنائس الأمم من خلال رسائل تقديم جلبوها معهم بدون شك من فلسطين , فمن الصعب أن نتخيل أن حركتهم هذه لم يشترك فيها الرسل الأوائل بالكليه . و يضاف الى ما سبق , أن لو كان الوضع على هذه الكيفيه , فإن نبرة التردد التى نجدها فى كلام بولس أكثر من مره فى حديثه عن " ذوى السمعه " , " الأعمده " , " الرسل البارزين " , و تأكيده على استقلاليته و مساواته لهم , سيكون أمرا عسيرا على الفهم .

    و لكن و من ناحية أخرى , لا بد أن نأخذ فى اعتبارنا بخصوص التعامل مع الأحزاب التى كانت فى كورنثوس , أن بولس امتنع تماما عن التلميح الى بطرس , التى أخذت أحد هذه الأحزاب اسمه كشعار لها , و أنه لم يهاجم فى أى موضع سلطة الرسل الأوائل , بل على العكس يعترف بأسبقيتهم فى الرسوليه , و يسمى نفسه أقل الرسل و ليس مستحقا أن يدعى رسولا لأنه اضطهد الكنيسه , و لكنه بنعمة الله عمل أكثر من الآخرين . كذلك فإن بولس يذكر الكنيسه الأم بكل ود قبل فترة قصيره من رحلته الأخيره الى أورشليم , و أن المسيحيين الأمميين مديونون للقديسين الفقراء فى أورشليم , و لكنه فى نفس السياق يشير الى أن لديه شك بسيط فى أن يحظى هو و هديته باستقبال ودود فى أورشليم . إن هذا الشك لم يكن بدون أساس , و الذى يبرهن على هذ الأمر هو الموضوع الخطير الذى دفعه لهذه الزياره , و كذلك فعندما يظهر الإخوه المسيحيون المتهودون فى أى موقف , فإنهم لا يظهرون أى تعاطف أو دعم لرسول الأمميين .


    اذا أخذنا كل هذه الدلائل فى حسباننا , يمكننا أن نقول أن علاقة بولس بالكنيسه الأم كانت علاقه فاتره و متحفظه , يشوبها سوء الظن و السخط , و هذا يتضح جدا اذا افترضنا - كما فعلنا سابقا فى المجمع الرسولى - وجود اتجاهين فى الكنيسه الأم ذاتها , اتجاه متحرر متسامح يمثله بطرس , و اتجاه صارم متحفظ يمثله يعقوب , على الرغم أن هذا الاتجاه الأخير ربما بعد ما حدث فى أنطاكيه صارت له اليد العليا فى أورشليم , و لكن على الرغم من ذلك ربما أن الموقف التوفيقى لبطرس منع قطع كل العلاقات , و لهذا ظل لدى بولس أمل أنه عند وصوله و معه العطايا من الأمميين أن يغير مشاعر كنيسة أورشليم تجاهه .



    اذا تقدمنا الآن للنظر فى المراحل التاليه من النزاع بين بولس و المسيحيين المتهودين , لا بد أن ندير أعيننا تجاه ما حدث فى غلاطيه , ففى زيارة بولس الثانيه الى الكنائس هناك , رأى بولس أن وضعهم قد تغير للأسوأ , فقد ظهر المتهودون فى وسطهم , و هم الذين جاءوا من أماكن آخر مثل أنطاكيه أو أورشليم , محدثين اضطرابا و تشويشا فى الكنائس المسيحيه الأمميه , معلمين إياهم بضرورة الإلتزام بالناموس اليهودى و الختان من أجل الخلاص , و محتجين بسلطة الرسل الأوائل و بسلطة برنابا الذى هو أحد مؤسسى الكنائس فى غلاطيه , و منتقصين من سلطة بولس , واصفين إياه بمجرد تلميذ للرسل , بل و مشككين فى شرفه الشخصى .


    أمل بولس أن يهدىء العاصفه اليهوديه عبر ذهابه شخصيا , و لكنه لم يغادر الى هناك حتى وصلت الأمور هناك الى مرحلة عنيفه و سلوك معاد يشكل تهديدا , و عندما علم بولس بهذا كتب رسالته الى أهل غلاطيه , التى تعد شهادة رائعة للحريه المسيحيه , و تحفه لرجل دين عبقرى سبق عصره بقرون . انه يدافع فى البدايه عن استقلاليته الرسوليه , فإن انسانا ما لم يدعه ليصير رسولا , و لم يتعلم انجيله بواسطة تقليد , بل بإعلان مباشر من يسوع المسيح , و يعارض المبدأ اليهودى فى السلطويه و التقليد , بالمبدأ الإنجيلى فى الاطمئنان للحقيقه الإلهيه التى تشعر بها الروح من خلال اتصالها بالروح الإلهيه , و هو الأمر الذى يحمل بحد ذاته شهادة لصدقيتها .


    و هذه التجربه فى الشعور الداخلى بالوحى للروح , التى يسكن فيها مصدر انجيله , يفترض بولس أنها توجد أيضا عند قارئيه , و يحتج بها بوصفها القاعده الأسمى و الاختبار لكل الحقيقه الدينيه .




    عارض المتهودون بولس فى كورنثوس بأسلوب جديد يختلف عما فعله المتهودون فى غلاطيه , فلم يناقشوا اليونانيين هناك فى ضرورة التمسك بالناموس و الختان , بل هجموا مباشرة على محور كرازة بولس , و هو أنه لم يلتق المسيح و أنه يقدم لهم مسيحا مختلفا , بينما هم قد رأوا المسيح و تلاميذه و يستطيعون أن يكرزوا لهم بالتعاليم الصحيحه .




    بالنسبه لكنيسة روما كان بها أمميون و متهودون , و لكن الأمميين كانوا فى صف بولس و لهذا صار المتهودون أقليه .





    ان السعى الذى يظهر فى الرساله الى روميه تجاه ربط انجيل بولس بالعهد القديم , و لإظهار أنه متمم للنبوءه , أمر جدير بالملاحظه فى حد ذاته . و عندما ندخل فى التفاصيل نجد تغيرا فى النقاط الثلاثه الجوهريه لخلافات بولس السابقه , عقيدته فى المسيح , و الناموس , و أمل اسرائيل .


    فى معارضته للكورنثيين " حزب المسيح " , ركز بولس كثيرا على مثالية الكريستولوجى عنده " الرب هو الروح , على الرغم أننا عرفنا المسيح بالجسد , منذ الآن لا نعرفه أكثر " , و بعد ذلك بعد حوار له مع المسيحيين المتهودين المعتدلين ( الحزب البطرسى ) , ربما وصل الى قناعه أن الواقعيه التاريخيه التى تهتم بحياة المسيح الأرضيه لها شرعية مهما كان الأمر , و أن هذا يحدث توازنا مفيدا يضاف الى السمو الروحى لأتباع أبولوس . و بالتالى نجده فى رسالته الى روميه يدمج ما بين الطريقه التاريخيه و الواقعيه مع ميوله المثاليه كما لو أنه يستجلب الأولى الى واجهة المشهد , جاعلا اياها تعلى من قيمة الثانيه عن طريق المقارنه , و بالتالى فالمسيح بلا شك هو ابن لداود بحسب الجسد , و لكنه ابن الله بواسطة روح القداسه , و هو من نسل آباء اسرائيل بحسب الجسد و بالتالى ينتمى للأمه اليهوديه , و لكنه فى نفس الوقت الرب الإلهى فوق الكل , سواء كانوا يهودا أو أمميين .



    و بخصوص الناموس , ففى رسالة غلاطيه , كان بولس قد وضعه - فيما يتعلق بأجزائه الطقسيه - على قدم المساواه مع العباده الوثنيه , و سمى هذا النظام القانونى " لعنه " مضادة لروح المسيح , و لكنه الآن يرفض فكرة أنه يعتبر الناموس جسدى و غير نقى أو مبدأ للخطيه , فعلى العكس يقول أن الناموس روحى و مقدس , بار و صالح , و أن النتائج الكارثيه السبب فيها طبيعة الانسان الجسديه . إنه لا يعلن هنا أن الإلتزام بالناموس و الأصوام و الأطعمه يعد سقوطا بعيدا عن المسيح بعكس ما قاله فى رسالة غلاطيه , بل يعترف أن الشكاك أو " الضعيف " يمكنه أن يحافظ على الموانع و الممارسات للرب , و بالتالى أعلن أن كل انسان يمكنه أن يحتكم الى ضميره فى مثل هذه الأشياء , و أنها لا تستلزم التعنيف أو أن يقال عنها أنها أمور غير مسيحيه , و فى الواقع فإنه يجعل هذه واجبا على معتنقى الرؤى المتحرره أو " الأقوياء " أن يتعاملوا بتساهل أو تسامح مع الضعفاء .


    هذه التغير الملحوظ قد نجد تفسيرا له فى سببين , الأول يتعلق بظروف الكنيسه الرومانيه , التى لم يعد " الناموسيون " يلعبون فيها دور المهاجم و المضطهد , بل صاروا هم من يقع عليهم الاضطهاد , و السبب الثانى يعود الى خبرة بولس فى كورنثوس , حيث لم يستطع تفادى أن وجهة نظر المسيحيين المتهودين المعتدلين لها جانب صحى يستحق الانتباه .


    نجد آثارا لهذا فى التحذيرات العمليه فى رسالته الى روميه , و هى لا تساعدنا فقط فى فهم الوضع فى كنيسة روما , بل و تعطينا أيضا معلومات بخصوص وضع الأشياء فى كورنثوس بعد وصول بولس الأخير هناك . هذه الآثار تظهر تفاعلا داخل الأحزاب المتطرفه , و تقاربا داخليا ما بين تلاميذ بطرس و تلاميذ بولس من أجل وحدة الكنيسه . هذه النزعه السلاميه نلاحظها بأكثر وضوح فى نقاشنا للنقطه الثالثه من مواقف بولس السابقه , ففى رسالة بولس الى غلاطيه , أعلن بولس أن أبناء ابراهيم - أى شعب اسرائيل - مرفوضون , و محرومون كأبناء الجاريه , و أن أبناء ابراهيم الروحيين هم أبناء الحره و هم المؤمنون الأمميون , و هم الورثه الشرعيون , و أكد كلامه الحاد هذا من عام لآخر من خلال نتائج كرازته , التى شكلت صدمة شديده للمسيحيين المتهودين , الذين لم يستطيعوا أن ينسوا أن المسيح نفسه خرج من اسرائيل , و أن الوعود لاسرائيل ينبغى أن تتحقق فى مملكته , ولم يستطع بولس أن ينكر وجاهة هذا الشك , بما أنه قد اشترك بنفسه متألما فى الحزن لعدم ايمان اسرائيل .



    فى نقاشه لهذه النقطه ( روميه 9 ) , طرق على مسمار آخر غير الذى طرقه فى رسالته الى غلاطيه , فقد طمأن المسيحيين المتهودين المخذولين فى روما أنه متعاطف مع شعبه , الذين لهم الناموس و المجد و المواعيد و خدمة الله , الذين جاء المسيح من نسل آبائهم بحسب الجسد . و بهذا الخصوص لا يمكن أن تصير مواعيد الله سدى , فقال بولس " فالله لم يرفض شعبه الذين عرفهم " , و بالتالى سحب بولس كلامه عن " رفض " أبناء ابراهيم الذين بحسب الجسد .


    لقد تعثرت اسرائيل حقا عند صخرة العثره , و هى صليب المسيح و التبرير بالإيمان , و لكن لا يمكن أن تسقط و تظل هكذا للأبد , بل فقط لتسمح بدخول الأمميين الى الملكوت المسيانى , و عندما أدت خسارة اسرائيل الى كسب الأمميين , فإن الأمميين سيردون لهم الجميل بنفس الطريقه , و بالتالى فعدم ايمان اسرائيل حاليا لا يعنى أن الله قد رفضهم , بل فقط نحاهم مؤقتا من أجل خطة الخلاص العالمى , و فى النهايه سيحظى الجميع بنعمة الله . و حقا , صار الأول آخرا , و الآخر أولا , و قطعت فروع الزيتونه لشعب اسرائيل لتسمح بنمو فروع الأمميين , و لكن هذا لا يعنى أن يفتخر الأمميون على اسرائيل , بل عليهم أن يتذكروا أن الله قادر أن يقطعهم أيضا و ينبت اسرائيل مرة أخرى .


    و بالتاليه فالعالميه البولسيه التى بدى فى رسالته الى غلاطيه أنها تدير ظهرها ضد اسرائيل , تلتفت بوجهها الآن فى صالحها فى هذه الرساله , التى أرادت طمأنة من جرى تهميشهم , و بث التواضع فى أولئك الذين صاروا فى المقدمه , و بالتالى يتحد الجميع فى رابطة أخويه فى كنيسة الله , التى لا تفرق بين يهودى أو يونانى , و كانت هذه هى أنضج ثمره للنزاع الذى دار بين رسول الأمميين و المسيحيين المتهودين , و كان هذا فى نفس الوقت الشهاده التى تركها بولس للكنيسه العالميه الناشئه .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2005
    المشاركات
    363
    آخر نشاط
    19-09-2011
    على الساعة
    02:23 PM

    افتراضي


    المحاضره الرابعه : المصالحه بين البولسيه و المسيحيه المتهوده :




    تعرضنا فى المحاضره السابقه للنزاعات بين بولس و المسيحيين المتهودين , كيف نشأت فى أنطاكيه و بلغت ذروتها بعد ذلك فى غلاطيه و كورنثوس , و بعد الانتصار على الخصوم فى كورنثوس صارت العلاقه أكثر هدوءا و تصالحا كما وجدنا هذا فى رسالة روميه , و نجد استمرارا لهذا النهج السلامى أثناء حبس بولس فى روما , و نستخلصه من الرساله الى فيلبى التى كتبت فى روما . لقد اشتكى بولس فى رسالته تلك أيضا من خصوم شخصيين يكرزون بالمسيح منازعين و حاسدين , و لهم نوايا سيئه ضد بولس , و لكنه على الرغم من ذلك يقر - بخصوص هؤلاء الخصوم - أنهم يكرزون حقا بالمسيح , و أنه حتى مسرور بعملهم , لأنهم على أى حال يخدمون الهدف الأكبر .


    يا له من أسلوب هادىء يختلف عن أسلوبه الحاد الذى واجه به خصومه فى غلاطيه و كورنثوس قائلا أنهم يكرزون بمسيح آخر و انجيل آخر . و لكن هنا يبرز سؤال و هو " هل هذا التغير سببه التغير فقط فى مشاعر بولس أم أن المسيحيين المتهودين لم يعودوا يكرزون بمسيح مضاد للمسيح البولسى ؟ و أنهم قد اقتربوا و تعلموا و توافقوا معه ؟ " .


    ان النبره التى نجدها فى رسالة روميه و رسالة فيلبى ترجح أنه قد حدثت إذابه للفروقات فى التربه الرومانيه و بدأت حركة مصالحه , و يمكننا أن نجد دليلا على هذا فى أول كتاب فى العهد الجديد لكاتب من المسيحيين المتهودين , و الذى كتب بعد سنوات قليله من مغادرة بولس لمسرح أعماله الأرضيه , و هو كتاب رؤيا يوحنا .

    من المتفق عليه حاليا أن هذا السفر قد كتب حوالى عام 68-69 م , و لكنى لا أرى محتملا أن يكون الرسول يوحنا هو المؤلف كما يفترض عادة , ليس فقط لأن الكاتب لا يسمى نفسه " رسولا " فى أى موضع , بل أنه يتحدث عن الاثنى عشر رسولا بطريقه لا يمكن أن تفهم على أنه واحد منهم , بل إنه يفترض موتهم كحقيقة مستقره . و أيضا بخصوص القضاء الذى يقع على روما فى سفر الرؤيا اصحاح 18 , الذى يترك انطباعا أنه شاهد عيان على حريق نيرو و اضطهاد المسيحيين التالى لذلك .


    لهذه الأسباب , أرى أن كاتب رؤيا يوحنا هو مسيحى متهود كان فى روما , و ذهب الى آسيا الصغرى , ربما هربا من اضطهاد نيرو ( 64 م ) , و تقابل مع الكنائس هناك , و الآن عندما اقترب سقوط أورشليم , وجه عينه النبويه صوب هذا الاتجاه و أيضا تجاه روما , بحيث صارت ذكرياته عن الرعب فى روما تحت نيرو رمزا للقضاء الآتى على بابل المتكبره و الخاطئه .


    اذا كان هذا الافتراض - الذى لا أشك فيه - صحيحا , فلا بد أن مؤلف هذه الرؤيا بوصفه عضوا فى كنيسة روما بين أعوام 62 - 64 م كانت له صلة بالرسول بولس , و بما أن كاتب سفر الرؤيا كان رجلا بارزا , فلا بد أنه لعب دور القياده لحزبه , و لدينا كل الحق أن نفترض أنه كان من صفوة النخبه من المسيحيين المتهودين فى روما , الذين يعبر بولس عن رأيه فيهم فى رسالته الى فيلبى , مشتكيا منهم أحيانا و معترفا بهم أحيانا .


    اتهم بولس خصومه هناك أن أعمالهم يشوبها الحسد , و أن نيتهم سيئه تجاهه , بل يريدون أن يسوء وضعه و يصير أكثر ايلاما مما هو عليه , و لا بد أنهم فعلوا ذلك مدعين أن مبدأه فى التحرر من الناموس هو المسئول عن التجاوزات الأخلاقيه للمسيحيين الأمميين , و هو الأمر الذى أضر طبعا بمسار محاكمته .


    فى نفس الوقت , يعترف فرحا , أن هؤلاء الخصوم يكرزون بالمسيج , و الذى كان بالتأكيد هو نفس مسيح انجيله , الرب الذى هو روح , و ليس مجرد المسيح بحسب الجسد الذى كان يكرز به المتهودون فى كورنثوس معارضين به مسيح بولس الذى بحسب الروح . و بالتالى رأى بولس أن الإيمان الروحى بالمسيح يوحد بينه و بين خصومه فى روما , بينما استمر حسدهم له و استمر ارتيابهم من مبدأه المتحرر من الناموس .


    عندما ننظر متفحصين الى علاقة كاتب رؤيا يوحنا ببولس , فإننا نجد نفس الملامح التى وصف بها بولس خصومه فى روما . من الواضح أن هذا المؤلف لا يتخذ موقفا وديا تجاه بولس , فقد قال أنه مكتوب على جدران أورشليم الجديده أسماء الرسل الاثنى عشر , الذين يمثلون أسباط اسرائيل الاثنى عشر , و لم يجعل مكانا لرسول الأمميين , بل انه أمر غامض جدا ما اذا كان قد اعتبره رسولا أصلا , و اللغه المستخدمه الى كنيسة أفسس ترجح أنه لم يعتبره رسولا من الأصل .

    عندما نسمع اطراءا على هذه الكنيسه بأنها لا تقدر أن تحتمل الأشرار , و قد جربت القائلين أنهم رسل و ليسوا رسلا فوجدتهم كاذبين , و أنها كرهت أعمال النقولاويين التى أبغضها المسيح أيضا , فمن الصواب أن نفترض أن المقصود هم البولسيون الذين يحتجون بسلطة بولس و الذين أفسدوا مبدأه " كل الأشياء طاهره " , و اتخذوه تكأة لانغماسهم فى أعمال الجسد و لاستمراراهم فى الممارسات الوثنيه , مثل الاشتراك فى الأعياد الذبائحيه لآلهة الوثنيين , و السلوك غير العفيف .


    و لكن النقطه المهمه , هى أن بولس نفسه كان قد أعلن حكما مغايرا على هذه الأشياء , و أدانها بكل شده , و لكن كاتب رؤيا يوحنا يتجاهل هذا بالكليه , بحيث أن القارىء لن يفهم أن الإدانة موجهه لهؤلاء البولسيين فقط , بل ما سيفهمه أنه يدين بولس نفسه أيضا . و بالتالى فهذا الكاتب يخلط بين وجود مبدأ معين و بين سوء استخدامه , و كذلك يلقى بوزر ممارسات أعضاء حزب معين على أكتاف قادته الذين قد يكونون بريئين تماما من هذه الممارسات . لقد كان هذا أحد تكتيكات حزب المسيحيين المتهودين فى روما , و الذى اشتكى منه بولس سابقا هناك , كما رأينا هذا فى رسالة فيلبى .


    و لكننا نجد أيضا فى رؤيا يوحنا فهما مثاليا للمسيح , و هو الأمر الذى اعتبره بولس موحدا له مع خصومه فى روما . فمثل ما نجده فى الكريستولوجى عند بولس , نجد أيضا أن كاتب رؤيا يوحنا ينادى بالموت الكفارى و المجد السماوى للمسيح , بينما يشير لحياة يسوع الأرضيه فقط عندما يصف المسيح بأنه من " نسل داود " و أنه " أسد يهوذا " , تماما كما ربط بولس فى رسالته الى روميه بين قدوم المسيح من نسل داود و بين بنوته الإلهيه . و كما سمى بولس المسيح " فصحنا المذبوح لأجلنا " , كذلك فان كاتب رؤيا يوحنا يصفه ب "الخروف المذبوح لأجلنا " , و يجد فى موته دليلا على المحبه و تطهيرا من الخطايا , و فديه لتخليصنا أمام الله .


    و كذلك , كما يسمى بولس المسيح باكورة الراقدين , كذلك يسميه كاتب رؤيا يوحنا باكورة الأموات , و كما يرى بولس أن المسيح رفع الى كرامة السيطره الإلهيه على الجميع , فكذلك يرى كاتبنا أن المسيح جلس على العرش بجوار أبيه , مشتركا بذلك فى السيطره و القوه الإلهيه , انه الرب على الكنائس , يمسك نجومها و ملائكتها الحارسه فى يده , و هو الحاكم على الأمم و ملك الملوك , الحكيم و القاضى القوى على الأمم , بل و مستحق للعباده بصورة تشابه ما يقدم لله نفسه .


    اذا كان مؤلف سفر الرؤيا فى تأليهه
    apotheosis للمسيح جاعلا اياه مستحقا للعباده يتجاوز ما وصل له بولس , إلا أنه فى تعريفه العقيدى لطبيعة المسيح لا يتخلف عن الرسول بولس , فهو يسمى المسيح مثل بولس " ابن الله " بالمعنى الميتافزيقى لكائن روحانى شبيه بالله , و أبعد جدا عن مجرد الأهميه الثيوقراطيه لهذا اللقب . و كما قال بولس " الرب هو روح " , فكذلك مؤلفنا يصف المسيح بأنه روح , أو المبدأ السماوى للوحى الذى يتحدث الى الكنائس و يحكم فيهم .


    و كما رأى بولس فى رؤيا أن المسيح هو الانسان من السماء فى ضوء و مجد سماوى , كذلك فإن كاتبنا يرى المسيح فى صورة فوق-عالميه شبيها بابن الانسان , و وجهه يضىء كالشمس . و كما وصف بولس سابقا ابن الانسان بأنه صورة الله , و وكيل الخلق , و رأس كل انسان , بل وفى النهايه هو الله فوق الجميع , فبنفس الطريقه يقدم مسيح سفر الرؤيا نفسه بصفات الفخامه الإلهيه " أنا الألف و الياء , قال الرب الإله , الكائن و الذى كان و الذى سيأتى , الكلى القوه " , و وفقا لذلك يدعى أيضا " رأس الخليقه " و " كلمة الله " , و الأداه الوساطيه لكل الوحى الإلهى من أول خلق العالم حتى الحكم الأخير .


    يظهر مما سبق أن التشابه فى الكريستولوجى بين سفر الرؤيا و الكريستولوجى عند بولس تشابه تام , فهذا المسيح يحتل موقعا عاليا مثل الذى نجده فى مسيح بولس الذى له قدر يفوق ابن الانسان الأرضى . هل يمكن أن تكون وجهة النظر هذه لدى رجل عاش و تحدث مع المسيح ؟ . أعتقد أننا بهذا نملك دليلا آخر على أن مؤلف سفر الرؤيا ليس هو يوحنا الرسول . و لكن اذا كان المؤلف مسيحى متهود فى روما - لا شك فى هذا بسبب ما نجده فى الكريستولوجى الخاص به - فإن التشابه الداخلى فى سفر الرؤيا مع عقيدة بولس يظهر لنا أن أصل هذا التشابه يعود مباشرة الى تأثيرات بولسيه .



    اذا افترضنا أن الأمور على هذا النحو , يمكننا أن نفهم لماذا كان بولس سعيدا بكرازة خصومه بالمسيح , فعلى الرغم من موقفهم العدائى تجاه شخصه , إلا أنه رأى خصومه يسيرون على خطاه , و هذه هى قوة الشخص العبقرى فى التاريخ , أن يجبر ألد أعدائه أن يسيروا ضد إرادتهم , و فى الواقع فإن كاتب سفر رؤيا يوحنا قد صار أفيد مناد بالفكره البولسيه عن المسيح , بوضعها فى قالب شعرى نبوى , مما جعل لها تأثيرا على الرومان و اليونان بدرجة لا تقل عن تأثيرها على العقل اليهودى . و بالتالى فقد توفر بهذا لدى الأحزاب فى المسيحيه الناشئه مركز التقاء لتقريب وجهات النظر اللاهوتيه المختلفه , فى اللحظه التى تهددها خطر الانشقاق الدائم بسبب مسألة صلاحية الناموس .



    إن نتائج هذا الاجماع فيما يتعلق بالسؤال المهم عن الكريستولوجى تتضح أكثر شىء فى حالة مؤلف سفر الرؤيا نفسه , فى نبرته المعتدله فى حديثه عن صلاحية الناموس , فعلى الرغم من صرامة تفكيره اليهودى و تشككه فى المبدأ المثالى المتحرر من الناموس الذى نادى به بولس , الذى رآه يتحول الى رخصة وثنيه لأعمال الجسد , الا أنه على الرغم من ذلك بعيد جدا عن النظره القاهره غير المتسامحه التى تمتع بها الغيورون على الناموس فى أنطاكيه أو غلاطيه , فلم يقل فى أى موضع بضرورة الختان أو المحافظه على الأعياد اليهوديه , بل على العكس , يعلن بوضوح للحزب المعتدل من المسيحيين الأمميين فى ثياتيرا - الذين بخلاف الحزب المتحرر المتطرف صاحب الأعمال الجسديه - أنه لن يضيف عليهم عبئا جديدا , و لكن عليهم فقط أن يلتزموا بسلوكهم الجيد .


    ما هذا السلوك الذى أمر به ؟ , انه لا يتحدث عنه بوضوح , و لكنه يتركنا نستنتجه من معارضته للممارسات الشريره , و من الأشياء التى يحث عليها فى سفر رؤيا يوحنا . لقد كانت الامتناع عن العباده الوثنيه و عدم العفه لا غير , و ليست المبادىء الأساسيه الدينيه و الأخلاقيه التى كانت تطلب سابقا من المهتدين اليهود الجدد , و التى كانت تطلب بعد ذلك من المسيحيين الأمميين .


    يعد كاتب سفر رؤيا يوحنا هؤلاء المسيحيين الأمميين الذين يتمسكون بهذا المبدأ البسيط للأخلاق المسيحيه , و يحافظون على كلمة و أعمال المسيح , أى السلوك المسيحى المخلص وسط الاضطهادات و المعاناه , يعدهم بتاج الحياه , و مكانا فى حفل عرس الخروف , و اشتراكا فى سيطرة المسيح العالميه , بينما يدين اليهود الذين عادوا المسيح واصفا اياهم بأنهم يهود كذبه و من مجمع الشيطان . و بالتالى فقد خرج كاتبنا من اطار الخصوصيه اليهوديه , الا أنه لا يمكننا أن نقول أنه يسير وفق العالميه البولسيه حتى الآن , بما أنه مثل الأنبياء لا يزال يجد فى اسرائيل العنصر الأساسى فى الثيوقراطيه , و الذين يجىء اليهم كل الأمم فيشتركون فى هذه المزايا بشكل جزئى .


    على الرغم من ذلك , فقد لاحظ فى هذه الجموع من الأمميين إخوة مسيحيين حقا " غسلوا ثيابهم و بيضوا ثيابهم فى دم الخروف " , و " الخروف الجالس فى وسط العرش يرعاهم و يقتادهم الى ينابيع ماء حيه " . لقد كتب بولس نفس الشىء الى أهل كورنثوس أنهم غسلوا أنفسهم و تبرروا باسم الرب يسوع المسيح , و بروح الإله . و بالتالى يتفق كاتبنا المسيحى المتهود مع بولس فى كلامه عن التطهير للجميع عبر الايمان بالمسيح , بما فى ذلك الأمميين , و لكن لا بد أن نعترف فى نفس الوقت أنه يفترض أن أولئك المدعوين الى عرس الخروف يلبسون بزا نقيا بهيا , و أن هذا البز هو تبررات القديسين , أى أن بر أعمال الناموس شرط لا غنى عنه للاشتراك فى الخلاص المسيانى و سيظل الأمر كذلك , و يعتبره الكاتب المعيار الواقعى للأخلاق و يؤكد على هذا , أمام ما يراه من مثالية البر بالإيمان التى تأخذ منحى خطرا عند كثير من البولسيين .



    و نفس هذا الموقف نجده أيضا عن مؤلف رسالة يعقوب , الذى يبتعد فى موقفه عن بولس أكثر و أكثر من موقف كاتب رؤيا يوحنا , فبعكس هذا الأخير , لم يترك كاتب رسالة يعقوب أى لمحه من الكريستولوجى الخاص ببولس , و بينما لا يعارض كاتب سفر رؤيا يوحنا فى أى موضع بولس بطريقة مباشره و مكشوفه , فمن الصعب أن نتخيل أن كاتب رسالة يعقوب فعل نفس الشىء .

    ربما أن هجومه على عقيدة بولس فى التبرير , تسبب فيها استفزازت من البولسيين الذين عبر ثقافتهم اليونانيه أفرغوا الايمان من معناه العميق , محولين اياه الى مجرد ايمان أو عقيده أو صيغه مذهب أو فكره فلسفيه مدرسيه , و بالتالى همشوا فى خلفية الصوره جملة و فى نفس الوقت كلا من الميستيكيه الدينيه و القوه الأخلاقيه للإيمان اللذان كانا فى الحس البولسى الأصيل .


    ربما يقبل هذا على أنه المناسبه التى أدت الى كتابة رسالة يعقوب , الا أنه لا يوجد مجال للشك أن يعقوب فشل أن يميز بين عقيدة الإيمان المشوهه التى يحملها هؤلاء البولسيين , و بين فكرة بولس نفسها عن هذه العقيده , و بدون شك فقد فهم بولس فى ضوء عقيدة البولسيين , و بالتالى ففى هجومه على البولسيين وجه ضرباته أيضا الى بولس .


    عندما يقول كاتب رسالة يعقوب ( رسالة يعقوب 2-24 )" ترون اذا أنه بالأعمال يتبرر الانسان , لا بالإيمان وحده " , فإن أى قارىء غير متحيز سيرى فى هذه الكلمات معارضه جدليه ضد ما قاله بولس فى ( روميه 3- 28) " اذا نجسب أن الانسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس " , و لا يمكن أن يكون الأمر مجرد صدفة عارضه أن كل منهما يؤيد موقفه من خلال تاريخ ابراهيم .

    و بينما يرى بولس فى المؤمن خليقة جديدة فى المسيح و نال الروح من الله , و يشعر بقوتها فى طاقة الحب التى تجلب معها اتمام الناموس , يرى يعقوب أن ايمانا مثل هذا ميت و لا قيمة له , و جسد بلا روح , لا بد أن تبث فيه الحياه من خلال الأعمال , و بالنسبة لايمان ميت مثل هذا - حتى الشياطين قد تحظى به - لا يمكن أن يتم التبرير الذى وعد به بولس كثمرة له , و لا يمكن أن يعتبر هو الايمان المسيحى الأصيل .


    إن الأساس لهذا الزعم يقع أول ما يقع فى سوء الفهم لطبيعة الإيمان , أو لنكون أكثر تحديدا , سببها أن كاتب رسالة يعقوب لم يفهم العمق الدينى لفكرة بولس عن الإيمان , و كذلك لم يفهم الكريستولوجى عند بولس . لا بد أن نبحث عن الأساس الأعمق لهذا الزعم فى اختلاف طبيعة كلا الرجلين , فالمستيكيه و المثاليه عند بولس قابلتها الواقعيه و الفهم العملى عند يعقوب الذى أعطى السلوك الأخلاقى المستقيم أهمية خاصه . و بخصوص وجهة نظر يعقوب تلك , فعلى نحوها لم يكن يمكن للمسيحيه أن تكون دينا عالميا أو دينا يختلف عن اليهوديه .


    الخطوات التاليه فى المصالحه ما بين بولس و المسيحيه المتهوده , و التى لا تزال تقابلنا فى رسالة يعقوب بقوه , تحققت جزئيا فى اطار اللاهوت الغنوصى , الذى شارك فيها النظام الدينى السكندرى بعناصر جديده لها قوه كافيه لتوحيد العناصر المقاومه , و جزئيا و خصيصا فى مجال قصة الإنجيل . و فى هذا المجال الأخير كانت الكنيسه فى روما هى الروح المحركه منذ البدايه .


    بحسب التقليد الكنسى , فإن أقدم أناجيلنا كتب فى روما بواسطة مرقص تلميذ بطرس , بعد موت بطرس و بولس . ربما هناك شك لسبب أو لآخر أن يكون مؤلف هذا الانجيل تلميذ مباشر لبطرس , و أنه كتب كلام بطرس بدقه ( كما يقول بابياس ) , و لا يمكن أن يعتبر ذكر مرقص فى رسالة بطرس الأولى ( العدد 13 ) دليلا حاسما ينصر هذا الرأى , لأنه من المفهوم أن ذكر مرقص ههنا هو الذى حرك التقليد الذى ربطه ببطرس . و لكن و من ناحية أخرى , لا يوجد سبب للشك فى وجود مرقص فى مجتمع بولس أثناء حبس الأخير فى روما .


    فى الواقع , هناك الكثير مما يمكن قوله فى صالح نسبة هذا الانجيل لتلميذ بولس هذا , لأننا نجد بهذا الانجيل عدة عناصر من التأثيرات البولسيه . إن العباره التى تقابلنا فى بدايات انجيل مرقص و التى يلخص فيها الهدف من كرازة يسوع " قد كمل الزمان , و اقترب ملكوت الله , فتوبوا و آمنوا بالإنجيل " تذكرنا بأساليب التعبير البولسيه ( غلاطيه 4-4 , 3-26 ) . ثم يبدأ الإنجيلى بعدها حديثه عن أعمال يسوع بسلسله من الشفاءات العجيبه , و الأحاديث الجدليه ليسوع , بحيث يعبر بها منذ البدايه عن الاختلاف العميق بين روح الانجيل الحره و القانونيه اليهوديه الصارمه , و على سبيل المثال , فى قصة الشفاء يوم السبت , جعل كاتب الانجيل يسوع يقول " جعل السبت من أجل الانسان و ليس الانسان من أجل السبت , و لهذا فإن ابن الانسان هو رب السبت أيضا " , و هى العباره التى لا نجد لها نظيرا فى الأناجيل الأخرى , بينما نجد انجذابا واضحا بينها و بين اعلان بولس " الرب روح , و حيثما تكون روح الرب فهناك الحريه " .


    ليس المقصود ههنا أن نشكك فى أن يسوع التاريخى نطق بمثل هذا الوصف , فعلى العكس من المحتمل جدا أنه فعل هذا , و لكن بمقدار ما افتقدت الروح اليهوديه لكنيسه فلسطين القوه لتقدر معارضة يسوع الاصلاحيه لليهوديه , بمقدار ما كان مهما للمسيحيه أن يفتح مرقص الإنجيلى عينيه و أن يتدرب فى مدرسة الرسول بولس ليرى المبدأ الجديد فى كرازة و تعليم يسوع .


    إن عقيدة سبق التعيين للبعض و تقسية البعض ( فى الأمه اليهوديه ) , و التى تميز بها بولس , نجدها أيضا فى انجيل مرقص فى عبارة بولسية أصيله ( مرقص 10-40 , 9-11و 12 , قارن هذا بروميه 9- 23 , 11-8 ) . و مما يميز هذا الإنجيلى البولسى أنه كان يأخذ كلمات بولس التى قالها فى رسالته الى روميه عن اصرار و عدم ايمان اليهود , و يضعها فى فم يسوع عندما يشتكى من نقص الإيمان و الفهم فى تلاميذه , و التى لم يكل مرقص من وضعها فى كل فرصة تسنح له بذلك ( مرقص 8-17 و 18 , مرقص 9-19 ) .


    كذلك فإنه يعطى أهمية خاصه لعدم فهم التلاميذ و تحيرهم بخصوص أهم نقطتين فى فكر بولس , أى كلمة الصليب و قيامة المسيح , فعلى الرغم أن يسوع كما يؤكد مرقص تحدث عن موته و قيامته بشكل علنى غير متحفظ , الا أنهم ظلوا على الرغم من ذلك فى جهل بخصوص هذا الأمر , و خافوا أن يسألوه , لأنهم و خصيصا بطرس لم يكونوا يهتمون بما لله بل بما للناس ( مرقص 8-32 و 33 , مرقص 9-32 , قارن هذا برسالة كورنثوس الأولى 2 - 14 و 15 , و روميه 10 - 2 و 3 , و رسالة كورنثوس الثانيه 4-4 ) . و بنفس الطريقه , تكلم يسوع بعد حادثة التجلى عن قيامة ابن الانسان , الا أن التلاميذ تحيروا فى أنفسهم و تساءلوا " ما هو القيام من الأموات " ( مرقص 9- 10 ) ,


    ربما تتوجه سهام النقد بالشك الى هذه التنبؤات عن الصلب و القيامه , الا أنه من المؤكد على أى حال أنه لو كان يسوع تحدث علانية عن أمر مثل هذا كما يحكى مرقص , فمن الصعب أن نفهم هذا النبلد المستمر فى فهم التلاميذ لمثل هذه الأقوال , و بالتالى فنحن مجبرون أن نرى فى كلام مرقص هذا مبالغة كبيره , و يجب البحث عن سبب هذا فى نظرة و مدى تقدير مرقص لهؤلاء الرسل الأوائل . و الآن , عندما نعلم أن الفهم لمعنى موت المسيح و قيامته هما حجر الأساس لفكر بولس , يتضح لنا ما قصده مرقص , عندما أكد مرارا و تكرارا على عدم فهم التلاميذ لهذه القضايا .

    و ربنا نجد هنا فقط مفتاح الحل لقصة التجلى , فمن الواضح جدا أنها قصة مثاليه idealistic narrative , وفرت رؤيا يوحنا و الكريستولوجى عند بولس عناصرها , فكما وضع بولس المجد الخالد لله على وجه يسوع , مقارنة بالمجد المؤقت على وجه موسى , و استنتج من ذلك القدر الأقل و الأهميه المؤقته للعهد القديم و الحرف , مقارنة بالمجد الأعلى و المستمر للعهد الجديد و الإنجيل و الروح . ( كورنثوس الثانيه 3 - 7 الى 11 , 4-6 ) . بنفس الطريقه تضع القصه المجازيه لمرقص يسوع المتجلى جنبا الى جنب مع ممثلى العهد القديم موسى و ايليا .


    و لكن ما علاقة التلاميذ بهذه الرؤيه المجازيه ؟ , لقد رغب بطرس أن يصنع مظالا للسكن الدائم لهؤلاء الثلاثه , بمعنى أنه يرى المؤقت و الدائم , القديم و الجديد , الحرف و الروح , متصاحبان فى كل وقت " لأنه لم يكن يعلم ما يتكلم به , اذ كانوا مرتعبين , و كانت سحابة تظللهم " ( مرقص 9- 6 و 7 ) . انك تجد هنا التفسير المجازى لكلام بولس " بل أغلظت أذهانهم , لأنه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق , باق غير منكشف , الذى يبطل فى المسيح " ( كورنثوس الثانيه 3-14 ) .


    و كما كان التلاميذ غير قادرين على فهم معنى التجلى ( القيامه ) , أى أن يسوع قد صار الرب , الذى هو روح و حريه , كذلك لم يمكنهم أن يفهموا الغرض الحقيقى لله , بخصوص نطق الكتب المقدسه عن معاناة ابن الانسان ( مرقص 9- 12 و 32 , قارن هذا بكورنثوس الثانيه 4 - 4 , 5 - 16 و 17 , غلاطيه 6 - 12 ) .


    و فى هذا الموقف خصيصا , لم يقدروا أن يطردوا الأرواح الشريره باسم يسوع , و بالتالى فعلى الرغم من ملازمتهم الطويله للمسيح , الا أنهم لا يزالون يفتقدون للحقيقه ( الإيمان ) . بينما هناك رجل آخر لم يكن برفقة تلاميذ المسيح , يطرد الشياطين باسم المسيح و يصنع معجزات , و لهذا السبب يعترف به يسوع كتلميذ ( مرقض 9 - 38 و 39 ) .


    و بالتالى فإن مرقص ( الإنجيلى البولسى ) يجعل يسوع نفسه يدافع عن بولس المحتقر , الذى على الرغم من أنه آخر الرسل إلا أنه عمل أكثر من البقيه الذين استخدموا اتصالهم بالمسيح ضد بولس , و الذين أعلن المسيح أن قلوبهم قاسيه و جيل غير مؤمن و عميان . لقد كان هذا هو الرد البولسى على تعظيم شأن الاثنى عشر الذى ورد فى سفر الرؤيا , على حساب رسول الأمميين .


    بدورها هاجمت المسيحيه المتهوده مستخدمة أسلحة من ترسانة تقليد الإنجيل , فردت بتأليف " انجيل متى " , الذى أدمج مع انجيل مرقص مواد أخرى غزيره , عباره عن أقوال ليسوع , و مأخوذه من التقليد الجليلى , و أحدث هذا الدمج أثرا , بحيث أن كاتب هذا الإنجيل و الذى يفكر بنفس طريقة كاتب سفر الرؤيا , يعارض التحرر البولسى من الناموس , و يعارض الخصوصيه الضيقه لليهود . فى بداية عظة الجبل الطويله , التى لها مكانة هامه فى أعمال يسوع , يدمج الكاتب فى المواد التى أمامه بعض العبارات التى تشير بلا شك الى الرسول بولس " فمن نقض احدى هذه الوصايا الصغرى , و علم الناس هكذا , يدعى أصغر فى ملكوت السماوات , و أما من عمل و علم , فهذا يدعى عظيما فى ملكوت السماوات " ( متى 5 - 19 , قارن هذا برسالة كورنثوس الأولى 15 - 9 , ελαχιστος (




    الأصغر هنا يشير الى بولس فى ملكوت السماوات , مع اشارة واضحة مقصوده لإيمانه الشخصى , لأنه يكسر بتعالميه أصغر الأشياء فى الناموس ( أى الحرف ) . إنه لا ينكر نصيبا له فى الملكوت , و لكن الدرجات و الحقوق المتساويه هى فقط مع الرسل الأوائل , و هى التى ناضل بولس من أجلها طويلا , و لكن هذا مرفوض بالنسبة له عند هذا المؤلف الإنجيلى المسيحى المتهود . و من جانب آخر , يرسم بطرس هنا على أنه " الأول " ( متى 10-2 و 5-19 ) .


    اذا كان بولس أسس رسوليته كاملة بناء على اعلان من الله , معتبرا أن هذا يعوض النقص الواقع من عدم مقابلته المسيح بحسب الجسد , فإن " متى الإنجيلى " على العكس من هذا يجعل هذا الإعلان الإلهى المباشر الذى لم يتم من خلال " جسد و دم " هو الأمر البارز الذى امتاز به بطرس , و لنفس السبب يجعل مفاتيح السماوات لبطرس , و له سلطان الحل و الربط ( أى أن يقنن الأمور الممنوعه و المسموح بها ) , و يقول أن كنيسة المسيح مبنية على صخرته و هو التمجيد " للرسول - العمود " و الذى بلا شك يفتقد أى مصداقيه تاريخيه , الأمر الذى يثبت من خلال الصعوبات الداخليه التى فى الفقره كلها , و كذلك من خلال عدم وجودها فى الأناجيل الأخرى .


    و لكن بينما يهاجم الرسول بولس فى انجيل متى , و يوضع تحت الرسل الأوائل بطريقة غير مباشره , فإن النزعه " المضاده للناموس "
    anti-nomianism البولسيه تهاجم بشكل مباشر و توصف بأنها أمر غير مسيحى , و نجد هذا بأقصى درجه فى ختام عظة الجبل , حيث إن كاتب الإنجيل المسيحى المتهود جعل يسوع يقول " كثيرون سيقولون لى فى ذلك اليوم يا رب يا رب , أليس باسمك تنبأنا , و باسمك أخرجنا شياطين , و باسمك صنعنا قوات كثيره ؟ , فحينئذ أصرح لهم : انى لم أعرفكم قط , اذهبوا عنى يا فاعلى الإثم " . ( متى 7 - 22 و 23 ) . هذه الكلمات تعبر بكل وضوح عن الحكم الذى أصدره المسيحيون المتهودون على أتباع بولس , الذين يعتبرون يسوع ربا لهم , و يصنعون المعجزات باسمه , فالمسيح لن يعترف بهم لأنهم " فاعلو اثم " .


    ربما كان كاتب انجيل متى يفكر أثناء كتابته فى هذه الفقره فى غلاة البولسيين , الذين انغمسوا فى الحريه الوثنيه , إلا أنه لا يعطى أدنى اشاره الى أنه يفرق بين هؤلاء المغالين و الحزب البولسى الحقيقى , و بالتالى ربما أنه نفسه لم يكن يرى فرقا بينهما , و على العكس فقد دحض بوضوح البولسيه و التحرريه , معتبرا كلاهما نتاجا ل " فعل الاثم " الواجب تعنيفه , و الاختلاف الوحيد بينهما فقط فى الرتبه .


    اننا نقابل نفس الشىء فى رؤيا يوحنا , من عدم التفرقه بين النهج الأخلاقى و عدم الأخلاقى للبولسيين , و هذه صفه تميز المسيحيه اليهوديه بصفة عامه , و ذات صلة وثيقه بالمبادىء الأساسيه للدين الناموسى , الذى يرى الناموس ملزما فى كل أجزائه , و انتهاك أى أمر منه يستحق التعنيف مثل أى أمر آخر فيه . وعلى الرغم أنه فى الحياة اليوميه ينبغى السماح ببعض التقييدات لهذا المبدأ , الا أن المسيحيه اليهوديه ليس بوسعها أن تتخلى عن المبدأ بحد ذاته , و بالتالى لم يكن من الممكن المصالحه ما بين البولسيه و المسيحيه المتهوده , و يؤكد هذا الأمر كل منتجات حزب المسيحيين المتهودين فى العصر المسيحى الأول , دون أن نستثنى حتى المنتجات ذات النبره المعتدله التى ينتمى لها انجيل متى .


    إن انجيل متى يبتعد - مثله مثل رؤيا يوحنا - عن الخصوصيه اليهوديه الضيقه . صحيح أنه نقل بعض الأقوال التى أخذت دون شك من مصادر فلسطينيه استخدمها المؤلف , و هذه الأقوال تمنع نشر رسالة يسوع و التلاميذ خارج حدود اسرائيل ( متى 10 - 5 و 6 , متى 15 - 24 و 26 ) , و لكن بجوار هذا المنع الواضح , نجد فى قصة المرأه الكنعانيه و قصة قائد المائه نماذجا للإيمان الأممى , تعرض لتخزى اليهود غير المؤمنين , و نجد فى العديد من الأمثال دعوة الأمميين بدلا من اليهود , الذين رفضوا الدعوى التى كانوا أول من تلقاها , و كذلك ما نجده عند مغادرة المسيح فى الكلمات التى وضعت على لسانه " فاذهبوا و تلمذوا جميع الأمم , و عمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس " .


    إن سلوك الرسل الذى خالف هذا الأمر يدل على أنهم لم يسمعوا به , و بالتالى لا بد أن هذا الأمر منشأه يعود الى فترة لاحقه , عندما كتب مؤلف انجيل متى انجيله , و عندما لم يعد بوسع المسيحيين المتهودين أن يسابقوا أو يتجاهلوا النجاحات التى حققتها الكرازه للأمم , و ربما وجدوا من مصلحتهم أن ترتكز هذه النجاحات على شرف الرسل الأوائل , كما ترتكز على بولس , و ترتكز عليهم قبله .


    و لكن بأى مفهوم و تحت أية شروط أمكن لكاتب انجيل متى أن يقنن الكرازه للأمم ؟ , إنه يقول " و علموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به " . و كلمة " جميع " تشير الى صلاحية كل أجزاء الناموس عنده , و صلاحية أصغر حرف فيه بحيث لا يكسر كما قلنا قبل ذلك , و هو نفس الشىء الذى يقصده فى مثل " عرس ابن الملك " , الذى يذكر فيه انسانا دخل دون أن يكون عليه لباس العرس . ان تفسير هذا الأمر نجده فى رؤيا يوحنا , و التى استقى منها الإنجيلى دون شك هذه الصوره , ففى العرس المسيانى , تلبس امرأة الخروف بزا نقيا بهيا الذى هو " تبررات القديسين " ( سفر الرؤيا 19 - 8 ) .


    و بالتالى فمعنى المثل الذى ذكره متى , أنه سيسمح لكل الناس بالدخول الى الملكوت المسيانى , بما فى ذلك الأمميين , و لكن بشرط أن يثبتوا استحقاقهم لهذا الشرف عن طريق محافظتهم على الناموس ( ككل دون استثناء أصغر عنصر منه , الأعداد 18 و 19 ) . و يمكننا أن نرى كيف أن هذه العالميه تختلف عن نمط العالميه التى نادى بها بولس .


    بينما عبرت المسيحيه المتهوده عن نفسها فى انجيل متى , عادت البولسيه لتعبر عن نفسها فى انجيل لوقا الذى كتب بعد ذلك , على الرغم من اعترافنا أنها ليست البولسيه النقيه التى نادى بها بولس , بل البولسيه المسالمه التى أتت فى العصر التالى لبولس , التى لم تواجه المسيحيه المتهوده بعنف , بل كان توجهها فى الأكثر ضد اليهود غير المؤمنين , بينما كانت على وفاق مع المسيحيه المتهوده المعتدله .



    لقد تعاطف كاتب انجيل لوقا مع الكنيسه العالميه الناشئه , و لقد تحدث فى تعليق له عن نشأة المسيحيه أضاف فيه بعض العناصر الضروريه من زمنه , و لهذا السبب , فقد كتب انجيله - أبعد أكثر مما فعل سابقيه - تحت تأثير اعتبارات مثاليه للطبيعه الدينيه العقائديه و العمليه , فقد جرى رسم مفهوم بولس عن المسيح بألوان بديعه من الأدب الرؤوى , مؤسسا على العديد من التقاليد التاريخيه المتنوعه .


    يحكى هذا الإنجيل حياة يسوع قبل تفاصيل أعمال كرازته بشكل أوسع مما يفعل انجيل متى , و عبر عن الأفكار البولسيه بشكل رائع و فى شكل شعرى بديع , مثل " ابن الله بحسب روح القداسه " , " الرجل الثانى من السماء " , " الذى فى ملء الزمان ولد من امرأه تحت الناموس ليخلصنا " . فى الواقع فإنه استخدم فى القصص و التراتيل لقصة الميلاد و طفولة يسوع أجمل أزهار الشعر الدينى . و بينما جعل متى كرزاة يسوع تفتتح بالعظه على الجبل , التى خلاصتها أن يسوع لم يأت لينقض الناموس أو الأنبياء بل ليكمل , و رفض يسوع لفاعلى الإثم , نجد لوقا على العكس من ذلك ( لوقا 4 - 16 الى 30 ) يضع فى المقدمه العظه فى مجمع الناصره كنموذج لأعمال يسوع , و على الرغم من أنه يجعل يسوع يتحدث عن اتمام ما ورد فى الكتب المقدسه , الا أن هذا ليس اتماما للناموس بل للوعد .



    و لكن " كلمات النعمة " هذه التى خرجت من فم يسوع لم يفهمها رفقاؤه , و عندما يمضى يسوع قدما ليذكرهم بأمثلة سابقة تذكر تفضيل الأمميين على شعب اسرائيل , فإنهم طردوه من المدينه ممتعضين طالبين قتله , و كأن هذا تنبؤ عن الأحداث التى ستحدث بعد ذلك من غضب اسرائيل من انجيل النعمه الخاص ببولس , الذين أثارهم دخول الأمميين الى مملكة المسيح قبلهم .


    و بخصوص الجمله الوارده فى انجيل متى المضاده لبولس " فاعلى الإثم " , فإن لوقا يرد بكلمة مضاده لليهوديه ( لوقا 13-25 , قارن بغلاطيه 6 , و كورنثوس الثانيه 5-16 ) نصف المعاصرين ليسوع الذين رافقوه و أكلوا معه , تصفهم على لسان يسوع بقوله " لا أعرفكم من أين أنتم , تباعدوا عنى يا جميع فاعلى الظلم " ( لوقا 13 - 27 ) .

    و بنفس الطريقه , حذف لوقا مشهد الذى حضر الى عرس الملك دون رداء العرس , و وضع بدلا منه تفاصيل أخرى ترمز للكرازه العالميه للأمم ( لوقا 14 - 16 الى 24 ) .


    و كذلك يمتاز لوقا بعدد من الأمثال و القصص , التى اذا غضضنا الطرف عن التقاليد التى تأسست عليها , فإننا على أى حال نجد فى استخدام لوقا لها تعبيرا عن علاقة المسيحيه المتهوده بالبولسيه فى فترة متأخره . و ينتمى لهذا السياق أمثال الفريسى و العشار , و مثل الابن الضال الذى يقارن فيه تبرير الآثم النادم مع بر و افتخار اليهود , فمن منا لا يلاحظ فى استياء الابن الأكبر تجاه عطف الأب على ابنه الأصغر مثالا للغيره اليهوديه من المسيحيين الأمميين ؟ ( لوقا 15 - 28 - 32 , قارن مع روميه 9 - 30 ) . و مما ينتمى بالكامل الى الاسلوب المسالم الذى تحدث به بولس فى روميه اصحاح 9 , بخصوص البقاء الدائم لآمال شعب اسرائيل , ما فعله الأب عندما رأى أن غيرة الابن الأكبر ليس لها مبرر , لأن حقه فى البكوريه ليس محل تساؤل .



    صحيح أن مثل السامرى الصالح و الشاب الغنى و أليعازر لها أهمية أكبر , و قد أخذها لوقا من مصادر موجوده ( ربما مصادر أبيونيه ) , و فى الأول من هذه الأمثال , نجد أن تفضيل السامرى نصف-الأممى على ممثلى اليهوديه الرسميه , يخدم قضية الحزب المسيحى الأممى الذى ينتمى له لوقا الانجيلى البولسى . أما بخصوص المثل الأخير فقد أضاف له لاحقة فى ختامه ( لوقا 16 - 27 الى 31 ) تعد غريبة تماما على المعنى الأصلى لهذا المثل , و استهدف بذلك أن يهاجم اليهوديه غير المؤمنه , لأنها لا تتوب لا بموسى و لا بالأنبياء و لا بمعجزة قيامة المسيح من الأموات .


    على الرغم من موقف لوقا المؤيد للبولسيه بكل تأكيد , و المضاد لليهوديه , فإن حكمه بخصوص المسيحيه المتهوده و الرسل الأوائل حكم معتدل , فقد أخذ موقفا وسطا بين موقف متى الذى مجد الرسل الأوائل على حساب بولس , و موقف مرقص الذى صور الرسل الأوائل دائما بصورة غير جيده , و هذا هو الموقف الذى تميزت به البولسيه المسالمه التى أتت فى فترة متأخره . و يتضح موقفه هذا من الطريقه التى يحكى بها اعتراف بطرس , فبينما يحذف ( كما فعل مرقص ) تمجيد بطرس و اعتباره صخرة الكنيسه و معه مفاتيح السماوات ( و هى الأمور التى سجلها انجيل متى ) , الا أنه و من ناحية أخرى يقلل من اللوم الشديد لبطرس فى هذا الموقف و الذى سجله كاتبا الانجيلين الآخرين .


    يختص لوقا بذكر تعليق تعيين السبعين رسولا , بالإضافه الى الإثنى عشر , و بينما يعبر العدد الأخير عن الغايه من كرازة الرسل الأوائل , فإن العدد الأول يعبر عن الكرازه للأمم , لأن العدد سبعين هو عدد الأمم الوثنيه فى التقليد اليهودى , و هو التقليد الذى تشير له أسطورة المترجمون السبعون للترجمه السبعينيه أيضا , و التعليمات التى تعطى لهؤلاء السبعين بأن يأكلوا من أى شىء يوضع أمامهم عندما يلقوا ترحيبا فى أى مدينه ( لوقا 10 - 8 , قارن مع كورنثوس الأولى 10 - 27 ) لا يفهم الا اذا قلنا أن المدن الوثنيه هى المقصوده فى هذا السياق , و التحذير الذى يعطى لهم بخصوص ألا يتورعوا من الاشتراك فى الطعام غير الطاهر بالنسبه لليهود , ليس فقط يتوافق توافقا تاما مع المبدأ البولسى , بل و أيضا له صلة حرفيه بتوجيه بولس " كلوا مما يوضع أمامكم " .



    و بالتالى اذا كان هؤلاء السبعون هم الممثلون لكرازة بولس للأمم , فهذا يجعلنا نفهم جيدا لماذا يقول لوقا أنهم حققوا نجاحا أكثر من نجاح الرسل الاثنى عشر الذين أشار الى نجاحهم فى لمحة خاطفة فقط , و لكن عندما عاد السبعون فرحين يحكون عن قوتهم فوق الشياطين ( الوثنيين ) , فقد جعل لوقا يسوع يقول " رأيت الشيطان ساقطا كضوء من السماء " , و بالتالى يرى فى نجاح الكرازه البولسيه الى الأمم انتصارا على امبراطورية الوثنيه .



    و لكن من الجدير بالملاحظه , أنه جعل يسوع بعد ذلك يلتفت الى التلاميذ الإثنى عشر و يقول لهم " طوبى للعيون التى تنظر ما تنظرونه " ( لوقا 10 - 23 ) , فبحسب وجهة نظر لوقا البولسى المسالم , فإن السعاده برؤية يسوع تظل أمرا باقيا , و هى مزية لا جدال فيها حظى بها هؤلاء الرسل الأوائل , لدرجة أن ملوكا و أنبياء تمنوا أن يحصلوا على ما حصلوا هم عليه . و بالتالى فإن لوقا يبتعد عن النزاع الطائفى , فينسب لكل حزب مسيحى مزاياه الخاصه و وضعه التاريخى الخاص الذى يميزه .



    و لكن على الرغم من صحة ما سبق , الا أنه لا يخفى الى أى جانب يميل بمشاعره , ليس فقط من خلال تمجيده للنجاح الكبير - الموافق للحقيقه - الذى حققته الكرازه للأمم , بل و بعيدا عن هذه النتائج الخارجيه فإنه يفضل حياة الايمان التى تتمتع بها المسيحيه البولسيه , على المشاكل و المتاعب التى تسببها أعمال التقوى التى ينادى بها المسيحيون المتهودون , و هذا يتضح بجلاء فى قصة الأختين مرثا و مريم , فعندما تشتكى مرثا المشغوله بخدمة كثيره من أختها الجالسه عند قدمى يسوع تستمع لكلامه " يا رب أما تبالى بأن أختى قد تركتنى أخدم وحدى ؟ فقل لها أن تعيننى " ( لوقا 10 - 40 ) , يبدو أننا نسمع فى هذا صدى لشكوى يعقوب من " الانسان الباطل" الذى لا يفهم أن الايمان بدون أعمال ميت . و عندما يدافع يسوع عن الأحت المتهمه بكلمة جميله " مرثا , مرثا , أنت تهتمين و تضطربين لأجل أمور كثيره , و لكن الحاجة الى واحد , فاختارت مريم النصيب الصالح الذى لن ينزع منها " , فإننا نجد فى ذلك اعادة صياغه لما أعلنه بولس " اذا نجسب أن الانسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس " ( روميه 3 - 28 ) , " فأحيا لا أنا , بل المسيح يحيا فى , فما أحياه الآن فى الجسد فإنما أحياه فى الإيمان , ايمان ابن الله الذى أحبنى " ( غلاطيه 2 - 20 ) .



    و ينتمى لنفس هذا القسم قصة تلميذى عمواس , و هى التى يتميز بها انجيل لوقا فقط أيضا , و بما أن هذين التلميذين لم يكونا من الإثنى عشر , فلنا الحق أن نعتبرهم من السبعين وفق نية لوقا , و أنهما ممثلان للكرازه البولسيه الأمميه و لبولس نفسه , فكما أظهر يسوع ذاته لبولس كمسيح قائم بعد الصليب فى مجده فى الطريق من أورشليم الى دمشق , عندما كان بولس لا يزال فى عماه , فكذلك ظهر يسوع لهذين التلميذين و هما فى طريقهما من أورشليم الى عمواس , و أيضا لم يعرفه التلميذان , لأن الحزن على موته أغلق أعينهما , و لكن يسوع فتح أعينهما بأن أوضح لهما من خلال الكتب المقدسه كيف كان لزاما أن يقاسى المسيح هذه الأمور ليدخل فى مجده , و بالتالى اشتعل قلب التلميذين بالخوف و الأمل . و بنفس الطريقه , كان قلب بولس ملتهبا بالشكوك و النزاعات عندما كان يتأمل كلام الكتب المقدسه و هو فى طريقه الى دمشق , عن النبوءات التى ثبتت له عن ضرورة معاناة المسيح . و كذلك عندما حل المساء , كان المسيح مع التلاميذ و أخذ خبزا و شكر و كسر و أعطاهم , انفتحت أعينهم فى النهايه , و كان معروفا لديهم بكسر خبز العشاء .



    و بالتالى فإن لوقا المسيحى البولسى يعتبر المسيح هو الرب الحى و الروح المحييه , ليس فقط من خلال شهادة الكتب المقدسه , بل أيضا من خلال عشاء الرب المستيكى , التى يكون فيها الخبز و الكأس عناصر سريه للإشتراك فى موت و حياة المسيح . و عندما يحكى انجيل لوقا أخيرا عن صعود المسيح الى السماء عيانا , فإنه يكرر فى هذا المشهد الفكره الرئيسيه التى دندن عليها طوال قصته . إنها ليست حياة ابن داود المتمم لوعود اسرائيل التى يكرز بها المسيحيون المتهودون , بل الرجل السماوى الذى أصعد الى السماء و كان قد جاء منها , ابن الله بحسب روح القداسه كما ينادى بذلك الفكر البولسى , آدم الثانى , الذى نظرت فيه أغراض الله فى البشر " لننال التبنى " ( غلاطيه 4 - 5 ) .



    لقد طور لوقا هذا المفهوم المثالى عن المسيح بكل مهاره و بشكل دراماتيكى , فى صورة تاريخية واضحه , و التى على الرغم أنها أقل من حيث الثقه التاريخيه من قصة كاتبى الإنجيلين السابقين له , الا أنها تتفوق عليهما من حيث الحقيقه المثاليه idealistic truth , و يمكن للوقا أن يقول مع بولس " و ان كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد , لكن الآن لا نعرفه بعد ... الأشياء العتيقة قد مضت , هو ذا الكل قد صار جديدا " , و بالتالى قد رأى لوقا و حدد حياة يسوع فى ضوء الروح المسيحيه الجديده للبنوه الإلهيه .



    هل نجح لوقا فى تقديم الحقيقه التاريخيه فى نفس الوقت ؟ , يمكننا أن نقول بكل تأكيد أن السلطه المباشره التى استقى منها حياة يسوع كانت هى الفكره البولسيه عن المسيح , و لكن يتوجب علينا أن نسأل فى نفس الوقت , متى نال بولس روح البنوه الإلهيه التى رآها متشخصة فى يسوع ؟ , ألم يكن المصدر الأعلى لهذه القناعه الجديده هو فى الواقع روح المسيح ؟ و الوعى الدينى بعلاقته مع الله و التى شكلت العنصر الأساسى لشخصية يسوع ؟ . فى ضوء هذا يمكننا أن نقول بخصوص الحقيقه التى يتضمنها أكثر الأناجيل الإزائيه مثاليه ( أى انجيل لوقا ) , و الذى هو أقرب الأناجيل للإنجيل الروحانى ليوحنا , أنه حدد الطبيعه الأعمق للشخصيه الدينيه ليسوع أكثر مما فعل الإنجيلان السابقان ( مرقص و متى ) , و بالأخص انجيل متى المسيحى المتهود الذى اهتم فى شخصية يسوع بالجانب التاريخى الخارجى .


    أما بخصوص انجيل يوحنا فهو يمضى خطوة أبعد فى مسار رسم صورة يسوع فى جوانيه المثاليه و العقائديه و التعليميه , و هو المسار الذى سار فيه لوقا قبل ذلك , و مفهوم المسيح الذى يقدمه هذا الإنجيل يظهر تأثرا بالأشياء التى نبعت أول ما نبعت من عند بولس .



    و بالتالى حقق " آخر الرسل " أكثر مما حققه " البقيه " , فى هذا المجال كما فعل أيضا فى المجالات الأخرى , و وجدت نظرته المتعمقه فى شخصية المسيح و محبته له طريقا لها فى شعر لوقا , و فى التأمل العميق عند كاتب انجيل يوحنا , و أمدهم بالعناصر التى بنت عليها الكنيسه أفكارها اللاهوتيه عن المسيح منذ ذلك الحين .
    التعديل الأخير تم بواسطة fares_273 ; 05-07-2010 الساعة 01:51 AM

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2005
    المشاركات
    363
    آخر نشاط
    19-09-2011
    على الساعة
    02:23 PM

    افتراضي

    up

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2005
    المشاركات
    363
    آخر نشاط
    19-09-2011
    على الساعة
    02:23 PM

    افتراضي

    up

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي

    جزاكم الله خير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

## محاضرات عن الصراع بين بولس و تلاميذ المسيح ,لأستاذ اللاهوت الألمانى أوتو فليدرر ##

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. تلاميذ المسيح لم يعرفوا التثليث
    بواسطة 3abd Arahman في المنتدى حقائق حول التوحيد و التثليث
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-11-2014, 09:47 PM
  2. قصة و سيناريو و حوار تلاميذ المسيح
    بواسطة نبيل محمد سالم في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 19-06-2014, 11:05 AM
  3. هل تلاميذ المسيح فعلاً جبناء؟؟
    بواسطة voldmort في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 11-11-2010, 01:34 PM
  4. مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 19-06-2010, 01:53 PM
  5. مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 26-05-2010, 04:49 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

## محاضرات عن الصراع بين بولس و تلاميذ المسيح ,لأستاذ اللاهوت الألمانى أوتو فليدرر ##

## محاضرات عن الصراع بين بولس و تلاميذ المسيح ,لأستاذ اللاهوت الألمانى أوتو فليدرر ##