شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب (1/2)
كتب عبداللطيف سيف العتيقي :
تجارة الدين مهنة من لا مهنة له من المستفيدين من أموال النذور والقبور والأعتاب المقدسة والأضرحة المؤسسة على الباطل، والضحك على العقول الساذجة، تدفع بالهبل في سبيل التبرك والتمسح والاعتقاد الباطل كظاهرة سلبية مؤسفة يعاني منها عالمنا العربي والإسلامي في كل مكان.. عنوانها الرئيسي قاعدة الجهل والفقر والاستبداد والخرافات والخزعبلات، حيث تعشش العناكب السوداء والمشعوذون وسدنة القبور الذين يستفيدون ماليا ومعنويا ووجاهيا، ويتمتعون بكل أنواع تقديس الأنا والذات، ليتحولوا على المدى القريب إلى فرعون زمانهم الإله المعبود من دون الله تبارك وتعالى.. وإذا قام مصلح ديني يحارب هذا الباطل المزيف تقوم ضده حرب شعواء لأنه يهدد مركزهم وأركان حكمهم الباطل.
وكلما طالت عصور التخلف والضعف استحكمت البدع، وربح سوق الدجاجلة بدعوى العلم الباطني، وينتشر الغلو والتقليد الأعمى، وتكبت حرية العقل والاستقلال من الأوثان المعبودة.
لقد شاهدت في طنطا عند البدوي وفي حي الحسين بالأزهر وغيره في كل مكان كيف يتعبد بعض المسلمين مثل المساطيل من أفيون القبور، وكم يصاب المسلم من كمد على هذه الجموع السيارة يتلاعب بهم السدنة والمشعوذون ويشفطون جيوبهم وقوت عيالهم وجهد عملهم المضني.
ويعترف السهروردي الصوفي صاحب «عوارف المعارف» صراحة بأن بعض نظريات التصوف، وهي الصفاء للوصول إلى الله، مأخوذة من الفلسفة الإغريقية، وأن وحدة الوجود والحلول لهما جذور في المجتمع الفارسي قبل ظهور الإسلام.
الإنسان ليس حرا طالما حرم من استقلال الإرادة واستقلال الرأي والفكر، فبهما كملت إنسانيته. يقول محمد عبده في دعوته: «لا بد من تحرير الفكر من قيد التقليد وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف بالرجوع إلى كسب معارفه من ينابيعه الأولى، واعتباره من موازين العقل البشري التي وضعها الله».
ومن يقرأ تاريخ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في البداية، وقد نشأ في بيئة متراكمة الأفكار الضالة والخزعبلات والخرافات وعبادة الأوهام.. وأدرك للوهلة الأولى أن المستفيد من هذا كله تجار الدين المستفيدون من جهل التقليد الأعمى الذين يكدسون الذهب والفضة على حساب الجهل والظلام.
كانت نقطة انطلاق الشيخ محمد بن عبدالوهاب عندما حج واعتمر في بيت الله الحرام، فشهد من بدع الحجيج ومراسم تعظيم القبور والاستغاثة بالموتى ما احزنه، وعرف أن فساد الفكر والعقل في أهل نجد والحجاز ليس إلا بعض مستوردات الفساد من حجاج بيت الله من كل فج عميق.
ورجع الشيخ إلى بلدته ليزداد علما واطلاعا وبحثا من المصدرين الرئيسيين كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، متجردا من ربق العبودية لغير الله.
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب يوما لتلميذه: تريد أن ترى ما أعددنا من سلاح؟! قال: بلى. فقاده الشيخ إلى قاعة كتبه وأظهره على ما فيها من مؤلفات، ثم قال: هذا ما أعددناه من سلاح!! إنه العلم الشرعي والفقهي.
شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب (2ــ2)
مثلما حارب النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ اهل مكة ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.. كذلك يقتدي الشيخ بن عبدالوهاب بنبيه عليه الصلاة والسلام، منذ بواكير شبابه يرى قومه في نجد وما حولها كيف يتبركون بالأشجار والأحجار والخرافات ويرجون الطلبات منها والدعاء إلى الأموات في قبورهم.
استفتح الشيخ بن عبدالوهاب بيان منهاجه قائلا: إنه لا يدعو إلى طريقة جديدة وإنما يحيي الدين ويدافع عن السنة المطهرة ويبدع الخارجين عليها ويجتهد رأيه ولا يقلد أحدا.
وأخذ الشيخ يتتبع طريقة النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ في دعوته إلى الإسلام الصحيح النقي من شوائب الوثنيات والخرافات.. وأقبل الناس عليه من كل حدب وصوب تدفعهم الفطرة السليمة والعقول النيرة.. وأدرك الشيخ ان المدخل إلى الإسلام هو التوحيد لأنه يحصن ايمان الأفراد ويهيئ أنفسهم بأوليات العقيدة. فكتب كتابه «التوحيد الذي هو حق المولى عز وجل على العبيد» ثم تلاه بمؤلفات عن العقيدة النقية بلا شركيات ووثنيات.. وبسلامة المعهود حارب الجهل والغلو في الصالحين. وركز الشيخ على معرفة معنى لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. امتثالا لأوامر الله، إذ يقول «إعلم أنه لا إله إلا الله» الآية..
فالله أخبرنا في أول الآية أن ندرك ونعلم معنى لا إله إلا الله بالمعرفة النافية للجهل وبالعلم والعقل قبل أن ننطقها بمجرد ألسنتنا فقط.. وقد فصل الشيخ في هذا المعنى طويلا سواء في مؤلفاته المنتشرة أو من خلال دروسه اليومية في جميع أمصار نجد والحجاز وفي العراق ودول الخليج.
ووضع الشيخ محمد بن عبدالوهاب يده مع الأمير محمد بن سعود، كل يؤدي دوره المشهود أمام الله تبارك وتعالى. وقد تأسست دولة التوحيد على الكتاب والسنة المطهرة.. ورغم كل المعوقات والهزائم والمحن فإن النجاح دائما ينتصر في نهاية المطاف.. ولم تكتف هذه الدعوة في المملكة العربية السعودية وإنما انتشرت في كل مكان من عالمنا العربي والإسلامي من خلال أداء فرائض الحج والعمرة. وقد تأثر بدعوة التوحيد علماء ومشايخ وطلاب علم كان لهم الفضل من بعد الله في نشر الدعوة السلفية في العالم العربي والإسلامي، ولقد تأثر أيضا كثير من المستشرقين، حيث اعتبروا ان التوحيد هو النقاء والشفافية في العقيدة الإسلامية..
لقد صور أعداء الإسلام من المستشرقين ان عالم الشرق فيه من غرائب وعجائب الديانات لأنهم تتبعوا عوالم عبادة القبور وبروز طقوس غريبة وخزعبلات وجهل مطبق يشابه الفلسفة الوثنية وعبادة الحجر والسجود لغير الله.
الإنسان دائما عدو ما يجهل.. فالبينة على من ادعى. وواجب على كل مسلم أن يقرأ لأنه منهاج قرآني نزل من لدن حكيم عليم «اقرأ باسم ربك الذي خلق». والمستشرقون يبحثون من أجل المعرفة والاطلاع لم ينطقوا بتعصب عن الوهابية بل يحدوهم البحث والعلم.. أليس المسلمون أولى من المستشرقين باكتشاف الآخر المجهول حتى يعلم بعد أن يقرأ.
عبودية المسلم إنما تكمن في التقليد الأعمى الذي يمنعه من الوصول إلى حقيقة الاشياء المخفية.. كثير من المستشرقين دخلوا الإسلام بسبب تجردهم من الهوى والتعصب الأعمى وإصرارهم على معرفة الآخر بإخلاص وعناد من أجل البحث عن الحقيقة..
* * *
مصادر:
1ــ كتاب الإمام محمد بن عبدالوهاب لعبدالحليم الجندي
2ــ كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب
عبداللطيف سيف العتيقي
المفضلات