عيد دخول الإسلام في روسيا


بقلم : د. إينا ميخائيلوفنا



تقدمت سلطات جمهورية تترستان الروسية إلى البرلمان الروسي «مجلس الدوما» بمقترح يقضي باعتبار يوم دخول الإسلام إلى روسيا عيداً وطنياً في عموم الدولة الروسية. وقال رئيس البرلمان التتري فريد محمدشين إن اعتماد هذا العيد سيخلق نوعاً من التوازن في المجتمع بعد أن تم مؤخراً إقرار عيدٍ جديد مسيحي هو يوم تعميد روسيا، وعلى ما يبدو أن المقترح لقي استحسان رئيس مجلس الاتحاد الروسي سيرغي ميرونوف.


كما لم يعترض عليه ديوان الرئاسة في الكريملين، وقد صرح المتحدث باسم الكريملين بأن الرئيس ميدفيديف أبدى ترحيبه واستحسانه للمقترح، والأهم من هذا أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية رحبت بالمقترح ترحيبا كبيرا ودعت إلى سرعة البت فيه.


وهذا يعني أن الأعياد القومية في روسيا سيضاف لها قريبا عيد جديد هو «عيد دخول الإسلام في روسيا»، وجار الآن بحث تفاصيل المقترح وتحديد اليوم الذي سيشمل هذا العيد، علما بأن دخول الإسلام في روسيا يؤرخ له في القرن التاسع الميلادي عندما اعتنقه البلغار الروس الذين كانوا يعيشون حول نهر الفولغا الروسي وشكلوا لأنفسهم مقاطعة كبيرة هناك أعلنوا بعد ذلك الإسلام دينا رسميا لهم.


واندمج البلغار الروس مع باقي سكان روسيا بعد ذلك عن طريق أحفادهم التتار، ومنذ ذلك الحين والمسلمون الروس جزء لا يتجزأ من الشعب الروسي، وعاشوا مع إخوانهم المسيحيين الأرثوذكس في سلام ووئام دائم، ولم يسمع على مر القرون الطويلة عن أية خلافات بين المسلمين والكنيسة الروسية.


ويتوقع الكثيرون أن تثير الموافقة على هذا العيد من قبل الحكومة الروسية والكريملين حفيظة طوائف دينية أخرى مثل اليهود والمسيحيين الكاثوليك الذين يشكلون أقلية ضئيلة بين المسيحيين الأرثوذكس الذين يشكلون غالبية المسيحيين الروس، بينما يشكل اليهود نسبة لا تصل إلى واحد في المائة من الشعب الروسي البالغ عدده نحو 146 مليون نسمة يمثل فيهم المسلمون أكثر من عشرين مليون نسمة، أي نحو 17% من الشعب.


ويثير التقارب والتفاهم بين المسلمين الروس والكنيسة الروسية ومباركة الحكومة والكريملين لهذا التقارب حفيظة، وربما حسدا وحقدا شديدين لدى اليهود الروس والمسيحيين الكاثوليك، خاصة بعد تصريح بطريرك الكنيسة الروسية الراحل أليكسي الثاني الذي مات عام 2008 الذي قال فيه «إن المسلمين الروس أقرب للكنيسة الروسية من المسيحيين الكاثوليك»، وكان أليكسي الثاني يتهم الكاثوليك الروس بالعمالة لجهات أجنبية ضد روسيا.


ويذكر أنه بعد قيام الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف بزيارته الهامة لمسجد موسكو الكبير في يوليو من العام الماضي، التقى به ممثلون من اليهود والمسيحيين الكاثوليك وطلبوا منه أن يزور معابدهم وكنائسهم أسوة بالمسلمين، وأبدى ميدفيديف قبوله ظاهريا، لكنه رفض تحديد أجل للزيارة، ولم يقم بها حتى الآن، الأمر الذي يستشعر معه اليهود والكاثوليك بحقد كبير تجاه المسلمين الروس لما يتمتعون به من امتيازات واحتضان من السلطة والكنيسة الروسية، وتبدو مظاهر هذا الحقد واضحة في الصحف التي يسيطر عليها أصحاب الأموال من اليهود.


والتي تكيل النقد اللاذع للحكومة والكريملين على مواقفهم الداعمة للعرب والمسلمين بشكل عام، خاصة عندما تقع أحداث إرهابية في روسيا يرتكبها متطرفون من شمال القوقاز وينسبون أنفسهم للإسلام، ولكن الشعب الروسي الذي يستوعب جيدا بثقافته الشرقية معاني وقيم الدين الإسلامي المتسامح لا يتأثر بهذه الدعاية ويعلم جيدا أن هؤلاء المتطرفين لا يمثلون الدين الإسلامي بل يعملون لحساب جهات أجنبية تعمل ضد روسيا.


أيا كان الأمر فإن روسيا جميعها سوف تحتفل مع المسلمين الروس قريبا بعيد دخول الإسلام روسيا، ولا شك أن هذا العيد سيشهد احتفالات كبيرة في العاصمة موسكو وباقي مدن روسيا، وخاصة في جمهورية تترستان الروسية باعتبارها صاحبة الاقتراح بهذا العيد، وسيجعل من عاصمتها قازان مركزاً للإسلام في روسيا، ويَعتبر المحللون أن العيدَ الجديد سيعزز من أواصر التعاون بين المسلمين والمسيحيين الروس، وسيساعد على طرح المفاهيم الصحيحة للإسلام المعتدل البعيد عن التطرف، والذي تمثله جمهورية تترستان الروسية، التي تعد أغنى مقاطعات روسيا، خير ممثل له أمام العالم كله.


خبيرة الإعلام الروسية


mekhaelovna@mg.rua



البيان - 27 يونيو 2010 - 15 رجب 1431 هـ العدد 10966