السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردًا على مشاركة للعضوة أسماء هداها الله فى موضوع صفحة التعليقات على الحوار مع عماد المصرى، وحتى لا أشغل حيزا كبيرا فى صفحة التعليقات، أردت أن أفتح موضوعا خاصًا للرد على السؤال: ومن خلق الله؟
فلا تظنى يا أخت أسماء أنكِ أول من خطر فى بالها هذا السؤال الذى هو من وسوسة الشيطان بل سبق رسول الله ورد على هذا السؤال منذ أكثر من 1431 عاما على فرضية أن هذا الوسواس سيصيب بعضًا من الناس بل من المسلمين.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول من خلق الله، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته متفق عليه. وفي لفظ: فليقل آمنت بالله ورسله وفي لفظ: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولون من خلق الله .


--------------------------------------------------------------------------------


لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، هذا الحديث قد تضمن علم من أعلام النبوة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أخبر عن أمر يكون في النفوس وفعل...، وعن أمر سيكون من الناس بألسنتهم -يقولونه بألسنتهم-.

وفي هذا الحديث ذكر نوع من وسواس الشيطان، من الوسواس، بل هو أخطر وأسوأ وسواس مما يوسوس به الشيطان؛ لأنه يتعلق بذات الله وهو من جهة من أعظم الوسواس؛ لأنه لا ينجع فيه إلا التسليم، التسليم لله ولرسوله، واللجوء إلى الإيمان بالله ورسوله.

"يأتي أحدكم الشيطان فيقول من خلق كذا" من خلق الأرض، من خلق السماء، من خلق الناس، من خلق الملائكة؟ وبعد، حتى يقول له من خلق الله، هذا هو السؤال، وهذا سؤال باطل، يحار به من خطر في نفسه؛ لأن الله تعالى خالق، وليس بمخلوق، الله تعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد، الله هو الخالق وغيره مخلوق، الله خالق وليس بمخلوق، وليس لكل موجود موجد، لكن لكل محدث موجد؛ لكل محدث موجد، وكل موجود سوى الله فإنه محدث.

والله تعالى واجب الوجود، يعني وجوده لا يقبل حدوثا ولا عدما، فهو الذي لم يزل وجوده ولا يزال، فليس لوجوده بداية، ليس لوجود الله بداية، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وليس لأوليته بداية، هو الأول والآخر، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، كما أخبر الله ورسوله بذلك.

وهذا الوسواس يزعج المؤمن الضعيف الذي لم يعرف، يعني لم يعرف المخرج، فهو يزعجه، كما ثبت أن بعض الصحابة جاء إلى الرسول، وقال: أجد في نفسي ما لو أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به، وفي عند بعض الناس من الوسواس ما يزعجها حتى يبكي، يعني عنده إيمان، ويجد أن هذا الوسواس يعارض ما استقر في نفسه، وآمن به، هذا الوسواس.

فقال عليه الصلاة السلام: هذا صريح الإيمان وفي لفظ، قال له: أوجدتموه، قال: نعم، قال الحمد الله الذي رد كيده إلى الوسوسة ما استطاع إلا أنه بس يوسوس فقط، وليس لهذا الوسواس أثر على المؤمن، فهو يزعجه، ولكنه لا يقبله، المؤمن يزعجه ويضيق به صدره خوفا من الرياء؛ لأنه يعرف أنه يتصادم مع أعظم الأمور عنده، يتصادم مع إيمانه بأنه تعالى الخالق لكل شيء، أنه رب كل شيء لا إله إلا الله.

وأخبر عليه الصلاة والسلام:" أن الناس لا يزالون يسألون من خلق كذا من خلق كذا حتى يقولوا من خلق الله" يتكلمون هذه بألسنتهم. وجاء بعض الناس بعض الأعراب بعض الجهال جاءوا يسألون أبا هريرة هذا السؤال فحصبهم بالحصى وقال: صدق خليلي صلى الله عليه وسلم قال: فإذا بلغه؛ يعني إذا وصل إلى هذا الحد "فليستعذ بالله من الشيطان ولينتهِ" وفي اللفظ الآخر:" فليقل آمنت بالله ورسوله".

اقرءوا شرح هذا الحديث عندكم في بهجة قلوب الأبرار، فإنه تكلم عليه كلاما حسنا نافعا، نبه على -يعني- هذا الدواء كيف؟ كيف يداوي الإنسان هذا الوسواس ويدفعه؟ قال: إن هذه الروايات تدل على أن هذا الوسواس يدفع بثلاثة أمور، أولا: الاستعاذة بالله؛ اللجأ إلى الله الاعتصام بالله أعوذ بالله من الشيطان، الجأ إلى الله يصرف عنك فإنه إن لم يصرفه عنك لم ينصرف، استعذ بالله وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .

وهذا من نزغات الشيطان هذا الوسواس من نزغات الشيطان فاستعذ بالله من الشيطان، لا يندفع ولا طريقة لدفعه إلا بالاحتماء بالله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ .

الشيطان دائم على الوسواس لكن أنواع ما يوسوس به كثيرة؛ يوسوس بإلقاء يعني؛ بإثارة الشهوات وإثارة الشبهات، وهذا من الشبهات لأن من الوسواس ما يحمل شبهة تعارض خبر الله وخبر الرسول تتصادم تعارض أمور الاعتقاد، تعارض ما يجب على العبد أن يؤمن به، هذا هو العلاج الاستعاذة هذا أقوى.

الثانية: "فلينتهِ" ينتهي عن الوسواس، يعني انصرف انشغل أعرض، لا تتماد بالتفكير لا تفكر وتواصل التفكير، خلاص، لا تقف مع هذا الوسواس لتفكر وأيش الحل وأيش الجواب وأيش؟

انتهِ، وصلت إلى مدى لا يمكنك أن تجاوزه، عقل الإنسان محدود وقاصر ما يمكن أن يدرك كل شيء ما يمكن، الذي يريد أنه يعرف تفسير كل شيء، يعرف كل شيء، هذا متجاوز لحده وجاهل بنفسه، جاهل بنفسه لا ينبغي للإنسان إلا ما علمه، الملائكة والأنبياء كلهم يقولون: لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا لا بد من الوقوف، لا تتجاوز ولا تقف ما ليس لك به علم، لا تطلق لعقلك وفكرك العنان.

وجاء في الأثر: فكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذات الله، تفكر في ذات الله، لم تصل؟ مستحيل أن تصل إلى معرفة كيفية ذات الله أو كيفية صفة من صفاته.

ولهذا قال السلف في صفة الله بلا كيف، الكيف غير معقول الكيف مجهول، هذا السبب الثاني، وكلها مجموعة.

الأمر الثالث: أن تؤكد إيمانك وتقاوم هذا الوسواس باستحضار ضده "آمنت بالله" لأن هدف هذا الوسواس هو الشك التشكيك في الله فيما يجب اعتقاده في الله، فتراغم الشيطان أولا بالاستعاذة الاعتصام بالله، مقاطعة هذا الوسواس والانتهاء عنه، التأكيد على الإيمان "آمنت بالله ورسوله" فيرجع الشيطان خاسئا.

أما من من الله عليه بالبصيرة والحمد لله هذا لا يذعن أبدا، ما يلتفت إليه أصلا، لا يلتفت إليه ولا يقف معه ولا يبالي به، في الأساس هو يعرف أنه باطل وأنه لا يضر، خطر بقلبه ما يقف في قلبه اللحظة امشِ، يعرف أنه وسواس يعرف أن هذا -يعني- معنى باطل، فهذا هو الدواء الناجع والحمد لله. فليستعذ بالله ولينتهِ وليقل آمنت بالله ورسوله .

وهناك ما يسمى عند الباحثين وأهل العلم بالتسلسل؛ التسلسل نوعان: تسلسل في الفاعلين والمفعولين أو العلل والمعلولات أو الخالقين والمخلوقات؛ عبارات لمعنى واحد، وتسلسل في المفعولات.

التسلسل في المفعولات يعني المخلوقات هذه فيها كلام لا يعنينا في هذا المقام، لكن التسلسل في الفاعلين والمفعولات هذا حكمه في العقل الصريح الممتنع، ما معنى التسلسل في الفاعلين؟ معناه إنه المفعول له فاعل والفاعل له فاعل والفاعل له فاعل والفاعل له فاعل إلى ما لا نهاية، هذا ... يتصادم مع الإيمان بأن جميع الموجودات تنتهي إلى موجود واجب، لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم، هذا التسلسل ممتنع في العقول ممتنع.

ما يجوز في العقل أن تكون مفعولات فاعلين ومفعولات متسلسلة إلى ما لا نهاية، مفعول له فاعل والفاعل له فاعل، هذا مفعول، طيب فعله فاعل، هذا الفاعل نعم له فاعل، والفاعل له فاعل، والفاعل له فاعل؛ يعني الوسواس المذكور في الحديث هو مبني على يعني جارٍ على موضوع التسلسل، إن كل فاعل له فاعل إلى ما لا نهاية، وهذا ممتنع في الحقيقة.

أوضح شيخ الإسلام في كلامه على التسلسل وأنواعه في مواضع كما في "منهاج السنة" وفي "درء التعارض" تكلم على هذا، وبين التسلسل الممكن كما في المفعولات، أو التسلسل الممتنع وهو التسلسل في العلل والمعلولات أو الفاعلين والمفعولات، هذا حكمه ممتنع.

وبين وجه الامتناع إن التسلسل في العلل والمعلولات والمفعولات إنه يستلزم ألا يكون هناك موجود أصلا؛ يعني القول بالتسلسل في العلل والمعلولات هذا ما يقول به أحد من العقلاء، لا يقول به أحد، هذا ما هو إلا وسواس وخيال فقط، يقول: إنه يستلزم ألا يوجد شيء والوجود ثابت، وما يستلزم الباطل فهو باطل.

فالقول بالتسلسل يستلزم ألا يوجد شيء والوجود ثابت، هذه الموجودات، فوجود الموجودات يدل على بطلان هذا التسلسل؛ لأن القول بالتسلسل يستلزم ألا يوجد شيء والوجود ثابت، فبطل القول بالتسلسل؛ إذاً التسلسل في الفاعلين والمفعولات ممتنع في العقل.

هذا يعني تحليل عقلي، وبيان عقلي، كأن يعني يهتدي إليه بعض الناس أو كثير من الناس، لكن العلاج النبوي سهل واضح أبدا، وليس بلازم إذا استقر عند الإنسان الأمر أنه باطل بالدليل القاطع فلا يضره ما يعرف وجه -يعني- البطلان نظريا وعقليا.

انتهِ فليستعذ بالله ولينتهِ وليقل: آمنت بالله ورسله أعرض عن هذا الوسواس لا تقف معه ولا تفكر فيه، واحتمِ بالله وأكد وقل: آمنت بالله ورسوله .

كل ما عرض لك شيء من مثل هذا فقاومه بهذه الأمور الثلاثة، وفيها الشفاء، وفيها السلامة من كيد الشيطان. وقاني الله وإياكم شر الوسواس الخناس. لا إله إلا الله. نعم.