بسم الله الرحمن الرحيم
المشهد الأول
 
عماد: كم معك من الرِّيالات يا ياسر؟
ياسر: معي خمسون ريالاً .. وأنت يا عماد، كم معك؟
عماد: وأنا أيضًا معي خمسون ريالاً.
ياسر: هل سجَّلت اسمك يا عماد في الفريق الذي سيخرج إلى المتنـزَّه اليوم؟
عماد: نعم، نعم يا ياسر .. سوف نكون سويًّا إن شاء الله.
ياسر: لقد سمعت يا عماد أن هذا المتنـزَّه من أفخر المتنـزَّهات وأكثرها رَوعة.
عماد: نعم، ولقد سمعت كذلك .. ولكن لا تنسَ يا أخي قوله الله تعالى:
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وقوله سبحانه: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍفلا نجعل يوم نُزهتنا هذه لهوًا وعبثًا وباطلاً .. لا بدَّ أن نخرج منه بفائدةٍ إن شاء الله.
ياسر: إن شاء الله يا عماد .. هيا، هيا يا عماد فلقد حضرت الحافلة.
صوت الحافلة من بعيد.
ركبوا جميعًا وانطلقت بهم الحافلة إلى المتنـزَّه.
ياسر: أوه، إنها مناظر رائعة، انظر يا عماد، انظر إلى هذه التلال التي تكسوها الخضرة.
عماد: سبحان الله! ما أروعها وأجملها! إنها حقًّا مناظر خلاَّبة..
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ.
عبد العزيز: نعم، نعم، وانظروا إلى هذا الشلال وروعة المياه المتدفِّقة وخريره العذب الجميل.
عماد: سبحان الله!.. مناظر جميلة في بلادنا، فلماذا إذن يُسافر الناس إلى بلادٍ أخرى للسياحة ويُضيِّعون أموالهم، وقد يقعون فيما لا يُرضِي الله عزَّ وجل.
عبد العزيز: الحمد لله فبلادنا غنيَّة بالمناظر الطبيعية الفائقة الجمال والروعة والجلال..
صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ.
عماد وعبد العزيز: إلى أين يا ياسر؟
ياسر: سوف أشترى طعامًا للغداء.
عماد: معي طعام يا ياسر، فلا داعي أن تشتري طعامًا آخر.
عبد العزيز: أنا كذلك معي طعام، فلا تشترِ شيئًا يا ياسر.
ياسر: لا .. لابدَّ أن أشارك.
عماد وعبد العزيز: يكفي طعامنا يا ياسر، فلا داع، وأخشى أن يفيض عن حاجتنا.
ياسر: لا بدَّ أن أشتري وأشارككم .. لا بد.
وذهب إلى المطعم ثم رجع يحمل طعامًا كثيرًا.
عماد: لماذا كلّ هذا الطعام يا ياسر؟
عبد العزيز: بكم هذا الطعام؟
ياسر: بخمسين ريالاً.
عماد وعبد العزيز: بخمسين ريالاً؟! بكلِّ ما معك! لماذا يا ياسر؟! ألم نقل لك بأنَّ معنا طعامًا يكفينا؟ وقد قال رسول الله
: «طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة».
ياسر: لا يفيض شيء، أنا أدرى بنفسي، فأنا جائعٌ جدًّا، وسوف آكل كلَّ هذا الطعام.
والتف الأصدقاء حول الطعام وأكلوا وبقي الكثير من الطعام، نظر عماد وعبد العزيز إلى الطعام الفائق وقالا في حسرة:
ألم نقل لك يا ياسر إنَّ الطعام سيفيض عن حاجتنا؟
ياسر: لقد كنتُ جائعًا جدًّا، وتخيَّلت أني سآكل الطعام كلَّه.
عماد: ولماذا لم تستجب إلى نصائح إخوانك؟
عبد العزيز: المهم، ماذا سنفعل في هذا الطعام؟
ياسر: نُعطيه إلى أيِّ واحدٍ من زملائنا.
عماد: اذهب يا عبد العزيز إلى هؤلاء الزملاء أو هؤلاء.
ذهب عبد العزيز ثم رجع وهو يحمل الطعام وقال لعماد وياسر:
- لقد عرضت الطعام على الكثير من زملائنا، والكلُّ رفض أن يأخذ شيئًا، فماذا نفعل بهذا الطعام؟
ياسر: يُمكننا أن نحتفظ به للعشاء.
عماد: ليس معنا ثلاجة لحفظ الأطعمة، والجو حارّ، فلو بقي للعشاء لخرب.
ياسر: فلا مفرَّ من التخلُّص منه وإلقائه في سلة المهملات.
عماد: وهذا ما كنت أخشاه، ولقد حذَّرتك يا ياسر، فهذا يُعَدُّ من التبذير المحرَّم المنهيُّ عنه شرعًا، فالله يقول:
وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ.
ياسر: ليس هذا تبذيرًا يا عماد، وقد كنت جائعًا جدًّا، وأحببت أن أشارككم.
عماد: لا تُبرِّر خطأك يا ياسر، فشراؤك للطعام لا يخرج عن كونه تبذيرًا.
ياسر: وأنت يا عماد الذي فعلته اليوم ألا تراه تبذيرًا؟
عماد: ماذا تقصد يا ياسر؟.. وأيُّ شيء فعلته تُعدُّه تبذيرًا؟!
ياسر: لقد رأيتك وأنت تُعطِي الرَّجل الأعمى خمسين ريالاً.
عماد: لقد كنت حريصًا على ألاَّ يراني أحد .. ثم كيف تقول يا ياسر إنَّ الصدقة تبذير؟.. استغفرِ الله يا ياسر، استغفر الله.
ياسر: نعم، هذا تبذير، يمكنك أن تُعطيه عشرة ريالات أو عشرين فقط، أمّا أن تُعطِيَه كلَّ ما تملُك فهذا تبذير.
عماد: قلت لك يا ياسر استغفر الله وتب إليه من قولك هذا.
وقف عبد العزيز ثم قال منهيًا الجدال بين صديقيه:
هيا يا عماد .. هيا يا ياسر، لقد ركب كلُّ زملائنا الحافلة ولم يبقَ إلا نحن.
وانطلقت الحافلة.
 
 
***
 
المشهد الثاني
 
عاد الأصدقاء، وبمجرَّد أن دخلوا المنزل حتى أقبلوا على جدِّهم وقالوا له مُحيِّين:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الجد العزيز.
الجد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً بفتية الإسلام، لعلَّكم سعدتم في رحلتكم اليوم.
قالوا جميعًا: الحمد لله، نعم سعدنا.
ياسر: لقد مرحنا كثيرًا ولعبنا وشاهدنا مناظر في غاية الجمال والروعة.
عبد العزيز: نعم، كانت رحلة طيبة جدَّدنا فيها نشاطنا.
عماد: إنها رحلة مباركة يا جدي، زاد فيها إيماننا بعظمة الخالق سبحانه وروعة خلقه .. تناسُق عجيب في الأزهار والورد والألوان والروائح الذكية، ومناظر خلابة في الأودية والسهول والجبال والتلال، وأصوات الطيور وخرير المياه.
الجد: المفروض يا أولادي أن تُذكِّركم هذه المناظر الجميلة بالجنة وما فيها، فإنَّ فيها ما لا عينٌ رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وبالتالي تتشوَّقون للجنة وترغبون فيها فتعملون بطاعة الله رجاء أن تدخلوها.
قالوا جميعًا: اللهم آمين .. اللهم آمين.
عماد: الحمد لله، لقد استفدنا كثيرًا ورجعنا بشُحنةٍ إيمانيةٍ ونشاطٍ كبيرٍ وإقبالٍ على الدرس والعلم.
الجد: نعم، نعم، فمثل هذه الرحلات ضرورية بين الحين والآخر للترويح عن النفس واستعادة حيويتها ونشاطها.
عماد: ولكن يا جدِّي لقد حدث أمر اختلفت فيه مع ياسر، فالرجاء أن تفصل أنت بيننا فيه.
ياسر: نعم يا جدِّي، افصل بيننا، فلقد اتهمني عماد بأنَّني من المبذِّرين.
الجد: يبدو أنكم لن تخلو من المشاكل حتى في أوقات المرح والنشاط، الله المستعان، فماذا حدث يا عماد؟.. تكلم أنت أولاً لأنك الكبير.
عماد: لقد كان معنا طعام كثير أنا وعبد العزيز، ومع ذلك صمَّم ياسر على شراء طعام آخر ونهيناه عن ذلك.
الجد: طبعًا ياسر ذهب واشترى طعامًا ولم يستجب لكما كما هي عادته .. أليس كذلك يا ياسر؟
ياسر: أحببت أن أشارك معهم.
عماد وعبد العزيز: لقد فاض طعام كثير، ولم نستطع أن نتصرَّف فيه فرَميناه في القمامة.
الجد: هذا لا يجوز .. هذا حرام يا بني .. نرمي نِعَم الله هكذا ولنا أخوة مسلمون في بلاد كثيرة يموتون من الجوع؟
فالحذر يا أولاد من التساهل في هذا الأمر، فإذا تكرَّر منا وفرطنا في هذه النعم وألقينا الطعام في القمامة أخشى أن تُسلَب منا هذه النعم .. فالحذر الحذر يا أولاد.
عماد: لنا سؤال يتعلق بهذا الموضوع.
الجد: تفضَّل يا بني .. تفضَّل.
عماد: لو أنَّ شخصًا معه خمسون ريالاً ورأى فقيرًا محتاجًا فأعطاه الخمسين ريالاً هل يكون هذا تبذيرًا؟
الجد: الإيثار يا أولادي لا يكون أبدًا تبذيرًا، وقد قال الله تعالى:
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وقال عمر بن الخطاب: أمرنا رسول الله أن نتصدَّق فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، فجئت بنصف مالي، فقال له رسول الله : «ما أبقيت لأهلك»؟
قال عمر: أبقيت مثله .. وجاء أبو بكر بماله كلِّه، فسأله رسول الله
: «ما أبقيت لأهلك»؟ فقال أبو بكر: أبقيت لهم الله ورسوله. فقال عمر: والله لا أسبقه إلى شيءٍ أبدًا.
عماد: اسمع يا ياسر .. اسمع وتعلم.
عبد العزيز: ويقول رسول الله
: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينـزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط مُنفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أَعط مُمسِكًا تلفًا»؟
الجد: نعم، نعم يا أولادي، فقد قال الله تعالى:
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وقال سبحانه: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ.
 
 



منقول من منتديات الطريق إلى الله - جزاهم الله خيرا