بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
هذا هو الإسلام في مجال الاقتصاد والمال
أما الإسلام في مجال الاقتصاد والمال، فللمال والاقتصاد أهمية كبيرة جدا، وذلك لأن الاقتصاد والمال قوة للأمة، وبقوة الأمة في مالها واقتصادها شأنها ذاتها ويقوى تكاتفها في داخلها، ويقوى أيضا أمرها مع أعدائها، فقوة الدولة في الإسلام وقوة المسلمين تنبع من أشياء، ومنها قوتهم الاقتصادية والمالية، وذلك لأنّ المظهر -مظهر القوة- في حكومات الإسلام لا يكون بالاهتمام بالاقتصاد والمال وأن يُرعى هذا الجانب كثيرا.
لكن الشرع في رؤيته للمال مع ذلك جعل هناك عدة أساسيات:
الأول أن المال مال الله جل وعلا، قال الله جل وعلا ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾[النور:33]، والبشر مستخلَفُون في هذا المال يسيرون فيه على وفق مراد الله جل وعلا، قال سبحانه ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾[الحديد:7]، فجعل الإنفاق يكون مما استُخلفنا فيه، فالمال بأنواعه مما استَخلفنا الله جل وعلا فيه.
لذلك قال العلماء: التبذير هو أن يُنفق المال في غير ما أمر الله جل وعلا به، فالإنفاق في الحرام تبذير، والإنفاق على وفق الشرع إنفاق فيما جعل الله الناس مستخلفين فيه بما يحب الله جل وعلا ويرضى.
المظهر الثاني من مظاهر أساسيات النظرة للاقتصاد ضمان حد الكفاية لأفراد الأمة الشرع رعى أن يراعى حد الكفاية لأفراد الأمة وللأسر بحسب حاجتهم، وذلك قد يكون عن طريق الدولة من خزانتها، كما فرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيت المال أشياء للمحتاجين وكما فرض أبو بكر وعمر إلى آخره، وقد يكون من التشريعات الإسلامية كتشريعات الزكاة والصدقة والواجب في النفاق على الأقربين ونحو ذلك.
من أساسيات من نظرة الإسلام إلى الاقتصاد والمال احترام الملكية الخاصة، فالملكية الخاصة محترمة والشرع يرعى أن تنمى الملكيات الخاصة الصغيرة قبل أن ترعى الملكيات الكبيرة، فأصحاب رؤوس المال الكبيرة الشرع يهتم بالصغار قبل الكبار، وهذا بخلاف النظرات الأخرى التي إما أن تحرم الغني أو أن تجعل الغني هو السلطان؛ بل راع الشرع أن يكون الصغير يشتغل ويعمل ويُنتج، حتى يكون المال في يده، قال الله جل وعلا ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ﴾[الحشر:7].
من أساس ذلك أيضا إعطاء الحرية الاقتصادية، فلا اقتصاد ولا قوة إلا بنوع من الحرية، ولهذا الشرع فتح باب الاقتصاد وجعل المحرم من المعاملات في الجاهلية محدودة، أهل الجاهلية كانوا يتعاملون بمعاملات كثيرة متنوعة فحرم الشرع منها أشياء وجعل الباقي على أصل الجواز.
أيضا من أساس ذلك الحثّ على أنواع التنمية الاقتصادية والعقارية والزراعية والصناعية والإنتاجية، وهذا لكل واحد منهما أدلته من فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو فعل الخلفاء.
من أساسيات الشرع في النظر إلى الاقتصاد والمال ترتيب الإنفاق والنهي عن التبذير والإسراف.
من أساسيات ذلك تحريم كل معاملة تؤول إلى الظلم الفردي أو الجماعي؛ لأنه قد يتسلط صاحب المال فيسعى من جهة حريته الاقتصادية إلى أن يظلم الفرد أو يظلم المجموع، قد يحس الفرد بظلمه؛ لكن يظلم المجموع، والشرع حرّم الظلم في الاقتصاد بأنواعه، وجعل التشريعات المتنوعة كفيلة بصد الظلم بأنواعه، وأن يكون العدل هو المطلوب، إما العدل في الرؤية للفرد أو العدل في الرؤية للجماعة.
كذلك راع الشرع نمو رأس المال أن يكون نمو رأس المال متاحا للصغير والكبير.
من القواعد العامة في نظرة الشرع إلى الاقتصاد والمال:
الأول أن الأصل في المعاملات المالية والاقتصادية الحل والإباحة إلا ما ثبت تحريمه في الشرع، وهذه قاعدة معروفة عند أهل العلم:
أنّ العبادات الأصل فيها الحظر المنع حتى يأتي دليل بالأمر بها؛ لأن العبادات لا يدخلها العقل ولا الرأي، فينظر فيها إلى أمر الشارع فيها.
وأما المعاملات فهي حياة الناس وهي دنياهم فلهم أن يجعلوا من التفريعات والمعاملات ومن أنواع المعاملات والأوضاع الاقتصادية والمالية ما يشاءون؛ لكن بشرط أن لا يكون فيها خمس أنواع المحاذير:
الأول: الربا.
الثاني: الميسر والقمار.
والثالث: الجهالة التي تؤدي إلى الخصومات والنزاعات.
الرابع: الغش والخداع.
والخامس: الظلم.
فإذا انتفى في أي نوع من المعاملة، أي نوع من الوضع الاقتصادي، أي نوع ما يريد الناس أن يحدثوه في أوضاعهم المالية أو الاقتصادية أو مؤسساتهم المالية والاقتصادية انتفت هذه الخمس، فالشرع يأمر بهذا النوع ويحث عليه، وهذه الخمس أكررها: الربا، القمار والميسر، الثالث الجهالة، والرابع الغش والخداع، والخامس الظلم.
من القواعد في ذلك أنه يجب أن يحقق الاقتصاد -الذي يأمر به الشرع ويحث عليه وتسعى به الأمة- أن يحقق مصالح الفرد ومصالح المجتمع ومصالح الدولة، وألا يحقق مصلحة أفراد مخصوصين، أو أن يحقق مصلحة طائفة معينة أو أن يحقق مصلحة حزب بعينه قال الله جل وعلا ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ﴾[الحشر:7]. والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سُئل أن يسعّر لما غلا السعر قال «فذروني إن الله هو القابض الباسط» وقال «إن الله هو المسعر» وذلك بفتح المجال حتى يستفيد الصغير، وألا يتحكم أناس في الإسعاد لصالحهم وأن تبقى فيه قوة في داخل المجتمع من الناحية الاقتصادية على حساب جهات أخرى.

"تحياتى لكم"