من أحق بالأمن ؟

د. عمر عبدالكافي

عجيب لفظ الأمن و الأمانة فى لغتنا الجميلة ، فإذا وصفنا إنساناً بالأمانة أي أنه صار أميناً و رجل أَمَنَة إذا كان يأمنه الناس و لا يخافون غاإلته و أمَنَة بالفتح إذا كان يصدق ما يسمع و لا يكذب بشيء .. و الأمنة أيضاً جمع أمين و هو الحافظ ، و ورد فى الحديث ( المؤذِن مؤتَمَن ) أى مؤتمن القوم الذى يثقون إليه و يتخذونه أميناً حافظاً ...

و ورد فى كتاب الله لفظ : أمين ، أفأمن ، أفأمنوا ، يأمنوا ، الأمن ، الآمنين ، آمِنا ، آمنة ، أمنة ، مأمنه ، مأمون ، تأمّنا..

و لا يستطيع إنسان مهما كان أن يستشعر الأمن إلا إذا أحاط نفسه بأمور أربعة:

· خوف من الله

· و قناعة بما رزقه

· و إخلاص نية

· و محبة للخلق

أما الخوف من الله فيحفزه على طاعته سبحانه فيجتهد فيها و تكون مراقبته لله سياجاً آمناً يعين من داخله لأنه سيصير له رصيد عند ربه يسحب منه عند الحاجة ، فهذا هو الفضيل بن عياض لما ركب السفينة مع جماعة من مريديه فلعبت الأمواج بهم فخاف القوم خوفاً شديداً و هو هادىء ذاكر لله فقالوا له يا إمام أما ترى ما نحن فيه أدع لنا ، فنظر إلى ربه السماء و قال: يا رب أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك فسكن البحر...

أما القناعة فهى التى تؤمن الإنسان على حاضره غير خائف من غده و لا حزيناً على أمسه فتصير ثقة آمن لموعود الله الذى ما عوده إلا خيراً و ما أعطاه إلا فضلا ..لقد دخل جيران المرأة الصالحة فى عصر التابعين لتعزيتها فى موت زوجها سائلين إياها ماذا ستصنعين مع تسع من البنات الصغيرات اللاتى تركهن لك زوجك و ما كان عنده إلا قوت يومه فقالت القانعة التى تعطينا درساً فى أمنة النفس: أكّالا لا رزاقاً فإن ذهب الأكّال فقد بقى الرزاق..

أما إخلاص النية فهو الذى يجعل الإنسان آمناً من الرياء و العجب و الكبر و حب الظهور و الرياسة لأنه يعمل لله و يترك لله و يخدم لله و يرضى لله و يغضب لله .إن الإخلاص ذو ثلاث شعب:

· لا يطلع عليه ملك فيكتبه.

· ولا شيطان فغيره.

· ولا عبد فيغتر به .

فإن أخلص العبد نيته لله مخاطباً نفسه كل صباح ( أخلصى تتخلصى ) فيذهب عنها الروع و الخوف و القلق ... أما محبة الخلق فيزرع للإنسان بساتين وارفة الظل فى ملكوت الخلق فإن غاب عنهم حنوا إليه و إن رحل ترحموا عليه.

حب الخلق يجعله يمسك لسانه عن ذمهم و يأمن جانبهم و دعاؤهم له مستجاب فنحن يجب أن ندعو الله بألسنة لم نعصِ بها الله ألا و هى ألسنة إخواننا فى الله لأننا ما عصينا الله بها و إنما عصيناه بألسنتنا نحن.

و إذا طالعنا كتاب الله متدبرين نسمع كلام ربّنا فى سورة الأنعام يقول- عز من قائل: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨١﴾ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴿٨٢﴾ فليس هناك إنسان أحق بالأمن إلا الذين آمنوا برب العباد سبحانه وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم فهؤلاء الذين ينعمون بنعمة الأمن فى الدنيا و النعمة الكبرى بالأمن فى الآخرة ألا تنصت لقول الله عز و جل فى سورة النمل مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴿٨٩﴾ و إذا أنعم الله على طائفة من عباده نسأل الله أن نكون منهم فيخبر القرآن عنهم فى سورة الدخان يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ﴿٥٥﴾

إن الأمن الحقيقي أن يعيش الإنسان في سلام مع نفسه و سلام مع الآخرين و لن يكون هذا إلا بصلته بالله سبحانه فبوركت يد تعين على أمن الناس و بوركت عيون تسهر لتحرس الناس من شر بعض الناس.

اللهمّ اجعل هذا البلد مطمأناً سخاءاً رخاءاً يا رب العالمين.