شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ...

يفتتح سفر نشيد الانشاد بعبارة . ليقبلني بقبلات فمه لان حبك أطيب من الخمر
ويرد الحبيب : ما أجمل خديك بسموط وعنقك بقلائد.
فتقول الحبيبة : حبيبي لي.بين ثديي يبيت
ويرد الحبيب : يا حبيبتي ها أنت جميلة.عيناك حمامتان
ويصلان معا إلي السرير الأخضر ، ويضع الحبيب شماله تحت رأس الحبيبة ويمينه تعانقها
ويبدأ في التغزل بجسد الحبية من القدمين إلي الشعر، ويتفنن في وصف شعرها وأسنانها، يتغزل بخديها وفخذيها بفمها الشبيه بـ شق في رمانة، بشفتيها اللتين تقطران شهدا، بثدييها المكورتين، بسرتها الذي لا ينضب، بريق فمها العذب بطعم لسانها المعسل ولعابها اللزج" شفتاك كسلكة من القرمز.وفمك حلو.خدك كفلقة رمانة تحت نقابك ثدياك كخشفتي ظبية توأمين يرعيان بين السوسن شفتاك يا عروس تقطران شهدا.تحت لسانك عسل ولبن ورائحة ثيابك كرائحة لبنان." إلي ان تقول الحبيبة " حبيبي مد ذكره من الكوة فأن له فرجي - أي عورتي -"
من هو هذا الحبيب الولهان صاحب التعابير الغرامية الحريئة للغاية؟ من هوالمتيم الذي لم يترك عورة في حبيبته إلا ووصفها عضوا عضوأ؟
سؤال لا أعد القارئ بالجواب عليه لكن يقينا ليس الإله يهوي كما يزعم البعض


يتساءل متى بهنام في تفسيره للإصحاح الأول من نشيد الإنشاد
"من هذا الذي تطلب منه العروس أن يقبلها، أليس هو الرب يهوه _ الله" ؟
هل حقا هذا الحبيب المتيم هو يهوه الإله؟ هل يمص لسان حبيبته ويرتشف رحيقها
يقول متى بهنام : نعم أنه هو بلا شك،
ومتى بهنام لا يرى شيئا مما نراه من العورات، وبل ويصف هذا الغزل الفاحش بالخشوع إذ يقول" ما أجمل كلمات العروس التي يزينها الخشوع، فهي لا تقول "ليقبلني الله" أو "ليقبلني الرب يهوه _ أو المسيا" بل تقول بكل ورع "ليقبلني (هو)" ليتنا مع يقيننا بمحبة المسيح نتمثل بالعروس فنتحدث عنه أو معه بكل وقار واحترام، ونوجد في حضرته "بخشوع وتقوى"
إذا تجاوزنا القبلة والعناق وتجاوزن ومص اللسان ورشف الرحيق، فكيف نتجاوز مد الذكر ( العضو التناسلي ) وأثره علي فرج الحبيبة؟ هل في هذا خشوع أيضا ؟ وإن كان في هذه الألفاظ خشوع فلماذا تم تعديلها؟
النص بصيغته الحالية يقرأ " حبيبي مدّ يده من الكوّة فانّت عليه أحشائي"
لكن النص الأصلي كان يقرأ
حبيبي مد ذكره من الثقب فأن له فرجي - عورتي - وهذا النص واحد من النصوص التي غيرها النساخ، فيما يعرف بـ تكون سوفريم ( Tiqqune Sopherim תיקון סופרים ) " أي تعديلات النساخ،

الموسوعة اليهودية ENCYCLOPAEDIA JUDAICA تعرف مصطلح تكون سوفريم بـ
تغييرات في نصوص الكتاب المقدس، قام بها النساخ في مكان النصوص الأصلية المسيئة أو التي تظهر عدم الاحترام مع الله . (v19 p 723 ) مادة Tiqqune Sopherim תיקון סופרים
وأشهر مثال على النصوص التي أعتبر مسيئة إلى الله، ما جاء في سفر التكوين عن بقاء إبراهيم قائما أمام الله، فالأصل ان الله زار إبراهيم ومعه اثنين من الملاك، فلما انصرف الملاك، ظل الله واقفا أمام إبراهيم، ولكن النساخ عكسوا النص، فجعلوه " وانصرف الرجال ( الملاك ) من هناك وذهبوا نحو سدوم.واما ابراهيم فكان لم يزل قائما أمام الرب " ( التكوين 18/22 ) ومن الأمثلة على التيكوم سوفريم نص حبقوق " ألست أنت منذ الأزل يا رب الهي قدوسي.لا نموت" ( 1/12 ) ومن الواضح ان النص لا يستقيم بصيغته الحالية،فالنص اذ يقدس الله ينفي الموت عن الإنسان، والأصل أنه ينفي الموت عن الله " إلهي قدوسي لا تموت"
وتضيف الموسوعة أن الحاخامات يشيرون إلي ثمانية عشر نصا غيره النساخ، وورد ذكر النصوص المبدلة في مدراش تهوما ومدراش رباه وفي تفسير راشي الذي اكتفي بذكر ثمانية أمثلة، وقال ان رجال السيناغوغ غبروا هذه النصوص، وكان هؤلاء أيضا يعملون كنساخ (أنظر النص الإنجليزي بالهامش )
ومن أسباب تغيير النصوص، كون الكلمات فاحشة أو جنسية كالنص الذي نناقشه " حبيبى مد ذكره من الكوة فأن له فرجي" وهذا النوع من التغيير يطلق عليه kinnāh ha-katûb وبالإنجليزية " يوفمزيم (Euphemism ) أي ( التعبير عن كلمة غير مقبولة بأخري مقبولة، ( الكناية )
التفسير الرمزي لنشيد الإنشاد قول من الأقوال وليس القول الوحيد، يوحنا خمير ولويس خليفة أستاذ العهد القديم بجامعة الروح القدس – لبنان، إشتركا في تأليف كتاب " نشيد الإنشاد أروع الأناشيد، ويذكر الكتاب، خمس مدارس تفسيرية، فإلي جانب المدرسة الرمزية، هناك تيار آخر يري ان نشيد الإنشاد " خلاصة طقوس وثنية قديمة تقيم الذكري لإله مات، تفتش عنه حبيبته التي هي إلهة الحب والحرب "
وهناك التفسير الدراماتيكي، ويري ان نشيد الإنشاد يعبر عن واقع غرامي جنسي، غير ان هذا التيار ينزه النشيد عن العلاقة غير المشروعة، أي ان النشيد يعبر عن علاقة جنسية مشروعة، (14ص ) وهذا التيار وإن كان يسلم بالواقع الجنسي للنشيد ألا أنه لا يقصد إبرازه، وانما ينادي الى الحفاظ على الأمانة والوفاء في الحب، فالحبيبة أمنينة للحبيبها الراعي، ويمثل سليمان الثروي القوي الذي يحاول انتزاع الحبيبة من يد حبيبها - وهناك التفسير الطبيعي، ويري في نشيد الإنشاد مجموعة أغاني تشيد بالحب الجنسي الواقعي، ويقول لويس خليفة ان هذا التيار بشبه نشيد الإنشاد بمجموعات الحب المصرية الفرعونية القديمة، والأغاني الغرامية الدنيوية الجريئة التي لا بعد روحي لها، فهي أغاني إباحية، ويتعجب أصحاب هذه المدرسة كيف أضيف هذا السفر بين أسفار العهد العتيق - وهناك تبار يحاول الجمع بين الأقوال الأخرى ويري ان نشيد الأناشيد شعر حب غرامي يصف الحب المتبادل المألوف بين شاب وصبية، وهو حب يشمل الجسد، العاطفة والروح (15ص )
ويقول يوحنا خمير
إن التفسيرات الأخرى تهربت من الواقع الجسدي لنشيد الإنشاد لخوفها من كل ما يسمي جنسا إذ تعتبر الحب الجنسي شيئا تافها نجسا وللأسف سيطرت هذه التيارات على لاهوت الكنيسة وروحانياتها طويلا ( ص 15 ) ويضيف لويس خليفة الذي يتبني الفكر الأخير" السفر واضح ولا داعي الي تعقيده، أنه نشيد الحب الجسدي لا أكثر ولا أقل" ( ص 16 )

إذن، هناك أكثر من تيار يري ان نشيد الإنشاد شعر جنسي، واليهود يقرون ان النساخ غيروا في النصوص، فهل هذه التغييرات طالت النص محل النقاش في نشيد الأناشيد؟ " حبيبي مدّ يده من الكوّة فانّت عليه أحشائي"
نعود الى الوراء بعض الأعداد، فبعد أن وصف الحبيب مفاتن حبيبته وتغزل بلذة لسانها وريقها ولعابها، تدعوه الحبيبة إلي خطف الثمرة المحرمة " ليأت حبيبي الى جنته ويأكل ثمره النفيس" 4/6 ) وتحث علي السكر " كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا أيها الأحباء" (5/1) كي " تستبيح كل ما تغري به مفاتن الجسد وتدعوا إليه الشهوات " (يوحنا خمير ص 11 )
وعن عبارة ليأت حبيبي إلي جنته يقول (يوحنا خمير ولويس خليفة ص 53 ) " التعبير ( الدخول إلي الجنة ) يعني غالبا في العهد القديم، مشاركتها السرير، ويعني أكل ثمارها التمتع بحبها"
الحبيبة مستلقية علي السرير الأخضر تنتظر مجيء الحبيب وتداعبها الخيالات الجنسية، ترغب في اشباعها تحت خفاء الظلام " وقد يحول الحياء أو خوف الذم دون قبلة في العلن ولكن إذا حجب الحبيبان عن الأنظار، تماديا كل التمادي ولا حرج، فلا قانون لهذا الحب سوي الحب" ((يوحنا خمير ولويس خليفة ص 11 ))
لكن الحبيب نـأخر، فهو لا يزال في الحانة يسكر مما أغضب الحبيبة، وأخذها السبات، غير ان النار لم تنطفئ، " انا نائمة وقلبي مستيقظ" 5/2 ) طال الانتظار، لكنه أتي في النهاية " صوت حبيبي قارعا.افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي" هل حقا أتي ليحقق رغبتها. الغالب أنه أتاها في الحلم بسبب الأفكار الجنسية المسيطرة عليها؟ المهم أنه أتي واعتذر على تأخره بسبب السكر " يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي لان راسي امتلأ من الطل وقصصي من ندى الليل" 5/2 ) تحتار الحبيبة، هل تفتح له بعد أن حطم كبريائها، أم تصرفه، ولكن كيف تصرفه وقد خلعت ثيابها " قد خلعت ثوبي فكيف البسه. " (5/3)
وبينما هي محتارة، يمد الحبيب السكران يده من ثقب الباب فأثار أحشائها " " حبيبي مدّ يده من الكوّة فانّت عليه أحشائي"
هل حقا مد الحبيب يده من الكوة أم أنه مد شيئا آخرا؟
سنعود للجواب على هذا السؤال بعد أن نكمل القصة، فبعد ان رأت الحبيبة ما رأت، ممتدا من خلال ثقب الباب، لم يعد أماما خيار آخر سوي فتح الباب، ولكن ما أن فتحت الباب حتى ولي الحبيب مدبرا، نادته فلم يرد، فذهبت على أثره " فتحت لحبيبي لكن حبيبي تحول وعبر.نفسي خرجت عندما أدبر.طلبته فما وجدته دعوته فما أجابني." (5/6)
جالت الشوارع تبحث عنه، وقعت في يد الشرطة، ضربوها جرحوها واغتصبوها " وجدني الحرس الطائف في المدينة.ضربوني جرحوني.حفظة الأسوار رفعوا ازاري عني". (5/7)
ونعود إلي السؤال الذي طرحناه
هل حقا مد الحبيب يده من الكوة أم أنه مد شيء آخر أصابه مرض تكون سوفريم؟
اليد لن تثير غريزتها إلي حد يجعلها تعدوا خلفه بحثا عنه، ان الذي أنت له أحشائها، أي فرجها، إنما هو قضيب الرجل في ثقب الباب، ولكن سرعان ما قضي الحبيب حاجته، ومعلوم أنه في حالات الشهوة المحرمة، بعد ان يقضي الرجل شهوته لا يكاد يطيق عشيقته، ولهذا ولى الحبيب مدبرا
ويقول (يوحنا خمير ولويس خليفة ص 55 ) عن كلمتي يد والأصبع " يستعمل الكتاب هاتين الكلمتين كمرادفتين، ويكثر استعمالهما كما في النصوص الأوغاريتية رمزا إلي الأعضاء الجنسية،
أما كلمة أحشائي فاعني فرج المرأة في سياق هذا النص و يوحنا خمير ولويس خليفة لم يبعدا كثيرا عن هذا المعني، وقالا " تعني الأحشاء في المفهوم الشرقي موقع الإخصاب أو الإنجاب، وتعني الأحشاء حنان الأم وشفقتها، وتعني في هذه الآية ما تعنيه في اشعياء 63/15 أي الشهوة والهوى" ص 55
ويقول Garrett, D. A. في تفسيره للنص ان كلمة اليد في العبرية واللغات السامية الأخرى تستخدم كتعبير عن العضو الرجالي،( أي قضيب الرجل) والكناية الجنسية في النص واضح جدا ( ج14 ص 408 )

the word “hand” is used in Hebrew as well as in other Semitic languages for the male member, the meaning of the line as a sexual metaphor is clear.

يقول مارفين هوب Marvin H. Pope انه من الثابت ان كلمة يد استخذت كمعني لقضيب الرجل في المجتمعات السامية في الشمال الغربي، وفي أشعار الأوغاريتية - وتنص قوانين مجتمعات وادي قمران على عقوبات لمن يكشف عن يده، أي قضيبه إذ ان اليد لا تحجب، ويد الحبيب الممتدة خلال الكوة في نشيد الإنشاد توحي إلى ولوج القضيب
Vol. 1, Page 720

إذن العبارة التي تقرأ حاليا " حبيبي مدّ يده من الكوّة فانّت عليه أحشائي تعني حبيبي مد ذكره من الثقب فأن له فرجي، وهكذا كان مكتوبا في الأصل وغيره النساخ لتخفيف وطئ العبارة علي السامع، وإن الكلام الذي خجل منه اليهود فغروه لا يتصور ان يكون من عند الله،
قد يكون نشيد الإنشاد شعرا جنسيا جميلا معبرا ولكنه لن يتعد ذلك، ولا يليق ان يقرأ خارج غرف النوم بين حبيين تربطهما علاقة مشروعة، أما كونه يرمز إلي الإله والكنيسة فهذا قول شاذ، كيف وكاتبه لا يعرف الله ولم يذكره ولا مرة واحدة، ، وصاحب الفطرة السليمة لا يمكن ان يقبل ان تضرب مثل هذه الأمثال على الله، بل ان الإنسان لا يقبل ان يكتب عنه انه مد قضيبه من الثقب فأنت له فروج النساء

النص الإنجليزي من موسوعة ENCYCLOPAEDIA JUDAICA
TIKKUN SOFERIM, certain changes in the text of the Bible made by the early *soferim in places which are offensive or show lack of respect to God. The members of the Great *Synagogue were also soferim, and the rabbis attribute to them 18 such tikkunim.These are enumerated in Midrash Tanḥuma and Midrash Rabbah,and Rashi in his commentary on the Bible quotes eight of them on the relevant passages.

المراجع
متى بهنام, خمائل الطيب تفسير سفر نشيد الإنشاد، نسخة بيت الله الألكترونية
يوحنا خمير ولويس خليفة، نشيد الإنشاد أجمل نشيد في الكون، المطبعة البولسية لبنان 1994
ENCYCLOPAEDIA JUDAICA, ed Fred Skolnik. (2007) KETER PUBLISHING HOUSE LtD., JERUSALEM
Garrett, D. A. (2001, c1993). Vol. 14: Proverbs, Ecclesiastes, Song of songs; The New American Commentary (Page 408). Nashville: Broadman & Holman Publishers.
Marvin H. Pope. The Anchor Bible Dictionary. Ed Freedman, D. N. (1996, c1992) . New York: Doubleday


بقلم محمود أباشيخ