معنى كلمة دعاء فى الكتاب والسنة

الإخوة الكرام

حينما تذكر كلمة دعاء أو دعوة يقصر معناها الكثيرون منا على السؤال من الله سبحانه وتعالى لجلب منفعة أو منع مضرة ! وهذا غير صحيح فهناك نوعان من الدعاء ... دعاء عبادة ودعاء مسألة ، ولما كان دعاء المسألة يدخل فى العبادة فلذلك كان الخلط !!!

فمثلا فى سور إبراهيم ورد على لسان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام هاتين الآيتين :

الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء {39} رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء {40}

فى الآية 39 دعاء يسمع ، وفى الآية 40 دعاء يتقبل ، الدعاء الأول هو للمسألة والدعاء الثانى هو للعبادة .

وإليك ما ورد لشيخنا الجليل رضوان الله عليه ابن تيمية فى كتاب الفتاوى الكبرى :

"" لفظ الدعاء والدعوة في القرآن يتناول معنيين : دعاء العبادة ودعاء المسألة . قال الله تعالى : { فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين } الشعراء : 213 ] وقال تعالى : { ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون } المؤمنون : 117 ] وقال تعالى : { ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو } القصص : 88 ] وقال : { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً } الجن : 19 ] وقال : { إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً } النساء : 117 ] وقال تعالى : { له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه } الرعد : 14 ] وقال تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } الفرقان : 68 ] وقال في آخر السورة : { قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم } الفرقان : 77 ] .

قيل : لولا دعاؤكم إياه وقيل : لولا دعاؤكم إياكم فإن المصدر يضاف إلى الفاعل تارة وإلى المفعول تارة ولكن إضافته إلى الفاعل أقوى لأنه لا بد له من فاعل فلهذا كان هذا أقوى القولين أي : ما يعبأ بكم لولا أنكم تدعونه فتعبدونه وتسألونه : { فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً } الفرقان : 77 ] أي عذاب لازم للمكذبين ولفظ الصلاة في اللغة أصله الدعاء وسميت الصلاة دعاء لتضمنها معنى الدعاء وهو العبادة والمسألة . وقد فسر قوله تعالى : { ادعوني أستجب لكم . بالوجهين قيل : اعبدوني وامتثلوا أمري استجب لكم . كما قال تعالى : { ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الشورى : 26 ] أي يستجيب لهم وهو معروف في اللغة يقال : إستجابه واستجاب له كما قال الشاعر الجواب وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب وقيل : سلوني أعطكم وفي ا > لصحيحيْن < عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : > ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : مَنْ يدعوني فأستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له < فذكر أولاً لفظ الدعاء ثم ذكر السؤال والاستغفار والمستغفر سائل كما أن السائل داع لكن ذكر السائل لدفع الشر بعد السائل الطالب للخير وذكرهما جميعاً بعد ذكر الداعي الذي يتناولهما وغيرهما فهو من باب عطف الخاص على العام وقال تعالى : { إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } البقرة : 186 ] وكل سائل راغب راهب فهو عابد للمسؤول وكل عابد له فهو أيضاً راغب وراهب يرجو رحمته ويخاف عذابه فكل عابد سائل وكل سائل عابد فأحد الإسمين يتناول الآخر عند تجرده عنه ولكن إذا جمع بينهما : فإنه يراد بالسائل الذي يطلب جلب المنفعة ودفع المضرة بصيغ السؤال والطلب ويراد بالعابد مَنْ يطلب ذلك بامتثال الأمر وإن لم يكن في ذلك صيغ سؤال والعابد الذي يريد وجه الله والنظر إليه هو أيضاً راجٍ خائف راغب راهب : يرغب في حصول مراده ويرهب من فواته . قال تعالى : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً } الأنبياء : 89 ] وقال تعالى : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً } السجدة : 16 ] ولا يتصور أن يخلو داع - دعاء عبادة أو دعاء المسألة - من الرغب والرهب ومن الخوف والطمع ."" ... انتهى



ويؤيد هذا المعنى ما جاء فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دعاء عرفة ، فالذكر ليس مسألة ولكنه عبادة :

خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"

ولذلك ورد فى حديث آخر :

حديث ابن عمر رفعه " يقول الله تعالى من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين " أخرجه الطبراني بسند لين، وحديث أبي سعيد بلفظ " من شغله القرآن وذكرى عن مسألتي " الحديث أخرجه الترمذي وحسنه

أى أن الذكر والعبادة أفضل من المسألة كما ورد بالحديث الشريف .

أود هنا أن أذكر بعض آيات توضح هذا الفهم جيدا :
فمثلا فى سورة غافر :

{وقَالَ ربُّكمْ ادعُوني استجِبْ لكُم إنَّ الَّذِين يستكبرونَ عَن عبَادَتِي سَيَدْخُلونَ جهنَّمَ داخِرينَ} {60}

بنص الآية فالدعوة هنا هى العبادة وليست المسألة فقط . وترتبط هذه الآية بآية سورة البقرة :

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {186}

لتشمل الدعوة هنا ما هو أشمل من الدعاء فقط ويمتد معناها إلى العبادة التى يدخل فيها دعاء المسألة .

كنت أود أن استطرد فى ايراد أمثلة كثيرة جدا من القرآن الكريم ، ولكنى أترك ذلك لكم حتى لا أطيل الموضوع .