الرحيل ...
وبعد هذا الحادث ...أحس الفارسي أن هذا نداء له بالرحيل ...
جلس على الأرض وفي يمينه عصا يضرب بها حجرا" أمامه ...حركة لا إرادية كأنها تعبير عن الهموم
حينها سمع حداء" انتفض له ...حداء" عربيا" بصوت رخيم ...وألقى بسمعه إلى الرنيم
ثم جرى إلى الطريق الواسع يتتبع الصوت ...الذي فاحت منه رائحة الجزيرة
( آه ..! أرض الجزيرة ...أرض ذات نخل بين حرتين... آه !)
وسكت الصوت .
وبدا سواد القافلة ... و وقف الفارسي في الطريق وقد مد ذراعيه إلى جانبيه كل في ناحية
ليستوقف الركب .
_ أيها الحادي ...صاح الفارسي .
_ أيها الحادي ..لقد أثرت أشواقي ...قفوا بالله عليكم .
_ فجاءته أصوات مختلطة :
_ ماذا تريد أيها الرجل ؟
_ إن لكم سحنة* قوم أحبهم .
_ ولكنك لست منهم .
فرد عليه الفارسي عاتبا" : ظلمتني ..أين وجهتكم بالله عليكم ؟
رد عليه صاحب صوت أجش :
_ وجهتنا جزيرة العرب .فماذا تريد منا ؟
أمسك الفارسي بزمام ناقته وتشبث به .ورفع رأسه إلى الرجل وقال بصوت سمعه الجميع :
إنني أقيم هنا .وليس هذا وطني يا سادتي ..أنا من بلاد فارس .لكن وجهتي جزيرة العرب
و أنا أملك أشياء كثيرة لا أهمية لها عندي .فهذه الأبقار والأغنام لي خذوها وأقتسموها
سأسوقها أمامكم ...واتركوني في الجزيرة في أي مكان عامر .
وكان الفارسي قد حمل معه أمتعته التي لا تزيد عن الغطاء والرداء وساق أمامه ماشيته
حتى وصل إليهم فأردفه واحد منهم خلفه, ثم أستأنف الركب سيره .
وعند أقرب بلد باعوا أملاك الفارسي واقتسموا ثمنها , و لقد كان موقنا"
بأن الطريق لن يطول وأنهم سيحسنون إليه مثلما أحسن .
وأخذوا ينفقون منها في كل بلد يمرون به ... ونفد كل ما أخذوا ... وبدأ الموقف يتبدل
و أحس الفارسي أنه غير مرغوب فيه ...وأنه سقط في فخ ...فحاول أن يلجأ إلى الصبر والحيلة.
وكان أول ما لقيَه أن قال له الرجل الذي أردفه وراءه :
_ إن راحلتي قد تعبت إنك أثقل من عشر رجال , أعطني سيفك هذا وإلا ترجل ...اجر وراءناإن شئت
فرد عليه :
_ دعك من السيف ,لكن أنا مستعد أن أعطيك أحدى بردتي هاتين وتكفيني واحدة .
رد رئيس الركب بصوته الغليظ قائلا":
_ أنت رجل مغرور ,أما يكفي أننا أحتملناك كل هذه المدة من أرض الروم إلى الشام
وها نحن أولاء قدمنا وادي القرى ؟ إعلم أننا قادمون بعد قليل على قبيلة من اليهود
تُقيم في الوادي وأن أبي كان قد أصهر فيهم ...أي إنهم أخوالي .
تعالت ضحكات ساخر ة من آخر القافلة ...أحس بعدها أن أشياء ضده قد دبرت بليل
لكنه تحسس سيفه فنظر إليه اليهودي وقال له :
_إنك لكي تصل هنا كان لابد أن تدفع الثمن .
رد الفارسي :
_ها أنت ترى أنني مستعد أن أتخلى عن ردائي وشملتي أما سيفي فلا ...ثم بقيت( النَّفْسُ)
... وليس لها إلا مالك واحد , هل تعرفه ؟
رد قائلا" :
_ نعم أعرفه ... وهو أنا .
...................
سحنة* :هيئة
...............
يتبع بأذن الله تعالى
المفضلات