الــــــــــــــــــــرد


الصلاة عماد الدين، وهي صلة بين العبد وبين رب العالمين، وقد يسر الإسلام أداءها على المكلفين ، فكان من يسر الإسلام صلاة النافلة على الدابة .

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (باب استقبال القبلة، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يوميء برأسه، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يفعله ) وفي رواية: ( كان يوتر على بعيره ) ولمسلم: ( غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ) وللبخاري ( إلا الفرائض ) ).

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (باب استقبال القبلة) وأتى في هذا الباب بثلاثة أحاديث:

الباب فيه عدم افتراض استقبال القبلة في النافلة على الراحلة، هذا الحديث: ( كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يوميء برأسه ) فيبين عدم إفراد استقبال القبلة في النافلة على الراحلة.

والحديث الأخر في الباب فيه الصلاة على الدابة أيضاً.

فكأن المراد هو باب استقبال القبلة في الفرائض، أو وجوب استقبال القبلة في الفرائض، أنه يقصد أن يقول: إن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة في الفرض.

أيضاً لدلالة قوله في الحديث: ( غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ) وفي البخاري ( لا يصلي عليها الفرائض أو إلا الفرائض ) يعني : يصلي على راحلته يوميء حيث توجهه إلا الفرائض، أي: لا يصلي عليها الفرائض، ولا يصلي عليها المكتوبة.

حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يوميء برأسه، وكان ابن عمر يفعله ) الكلام على الحديث من وجوه:


أولا: معنى التسبيح ( كان يسبح على ظهر راحلته ) التسبيح يطلق على صلاة النافلة، وهذا الحديث من هذه الأحاديث التي يطلق فيها التسبيح على صلاة
النافلة، فقوله: ( يسبح ) أي: يصلي النافلة على راحلته، وربما أُطلق التسبيح على مطلق الصلاة سواء كانت نافلة أو سواء كانت فريضة، وقد فُسر قوله تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴿39 ﴾ ﴾ [ق: 39] على صلاة الصبح وصلاة العصر.


أيضاً ( كان يسبح على ظهر راحلته ) الراحلة هي الناقة الصالحة لأنْ ترحل، ومفهومها غير مراد، يعني: لا يشترط أن تكون ناقة يمكن كما سيأتي في الحديث الثاني في الباب ( كان يصلي على حمار ) فلا يشترط أن تكون ناقة، فمفهومها غير مراد ( كان يصلي على راحلته ) أي على دابته أيا كانت هذه الدابة، فيجوز للمرء أن يصلي على دابته التي يركبها في السفر حيث توجه.

والحديث دليل على جواز النافلة أو صلاة النافلة على الراحلة، وأيضاً جواز صلاتها حيث توجهت بالراكب راحلته، أينما توجهت فإنه يصلي ولا يشترط استقبال
القبلة، وكأن السبب في ذلك هو التيسير لتكثير النوافل على المسافر، كما يقول العلماء: فإن ما ضُيِّق طريقه قل وما اتسع طريقه كثر وسهل.

فحتى يُوَسِّعَ عليك في النافلة فخَفَّفَ عنك وأسقط عنك استقبال القبلة وجعلك تصلي حيث توجهت، وأيضاً هذا فتح باب لتعظيم الأجر أو لتكثير الأجر.

أيضاً من الوجوه التي نتكلم عليها في الحديث قوله: (كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه ) يستنبط منه ما قاله بعض الفقهاء إن جهة الطريق تكون بدلا عن القبلة، أي: فلا ينحرف عنها، إذا صارت جهة الطريق فهي قبلته، فصارت بدلا عن القبلة فلا ينحرف عن جهة طريقه لغير حاجة، وصارت هذه الجهة هي القبلة أو بدل القبلة بالنسبة له.

أيضاً من الوجوه التي نتكلم عنها قوله: ( غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ) صلاة الفريضة لا تشرع ولا تصح على النافلة طبعاً إلا لعذر، افترض أنه
تعذر أن ينزل ويصلي على الأرض فيصلي على دابته، كذلك لو كان المرء مسافر في طائرة، مثلاً ركب في منتصف الليل ولا ينزل من الطائرة إلا بعد الصبح فيصلي في الطائرة أو في القطار فرضه وهو على الدابة؛ لأنه لا سبيل له إلا ذلك ولا يستطيع أن يؤجل الوقت حتى ينزل؛ لأن الوقت يكون خرج .

لكن إن كانت في إحدى الصلاتين جمع ظهر أو عصر وتمكن أن يجمع ويصلي على الأرض فهذا أولى له؛ بل يجب عليه إذا تمكن من أن يصلي على الأرض جمعا سواء كان جمع تقديم أو جمع تأخير فلا يصلي الفرض على الراحلة.

والله أعلم .