ألحمدُ لله ِالقائل ِفي محكم ِالتنزيل ِ:﴿ :start-ico ألذي خلقَ الموتَ والحياة َ ليَبلوَكـُمْ أيُّـكـُمْ أحسنُ عَمَلا ًوهو العَزيزُ الغفور ﴾الملك 2

فهنيئاً لِمَنْ لاقى اللهَ وقد صلـُحَ عَملـُهُ , وتعِسَ مَنْ ساءَ عَملـُهُ حتى جاءَهُ أجلـُه ُ.
ثمَّ الحمدُ للهِ الذي جعلَ الموتَ راحة ً للأتقياء , وموعداً في حقـِّهم للقاء , وجعلَ القبرَ سجناً للأشقياء , وحبسَاً ضيقاً عليهم إلى يوم ِالفصل ِ والقضاء .
أيُّها المؤمنون : لقد خاطبَ ربُّ البشرِ، سائرَ البشرِ, بما خاطبَ بهِ سيدَ البشر, فقالَ عزَّ مِنْ قائل :﴿ :start-ico إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهُمْ مَيِّتون ﴾ الزمر 30
فاللهُ تباركَ وتعالى كتبَ على خلقِهِ الفناءَ , ولنفسِهِ البقاءَ فقـــالَ :﴿ :start-ico كلُّ مَنْ عليهَا فان, ويبقى وجهُ ربِّكَ ذوالجلال ِ والإكرَام ﴾الرحمن 26-27
وقال:﴿ :start-ico كلُّ شيءٍ هالكٌ إلاَّ وَجهَهُ ﴾ القصص 88 فالموتُ هوَ الوقتُ المعلومُ , والأجلُ المحدودُ , فإذا جاءَ أجَلُ الإنسان ِ فقد دنتْ ساعَته ُ، وحانتْ منيَّـتـُهُ .
وصدقَ الله ﴿ُ :start-ico ولِكـُلِّ أمَّةٍ أجلٌ فإذا جاءَ أجلهُمْ لا يستأخِرونَ ساعة ً ولا يستقدِمُون ﴾ الاعراف34 . والساعة ُهنا أقلُّ الوقت .

أيُّها العُقلاءُ الأكارمُ : إنًّ العُمُرَ قصيرٌ، وإن طالَ التـَّمَتـُّعُ بهِ, وإنَّ القبرَ يَضيقُ إلاَّ لِمَن أعدَّ لهُ, وإنَّ الحسابَ قريبْ , فمَن يُعِدُّ لهُ ؟ فاليومَ عملٌ ولا حِساب , وغداً حِسابٌ ولا عَمل , فلا بدَّ واللهِ منَ التفكـُّرِ والتدبُّرِ, إذا علِمنا أنَّا ما خـُلقناإلاَّ لِنعبُدَ اللهَ عزَّوجلَّ كما أرادَ لنا أن نعبُدَهُ . وكتابُ اللهِ يَحُثـُّنا على إخلاص ِالعمل ِ وصِحَّـتِهِ ﴿ :start-ico قل إنِّي أمرتُ أن أعبُدَ الله َ مُخلِصاًً لهُ الدين ﴾ ألزمر 11
ويَطلبُ مِنـَّا البقاءَ على ذلكَ حتى نلقاهُ ﴿ (( واعبُدْ رَبَّـكَ حتى يَأتيَكَ اليقين ))﴾ الحِجر 99
وإنـَّا لنرى أحكامَ اللهِ وقدْ عُطِّـلتْ , وشَريعَتـُهُ وقدْ غُـيِّبَتْ , وأنـَّا لواقِفونَ ببابهِ , ليسألَنَا عمَّا قدَّمنا لِدينِنا وأنفسِنا وأمَّـتِنا (( وقِفـُوهُمْ إنـَّهُمْ مَسئولون )) الصافات 24
فلا تـُنحُّوا أنفـُسَكمْ وتـُبَرِّؤوها بحُجَّةِ ماذا عَملَ العامِلونَ ؟ بلْ سَلوا أنفـُسَكم ؟ ماذا قدَّمتم لِلعامِلينَ لِدينِكـُم فاَنَّـكـُمْ مُّلاقوه ، فإنْْ كانَ خيراً فخيرٌ قدَّمتمُوه :start-ico كلُّ نفس ٍ بما قدَّمَتْ رهينه المدثر 38 وإنْ كانَ شراً فلا يَلومَنَّ إلاَّ نفسَهُ ﴿ (( بل ِالإنسانُ على نفسِهِ بصيرة ٌ{14} ولو ألقى معاذيرَهُ (15) ))﴾القيامه .
وهذا أبوالدرداءِ :radia-ico ، لمَّا حضَرتهُ الوفاة ُ بكى !! فقيلَ لهُ : يا أبا الدرداءِ أجَزَعَاً منَ الموتِ تبكي؟ فقالَ : لا واللهِ ما جَزَعاً منَ الموتِ أبكي !! ولكنِّي تيقـَّنتُ أنِّي مُقبل ٍ على رَبِّي وأنـَّه سائِلي , أعلِمتَ يا أبَا الدرداءِ ؟ فأقولُ إيْ وَرَبِّيْ قدْ علِمت , فيقولُ : قدْ علِمتَ فماذا عََمِلتَ بمَا علِمْت ؟

وها أنتم أيُّها الإخوة ُالأماجدُ : وقدِ استـنهَضَكـُمُ العامِلونَ لِدينِكـُمْ , فانفـُضوا عنْ أنفسِكـُم غبارَ الذلِّ وَهَوانَ التقاعُس ِ, وعاهِدوا أنفـُسَكـُم على نصرَتِهمْ حتى يمكـِّنَ الله ُ دينهُ , قبلَ أن تلقوْه ُ لِتفوزوا ، حتى يُعَجِّـلَ الله ُ نصرَهُ ، فكلٌّ مِنـَّا على ثغرَةٍ من ثغرِالإسلام ِ فلا يُأتيَنَّ الإسلامُ من قِبَلِه, وما النـَّصرُ إلاَّ صبرُ ساعه , فعَجِّـلوا وسارِعوا إلى مَغفِرَةٍ من ربِّـكـُم و رِضوان , ليكونَ لكـُمْ شرَفُ السَّبْق ِفي إعزازِ هذا الدِّين ِ وتمكينِهِ وحَملِهِ , لتكونوا شُهداءَ على النـَّاس ِ و يكونَ الرَسولُ عليكـُم شهيداً , وقدْ بَيَّنَ نبيُّـنا عليهِ السلامُ يومَ قالَ لِعبدِ اللهِ بن ِعُمَرَ رضيَ الله ُ عنهما : ( إذا أصبَحتَ فلا تحَدِّثْ نفسَكَ بالمَسَاء , وإذا أمسَيتَ فلا تحَدِّث نفسَكَ بالصباح ، وخُذ منْ حَياتِكَ لِمَوتِك , ومن صِحَّـتِكَ لِسَقمِكَ, فإنـَّـكَ يا عَبدَ اللهِ لا تدري ما اسمُكَ غدا)