الأخت Zainab Ebraheem , المشكلة هي سوء فهم من مقابلة حوار الطرف المسيحي . فإننا نسعى إلى تطوير علاقاتنا من مرحلة الصدام والنزاع إلى مرحلة الجوار السلميّ المنفتح , ومنها إلى مرحلة المرافقة والتعاطف والتضامن . ولكي تكلّل مثل هذه المساعي بالنجاح فلا بدّ من إقامة حوار رصين واع بين المسلمين والمسيحيّين . ولا يقوم مثل هذا الحوار إلاّ إذا كان المسيحيّيون لهم إدراك دقيق لدين الإسلام وقيمه الأخلاقيّة ونظمه الاجتماعيّة , وإذا كان المسلمون لهم إدراك دقيق للمسيحيّة في معتقداتها وأخلاقيّاتها . ويقول المجمع الفاتيكاني الثاني : " إنّ تصميم الخلاص يشمل أيضاً الذين يعترفون بالخالق , لا سيّما المسلمين الذين يُقرّون أنّ لهم إيمان إبراهيم ويعبدون معنا الله الواحد الرّحيم الذي سيدين البشر في يوم القيامة . ومن بحث عن الله بقلبٍ صادق , وجهد عمليّاً في أن يتم مشيئة الله التي يعرفها من صوت ضميره , استطاع هو أيضاً أن ينال الخلاص . " ( دستور عقائدي في الكنيسة , " نور الأمم " -16 ) .
والسؤال الحقيقي هو ما موقف المسلمين من المسيحيّين ؟
إنّ موقف المسلمين من المسيحيين يختلف باختلاف ما يستندون إليه من آيات قرآنية لتحديد هذا الموقف . فمن اعتمد الآيات التي تحمل على النصارى الطالحين , وقف منهم موقفاً صارماً . أما من أخذ بالآيات التي تمتدح النصارى الصالحين , فإنه – على النقيض من ذلك – يقف منهم موقف الانفتاح .
وهنالك موقف متطرف لا يجيز الحوار ولا إقامة علاقات وديّة مع المسيحيّين . هذا الموقف هو السائد لدى الجماهير في البلاد الإسلامية , لأنها ترى في المسيحيّين مجرد كفّار . لذا يتجنّبون كل اّتصال بهم ويرفضون أن يتفاوضوا ويتعايشوا معهم على أساس من المشاركة بالتساوي . ذلك أنّ هذه الأوساط المتطرّفة تتمسك بالمبدإ الأساسيّ الذي يحرّم على المسلمين أن يتفاوضوا معهم تفاوضاً صريحاً إيجابياً , بل يأمر بإذلالهم ما أمكن , ويهدف في نهاية المطاف إلى كسبهم للإسلام . وهم يستندون في هذا الصّدد إلى ما جاء في القرآن عن معارضة النصارى للإسلام , وعمّا يشكّلونه من خطرٍ على الدين الجديد , ويعتمدون خصوصاً أمر القرآن بمقاتلتهم إلى أن يخضعوا للإسلام . أما المقاطع القرآنيّة اللّينة وسواها من الآيات التي تثني على النصارى وتفسحُ لهم إمكانية للخلاص , فتنسخها الآية التّالية نهائياً وتبطل مفعولها : " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " (سورة آل عمران آ85 ).
ومع ذلك فثمّ مسلمون يرون الحوار مع المسيحيّين جائزاً . وهم يستشهدون , لتبرير رأيهم , بقول القرآن : " ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " (سورة النحل آ 125) . لا سيما وإنّ القرآن ذاته باشر الحوار مع النصارى حيث قال : " قل يا أهل الكتاب تعالو اإلى كلمة سواء بيننا وبينكم ... " ( آل عمران 64) . كما أنه يعترف بشرعية التعدّد في الأديان المنزلة (س البقرة 148 / المائدة 48 ) . وعلاوة على ذلك فإنّ القرآن يَعِدُ بالخلاص جميع الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون صالحاً ( 25:2 / 20: 75-76 / 29 : 58 / 1: 8-9 ) ويصف النصارى واليهود والصابئين والمجوس بأنهم مؤمنون , على نقيض الكفار ( 22:17 ). هؤلاء جميعاً مصنفون مع المسلمين في فئة الذين يخلصون بإيمانهم ومسلكهم الأخلاقيّ : " إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصّابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ( 2: 62 / قارن بـ 5 :69 ) .
يتضح من هذا المبدإ أن القرآن يثبّتُ صلاحية التوراة شريعة لليهود , والإنجيل شريعة للنصارى , والقرآن شريعة للمسلمين ( 5: 43-48 ) . المسلمون الذين يعتبرون الحوار مع المسيحيّين جائزاً , يلاحظون بحقّ أنّ الأحكام القاسية والتدابير السياسيّة التي أقرّها القرآن ضدّ اليهود والنصارى , فرضتها الأوضاع التي كانت سائدة في ذلك العصر. ومن ثمّ فلا يجوز تبريرها الآن إلاّ بنشوء ظروفٍ مماثلة , كأن يبادر المسيحيّون إلى محاربة المصالح الإسلاميّة أو أن يُمسُوا - بفساد أخلاقهم أو مقاومتهم الفعالة للدين الإسلاميّ أو أخيراً بمحاولتهم ردّ المؤمنين عن دينهم – خطراً يتهدّد الإسلام أي الدين الإسلاميّ , ووحدة الأمّة الإسلاميّة , وبقاء الدول الإسلاميّة .
وحتّى لو جازت إقامةُ علاقات ودّية مع المسيحيّين , فإنّ عدداً كبيراً من المسلمين يرون أن لا فائدة في التحاور الإيجابيّ معهم , لأنّ الإسلام هو الصيغة النهائية الكاملة للدّين , وهو يقدّم للإنسان كلّ ما يحتاج إليه ليجد السبيلَ السّويّ أمام الله . كلّ ما سوى ذلك نافلٌ لا نفع فيه , بل قد ينطوي على خطر .
وعلى الرغم من هذا الموقف المنغلق , فهنالك أقليّة مسلمة تؤيّد الحوار والتعاون مع المسيحيّين بلا تحفظٍ مبدئيّ . فهي ترى أنّ بقاء الإسلام لا يُمكن ضمانه ودرء الأزمات عنه , دون انفتاح على الآخرين وإجراء اتّصال بهم , في عالم تتقارب أقطاره باستمرار . فتعزيزُ الإسلام بحركات النهضة الإسلاميّة المعاصرة , يحرّره من الشّعور بمركّب النقص , ويؤهّله لتبنّي مناهج الأبحاث الديّنيّة العلميّة , وبالتالي للّدخول في حوارٍ مع المسيحيّين . زد على ذلك – وهذه هي الرغبة الأساسيّة المُلِحّة للدوائر الرسميّة في العالم الإسلاميّ – أنه لا بدَّ قبلَ كلّ شيء من إقامة تعاون بين المنظمات الإسلاميّة والكنائس والمؤسّسات المسيحّية , لكي تؤدّيَ جميعُها شهادةً مشترَكة للإيمان بالله , وتُساهمَ معاً في إيجاد حلّ لمعضلات عصرنا .
ويبقى الجواب مفتوحاً أمام كل مسلم ليجد ذاته في إيّ فئة هو ...
أطلب من كل الأعضاء عدم التسرع في الرد على مشاركتي هذه , بل قراءتها بتمعن , ليتسنى لنعمة الله أن ترشد الجميع لما هو في خدمة الحوار الصحيح وخلاص النفوس .
والله وليّ التوفيق .
جورج أبو كارو .
المفضلات