مهنة التمريض قادتني للنور


عندما يقوم الإنسان بتحكيم عقله في الحياة، والحكم على الأمور من منظارها الصحيح، ويزن الأمور بميزان الحق والعدل والإنصاف، يدرك تماماَ النعمة العظمى، والمِنَّة الكبرى، وهي نعمة الإسلام التي مَنَّ الله بها على العباد، ويعلم بأنه الدين الذي رضيه الله لعباده, كما قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ ) ( آل عمران:190) وأَنه لن يُقبل من الإنسان غير الإيمان به، كما قال تعالى: ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ ) ( آل عمران:85).

ومن النِّعم التي لا توازيها نعمة, أن يُوفق العبد للإيمان بالإسلام، ولذا فإنَّ من آمن به، أطمأنت نفسه، وسَعد في الدنيا والآخرة، والباحث عن الحق دوماً سَيُوفق إليه، ولعل في قصتنا التي سوف نوردها في طيات هذه السطور دلالة واضحة وبرهانٌ ثابت على نعمة العقل، حيث نرى أخانا في الله ( سعيد باستيفان ) يحكي قصته، وكيفية تغيير مجرى حياته، عندما حَكَّم عقله، وتفكر وبحث عن الحق، فقاده إلى الدين القويم.

بدأ أخونا في الله سعيد حديثه قائلاً:

ولدتُ ونشأتُ في ( المانيا ) وكنت كبقية بني جنسي لا أعرف عن الإسلام شيئاً، وقد عشت طفولةً بائسةً حيث توفي والدي وأنا في الخامسةِ من عمري، فتولت والدتي مهمة تربيتنا، وقامت بغرس المذهب الكاثوليكي في قلوبنا أنا وبقية أخوتي وأخواتي، وعندما تقدم بنا العمر قليلاً وأصبحنا في وضع الإدراك بدأنا بالذهاب إلى الكنيسة, واستقاء الدروس عن المذهب الكاثوليكي، والتعمق في كتبه، ولم أكن مقتنعاً بهذا المذهب، وفي نفسي تساؤلات كثيرة!! لكن بما أني في قريةٍ صغيرة، وجميع السكان على هذه الديانة فقد نشأت عليها؛ ولم أكن بعد قد تعرفت على ديانات آخرى.

وعندما التحقت بالمدرسة عرفت الكثير عن النصرانية، حيث يوجد الاهتمام من إدارة المدرسة والمدرسين بهذا الأمر، ويحرصون عليه أشد الحرص، مما جعلني عند بلوغي سن العشرين من العمر اتخاذ القرار بأن أكون أحد القسيسين! وأن تكون حياتي مُسخرةً لنصرة دين النصرانية والذود عنه، فبدأت في الإبحار في العلوم النصرانية وعقائدها، فقرأت الإنجيل والكتب النصرانية الأخرى، ولم تكن قراءتي عابرة فقط، بل كنت أجمع وأحلل وأدقق فيما أقرأه، وأراجع مصادر أخرى، ومن هنا بدأت تظهر لي العديد من العيوب والتناقضات والإشكالات فيما أَدين به، والتي لا يقبلها عقل ولا منطق مسلم، ومن كانت لديه ذرة عقل وتفكير واحدة يلحظ هذا التخبط، مما جعلني أُنعم النظر والتفكير في تلك الأخطاء والتداخلات الغريبة!! فظهر الخلل واضحاً جلياً، مما جعلني أُصر على البحث عن الحقيقة، ولعلي أذكر مثالاً مما واجهته مما يناقض العقل: ( عقيدة التثليث ) فقد كنت أفكر كيف يكون الثلاثة في بعض الحالات شخصاً واحداً ؟! وفي حالات أخرى يكون كل منهم على حده؟! إن هذا أمر متعذر يُصادم العقل!، وكنت أفكر أيضاً بعدم وجود نسخة أصلية معتبرة للإنجيل، واختلافات وتناقضات النسخ الموجودة, وهو كتابٌ منزل!! كيف أصبح عرضة للتحريف والتغيير من أي شخص ؟!, فهذا يزيد, وهذا يُنقص، وكنت أفكر أيضاً كيف يتم منع القسيس من الزواج؟! إلى غير ذلك من الأمور.

تناقضات حيرتني

ولعلي أختم بآخر التناقضات التي حيَّرتني وهو: أن المسيح عيسى بن مريم لم يُرسل في مكانه الأول بإتيان الكتاب، وإنما بُعث بتبليغ رسالة موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل، فمن جعله مسيحياً ليس الله سبحانه وتعالى؛ بل هو الإنسان من تلقاء نفسه، حيث لم يكتب في الإنجيل شيء من تلك الأمور السابقة كلها، فأصبحت في انزعاج شديد واضطراب نفسي؛ لأني أريد معرفة الصواب الذي تطمئن النفس إليه، ومن ثم أَتيت إلى والدتي وفاتحتها عن تلك التساؤلات التي تدور في رأسي، بما أنها كانت من أشد الحريصين على تربيتنا بتلك العقيدة، فلم أجد منها جواباً مقنعاًً، فذهبت إلى بعض رجال الدين في القرية لدينا المعروفين بتخصصهم في الديانة النصرانية، وعدتُ خائباً بالنتيجة السابقة مع أمي، فأصبح لدي يقين كامل بالخلل الواضح في عقيدتي، فعزمت على البحث عن الحقيقة المغيبة عني، ومعرفة العقيدة الصحيحة، وبالفعل بعد تفكير وسؤال وبحث تم لي ذلك في عام 1989م.
كان لدي الإيمان بأن الله واحد سبحانه وتعالى، وكنت أبحث عن الدين الذي يوصلني لعبادة الله? ، فاتخذت قراري بالبحث عن مذهب آخر في النصرانية لعلي أجد القناعة والراحة، وبالفعل ازددت نشاطاتي في البحث والقراءة؛ فقمت بزيارة إحدى الكنائس أنا وزميل لي، وقرأت الكثير من كتبها وشاركت في المحاضرات، ولكن بعد فترة من الزمن وجدت الأخطاء والتساؤلات السابقة نفسها!!، وقادني عقلي للمرة الثانية بضرورة البحث عن الدين الحق وأني قريبٌ منه، لقد كنت تواقاً للحقيقة والدين المستقيم.
بعد فترة من الزمن فكرت في القراءة والبحث عن دين الإسلام، الذي لم أكن أعرف عنه إلا أنه دينٌ سيئ يدعو للشدةِ والإرهاب!! وهذا ما دفعني للتأكد من تلك الحقيقة بنفسي وزادني رغبة في التعرف على الإسلام من خلال القراءة، وأخذت أتساءل هل صحيح أن هؤلاء المسلمين متوحشون وسيئون وإرهابيون كما ينعتهم الإعلام الغربي؟؟ فقمت بشراء نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الألمانية وقرأتها بلهفة شديدة، وكانت تلك البداية التي فتحت عقلي وقلبي،

لقد وجدت الراحة والطمأنينة وأنا أقرأ تلك الترجمة للكتاب العظيم


لقد وجدت فيه الكثير من الأحكام والأقوال المتوافقة مع الإنجيل، ولكن الفارق بينهما أن الأحكام في القرآن لم يعتريها أي زيادة أو نقصان كما حفظه الله، وهذا عكس ما وجدته في الإنجيل حيث التناقض الواضح.
عندما حاولت التعمق في الدين الإسلامي لم أجد الكتب الكافية حينها!! ولم أكن أعرف مراكز إسلامية حتى أستطيع السؤال عن هذا الدين وأستزيد فيه!! وهذا دفعني للتفكير بجدية بالذهاب إلى بلاد المسلمين وكانت وجهتي إلى المملكة العربية السعودية مهبط الدين الإسلامي للعمل هناك، حيث إني أعمل في مهنة ( التمريض ) وجاءني عرض عمل بالمملكة وبدون تردد قبلت, وكان الأساس في موافقتي هو الدراسة الجادة للإسلام عن كثب, ومعرفة أكثر الحقائق عنه، وفي عام 1991م وصلت إلى مدينة جُدة، ومن ثم باشرت عملي في مدينة الطائف, وبدأت رحلة البحث عن حقيقة الدين الإسلامي، فقرأت بِنَهم في كتب العقيدة الإسلامية، وكتب اللغة العربية، وجذبتي حياة المسلم اليومية البسيطة، فشعرت بالإعجاب بتعامل المسلمين معي, من زملاء عمل, أو أصدقاء, أو من المرضى الذين أُشرف على تمريضهم، وشعرت براحةٍ عجيبة, وبحاجتي للدخول في هذا الدين العظيم؛ لِما وجدت منه من توافق في جميع مجالاته، وعدم التخبط في أحكامه، كما هو الحال في الأديان السابقة، ومع ما أنا عليه أدركت أن الإسلام هو ما كنت أبحث عنه منذ زمن، ولكني كنت متردداً خشية تغير معاملة أهلي وأصدقائي النصارى لي، وعدم تقبلهم للأمر الجديد الذي أقبلت عليه، وبعد ذلك أصبح ذلك الأمر دافعاً لي لاعتناق الإسلام، فكنت أرى المسلمين وهم يؤدون الصلاة جماعة بانتظام دقيق، فيحترق قلبي لعدم مشاركتي لهم بسب خوفي من ردة فعل عائلتي، ومع هذا الخوف والتردد؛جلست مع نفسي وأخذت أفكر، حينها وبعد تفكير عميق، إنشرح صدري لدين الله تعالى, الذي خلق كل شيء, وجعل لنا من الآيات البينات الشيْ الكثير، وأنزل القرآن هدى ورحمة للناس، وشعرت بالطمأنينة العجيبة والسكون في قلبي، فدلني عقلي بعد فضل الله عليّ إلى طريق الهدى والنور، وفي نهاية العام الميلادي نفسه كنت أحد المسلمين الناطقين بشهادة التوحيد ولله الحمد والمنة.

المصدر....http://jmuslim.naseej.com/Detail.asp...sItemID=220313