عن ‏ ‏همام بن الحارث ‏ ‏أن رجلا جعل يمدح ‏ ‏عثمان ‏ ‏فعمد ‏ ‏المقداد ‏ ‏فجثا ‏ ‏على ركبتيه وكان رجلا ضخما فجعل ‏ ‏يحثو ‏ ‏في وجهه الحصباء فقال له ‏ ‏عثمان ‏ ‏ما شأنك ‏ ‏فقال ‏‏إن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا رأيتم المداحين ‏ ‏فاحثوا ‏ ‏في وجوههم التراب

عن ‏ ‏مجاهد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي معمر ‏ ‏قال ‏ ‏قام رجل يثني على أمير من الأمراء فجعل ‏ ‏المقداد ‏ ‏يحثي ‏ ‏عليه التراب ‏ ‏وقال ‏أمرنا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أن ‏ ‏نحثي ‏ ‏في وجوه المداحين التراب

صحيح مسلم بشرح النووي "قوله : ( أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نحثي في وجوه المداحين التراب ) ‏ ‏
‏هذا الحديث قد حمله على ظاهره المقداد الذي هو راويه , ووافقه طائفة , وكانوا يحثون التراب في وجهه حقيقة .
وقال آخرون : معناه خيبوهم , فلا تعطوهم شيئا لمدحهم .
وقيل : إذا مدحتم فاذكروا أنكم من تراب فتواضعوا ولا تعجبوا , وهذا ضعيف ." ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي "قوله : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب ) ‏
‏قيل يؤخذ التراب ويرمى به في وجه المداح عملا بظاهر الحديث وقيل معناه الأمر بدفع المال إليهم إذ المال حقير كالتراب بالنسبة إلى العرض في كل باب , أي أعطوهم إياه واقطعوا به ألسنتهم لئلا يهجوكم وقيل معناه أعطوهم عطاء قليلا فشبه لقلته بالتراب .
وقيل المراد منه أن يخيب المادح ولا يعطيه شيئا لمدحه والمراد زجر المادح والحث على منعه من المدح لأنه يجعل الشخص مغرورا ومتكبرا .

قال الخطابي : المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح . فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن , والأمر المحمود يكون منه ترغيبا له في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء على أشباهه فليس بمداح .

وفي شرح الستة قد استعمل المقداد الحديث على ظاهره في تناول عين التراب وحثه في وجه المادح وقد يتأول على أن يكون معناه الخيبة والحرمان أي من تعرض لكم بالثناء والمدح فلا تعطوه واحرموه , كنى بالتراب عن الحرمان كقولهم : ما في يده غير التراب وكقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا جاءك يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا " . ‏
‏قلت : الأولى أن يحمل الحديث على ظاهره كما حمله عليه رواية المقداد بن الأسود , وإلا فالأولى أن يتأول على أن يكون معناه الخيبة والحرمان , وأما ما سواه من التأويل ففيه بعد كما لا يخفى والله أعلم .
وقال الغزالي : في المدح ست آفات أربع على المادح واثنتان على الممدوح , أما المادح فقد يفرط فيه فيذكره بما ليس فيه فيكون كذابا , وقد يظهر فيه من الحب ما لا يعتقده فيكون منافقا , وقد يقول له ما لا يتحققه فيكون مجازفا , وقد يفرح الممدوح به وربما كان ظالما فيعصى بإدخال السرور عليه , وأما الممدوح فيحدث فيه كبرا وإعجابا وقد يفرح فيفسد العمل ."
عون المعبود شرح سنن أبي داود‏( فحثا في وجهه ) ‏‏: أي رمى التراب في وجه الرجل المثني ‏
‏( إذا لقيتم المداحين ) ‏: قال الخطابي : المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح ويفتنونه , فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن ترغيبا له في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه , فليس بمداح ‏‏

( فاحثوا ) ‏‏: أي القوا وارموا . ‏
‏في القاموس : حثا التراب عليه يحثوه ويحثيه حثوا وحثيا , وقد حمل المقداد الحديث على ظاهره ووافقه طائفة . ‏
‏وقال آخرون : معناه خيبوهم فلا تعطوهم شيئا لمدحهم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه"