إدريس توفيق يروي لـ"محيط" رحلته من الفاتيكان إلى الأزهر

محمد كمال ـ أبو بكر خلاف


مراسل محيط يحاور ادريس توفيق
أكد إدريس توفيق القس الانجليزي الذي اسلم مؤخرا أن الإسلام هو الديانة الطبيعية لكل المخلوقات منذ بدء الخليقة فهو يخاطب كل قلوب الرجال والنساء لان "رسالته بسيطة جدا وعالمية وتقول أن هناك إله وهذا الإله يتحدث إلينا وهذا هو الإسلام ببساطة".

وأشار إلى أن الناس في الغرب لا يعلمون شيئاً عن الإسلام، وهذا الأمر ليس خطأهم، لافتا إلى أننا لم نخبرهم بالإسلام على المنهج الصحيح، فهذا خطؤنا، وإخبارهم لا يكون بالكلمات فقط، فالكلمات أمر شديد السهولة، بل علينا إخبارهم بالمثال الجيد للمسلم، لأن بعض المسلمين في إنجلترا مثلاً يقدمون صورة سيئة للإسلام.

وكان لشبكة الإعلام العربية "محيط" هذا الحوار مع إدريس توفيق لمعرفة كيفية دخوله للإسلام.

محيط: في البداية كيف كانت خلفيتك الثقافية عن الدين الإسلامي قبل اعتناقك له؟

خلفيتي عن هذا الدين الإسلامي انحصرت في ما يعرفه الغرب عنه مثل قطع الأيدي وتفجير أنفسهم وضرب النساء .
فأنا مثل الكثيرين في الغرب الذين تنحصر ثقافتهم عن الدين الإسلامي بأنه دين يهدف إلى العنف والإرهاب والرجعية بسبب ما يشيعه الصهاينة والمتطرفون من الديانات الأخرى المعادية للإسلام وهو زور وبهتان عن هذا الدين الذي حينما تعرفت عليه وجدته الفطرة السامية التي فطر الله الناس عليها لكن أكثر الناس لا يعلمون.

بداية دخوله الإسلام

محيط: كيف كانت بداية دخولك إلى الإسلام؟

دخولي الإسلام لم يأت عن طريق قراءتي للقرآن أو عن طريق برنامج تليفزيوني أو مقابلتي لشيخ مهم في ذلك الحين، إنما جاء عن طريق مقابلتي لصبي صغير ماسح أحذية في حوالي الرابعة عشرة من عمره وذلك خلال زيارتي لمصر منذ 10 سنوات.

وكنت حينما أرى هذا الطفل كان يتهلل وجهي فرحا به بعدما كان سببا في دخولي الإسلام، فقد قال لي في أول مرة قابلته فيها ووجهه مرسوم بابتسامة كبيرة: "السلام عليكم"، وهذا كان بداية معرفتي الحقيقية بالإسلام ، وخلال الأسبوع الذي قضيته بالقاهرة كنت أمر على هذا الصبي وتعلمت منه بعض الكلمات العربية وكنت أقول له حينما أراه "أزيك يا جميل" ودائماً كان يرد بالحمد لله.

محيط: هل سبب لك اعتناقك الإسلام مضايقات أو تهديدات أو عداوات؟



ادريس توفيق
بالفعل هناك من يحاولون تهديدي عبر الرسائل الالكترونية ولكني لا اعبأ بذلك لأني عرفت النور ولن أعود إلى الظلام، لكنى في نفس الوقت أتلقى رسائل أخرى مبشرة بالخير والتأييد والمحبة ، كما يعرض علي الكثير من المسيحيين والأديان الأخرى رغبتهم في اعتناق الإسلام ويطلبون مني المساعدة.

محيط:هل شعرت بحرج تجاه أتباعك حينما كنت قسا ؟ وهل حاولت إبلاغ الناس عما وجدته في الإسلام؟

عندما رحلت عن الكنيسة، وتركتها ورائي، كنت لا أريد إفساد أي شيء يعتقده الناس. وكان حينما يسألني الناس عن تحولي للإسلام كنت أقول لهم أنا أترك الأمر عند هذا الحد، ولم أحاول اختلاق فتنة بإسلامي خاصة وان أكثر البيانات الإحصائية عن المعتنقين للإسلام مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية يزيد عن مائة ألف كل سنة، وأمام كل رجل يتحول إلى الإسلام يسير في ركابه 4 نساء على الأقل، بالإضافة إلى أن هناك الآن 14200 من المتحولين البيض في بريطانيا إلى الإسلام، واعتقد أن الناس الذين يعتنقون الإسلام نرى أنهم يتسمون بهدوء وبساطه لم تظهر من قبل.

وأنا كلما قرأت أكثر عن الإسلام تعرفت على مسلمين أكثر وخلال عام ونصف تعرفت على العديد منهم وكنت سعيد بوجودي معهم واتضح لي أنهم ليسوا بالصورة التي رسمها الإعلام الغربي عنهم وهذا كان قبل أحداث 11 سبتمبر/ايلول مباشرة.

محيط: وما رأيك في الدين الإسلامي بعد تحولك له؟ وما هي الأشياء التي وجدتها به وكنت تفتقر إليه في الكاثوليكية؟

أنا أقول إن الإسلام يجعل الله محور كل شيء، إن الإسلام ليس يدور حول ما فعله يسوع لي أو ينحصر في تقديمه صلوات من أجلي. كل شيء يدور في الإسلام حول الله ، والشيء الآخر هو أن الإسلام يشمل كل جانب من جوانب الحياة. أنها ليست الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد، بل هو علاقة مستمرة مع الله كل يوم خمس مرات من خلال الصلوات الخمس.

الإسلام دين مولد للطاقة. فالإسلام دين جميل حلو ولطيف الإسلام يخبرك كيف تحيي الناس، وكيف تأكل الطعام الخاص بك، وكيف ادخل إلى غرفة نومي وللحمام والى أي مكان و كيف نفعل كل شيء في الحياة. ، والإسلام يشجع المسلمين على التفكير في الله في كل وقت. الإسلام، في جوهره ينسب كل شيء إلى الله. بالنسبة للمسلمين، الإسلام هو كل شيء والىّ أيضا.

وقد وجدت أن حبي للإسلام يزداد كلما قرأت أكثر كما وجدت عيناي تغمرها الدموع عندما اذكر النبي صلي الله عليه وسلم .

صراع الأديان

محيط: ما هو رأيك في الصدام العقائدي بين أطياف العالم المختلفة؟

إن احد الأمور التي تغيظني كثيرا الكلام عن الصدام بين الحضارات. لا يوجد صراع الحضارات على الإطلاق، وهذا هراء، لأن الإسلام هو الوطن في أي حضارة، إذا كنت مسلما في بريطانيا، كنت بريطانيا.

هذا النقاش يدور في بريطانيا حول ولاء المسلمين، وما يشاع في بريطانيا عن أن المسلمين ليسوا مخلصين لبريطانيا هو مجرد سخف. اعتقد انه في نواح كثيرة مشكلة عنصرية. فإذا ذهبت إلى لندن، لم يكن احد يسألني عن ولائي لبريطانيا بسبب لون جلدي. السبب إذاً ليس لأنهم مسلمون، فالسبب هو أنهم الجيل الثاني من الباكستانيين، أو البنغاليين أو العرب، انه ليس له أي علاقة مع الإسلام.

محيط:برأيك هل أصبح مصطلح الإسلاموفوبيا هو السمة السائدة في الغرب؟

إنه الآن أسوأ من الماضي، والأمر يسوء مع مرور الوقت، وذلك لعدة أسباب.

منها أن هناك بعض الناس يتعمدون وبشكل مدروس أن يظهروا الإسلام على أنه سيء، مثل الصهاينة، وهذا فريق من الناس، وهناك فريق آخر من الناس هم في الأصل لا يهتمون، مثل الذين رسموا الصور الكاريكاتورية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الدنمارك، إنهم لا يهتمون ، فقط يرسمون ما يعتقدون به، لأنهم لا يهتمون بالأديان ..

الناس في الغرب لا يعلمون شيئاً عن الإسلام، وهذا الأمر ليس خطأهم، لأنكم أنتم هنا لا تعلمون شيئاً عن المسيحية أو البوذية مثلاً، كذلك الغربيون لا يعرفون الإسلام، فلماذا عليهم أن يعرفوا؟؟ نحن لم نخبرهم، فهذا خطؤنا، علينا أن نخبرهم عن الإسلام، وإخبارهم لا يكون بالكلمات فقط، فالكلمات أمر شديد السهولة، بل علينا إخبارهم بالمثال الجيد للمسلم، لأن الكثيرين من المسلمين في إنكلترا مثلاً يقدمون صورة سيئة للإسلام.

محيط:أجريت عديد من الحوارات بين الأزهر والفاتيكان لكنها فشلت فشلا ذريعا؟

هذه الحوارات تمت بين مجموعة من المسلمين الغير مؤهلين لغويا ولا حضاريا مع الفاتيكان ، كما أن هؤلاء الدعاة لا يعرفون حتى أي شيء عن الثقافة الغربية فكيف يستطيعون التأثير عليهم، وأنا أرى أن هذا الحوار لابد أن يبدأ من احترام كل واحد إلى الأخر وبالرغم من اختلافنا فلابد أن نبقى على المحبة وان نتشارك في الحياة سويا ، كما أننا كمسلمين لابد أن نفهم ثقافة الأخر الذي نجري الحديث معه وإلا سنعطي مجرد محاضرات فارغة والطرف الأخر لن يفهم شيئا مما نقول.

والطريقة الصحيحة للدعوة إلى الإسلام في الغرب وهنا دعني أقول لك من خلال تجربتي: عندما كان عمري 20 عاماً ذهبت في رحلة إلى روما مع أصدقائي وكنت حينها كاثوليكي ويوم الأحد ذهبنا للكنيسة الكبيرة في ميلانو وخلال القداس قال القس الخطبة باللغة الايطالية ولم افهم ووجدت من حولي لم يفهموا الخطاب أيضاً رغم أن جمعيهم ايطاليين .

السبب في ذلك يرجع للغة الصعبة التي كان يتحدث بها القس والتي تخص رجال الدين فقط أما الناس العاديين فلا يفهموها لذا تعلمت منذ ذلك الحين أنى إذا أردت التحدث مع البسطاء عن الدين لابد أن أتحدث بلغة بسيطة وسهلة.
فليس صحيحا على سبيل المثال أن اذهب للناس في الغرب وأقول لهم انتم على خطأ، فلعلهم لم يفكروا في الله على الإطلاق فقد يكون كل تفكيرهم منصب على كرة القدم أو السيارات أو المشتريات لذا فالطريقة الصحيحة للتخاطب معهم أن أبدأ عبر الحياة العادية .

محيط: هل معنى كلامك أننا نحن المسلمين نتحمل الفشل بمفردنا وهم أبرياء من المحاولات المستمرة التي يحاولون من خلالها الهيمنة على مقدراتنا ؟

ما قلته أنت صحيح لكن إلقاءها بأسلوبك هذا لن يحقق أي نجاح لأنهم سوف يدافعون عن أنفسهم وهو ما لم يصل بنا إلى شيء لكن الأفضل أن نتفهم عقليتهم ونحاول التفاهم معهم بالأسلوب المناسب وانأ من خبراتي السابقة لن يفيد الحوار السلبي والحوار الصادق هو السبيل لإنجاح هذه الحوارات بين الأديان أما الإشارة بإصبع الاتهام للآخرين لن يفيد في الحوار ولابد أن يشعر الأخر أننا أصدقاء لكي ينصت إلينا ومن خلال خبرتي أؤكد لك أن هذا النوع من الحوار سوف يثمر.

هناك نقطة هامة جداً أود أن أشير إليها ألا وهي أننا ككبار في السن نجعل من الإسلام دين معقد وصعب لكنه حقيقة هو دين بسيط وسهل فعندما نتحدث عنه نتحدث بطريقة معقدة لذا فالناس لا يفهمون جمال ورقة الإسلام.

التقصير في الدعوة إلى الإسلام

محيط لماذا يزداد العداء للإسلام في البلاد الغربية؟

الغرب لديهم مشكلة مع المهاجرين وثقافاتهم والكثير من البلاد الأوروبية مشكلة وأغلبية المهاجرين من المسلمين فيروا أن المشكلة في الإسلام ويجب علينا توضيح الرؤية لهؤلاء ومساعدتهم لفهم المشكلة بشكل صحيح.

كما أن السياسيين يريدون دائما إلقاء اللوم على الأخر والإسلام أفضل من يلقى اللوم عليه الآن لكن حينما ينتهي السبب الذي يعلقون عليه سوف يبحثون عن سبب أخر.

هناك بعض الجماعات الصغير يكنون العداء للإسلام لكن لو لم يكن هناك السببين الذين ذكرتهم لما كان هناك عداء للإسلام، لذا عندما أسافر إلى أمريكا ويقولون لي هل أنت إرهابي.. أقول لهم تعالوا معي لمكان إقامتي وسأعرفكم على شريف في الدور الأرضي واحمد وزوجته وأولاده في الطابق الثالث".

و أقول لهم المسلمين أناس عاديين لأنهم يذهبون للعمل لتوفير الغذاء لأسرهم ويصلون خمس مرات وليسوا متشددين لذا لم يظهرون في التلفاز.. صانعوا المشاكل في الغرب يريدونا أن نمشي على منهاج معين أو نتحدث عن الانفجارات الإرهابية أو الحرب .. لذا أقول لهم أنى لن انساق وراءكم ولن أتحدث بفكركم.

محيط:هل وجدت معارضة من أسرتك بعد تحولك للإسلام؟

لا.. أسرتي تحبني وتقبلت القرار بصدر رحب لدرجة أن أمي تذهب للكنيسة كل يوم وتعطى كتبي التي قمت بـتأليفها مثل سلسلة Ask About Islam أو أسأل عن الإسلام لأصدقائها لأنها تحب ابنها.

محيط: بالرغم من عقد اتفاقات كثيرة على منع ازدراء الأديان وعدم الإساءة إليها إلى أن أوروبا لا تلقى بالا لهذه الاتفاقات فما رأيك؟

حينما حدثت واقعة الرسوم المسيئة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كنت في القاهرة ووجدت ردود أفعال المسلمين في النشرة الإخبارية غربية وجدتهم يلقون حجارة ويحرقون الأعلام مقارنة برد فعل شيخ الأزهر الذي ظهر ووجه رسالة للعالم أجمع قال فيها أن الرسول ، صلى الله عليه وسلم، ليس كذلك والإسلام ليس كذلك وهنا قلت لنفسي نحن نفعل ما يريده الغرب أن نفعله.

قوتنا لا تأتي من إلقاء الحجارة قوتنا تأتي من داخلنا .. ما نحتاج لفعله عندما نواجه ذلك أن نصبح أقوياء جداً ولكن بشكل متحضر.. هناك طرق عديدة لإخطار الآخر برفض ما يفعله بدون إلقاء الحجارة.. وأول خطوة يجب فعلها هي أخذ نفس عميق ثم نفكر جيدا قبل أن نتلفظ بشيء والخلاصة يجب تطبيق ما يدعو الإسلام حتى لا ينظر إلينا الغرب نظرة متدنية.