اسرار القران(237)

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

اسرار القران(237)

النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اسرار القران(237)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    04:10 PM

    افتراضي اسرار القران(237)

    ".. وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ.. " (الأنعام:151).

    هذا النص القرآني الكريم جاء في العشر الأخير من سورة "الأنعام" ، وهي سورة مكية ، وتعتبر خامس أطول سور القرآن الكريم إذ يبلغ عدد آياتها خمسة وستين ومائة بعد البسلمة وقد سميت لورود الإشارة فيها إلى الأنعام في أكثر من موضع ، ومن خصائصها أنها أنزلت كاملة دفعة واحدة ، ويدور المحور الرئيس للسورة حول عدد من العقائد والتشريعات الإسلامية .
    وتبدأ سورة "الأنعام" بقول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ :
    " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ . هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ . وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ "* (الأنعام : 1-3).
    وبعد ذلك تعتب الآيات على كلٍ من الكفار والمشركين أنه كلما جاءتهم أية من آيات ربهم أو جاءهم دليل من الأدلة العديدة على وجود الله، تشهد له ـ تعالى ـ بالألوهية والربوبية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه، كما تشهد بالصدق لأنبيائه ورسله إلا انصرفوا وتنكَّروا له، دون اعتبار بما حدث للمكذِّبين من الأمم السابقة عليهم من إهلاك، وتواسي الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه لو أنزل الله ـ تعالى ـ عليه من السماء دليل نبوته مكتوباً في رسالة رأوها بأعينهم، ولمسوها بأيديهم لقالوا ـ تعنتاً وكفراً ـ " ... إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ " (الأنعام:7)، ولطالبوا بنزول مَلَك كريم يصدقه، ولو استجاب الله لطلبهم ولم يؤمنوا لحق عليهم العذاب، ولو أُنزل الملك لكان على هيئة البشر ليتمكنوا من رؤيته والتفاهم معه.
    وتؤكد الآيات أن الكفار والمشركين درجوا على الاستهزاء برسل الله الذين جاءوا من قبل خاتم النبيين، فاستحقوا العذاب الذي أنذروا به، وتناشد الآيات الناس جميعاً بالسير في الأرض والاعتبار بعواقب المكذبين من الأمم السابقة، وتنادي على خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأمر الإلهي:" قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِّلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ " (الأنعام : 12).

    وتمتدح الآيات رب العالمين بما يليق بجلاله، وتشهد للقرآن الكريم ولرسول رب العالمين ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتصدق وتأمره أن ينطق بالحق فتقول :
    " قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِياًّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ . قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم . مَن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الفَوْزُ المُبِينُ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ . قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ " (الأنعام : 14*- 19).
    ثم تتوجه الآيات بالحديث عن مشركي أهل الكتاب الذين يعرفون خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـمن كتبهم كما يعرفون أبناءهم، ولكنه الكبر والعناد والصلف فتقول :" الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ . وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ . ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ . انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ . وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْئَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ . وَلَوْ تَرَى إِذْ وَقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ " (الأنعام :20 -28).
    وبعد ذلك انتقلت الآيات إلى الحديث عن منكرى البعث، وعن مآلهم الأسود في الأخرى، مؤكدة فضل الأخرى الباقية على الدنيا الفانية، ومواسية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ له : " قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ . وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَأِ المُرْسَلِينَ *" (الأنعام:33 ، 34).
    وتشير الآيات إلى تعنت الكفار والمشركين في طلب المعجزات الحسية من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والله قادر على كل شيء ، ولو جاءتهم الآيات ثم كذبوا بها لأهلكهم الله، ولكن أكثرهم لا يعلمون، فالذين كذبوا بآيات الله " ... صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ... " (الأنعام:39)، فإذا جاءهم عذاب الله أو أتتهم الساعة، فإنهم لا يجدون من يدعون لنجدتهم غير رب العالمين.
    وتعاود الآيات في سورة الأنعام توجيه الخطاب إلى خاتم الأنبياء والمرسين فتقول :
    " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ " (الأنعام:42 – 45).
    وتمنُّ الآيات على العباد بما أكرمهم الله ـ تعالى ـ به من حواس كالسمع، والأبصار، والقلب، وتحذرهم من عذاب الله، مؤكدة أن دور المرسلين هو البشارة والإنذار ".. فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ " (الأنعام:48)، وتعاود الآيات توجيه الخطاب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مؤكدة على بشريته وآمره إياه فتقول:
    " قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ . وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " (الأنعام : 50 ، 51).
    وتستعرض الآيات بعد ذلك شيئاً من صفات الله فتقول :
    " وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ* لاَ* يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا* تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ . وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ . وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ *لاَ* يُفَرِّطُونَ . ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الحَقِّ *أَلاَ لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ " (الأنعام : 59 – 62).

    وتستمر الآيات في عقاب المشركين الذين يلجأون إلى الله ـ تعالى ـ في الشدة وينصرفون عنه بمجرد انفراجها، وتتهددهم الآيات بعذاب الله وبتكذيبهم لكتابه ـ القرآن الكريم ـ مؤكدة أن لكل خبر جاء به القرآن الكريم وقت محدد يتحقق فيه، وسوف يعلم الجميع صدق هذه الأخبار عند وقوعها.
    وتأمر الآيات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن ورائه كل مؤمن برسالته ألا يجلس في مجالس الكفار والمشركين الذين يتطاولون على كتاب الله ، والذين يتخذون دينهم لهواً ولعباً، وغرتهم الحياة الدنيا، ولا تجعل ذلك حائلاً دون تذكيرهم بالقرآن الكريم، وتخويفهم من عذاب الآخرة وأهوالها، ومن جريمة الشرك بالله وأخطارها.
    وتحتوي الآيات العديد من الإشارات الكونية الدالة على طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الكون، وعلى شيء من صفات الخالق العظيم الذي أبدع كل شيء خلقه.
    وتأكيداً على وحده رسالة السماء، وعلى الأخوة بين الأنبياء استعرضت سورة* الأنعام* سِيَر عدد من أنبياء الله ـ تعالى ـ الذين جاءوا قبل بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين ـ كما أوردت الإشارة إلى عدد من الأمم البائدة التي رفضت هداية ربها على الرغم من علمها بما حاق بالمكذبين من الأمم السابقة عليها من صور العذاب.
    ومن خلال هذا القصص القرآني الذي جاء لاستخلاص العبرة واجتلاء الدروس جاء ذكر نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ وحواره مع أبيه (آزر)، ومع قومه وتأملاته في الكون حتى هداه الله ـ تعالى ـ إليه. كما جاء ذكر كلٍ من أنبياء الله نوح، إسحاق، يعقوب، داود، سليمان، أيوب، يوسف، موسى، وهارون، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وإلياس، وإسماعيل، واليسع، ويونس، ولوط ـ على نبينا وعليهم جميعا من الله السلام.
    وفى التأكيد على حفظ القرآن الكريم وضياع أصول كتب السابقين وتحريفها تقول الآيات في سورة الأنعام:
    " وَمَا* قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذرها فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ . وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ " (الأنعام:91، 92).
    وتصف الآيات عذاب الذين افتروا على الله كذباً من الكفار والمشركين وهم في سكرات الموت، وهم يرون مصائرهم في جهنم، وما سوف يلقون فيها من ألوان العذاب الشديد.
    ثم تنتقل الآيات مرة أخرى إلى استعراض عدد من الإشارات الكونية الدالة على طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الخلق، وتستهجن الشرك بالله، أو ادعاء الولد له ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ فتقول : " وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ . بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ* لاَ* إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ . لاَ* تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ " *(الأنعام: 100– 103).
    وتعاود الآيات توجيه الخطاب على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإليه معظمة شأن القرآن الكريم، ومستنكرة شرك المشركين بالله، وآمرة بعدم سبَّهم حتى لا يتطاولوا على ذات الله بكلام مَعِيب، ومرجعهم حتماً إلى الله، وحسابهم عليه، وإذا جاءتهم الآيات الملموسة فلن يؤمنوا؛ لأن أكثرهم الجاهلون، وتؤكد الآيات أن كل نبي من أنبياء الله كان له أعداء من شياطين الإنس والجن.
    ومرة أخرى تقول الآيات على لسان خاتم الأنبياء والمرسلين – صلى الله عليه وسلم ـ وتقول له ما نصه : " أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ " (الأنعام:114).
    ثم فصَّلت الآيات ما أحلَّ الله لعباده من المطعومات وما حرَّم، ومايزت بين المؤمنين والكافرين وبين جزاء كلٍ منهم، وأوضحت كيف يشرح الله الصدور للإيمان، وكيف يجعلها ضيقة حرجة كأن صاحبها يصعد في السماء دون أدنى وقاية، وما يناله في ذلك من معاناة، وأكدت استقامة صراط الله، وأنه ـ تعالى ـ قد فصَّل الآيات لقول يذكرون، وقد تولاهم برحمته وأجزل لهم المثوبة.
    وانتقلت الآيات بعد ذلك إلى شرح مواقف الظالمين من الإنس والجن يوم الحساب، وعقاب الله ـ تعالى ـ لهم أنهم لم يتبعوا الرسل الذين جاءوهم منهم، وجزاء كل واحد منهم حسب العدل الإلهي.
    وتعاود الآيات توجيه الخطاب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعيب على المشركين إنفاق جزء مما رزقهم الله ـ تعالى ـ مما رزقهم الله ـ تعالى ـ من محاصيل الزروع، ومن الأنعام على ما أشركوا معه في عبادته، وعدم إنفاق شيء في سبيل الله كما وعدوا بزعمهم، كما تعيب عليهم الانصياع إلى شاطينهم التي سوَّلت ليهم قتل أولادهم قربة لأوثانهم، وفى ذلك تقول الآيات : " قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا* كَانُوا مُهْتَدِينَ " (الأنعام : 140).
    وتنتقل الآيات مرة أخرى إلى استعراض عدد من الآيات الكونية في الزرع والأنعام، وتوصي بأيتاء حقه يوم حصاده ، كما تنهى عن الإسراف في كل شيء.
    وعاودت تفصيل المحرمات من المطعومات، وما حرَّم على بني إسرائيل بظلمهم، وتفصيل المحرمات من السلوكيات.
    وتعاود الآيات التأكيد على وحدة رسالة السماء، وعلى تكاملها في القرآن الكريم، وتنتقد الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، وتختتم بحديث على لسان خاتم النبيين يقول فيه : " قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا* كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ . لاَ* شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ . قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَباًّ وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ . وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ "* (الأنعام:161 – 165).
    هذا وقد سبق لنا استعراض كلٍ من ركائز العقيدة، والتشريعات الإلهية، والقصص القرآني، والإشارات الكونية الواردة في سورة الأنعام، وهي عديدة تجاوزت الاثنتي عشرة آية، وسبق لنا كذلك شرح الدلالات العلمية لعدد من هذه الإشارات الكونية، ولذلك سوف أركز هنا على الدلالات العلمية والتشريعة في قول ربنا ـ وهو أحكم الحاكمين ـ :
    " ... وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ... "**** (الأنعام : 151).
    ولكن قبل ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح هذا النص القرآني الكريم الذي يحرِّم القتل بغير حق تحريماً قاطعاً.
    والقتل هو كل فعل من العباد تزول به الحياة، أي أنه إزهاق روح آدمي بفعل آدمي آخر. والقتل في الشريعة الإسلامية على نوعين: قتل محرم، وهو كل قتل بغير حق، ويعرف باسم قتل العدوان. وقتل بحق، وهو كل قتل لا عدوان فيه، مثل قتل كلٍ من القاتل، والمرتد، والثيِّب الزاني، وليست لجنسية المجني عليه، أو دينه، أو لونه، أو سنه، أو نوعه، أو ضعفه، أو قوته أي أثر على اعتباره مقتولاً، ويحتِّم الشرع القصاص له في ظل دولة الإسلام.
    من أقوال المفسرين:
    في تفسير قول ـ تعالى ـ :
    " وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ... " (الأنعام:151).
    ذكر ابن كثير ـ رحمه الله ـ ما مختصره: ".... وهذا مما نص ـ تبارك وتعالى ـ على النبي عنه تأكيداً، وإلا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن،* فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيِّب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة "* (رواه مسلم)، وقد جاء النهى والزجر والوعيد في قتل المعاهد ، وهو المستأمن من أهل الحرب. (انتهى قول المفسر)
    * وجاء في الظلال ـ رحم الله كاتبها برحمه الواسعة ـ ما نصه: "... ويكثر في السياق القرآني مجيء النهي عن هذه المنكرات الثلاثة متتابعة : الشرك ، والزنا ، وقتل النفس؛ ذلك أنها كلها جرائم قتل في الحقيقة، الجريمة الأولى جريمة قتل للفطرة ، والثانية جريمة قتل للجماعة، والثالثة جريمة* قتل للنفس المفردة.
    إن الفطرة التي لا تعيش على التوحيد فطرة ميتة، والجماعة التي تشيع فيها الفاحشة جماعة ميتة منتهية حتماً إلى الدمار، والحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية والحضارة الفارسية شواهد من التاريخ، ومقدمات الدمار والانهيار في الحضارة الغربية تنبئ بالمصير المرتقب لأمم ينخر فيها كل هذا الفساد، والمجتمع الذي تشيع فيه المقاتل والثارات مجتمع مهدد بالدمار، ومن ثم يجعل الإسلام عقوبة هذه الجرائم هي أقصى العقوبات؛ لأنه يريد حماية مجتمعه من عوامل الدمار.
    وقد سبق النهي عن قتل الأولاد من إملاق، فالآن ينهى عن قتل النفس عامة، فيوحي بأن كل قتل فردي إنما يقع على جنس (النفس) في عمومه ، تؤيد هذا الفهم آية : " ... أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ... " (المائدة:32) ، فالاعتداء إنما يقع على حق الحياة ذاتها وعلى النفس البشرية في عمومها، وعلى هذه القاعدة كفل الله حرمة النفس ابتداءً، وهناك طمأنينة الجماعة المسلمة في دار الإسلام وأمتها، وإطلاق كل فرد فيها ليعمل وينتج آمنا على حياته ، لا يؤذَى فيها إلا بالحق . والحق الذي تؤخذ به النفس بيَّنه الله في شريعته، ولم يتركه للتقدير والتأويل، ولكنه لم يبينه ليصبح شريعة إلا بعد أن قامت الدولة المسلمة ،وأصبح لها من السلطات ما يكفل لها تنفيذ الشريعة، وهذه اللفتة لها قيمتها في تعريفنا بطبيعة منهج هذا الدين في النشأة والحركة، فحتى هذه القواعد الأساسية في حياة المجتمع* لم يفصلها القرآن إلا في مناسبتها العملية ". (انتهى قول المفسر)

    من الإعجاز العلمي التشريعي في النص الكريم:
    أولاً : الحكمة في النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق :
    يؤكد القرآن الكريم كما تؤكد أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أن الله ـ تعالى ـ خلق أبانا آدم من طين، وخلق منه زوجة بمعجزة لا تستطيعها إلا القدرة الإلهية، ثم بث منها بالتزاوج رجالاً كثيراً ونساءً، ولذلك قال في مطلع سورة النساء:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً " (النساء : 1).
    وتؤكد علوم الوراثة أن كل مولود لهذا الزوج الأول من البشر حمل في صلبه جزءاً من المخزون الوراثي للبشرية الذي ظل ينفرد من زمن أبوينا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ إلى اليوم وحتى قيام الساعة، ولذلك قال ـ تعالى ـ :" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ " (الأعراف : 172).

    من هنا كان في قتل نفس واحدة بغير حق قضاء عليه وعلى ذريته من بعده إلى يوم الدين ولذلك قال ـ تعالى ـ:" مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ " (المائدة : 32).
    ثم إن الله ـ تعالى ـ قد حدد لكل مخلوق أجله الذي يغادر عنده هذه الحياة الدنيا في لحظة محددة، وذلك لحكمة يعلمها هو ـ سبحانه وتعالى ـ ولذلك قال في محكم كتابه : " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ " (الأنعام : 2).
    " وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " (الأنعام : 60).
    " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ* لاَ* يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ " (الأعراف : 34).
    " قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَراًّ وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَئْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ " (يونس : 49).
    " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ " (هود : 3).
    " اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسْمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " (الزمر : 42).
    " ..... وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " (غافر : 67).
    " وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " (المنافقون : 11).
    " وَمَا* كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُّؤَجَّلاً.... " (آل عمران* : 145).
    ومن هنا أيضاً كان قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق اعتداءاً على قرار الله ـ تعالى ـ بتحديد الأجل، والذي ذكر المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يحدد بعد نفخ الروح في الجنين مباشرة وهو لا يزال في بطن أمه في حدود الأربعين يوماً من أنه الشريف : " إن أحدكم بجمع خلفه في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : يكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أو سعيد "(الإمام مسلم) .
    وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك الأرحام بكفة فقال : يا رب مخلقة أم غير فخلقه ؟،فإن قيل : غير مخلقه لم تكن نسمة ، وقذفها الرحم دما ، وإن قيل مخلقه ، قال : يا رب ! ذكر أم أنثى ؟ شقي أم سعيد ؟ وما الأجل ؟ وما الأثر ؟ وما الرزق؟ وبأي أرض تموت ؟ " (الإمام مسلم) .
    ومن ذلك أيضاً يتضح أن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق فيه اعتداء على هذا القرار الإلهي بالأجل الذي حدده الله ـ تعالى ـ للجنين وهو لا يزال في بطن أمه، والقرار في علم الله سابق على ذلك؛ لأن الزمن الذي يحدنا به الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ هو من خلق الله، والمخلوق لا يحد خالقه أبداً, لا يحد أوامره أو أقواله أو أفعاله، وعلم الله محيط بكل مقتول بحق أو بغير حق، ولكن ذلك ليس مبرراً لقتله بغير حق. أما المقتول بحق ـ وهو داخل في علم الله كذلكـ فقد حدده رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله الشريف : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدنية المفارق للجماعة "** (متفق عليه).
    ومن هنا فلا يجوز قتل المسلم الذي لم يقترف شيئا من هذه الجرائم المحرمة تحريماً قطعياً، والتي اعتبرها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الكبائر.
    والأصل في الشريعة الإسلامية أن يعاقب الجاني بالقصاص على القتل العمد, سواء كان القتل مقترناً بسبق الإصرار والترصد أو غير مقترن، ولا تجيز الشريعة للقاضي أن يخفف العقوبة أن يستبدل بها غيرها، ولكنها تجيز لولي لمجني عليه أن يعفو عن القصاص إما على الدية أو بدون مقابل، أما القتل الخطأ فعقوبته في الشريعة الإسلامية الدية* فقط دون تعزيز.

    ثانياً: الحكمة من القصاص مع تحريم قتل النفس بغير حق :
    تنص الشريعة الإسلامية على ضرورة القصاص بالقتل على كلٍ من القاتل المتعمد، والثيب الزاني، والمرتد عن الإسلام المفارق للجماعة. والحكمة من ذلك هي حماية المجتمع المسلم من عوامل الهدم الثلاثة تلك، وهي من* أخطر وسائل التدمير للمجتمعات الإنسانية، والله المُشرِّع أعلم بما يصلح عباده، وما تستقيم به مجتمعاتهم، ولكن الإنسان بفكرة القاصر بدأ يجادل في هذه العقوبة الربانية، فانقسم فلاسفة علم الاجتماع والمشرعين إلى فريق يؤمن بحتمية بقاء عقوبة الإعدام؛ لأنها عقاب عادل لمجرم مثل القاتل عن عمد، ورادع في لغيره ممن تُسوِّل لهم نفوسهم اقتراف هذه الكبيرة من الكبائر، وإلى فريق آخر لا يؤمن بعصمة العدالة الإنسانية، فإذا أخطأ القاضي في دراسة القضية وحكم بالإعدام على أحد المتهمين بجريمة القتل ونفذ فيه حكم الإعداد فعلاً ثم تبتت براءته فكيف يرد إليه حقه وقد أزهقت روحه ؟، وهذه دعوى مرفوضة تماماً؛ وذلك لوصية الشريعة الإسلامية لدرء الحدود بالشبهات، وإتاحة الفرصة للمتهم بالطعن في الحكم على عدد من المستويات، والاعتماد على اعترافه الكامل عبد أداء القسم.
    ويدعي أصحاب هذا الرأي كذلك بأن قتل الجاني سيضيف إلى المقتول مقتولاً آخر بدلاً من محاولة إصلاحه، وينسى أصحاب هذا الرأي إمكانية تشجيع هذا الشهوات للراغبين في القتل من تحقيق رغباتهم دون هيبة من الإقبال على افتراق مثل هذه الجريمة المنكرة، ومن الغريب أن غالبية الدول الغربية التي ألغت عقوبة الإعدام بدواعي الشفقة قد عادت إلى تطبيقها ـ ولو في حالات محددة ـ نتيجة لانتشار الجريمة خاصة جرائم القتل مع الترصد.
    والأصل في القضاء التوثق من اقتراف الجريمة قبل المجازاة على اقترافها وعدم الأخذ بالشبهة واتخاذها سبباً للإدانة؛ لأن ظلم البريء ليس بالأمر الهين في معيار الله.

    ثالثاً: ضرورة اللجوء في الأحكام إلى شرع الله :
    الشريعة هي ضوابط للسلوك فيما بين الناس، كما أن العبادة ضوابط لسلوك العبد تجاه ربه وخضوعه بالطاعة لأوامره واجتناب نواهيه، وربنا ـ تبارك وتعالى ـ قادر على العفو عن تقصير العبد في حق من حقوق الله، أما حقوق العباد فهي مقدسة عند رب العباد، وإذا لم تُقضَى في هذه الحياة الدنيا فسوف تُقتَص في الآخرة من حسنات الجاني إلى المجني عليه؛ لأن العبد منا لا يملك في الآخرة إلا حسناته، ولذلك يروى عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه سأل في جمع من الصحابة قائلاً : "هَلْ تَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ " قَالُوا: " الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ". قَالَ : " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" (أخرجه الإمام أحمد في مسنده).
    من هنا فإن محاولة بعض علماء النفس الالتفاف حول الأحكام الشرعية بدعوى عدم مسئولية المجرم عن جرائمه باعتباره في عرفهم مريضاً، وباعتبارهم الأعمال البشرية خاضعة للتأثر بعدد من الرغبات المحتبسة في النفس، والناشئة في كثير من الأحوال عن التربية الفاسدة.
    ومن هنا يدعون أن تكون العقوبة أقرب إلى العلاج النفسي منه إلى القصاص الجزائي، ونتيجة لهذا التهاون في العقاب يخرج القاتل من سجنه ليقتل ويعود إلى السجن من جديد، وهنا يتضح الفارق الكبير بين شرع الله قوانين البشر، فشرع الله ـ تعالى ـ يُحرِّم قتل النفس إلى بالحق الذي حددته أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بزنا الثيب، والنفس بالنفس، والارتداد عن الدين، ويجعل القصاص وسيلة من وسائل المحافظة على سلامة وأمن المجتمع المسلم في ظل الدولة المسلمة، أما المغالاة في قتل الأبرياء من جانب بدعوى الضبط والربط كما يحدث في أغلب الديكتاتوريات الحاكمة، والتسيب المتمثل في المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام بدعوى الشفقة الإنسانية، ومحاولة التعامل مع المجرمين القتلة على أنهم مرضى نفسياً في حاجة إلى العلاج قبل العقاب، فكلها من المواقف المغايرة لشرع الله الخالق، والذي هو أدرى بما يصلح عباده من دراية عباده بأنفسهم، ولذلك قال ـ تعالى ـ:
    " ... وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ... "* (الأنعام : 151 ، الإسراء : 33).
    " وَمَا* كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا " (النساء : 92).
    " وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً " (النساء : 93).
    هذا شرع الله الذي لا تبديل لكلماته " .. فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ .. " (الكهف:29)، ونحمد الله على نعمة الإسلام، وعلى نعمة القرآن، وعلى بعثة خير الأنام، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آلة وصحبه، ومن تبع هداه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
    التعديل الأخير تم بواسطة طالب عفو ربي ; 02-04-2010 الساعة 03:47 AM
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

اسرار القران(237)

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اسرار القران (138)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 12:11 PM
  2. اسرار القران(137)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 12:10 PM
  3. اسرار القران (136)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 12:08 PM
  4. اسرار القران (135)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 12:07 PM
  5. اسرار القران (119)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-12-2009, 09:48 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

اسرار القران(237)

اسرار القران(237)