بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى: " وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ {88} قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبـيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ 89 " سورة يونس عليه السلام.


قال عكرمة رضي الله عنه كان موسى عليه السلام يدعو، ويؤمن هارون، فذلك قوله ( أجيبت دعوتكما ) [ الدر المنثور في التفسير بالمأثور 3/341 ]، فهذه الآية تدفعنا للحديث عن المسائل التالية:


هل يعتبر دعاء الجماعة مشروعاً؟
و ما حكم الدعاء بصيغة الجمع؟



وما حكم رفع اليدين في الدعاء؟


أولا: هل يعتبر دعاء الجماعة مشروعاً؟ و ما حكم الدعاء بصيغة الجمع؟


دل قوله تعالى: " دعوتكما " على أن دعاء الجماعة جائز.


أخرج ابن جرير والطبراني في السنن والحاكم وصححه عن جابر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك. قلنا يا رسول الله: تخاف علينا وقد آمنا بك. فقال: إن قلب بني آدم بين أصبعين من أصابع الله عز وجل. فإذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه " [ الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2/10] .


ومنه قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم: ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) و كما نعلم كان سيدنا ابراهيم و سيدنا اسماعيل عليهما السلام، بدليل قوله تعالى: " و إذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت و اسماعيل "


فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفهمون من دعائه صلى الله عليه وسلم بصيغة الجمع أنه كان يقصدهم ويشملهم، وقد جاء التصريح بأن النبي صلى الله عليه سلم كان يدعو بصيغة الجمع بعد صلاته:


فقد أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قضي صلاته: " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، فإن للسائلين عليك حقا، أيما عبد، أو أمة من أهل البـَـر والبحر تقـَبلتَ دعوتهم واستجبتَ دعاؤهم أن تشركنا في صالح ما يدعونك به، وأن تعافينا وإياهم، وأن تقبل منا ومنهم، وأن تتجاوز عنا وعنهم، بأنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين " [ الدر المنثور 2/40 ]


و انتبه حفظك الله لقول راوي الحديث: " إذا قضي صلاته "


ثانيا: رفع اليدين في الدعاء:


يعتبر رفع الداعي يديه حين دعائه رفعا مشروعا دلت عليه الأحاديث النبوية الشريفة.


روى الطبراني عن محمد بن أبي يحيى قال : رأيت عبد الله بن الزبير، ورأى رجلا رافعا يديه يدعو قبل أن يفرغ من صلاته، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته.


[ قال الحافظ الهيثمي: رجاله ثقات ( مجمع الزوائد 10/ 172 ) ].



فهذا الحديث الصحيح يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء بعد أن يفرغ من صلاته.


أخرج الحافظ السيوطي في جزء ( فض الوعاء عن أحاديث رفع اليدين في الدعاء ) ذكر فيه مائة حديث، ومما ذكره ما رواه ابن أبي شيبة عن الأسود العامري عن أبيه قال: " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما سلم انحرف ورفع يديه ودعا ).


قال الحافظ أبو الفضل عبد الله بن محمد الصديق الغماري: الأسود عبد الله بن الحاجب ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: محله الصدق وأبوه صحابي ( اتقان الصنعة ص 96 ط 97 )


وجاء في الحلية للحافظ أبي نعيم أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه جلس إلى قاص العامة ( محدث الناس ) بعد الصلاة، وكان يرفع يديه إذا دعا [ الحلية 5/277 ] ، أي يرفع يديه إذا دعا بهم دعاء جماعيا.


و قوله تعالى: " أجيبت " تفيد أن دعاء الجماعة من مواطن و أسباب استجابة الدعاء. وهو ما دل عليه أيضا الحديث الصحيح: " ما رفع قوم أكفهم إلى الله عز وجل يسألونه شيئا إلا كان حقا على الله أن يضع في أيديهم الذي سألوا " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد 10/172، باب ما جاء في الإشارة في الدعاء ورفع اليدين.


و الله الهادي إلى الصواب.