بسم الله الرحمن الرحيم

الإقامة بين غير المسلمين لحديثي العهد بالإسلام


ازدادت في العقود الأخيرة -وبشكل بارز- ظاهرة السفر والتنقل إلى البلاد الغربية؛ بهدف العمل أو الدراسة.

ومع تنامي هذه الرحلات؛ لعله من المناسب التذكير بأهم شروط سفر المسلم إلى تلك البلاد, وهي ثلاثة:

الأول: وجود دين يمنعه من الوقوع في الشهوات المحرمة.

والثاني: أن يكون لدى المسلم المسافر علم يدفع به الشبهات التي تصادفه.

والثالث: أن يكون محتاجاً إلى السفر، كأن يكون مريضاً يطلب العلاج، أو مرافقاً لمريض، أو لتجارة مباحة، أو لطلب علم لا يجده عند المسلمين، أو لغرض الدعوة ونشر الدين.. إلخ.

وعليه أن يظهر شعائر دينه أثناء سفره هذا، وأن يكره ما عليه أهل الكفر من باطل وهوى.

وهذه الشروط تنطبق على من أسلم حديثاً وهو في ديار الكفار، غير أن الهجرة إلى بلد مسلم -إن تمكن من ذلك- فتنبغي له المبادرة إليها، أما إذا لم يتمكن فلم يجد من يستقبله من ديار المسلمين؛ فلا شيء عليه حينئذ، فقد ثبت أن عدداً من أهل مكة وغيرها بقوا في ديارهم حتى أتتهم الفرصة فقدموا على النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، أو وافوه في الطريق في بعض الغزوات فجاهدوا معه، ولم يأمرهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- (والحالة هذه) بالهجرة إليه، ولم يستفصل منهم هل هم عاجزون عن الهجرة، أم لا؟ ومِنْ هؤلاء عمه العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-، ونعيم النحام لما أراد أن يهاجر جاء إليه قومه المشركون من بني عدي، وقالوا: أقم عندنا وأنت على دينك، وكان يقوم بيتامى بني عدي وأراملهم فبقي عندهم، ولما جاء فتح مكة قال له النبي –صلى الله عليه وسلم-: " قومك كانوا خيراً من قومي لي، قومي أخرجوني وأرادوا قتلي، وقومك حفظوك ومنعوك " ، ومعلوم أن عدداً ليس بالقليل من المؤمنين غير المستضعفين تأخرت هجرتهم، ولو كانت الهجرة واجبة على الفور لأمرهم الرسول –صلى الله عليه وسلم- بذلك وأنكر على من تخلف منهم.

ويجب أن يعلم أن الهجرة في مفهوم القرآن الكريم والسنة النبوية، ليست عملية انهزام وهروب، ولكنها عمل حركي للانتقال من دار الباطل إلى دار الحق، وليست عملية انسحابية؛ ولكنها تحيز إلى فئة هي جماعة من المسلمين في أي بقعة من الأرض، ليقيم المسلم معهم شعائر دينه دون معاناة أو تضييق، والكل يعلم أن أكثر المسلمين الذين يفتنون في دينهم من الأقليات -في ديار الكفر- غير قادرين على الهجرة، فهم معذورون شرعاً، لا سيما أنه لا يكاد يوجد من دول الإسلام من تقبل مثل هؤلاء بأن يدخل هؤلاء باسم الهجرة الشرعية ويعاملوا على أساسها، وكل جماعة مسلمة -وإن قلَّ عددها في بلاد الكفر- تقدر على الانعزال والتفرد عن الكفار شعورياً على الأقل وهو الأهم، كما أنها تستطيع أن تندمج عملياً في ذلك المجتمع دون ذوبان أو تبعية، بل يستطيع المسلم الجديد إذا أقام في بلده الكافر أن يظهر شعائر دينه، وينشر الإسلام والدعوة إليه ربما أكثر من غيره؛ لمعرفته بأوضاع البلاد وقوانينها وعادات أهلها، ويستخدم من وسائل الدعوة وطرقها ما قد يجهله غيره.

كما أن الهجرة الواجبة في القرآن والسنة، والتي كان يبايع عليها النبي الناس هي: الهجرة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أما البيعة فأمر زائد على الهجرة، وهذا كان قبل الفتح، أما بعد فتح مكة (فلا هجرة، ولكن جهاد ونية)، وجاء في الحديث الصحيح " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويديه والمهاجر من هجر ما نهاه الله عنه " ، فتعدد معاني الجهاد والهجرة في الإسلام فيه سعة ويسر على المسلمين؛ ليؤخذ لكل زمن منه ما يناسبه، أما طلب العلم الشرعي وأحكامه للمسلم الجديد فيمكنه أن يأخذ ذلك عمن هو أعلم منه مباشرة إن تيسر له ذلك، أو يأخذه من كتاب شرعي معتمد، أو يتلقى المعرفة الضرورية عن طريق وسائل الاتصال الحديثة التي قربت البعيد، وجمعت المتفرق من: إذاعة مسموعة، أو مرئية، وعبر قنوات فضائية، أو إنترنت.. إلخ.

وفق الله الجميع إلى كل خير، وثبتنا على الحق حيثما كنا.

الدكتور سعود الفنيسان