أهمية الفتوح الإسلامية .. سلسلة فتح مصر

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

أهمية الفتوح الإسلامية .. سلسلة فتح مصر

صفحة 4 من 5 الأولىالأولى ... 3 4 5 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 46

الموضوع: أهمية الفتوح الإسلامية .. سلسلة فتح مصر

  1. #31
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    5,424
    آخر نشاط
    12-07-2013
    على الساعة
    02:24 PM

    افتراضي

    فتح الإسكندرية
    الإسكندرية قبل الفتح الإسلامي



    كانت الإسكندرية عاصمة لمصر منذ أنشأها الإسكندر الأكبر في شتاء عام 331- 332 ق.م عند بلدة راكوتيس Rakotis التي يرجع تاريخها إلى 1500 ق.م، كما أضاف ضاحية نيوبوليس New Polis إلى غربها، وقد أقامها لتحل محل نوكراتيس naukratis كمركز للثقافة اليونانية في مصر، وفي العصر الروماني صارت المدينة الثانية بعد روما، وبقيت تحت سلطان الرومان أكثر من قرن من الزمان، ثم نما حجم الإسكندرية وأنشأ البطالمة فيها المتحف والمكتبة التي حوت 500.000 مجلدٍ، وفيها تمَّ ترجمة التوراة (العهد القديم Old testament) إلى اليونانية، وصارت الإسكندرية مركزًا للتجارة بين دول أوروبا والشرق، واستمر ذلك الحال حتى دُمِّرَ المتحف والمكتبة خلال الحرب الداخلية في القرن الثالث الميلادي، كما أحرق المسيحيون مكتبة فرعية عام 391م، وأنشأ أوكتافيوس مدينته المنافسة قريبًا من الرمل، وأخذت أهمية خاصة في عصرها المسيحي من ناحية الفكر اللاهوتي للحكومة، وفي عام 616 م استولى عليها الفرس من البيزنطيين، واستعادها البيزنطيون حتى فتحها المسلمون عام 21هـ/ 642م.


    الزحف إلى الإسكندرية.. ومعاونة الأقباط للمسلمين!

    بعد سقوط حصن بابليون في أيدي المسلمين أقاموا به، ثم كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يستأمره في الزحف إلى الإسكندرية، فكتب إليه عمر يأمره بذلك. وقد استخلف عمرو بن العاص على ما فتح خارجةَ بن حذافة السهمي، وسار على رأس من معه.
    ثم حدث بعد ذلك أمران مهمان، وهما:
    - جاء إلى الروم إمدادات كثيرة.
    - أصبح للقبط موقفٌ واضح، ألا وهو تعاونهم مع المسلمين.

    خرج عمرو بن العاص y بالمسلمين حين أمكنهم الخروج، وخرج معه جماعة من رؤساء القبط، وقد أصلحوا لهم الطرق وأقاموا لهم الجسور والأسواق، وصار القبط لهم أعوانًا على ما أرادوا من قتال الروم، وسمع بذلك الروم فاستعدوا واستجاشوا، وقدم عليهم مراكبَ كثيرة من أرض الروم فيها جموع كثيرة منهم بالعدة والسلاح، فخرج إليهم عمرو بن العاص y من بابليون متوجهًا إلى الإسكندرية، فلم يلقَ منهم أحدًا حتى بلغ تَرْنُوط، فلقي بها طائفة من الروم فقاتلوه قتالاً خفيفًا فهزمهم الله، ومضى عمرو بن العاص بمن معه حتى لَقِيَ جمع الروم بكَوْم شَرِيك، فاقتتلوا به ثلاثة أيام ثم فتح الله للمسلمين، وولَّى الروم مدبرين.

    وتجمع الروم والقبط دون الإسكندرية ببلدة كِرْيُون، وفيهم من أهل سَخا وبَلْهِيب والخَيْس وسُلْطَيْس وغيرهم، وهذا يخالف الروايات الصحيحة التي ذكرت أن القبط كانوا أعوانًا للمسلمين مثل رواية ابن عبد الحكم في كتابه "فتوح مصر وأخبارها"؛ ولذلك نذهب إلى أن أهل هذه القرى قام الروم بتجنيدهم وحشرهم ليقاتلوا معهم، وأثخن المسلمون الرومَ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وطاردوهم حتى بلغوا الإسكندرية فتحصنوا بها. وكانت عليهم حصون لا تُرَامُ؛ حصن دون حصن، فنزل المسلمون ما بين حُلْوَة إلى قصر فارس إلى ما وراء ذلك، ومعهم رؤساء القبط يمدونهم بما احتاجوا إليه من الأطعمة والعَلُوفة.

    وقد ذكرنا من قبل أن فتح بابليون كان يوم الجمعة 29 من ذي الحجة 20هـ / 7 ديسمبر641م؛ وتقول الروايات: إن عمرو بن العاص y ظل أمام الإسكندرية مُحاصِرًا لها ثلاثة أشهر. وتعني هذه الروايات أن المسلمين قطعوا ما بين بابليون حتى الإسكندرية في ستة أشهر، ثم أقاموا أمامها ثلاثة أشهر، وعلى ذلك يكون وصول المسلمين إلى الإسكندرية كان نحو 19جمادى الآخرة21هـ / 23 مايو 642م، ويكون فتحها حدث نحو 19رمضان21هـ / 19أغسطس642م، وقد ذكر خليفة بن خياط في تاريخه أن فتحها كان سنة 21هـ على يد عمرو بن العاص y.

  2. #32
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    5,424
    آخر نشاط
    12-07-2013
    على الساعة
    02:24 PM

    افتراضي

    إحكام الحصار على حصن كِرْيُون

    فر الرومان نحو الإسكندرية، وكان حصن كريون آخر سلسلة الحصون قبل الإسكندرية، وقد اعتصم به "تيودور" قائد الجيش البيزنطي مع حامية قوية، وبعد أن تمكن المسلمون من اقتحامه فَرَّ "تيودور" وبعض أفراد حاميته إلى الإسكندرية.

    وقد أدرك عمرو y فور وصوله إلى الإسكندرية ودراسته للوضع الميداني أن المدينة حصينة؛ إذ يحيط بها سوران محكمان، ولها عدة أبراج، ويحيط بها خندق يُمْلأُ من ماء البحر عند الضرورة للدفاع، وتتألف أبوابها من ثلاث طبقات من الحديد، ويوجد مجانيق فوق الأبراج، وقد بلغ عدد جنود حاميتها بعد الإمدادات التي أرسلها الإمبراطور البيزنطي خمسين ألف جندي، ويحميها البحر من الناحية الشمالية، وهو تحت سيطرة الأسطول البيزنطي، الذي كان يمدها بالمؤن والرجال والعتاد، وتحميها قريوط من الجنوب، ومن المتعذر اجتيازها، وتلفها ترعة الثعبان من الغرب، وبذلك لم يكن للمسلمين طريق إليها إلا من ناحية الشرق، وهو الطريق الذي يصلها بكريون، وكانت المدينة حصينة من هذه الناحية، ومع ذلك لم ييأس، ووضع خطة عسكرية ضمنت له النصر في النهاية، قضت بتشديد الحصار على المدينة حتى يتضايق المدافعون عنها، ويدب اليأس في نفوسهم، فيضطرون للخروج للاصطدام بالمسلمين لتخفيف وطأة الحصار، وهكذا يستدرجهم ويحملهم على الخروج من تحصيناتهم، ثم ينقض عليهم.

    ونتيجة لاشتداد الصراع في القسطنطينية بين أركان الحكم، انقطعت الإمدادات البيزنطية عن الإسكندرية، إذ لم يعد أحد منهم يفكر في الدفاع عنها، مما أَثَّرَ سلبًا على معنويات المدافعين عنها، فرأوا أنفسهم معزولين ولا سند لهم، ومما زاد من مخاوفهم ما كان يقوم به المسلمون من غارات على قرى الدلتا والساحل، فإذا سيطروا عليها فسوف يقطعون الميرة عنهم.

    رسالة أمير المؤمنين إلى عمرو



    وكان عمر بن الخطاب y في المدينة ينتظر أنباء فتح مصر، وهو أشد ما يكون استعجالاً لنبأ سقوط الإسكندرية في أيدي المسلمين، ولكن هذا النبأ أبطأ عنه أشهرًا، فذهب يبحث عن السبب، وهو لم يقصر عن إمداد عمرو بما يحتاج إليه من المساندة التي تكفل له النصر، وخشي أن تكون خيرات مصر قد غَرَّت المسلمين فتخاذلوا؛ فقال لأصحابه: "ما أبطَئُوا بفتحها إلا لما أحدثوا"، أي لما أحدثوا من ذنوب، وكتب إلى عمرو بن العاص:

    "أما بعد، فقد عجبتُ لإبطائكم عن فتح مصر، إنكم تقاتلونهم منذ سنتين، وما ذاك إلا لما أحدثتم، وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قومًا إلا بصدق نياتهم، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما كنت أعرف، إلا أن يكونوا غيَّرَهم ما غيَّر غيرهم، فإذا أتاك كتابي هذا فاخطب الناس، وحُضَّهم على قتال عدوهم، وَرَغِّبْهم في الصبر والنية، وقَدِّم أولئك الأربعة في صدور الناس، ومُر الناس جميعًا أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد، وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة، فإنها ساعة تنزل الرحمة، ووقت الإجابة، وليعجّ الناسُ إلى الله ويسألوه النصر على عدوهم".

  3. #33
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    5,424
    آخر نشاط
    12-07-2013
    على الساعة
    02:24 PM

    افتراضي

    تحقيق النصر.. ونجاح الفتح



    وعندما أتى عَمرًا الكتابُ جمع الناس، وقرأ عليهم كتاب عمر، ثم دعا أولئك النفر، فقدمهم أمام الناس
    وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين، ثم يرغبوا إلى الله عز وجل ويسألوه النصر؛ ففعلوا ففتح الله عليهم.

    ويقال: إن عمرو بن العاص استشار مَسْلَمَة بن مُخَلَّد في قتال الروم بالإسكندرية، فقال له مسلمة: أرى أن تنظر إلى رجل له معرفة
    وتجارب من أصحاب رسول الله، فتعقد له على الناس، فيكون هو الذي يباشر القتال ويكفيك. قال عمرو: ومن ذلك؟ قال: عبادة بن الصامت.
    فدعا عمرو عبادةَ فأتاه وهو راكب فرسه، فلما دنا منه أراد النزول، فقال له عمرو: عزمت عليك لا تنزل؛ فَنَاوِلْنِي سِنَانَ رُمحِك. فناوله إياه، فنزع عمرو عمامته عن رأسه وعقد له، وولاه قتال الروم، فتقدم عبادة مكانه، فقاتل الروم حتى فتح الله على يديه الإسكندرية من يومهم ذلك.

    يقول جنادة بن أبي أمية: دعاني عبادة بن الصامت يوم الإسكندرية، وكان على قتالهم، فأغار العدو على طائفة من الناس ولم يأذن لهم بقتالهم
    فسمعني فبعثني أحجز بينهم، فأتيتهم فحجزت بينهم، ثم رجعت إليه، فقال: أَقُتِلَ أَحَدٌ من الناس هنالك؟ قلت: لا. فقال: الحمد لله الذي لم يقتلْ أحدًا منهم عاصيًا.

    لقد عانت الإسكندرية من الحصار، وأَدَّى ذلك إلى هبوط معنويات الجند والقادة، خاصة بعد وفاة هرقل، فأسرع المقوقس بالسفر
    إلى مصر على رأس جنده لتسليم المدينة، ورافقه عدد من القساوسة، وبذلك فتح الله الإسكندرية على المسلمين.
    صورة رائعة من حضارة المسلمين في التعامل مع الأعداء

    تمَّ هذا الفتح عَنْوة، ولكن عمرًا جعل أهلها ذمة على أن يخرج مَن يخرج، ويقيم من يقيم باختيارهم، شأن المسلمين مع أهالي معظم البلاد التي فتحوها
    وإنما عامل عمرو المصريين معاملة من فُتِحَتْ بلادُهم صلحًا ليستجلب محبتهم، وتتألف الهدنة التي عقدها المقوقس مع عمرو بن العاص من أمرين:

    الأمر الأول: شروط تسليم مدينة الإسكندرية، ومنها:
    - أن يدفع أهل الإسكندرية الجزية المستحقة عليهم دينارين كل عام.
    - أن يحافظ المسلمون على الكنيسة المسيحية، فلا يتعرضون لها بسوء، ولا يتدخلون في شئونها.
    - أن يتمتع أهل الإسكندرية بالحريات الدينية.
    - أن تعقد هدنة مدتها 11 شهرًا، يبقى المسلمون في أثنائها عند مواقعهم الأولى.
    - أن يكف الروم عن القتال، وألا يحاولوا استرداد مصر، ولا تعود إليها قوة حربية.
    - أن ينسحب البيزنطيون، ويأخذون معهم أموالهم وأمتعتهم عن طريق البحر.

    وإذا تمَّ الانسحاب دخلت قوات المسلمين واحتلت المدينة.
    - أن يكون عند المسلمين من الروم 150 جنديًّا، و50 مدنيًّا رهينة؛ لتنفيذ المحافظة على الجالية اليهودية، وكان عددها عظيمًا.
    - أن يرحل جند الروم من الإسكندرية في البحر على أن يحملوا متاعهم وأموالهم، ومن أراد الرحيل برًّا فليدفع كل شهر جزءًا معلومًا من المال، ما بقي في أرض مصر أثناء رحلته.

    الأمر الثاني
    أن المعاهدة القديمة التي عقدها المقوقس مع عمرو بن العاص y بحصن بابليون، ستطبق على القطر المصري كله، وتصبح معاهدة يدخل فيها جميع المصريين من حيث تأمين أهل مصر على أنفسهم ومِلَّتهم وأموالهم وكنائسهم وصُلُبِهم وبَرِّهم وبحرهم، بما يضمن منح المصريين حقوقهم وحرياتهم، وقد حمل "قيرس" شروط الصلح إلى "تيودور" وهو القائد الأعلى للجيش للموافقة عليها، وأُرسِلت إلى قنسطانز فأقرها، ولكن الروم بعد ذلك لم يحترموا هذه المعاهدة؛ فقد أرسل الإمبراطور جيشًا بقيادة "منويل"، فاحتلها وقتل حاميتها.

    وبالفعل تمَّ تنفيذ الاتفاق، وأخلى الروم الإسكندرية، ورحلوا عنها قبل حلول الموعد المحدد لانتهاء الهدنة بين الطرفين، إذ تمَّ إخلاؤها بتاريخ السابع عشر من سبتمبر سنة 642م.
    تأمين حدود مصر

    لقد حرص عمرو بن العاص y على تأمين الإسكندرية من هجمات الأعداء المباغتة، فجعل نصف جنده معه بالفسطاط، وأمر النصف الآخر بالمرابطة بسواحل مصر، خاصة الإسكندرية، بحيث يتم ذلك بالتبادل صيفًا وشتاءً، مدة ستة أشهر لكل فريق مع توفير المساكن اللازمة للإقامة هناك.

    وبعد أن فرغ المسلمون من فتح مصر، رأى عمرو بن العاص y ضرورة تأمين حدودها من جهة الغرب، وبخاصة أن الروم قد أُجبِرُوا على الخروج منها، وهم يتحينون الفرصة لاستعادتها. ولما كانوا يبسطون نفوذهم وسلطانهم على المناطق التي تقع غرب مصر حتى المحيط الأطلنطي، كان لا بد من تأمين تلك الحدود؛ لذلك كان من الضروري استمرار الفتح غربًا لارتباط تلك المناطق الوثيق بمصر؛ فقد كانت أنطابُلُس (برقة) وطرابلس قد انفصلتا عن الإمبراطورية البيزنطية منذ عهد موريس 583- 602م، وكانتا شبه مستقلتين وتابعتين لمصر رسميًّا، وأيدتا "جريجوريوس" لدى انفصاله عن الإمبراطورية البيزنطية.

  4. #34
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    5,424
    آخر نشاط
    12-07-2013
    على الساعة
    02:24 PM

    افتراضي

    إنشاء الفسطاط


    يعتبر تخطيط وإنشاء المدن الإسلامية من الأعمال العمرانية المهمة التي قام بها عمرو، لقد كان الهدف من إنشاء هذه المدن من أجل جند المسلمين وعائلاتهم في المناطق المفتوحة؛ ليكون الجند فيها مستعدين دائمًا للجهاد في سبيل الله، وللدفاع عن حدود الدولة الجديدة، ونقطة انطلاق عسكري لأي توسع إسلامي. وكان المسلمون قبل إنشاء المدن يقيمون بمساكن من القصب، فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب وحزموه ووضعوه حتى يرجعوا من الغزو، وإذا رجعوا أعادوا بناءه، فلم تزل الحال كذلك حتى كانت أوامر أمير المؤمنين ببناء المدن.

    وإذا ما بحثنا في تاريخ العرب المسلمين نرى أنهم حين خرجوا من شبه الجزيرة العربية فاتحين ورجال دعوة للدين الإسلامي، وبناة حضارة جديدة، كانوا قد تعودوا على الاستقرار في المدن كمكة والمدينة، ناهيك عن إقامتهم في المدن التي كانت قائمة في جنوبي الجزيرة العربية منذ الألف الثاني قبل الميلاد، وحضارات عرب سوريا قبل الإسلام كالأنباط والتدمريين والغساسنة واللخميين.

    لذلك يمكننا القول: إن العرب المسلمين حينما خرجوا فاتحين كانوا مهيئين لهذه النقلة التاريخية من طور البداوة إلى طور الحضارة، وهذا ما جسده بناء البصرة والكوفة، ثم الفسطاط في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.

    وفي ذلك نقول: إن الدعوة الإسلامية أحدثت ثورة دينية، وسياسية، واقتصادية؛ فقد تجاوز الإسلام بالعرب الحدود القبلية، ثم وحدهم بحروب الردة في نطاق أمة واحدة، ودفعهم إلى الجهاد فأخرجهم من مواطنهم إلى آفاق جغرافية جديدة، ولم يعد المتتبع لسير حركة الفتوح يرى فيهم جماعات متعددة، وإنما يرى جماعة واحدة، تملأ عقيدتها ما كان بينها من فراغ.
    وقد أُنشِئَتِ البصرة سنة 15هـ، والكوفة سنة 17هـ، والفسطاط سنة 21هـ.

    إنشاء الفسطاط


    تقع الفسطاط في إقليم مصر على ساحل النيل في طرفه الشمالي الشرقي، قبل القاهرة بحوالي ميلين، وكان النيل عندها ينقسم إلى قسمين، وموضعها كان فضاءً ومزارعَ بين النيل والجبل الشرقي، ليس فيه من البناء والعمارة سوى حصن بابليون الذي يطل على النيل من بابه الغربي الذي يعرف بباب الحديد، واستفادت الفسطاط من موقعها على النيل بنتيجتين:

    فقد يسر النيل للأهالي سبل الحصول على الماء من جهة، وخدم توسعها العمراني من جهة ثانية، فتحكمت بطرق المواصلات التجارية الداخلية والخارجية بين مصر والشام، وبين مصر والحجاز.

    وقد اكتشف هذا الموقع الإستراتيجي الفراعنة والبابليون والرومان، فاتخذ منه الفراعنة مكانًا لمدينة كبيرة، جعلها البابليون مكانًا لاستقرارهم عند نزولهم في مصر، ثم اتخذه الرومان مقرًّا لدفاعهم يصلون به الوجهين البحري والقبلي، ويدفعون منه كل معتدٍ خارجي على مصر.

    والفسطاط من حيث المناخ، تتبع المناخ شبه الصحراوي، فهي حارة نهارًا وباردة ليلاً، لا ينزلها المطر إلا نادرًا، كما هو الحال في باقي إقليم مصر ما عدا الإسكندرية.

    وبعد الصلح سار المسلمون إلى الإسكندرية وعاونهم القبط في أعمالهم، ورحبوا بهم. وعند حصن الإسكندرية اقتتلوا قتالاً شديدًا، ثم تمَّ لهم فتحها بعد حصار دام بضعة أشهر، وقبل أهل مصر الصلح.
    وعليه نشير إلى أن عمرو بن العاص حينما عزم على التوجه إلى الإسكندرية، أمر بنزع فسطاطه الذي ضربه قرب حصن بابليون، فإذا فيه يمام قد فرخ فأقره كما هو.

    وحينما فتح المسلمون الإسكندرية أراد عمرو بن العاص اتخاذها عاصمة ودار هجرة للمسلمين، فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في ذلك، فسأل عمر رسول عمرو بن العاص: "هل يحول بيني وبين المسلمين الماء؟" فأجابه: نعم.
    فكتب عمر إلى ابن العاص أن يرحل عن هذا المكان؛ لأنه لا يريد أن يحول بينه وبين المسلمين الماء، لا في الصيف ولا في الشتاء.

    فتحول عمرو بن العاص إلى موضع فسطاطه القديم، وذلك حينما استشار أصحابه أين ينزلون، فأشاروا عليه بالنزول في هذا الموضع، وكان مضروبًا في موضح الدار التي تعرف بدار الحصى عند دار عمرو الصغرى، ثم انضمت إليه القبائل وتنافست في المواضع، واختط عمرو المسجد الجامع الذي عرف بتاج الجوامع، وكان حوله حدائق وأعناب، وقام عمرو بنصب الحبال مع أصحابه حتى استقامت، وقد اشترك في وضع قبلة المسجد من ثمانين صحابيًّا، واتخذوا فيه منبرًا، ثم اختط الناس بعد اختطاط المسجد الجامع، ونزل المسلمون الفسطاط بعد تمصيره سنة 21هـ.

    هذا، وقد أنزل عمرو بن العاص القبائل العربية بالفسطاط، وبعد أن اختط المسجد الجامع، بنى للخليفة عمر دارًا عند المسجد، فكتب إليه عمر قائلاً: "أنَّى لرجل بالحجاز تكون له دار بمصر؟!" وأمره أن يجعلها سوقًا للمسلمين، وتمَّ ما أراده أمير المؤمنين، وأصبحت هذه الدار تسمى بدار البركة.

    وسَرْعان ما اتخذت الفسطاط مظهر المدينة بجامعها الكبير، وبأسواقها التجارية التي أحاطت به، وبدور السكن التي ارتفعت بمرور الزمن إلى خمسة وسبعة أطباق، وعظم أمرها واغتنت، وكثر ساكنوها حتى قاربت ثلث بغداد مساحة، أي حوالي فرسخ على غاية الخصب والعمارة والحضارة، وبقيت دار الإمارة حتى سقطت الدولة الأموية، وبنيت المعسكرات بظاهرها.

    وقد وُفِّقَ عمرو بن العاص في اختيار الموقع الإستراتيجي لبناء الفسطاط سياسيًّا وجغرافيًّا؛ فالموقع الذي ضرب عليه عمرو فسطاطه كان موضعًا لمدينة قديمة اندثرت ثم ازدهرت ثانية مع دخول الإسلام لمصر، وإنما بنمط معماري جديد وبحياة وحضارة جديدتين، حتى أصبحت الفسطاط -مع هذا كله- مدينة جديدة زاهرة بكل ما يجعل شأن العواصم كبيرًا.

    وكان ذلك إيذانًا بدخول وادي النيل في الإسلام لتسطع من الفسطاط فيما بعد أنوار الحضارة العربية الإسلامية وأنوار الدين الإسلامي، ولتصبح فيما بعد قاعدة الفتوح الإسلامية في المغرب.

    وعن سبب التسمية نشير إلى أن عمرو بن العاص كما يذكر الطبري، وبعد فتح حصن بابليون أراد رفع الفسطاط والمسير إلى الإسكندرية لإتمام فتح مصر، فإذا يمام قد فرخ في أعلاه فتركه على حاله، وأوصى به صاحب الحصن والقصر.

    فلما فتح الإسكندرية وأراد الاستقرار بها نهاه عمر بن الخطاب عن ذلك، وأوصاه باختيار موضع وسط يتيسر الاتصال به، فلم يجد عمرو أنسب من اختيار الموقع الملاصق لحصن بابليون لحصانته وموقعه، وسأل أصحابه: أين تنزلون؟
    قالوا: نرجع إلى موقع فسطاطه؛ لنكون على ماء وصحراء. فعاد إليها ومَصَّرَها وأقطعها للقبائل التي معه، فنسبت المدينة إلى فسطاطه، فقيل: فسطاط عمرو. فالفسطاط على هذا النحو معسكر أو مخيم أو بيت من الشَّعر.

    ويذكر ابن قتيبة في كتابه عيون الأخبار أن العرب يقولون لكل مدينة: الفسطاط، ولذا سموا مصر بالفسطاط، ويستشهد على ذلك بحديث للرسولرواه أبو هريرة، قال فيه: "عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الفسطاط" أي المدينة.

    تخطيط الفسطاط

    وعن تخطيط المدينة العمراني نشير إلى أن أول بناء اختطه عمرو بن العاص في الفسطاط كان مسجده الجامع، وكان مسجدًا كبيرًا شريف القدر شهير الذكر، ثم بنى عمرو داره الكبرى عند باب المسجد، وكان يفصلها عن الجامع طريق، ثم اختط دارًا أخرى ملاصقة لها، وبنى حمام الفار (الذي سمي كذلك لصغر حجمه، قياسًا بحمامات الروم الضخمة)، واختطت قريش والأنصار وأسلم وغفار وجهينة، ومن كان قد اشترك في جيش المسلمين حول المسجد الجامع ودار عمرو.

    هذا، وكانت هذه الخطط في الفسطاط بمثابة الحارات في القاهرة، واختط خارجة بن حذافة غربي المسجد، وبنى أول غرفة بمصر، والغرفة هي قاعة تعلو الدار وتطل على الطريق، وهي التي أمره عمر بن الخطاب بهدمها؛ لكي لا يطلع على عورات جيرانه.

    أما الدار البيضاء التي استغرق بناؤها أربعين يومًا فاختطها عبد الرحمن بن عُدَيْس البلوي، وبُنِيَتْ لمروان بن الحكم حين قدم إلى مصر، وكانت صحنًا وموقفًا لخيل المسلمين بين المسجد ودار عمرو.

    وبنى عمرو بن العاص لبني سهم دار السلسلة الواقعة غربي المسجد، واختطت ثقيف في الركن الشرقي للمسجد الجامع، واختط أبو ذر الغفاري دار العمد ذات الحمام، واختطت همذان الجيزة، وحينما أخبر عَمرو عُمر بن الخطاب بذلك ساءه، وكتب إلى عمرو يقول:

    كيف رضيت أن تفرق عنك أصحابك؟! لم يكن ينبغي لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينك وبينهم بحر، لا تدري ما يفاجئهم، فلعلك لا تقدر على غياثهم حتى ينزل بهم ما تكره، فاجمعهم إليك، فإن أبوا عليك وأعجبهم موضعهم فابنِ عليهم من فَيْء المسلمين حصنًا.

    وحينما لم يرجعوا ومن والاهم من رهطهم كيافع وغيرها، بنى لهم عمرو الحصن سنة 22هـ.

    وكان يتوسط خطط الجيزة أرض فناء فسيحة، فلما قدمت الإمدادات زمن عثمان بن عفان، وفيما بعد ذلك، كثر الناس في هذه الأرض، وكثر بنيانها حتى التأمت خطط الجيزة، وأصبحت امتدادًا للفسطاط وأرضًا منها.

    وكثرت بالفسطاط الحارات والأزقة والدروب، التي تعتبر مظهرًا من مظاهر التوسع العمراني والازدهار الاقتصادي؛ يقول في ذلك جمال الدين الشيال اعتمادًا على حفريات الفسطاط لبهجت وعكوش: إنه كان يفصل بين منازل الفسطاط أنواع من الطرقات المختلفة الاتساع والامتداد، فأكبرها لا يزيد عرضه عن ستة أمتار، وأضيقها لا يتجاوز مترًا ونصف المتر، وكان يطلق عليها بنسبة عرضها أو اتساعها أو طولها أو اتصالها اسم حارة أو درب أو زقاق، وكانت تسمى بأسماء القبائل التي نزلت بها، أو باسم كبار العرب الذين سكنوها، أو بأسماء الحرف والصناعات، أو أنواع التجارة.
    المساجد:

    جامع عمرو

    هو أول جامع أقيم في مصر، ويعرف بالجامع العتيق، وكان موضعه جبانة، وعندما نزل المسلمون في مكانه حاز موضعه قيسبة بن كلثوم التجيبي ونزله، وحينما رجع المسلمون من الإسكندرية إلى هذا المكان، سأل عمرو قيسبة في منزله هذا أن يجعله مسجدًا، فتصدق به على المسلمين، فبُنِيَ في سنة 21هـ، وقد وقف على تحرير قبلته جمع كبير من جِلَّة الصحابة رضوان الله عليهم، قال المقريزي: إنهم ثمانون رجلاً من أصحاب رسول الله، منهم: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري، وغيرهم رضي الله عنهم، وكان طوله خمسين ذراعًا في عرض ثلاثين، ثم توالت الزيادات، إلى أن كانت سنة 212هـ، إذ أمر عبد الله بن طاهر والي مصر من قبل المأمون بتوسيعه، فزيد فيه مثله، وبذلك بلغت 5012 * 50120 مترًا.

    وكانت تقام فيه حلقات الدروس، بعضها للإرشاد، والآخر لدروس الفقه والحديث وعلوم القرآن والأدب، فكان جامعة إسلامية ذاع ذكرها في الآفاق، وصار يقصدها الطلاب من الأقطار المختلفة.
    ويروي ابن إسحاق أن عَمرًا بنى بعد فتح الإسكندرية مسجدًا، كان لا يزال باقيًا إلى عصره

  5. #35
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    5,424
    آخر نشاط
    12-07-2013
    على الساعة
    02:24 PM

    افتراضي

    أثر الفتح الإسلامي على أوضاع الأقباط

    الأثر الديني




    تعرض الأقباط في مصر قبل الفتح الإسلامي لاضطهادٍ قاسٍ على أيدي البيزنطيين، ومن ثَمَّ رأوا في القوة الإسلامية الداخلة الأمل بالخلاص مما هم فيه، فساندوها، ورحبوا بدخول المسلمين أرض مصر، لكن هذه المساندة كانت صامتة في بادئ الأمر، أي حيادية.

    وشكلت انتصارات المسلمين وإخضاعهم البلاد نصرًا دينيًّا للأقباط، حيث غادر البلاد عدد كبير من البيزنطيين، ولما استقرت الأوضاع
    وكانت أخبار العهدة العمرية الخاصة ببيت المقدس قد تسربت إلى مصر، لقي الأقباط من الحكم الجديد ما شعروا معه بكثير من الحرية.

    ولعل أول عمل قام به عمرو بن العاص t بعد استقرار الأوضاع الداخلية، الإعلان بين الناس جميعًا أن لا إكراه في الدين، وأن حرية العقيدة أمر مقدس
    فلن يتعرض لأحد في حريته أو ماله بسبب دينه أو مذهبه، وخيَّرهم بين الدخول في الإسلام والبقاء على دينهم، فمن يدخل في الإسلام يكون له ما للمسلمين وعليه ما عليهم.

    والواقع أن عَمْرًا انتهج سياسة المساواة الدينية بين المذهبين النصرانيين اللذين استمرا في مصر، وتذكر روايات المصادر أن كثيرًا من كنائس الملكانيين فضلوا البقاء في مصر، وأن أسقفًا ملكانيًّا بقي على مذهبه حتى مات ولم يمسه أحد بأذى، وأن البطريرك القبطي بنيامين الذي عاد إلى الإسكندرية بعد أن قضى ثلاثة عشر عامًا لاجئًا متخفيًا خشية أن يُقبَض عليه، أُعِيد إلى مركزه، وأضحى بإمكانه أن يقوم بواجباته الدينية وهو مطمئن، وكان يستقطب الناس إلى مذهبه بالحجة والإقناع، واستطاع أن يحصل على بعض الكنائس التي تركها الملكانيون بعد خروجهم وضمها إلى كنائس البطريركية، ولما عاد إلى الإسكندرية قال لأتباعه: "عدت إلى بلدي الإسكندرية، فوجدت بها أمنًا من الخوف، واطمئنانًا بعد البلاء، وقد صرف الله عنا اضطهاد الكفرة وبأسهم".
    فكان من أثر الحرية الدينية والمعاملة السمحة أن أقبل كثير من الأقباط على النظر في المذاهب المختلفة، ثم انتهى أكثر هؤلاء إلى قبول الإسلام والدخول فيه.

    الأثر الإداري

    خلت بخروج البيزنطيين بعض الوظائف الحكومية التي كان يشغلها هؤلاء، ولأن المسلمين لم يكن لهم عهد بعدُ بالشئون الإدارية، وكان يهمهم أن تستمر الإدارة في العمل
    وأن تجمع الضرائب، بغض النظر عما يختص بالعاملين في الحقل الوظيفي، فقد فتحوا أبواب العمل أمام القادرين والراغبين من الأقباط.

    والمعروف أن الإدارة الإسلامية الجديدة احتفظت بثلاثة موظفين بيزنطيين في مراكز إدارية كبيرة هي حاكمية مصر السفلى وتولاها ميناس، وحاكمية منطقة الفيوم وتولاها فيلوخينوس، وحاكمية الريف الغربي وتولاها سينوتيوس.
    وبفعل هيمنة الموظفين الأقباط على العمل الإداري، أضحت اللغة القبطية اللغة الرئيسية في الإدارة، فحلَّت بذلك محل اللغة اليونانية، وحافظ المسلمون على الأساليب البيزنطية في تدوين الدواوين وجمع الضرائب
    فانتعشت الثقافة القبطية مجددًا، وأخذت تملأ الفراغ الذي نتج عن الخروج البيزنطي، واعتنى الأقباط بتعلم اللغة العربية؛ لأنها كانت لغة الفاتحين، واحتفظ المسلمون بقيادة الجند والقضاء.

    الأثر الاقتصادي

    كانت مصر تتعرض بين سنة وأخرى لضائقة اقتصادية ناتجة عن انخفاض ماء النيل، مما يسبب خللاً في المعادلة الاقتصادية، قد عانى المصريون كثيرًا من هذه الظاهرة، وقد أدرك عمرو بن العاص
    ذلك فخَفَّفَ عن المصريين كثيرًا من الضرائب التي فرضها البيزنطيون عليهم. والمعروف أن الضرائب البيزنطية كانت كثيرة ومتنوعة، وتناولت معظم النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وسوَّى بينهم في أدائها، كما أعفى بعضهم منها.

    ويذكر في هذا المقام أن الخليفة كتب إلى عمرو أن يسأل المقوقس في خير وسيلة لحكم البلاد وجباية أموالها، فأشار عليه المقوقس بالشروط التالية:
    - أن يستخرج خراج مصر في وقت واحد، عند فراغ الناس من زروعهم.
    - أن يرفع خراجها في وقت واحد، عند فراغ أهلها من عصر كرومهم.
    - أن تحفر خلجانها كل عام.
    - أن تصلح جسورها وتسد ترعها.
    - ألا يُختار عاملٌ ظالم لِيَلِيَ أمورها.

    ونتيجة لهذه التوصيات رسم المسلمون خطة جباية الخراج، واعتنوا بهندسة الري من حفر الخلجان وإصلاح الجسور، وسد الترع وبناء مقاييس للنيل وإنشاء الأحواض والقناطر، ولعل من أشهر ما قام به عمرو، هو حفر خليج تراجان الذي يصل النيل بالبحر الأحمر، ويسهل الاتصال بالجزيرة العربية، ويؤمّن طريقًا أفضل للتجارة الشرقية، يبتدئ هذا الخليج من شمالي بابليون ويتجه شمالاً بشرق إلى بلبيس، ثم ينحرف شرقًا إلى بحيرة التمساح ليخرج من جنوبي هذه البحيرة إلى البحيرات المرة، ويبلغ البحر الأحمر عند السويس.

    وكان من أثر هذه الإصلاحات أن تحسنت حالة الأقباط وزادت ثرواتهم، واطمأنوا على أرواحهم وممتلكاتهم ومستقبلهم، ونعموا بالهدوء والاستقرار، وازدادت إلفتهم بالمسلمين مع مرور الوقت، ودخل كثير منهم في الإسلام.
    ويبقى أن نذكر أن الرأي السائد آنذاك، كان أن يبقى المسلمون على رباطهم لا يشغلون بالزراعة، ولا يحلُّون بالبلاد كأهلها، فلما اطمأنوا في البلاد أخذ ذلك الحظر يُرفَع عنهم، وأُبِيحَ لهم أن يمتلكوا الأراضي.

    ماذا كان يحدث لمصر لو لم يأتها الفتح الإسلامي؟

    الواقع أن هذا السؤال ضروري للغاية لمن يريد أن يقيّم الفتح الإسلامي لمصر تقييمًا نزيهًا مخلصًا مبرأً من الأغراض؛ لأن الفتح الإسلامي كان ذا أثر عظيم على مصر
    وكان علامة فارقة في تاريخها، ليس في مصر فحسب بل في إفريقيَّة بأسرها، والباحث المنصف يرى أنه لو لم يأتِ الفتح الإسلامي لمصر لظلت:

    1- خاضعة للدولة البيزنطية تُعاني من الاضطهاد والظلم إلى ما شاء الله، ولهجر أبناؤها أرضها فخربت، ودبَّت المجاعات وعصفت بأهلها، ولتداولت عليها أيدي الدول الاستعمارية الظالمة يتخطّفها مستعمر من مستعمر، يذيقونها العذاب ألوانًا، وينهبون خيراتها ويخربونها ليعمروا أوطانهم، ولتجرع المصريون كأس المهانة والذل، ولانتهى بهم الحال إلى بيع أبنائهم وأعراضهم ليسددوا الضرائب الجائرة، واستمر القتل والسجن والتعذيب والفتنة في عقيدتهم إكراهًا لهم على اتباع ديانة غيرهم، ثم يكون المصير النهائي للجميع: النار؛ النار للمُكْرِهِ الروماني والمُكْرَهِ المصري على حدٍّ سواء؛ جزاءً على الكفر والشرك بالله (عز وجل)، ولكن الإسلام أتاها فأضاء جنباتها بنوره، وأنقذ أبناءها من وَهْدة الكفر ورفعهم إلى قمة الإيمان السامقة، كما حماها من الاستعمار قرونًا عديدة نَعِمَتْ خلالها بسماحة الإسلام.

    2- لو لم يأتِ الإسلام لحُرِمَ الأقباط من ممارسة شعائرهم الدينية وحقوقهم، ولظل الإسلام قابعًا في الجزيرة العربية، ولم يستضئ بنوره أهل إفريقيَّة وبلاد الأندلس.
    3– أو لأصبحت مصر بؤرة من بؤر محاربة الإسلام (أما اليوم فهي شعلة من مشاعل نصرة الإسلام ونشره في العالم أجمع)، ولحُرِمَ أبناؤها من ثواب الرباط إلى يوم القيامة.
    وخلاصة القول: لو لم يأتِ الإسلام لظلت مصر ميتة بين الأحياء

  6. #36
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    5,424
    آخر نشاط
    12-07-2013
    على الساعة
    02:24 PM

    افتراضي

    مصر مقارنة بالدول التي لم يدخلها الفتح
    الإنسانية في الاحتضار




    كان القرن السادس والسابع (لميلاد المسيح) من أحط أدوار التاريخ بلا خلاف، فكانت الإنسانية متدلية منحدرة منذ قرون، وما على وجه الأرض قوة تمسك بيدها وتمنعها من التردي، فقد زادتها الأيام سرعة في هبوطها وشدة إسفافها، وكأن الإنسان قد نسي خالقه، فنسي نفسه ومصيره، وفقد رشده، وقوة التمييز بين الخير والشر، والحسن والقبيح، وقد خفتت دعوة الأنبياء من زمن، والمصابيح التي أوقدوها قد انطفأت من العواصف التي هبت بعدهم، أو بقيت ونورها ضعيف ضئيل لا ينير إلا بعض القلوب، فضلاً عن البيوت والبلاد، وقد انسحب رجال الدين من ميدان الحياة، ولاذوا بالأديرة والكنائس والخلوات فرارًا بدينهم من الفتن، وضنًّا بأنفسهم، أو رغبة في الدَّعَة والسكون، وفرارًا من تكاليف الحياة وجِدِّها، أو فشلاً في كفاح الدين والسياسة والروح والمادة، ومن بقي منهم في تيار الحياة اصطلح مع الملوك وأهل الدنيا، وعاونهم على إثمهم وعدوانهم، وأكل أموال الناس بالباطل على حساب الضعفاء والمحكومين.

    نظرة في الأمم المختلفة
    - الأمم الأوروبية الشمالية الغربية
    لم يصل الفتح الدول الأوروبية الشمالية الغربية؛ لذلك كانت تتسكع في ظلام الجهل المطبق، والأمية الفاشية، والحروب الدامية، لم ينبثق فيها فجر الحضارة والعلم بعدُ، ولم تظهر على مسرحها الأندلس لتؤدي رسالتها في العلم والمدنية، ولم تصهرها الحوادث، وكانت بمعزل عن جَادَّة قافلة الحضارة الإنسانية بعيدة عنها، لا تعرف عن العالم ولا يعرف العالم المتمدِّن عنها إلا قليلاً، ولم تكن - مما يجري في الشرق والغرب مما يغير وجه التاريخ - في عير ولا نفير، وكانت بين نصرانية وليدة، ووثنية شائبة، ولم تكن بذات رسالة في الدين، ولا بذات راية في السياسة.
    يقول هـ .ج . ويلز: "ولم تكن في أوروبا الغربية في ذلك العهد أمارات الوحدة والنظام".

    ويقول روبرت بريفولت (Robert briffault): "لقد أطبق على أوروبا ليل حالك من القرن الخامس إلى القرن العاشر، وكان هذا الليل يزداد ظلامًا وسوادًا، فقد كانت همجية ذلك العهد أشد هولاً، وأفظع من همجية العهد القديم؛ لأنها كانت أشبه بجثة حضارة كبيرة قد تعفنت، وقد انطمست معالم هذه الحضارة، وقُضِيَ عليها بالزوال، وقد كانت الأقطار الكبيرة التي ازدهرت فيها هذه الحضارة، وبلغت أوجها في الماضي كإيطاليا وفرنسا فريسة الدمار والفوضى والخراب". (أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص 51، 52)

    - أمم آسيا الوسطى
    أما الأمم الأخرى في آسيا الوسطى وفي الشرق، كالمغول والترك واليابانيين، فقد كانت بين بوذية فاسدة، ووثنية همجية، لا تملك ثروة علمية، ولا نظامًا سياسيًّا راقيًا، وإنما كانت في طور الانتقال من عهد الهمجية إلى عهد الحضارة، ومنها شعوب لا تزال في طور البداوة والطفولة العقلية.

    - الهند: ديانة، واجتماعًا، وأخلاقًا
    أما الهند فقد اتفقت كلمة المؤلفين في تاريخها على أَنَّ أَحَطَّ أدوارها ديانة وخلقًا واجتماعًا ذلك العهد الذي يبتدئ من مستهل القرن السادس الميلادي، وأخذت نصيبًا غير منقوص من هذا الظلام الذي مد رواقه على المعمورة، وامتازت عنها في ظواهر وخِلالٍ يمكن أن نخلصها في ثلاث: كثرة المعبودات والآلهة، كثرة فاحشة الشهوة الجنسية الجامحة، التفاوت الطبقي المجحف والامتياز الاجتماعي.

    - الوثنية المتطرفة
    ارتقت صناعة نحت التماثيل في هذا العهد، وبلغت أوجها في القرن السادس والسابع حتى فاق هذا العصر في ذلك العصور الماضية، وقد عكفت الطبقات كلها وعكف أهل البلاد من الملك إلى الصعلوك على عبادة الأصنام، حتى لم تجد الديانة البوذية والجينية منها بُدًّا، وتذرعت هاتان الديانتان بهذه الوسيلة للاحتفاظ بحياتهما وانتشارهما في البلاد، ويدل على ما وصلت إليه الوثنية والتماثيل في هذا العصر ما حكاه الرحالة الصيني الشهير (هوئن سوئنج) الذي قام برحلته بين عام 630 وعام 644 عن الاحتفال العظيم الذي أقامه الملك هرش الذي حكم الهند من عام 606 إلى 647 : وأقام الملك احتفالاً عظيمًا في قنوج، اشترك فيه عدد كبير جدًّا من علماء الديانات السائدة في الهند، وقد نصب الملك تمثالاً ذهبيًّا لبوذا على منارة تعلو خمسين ذراعًا، وقد خرج بتمثال آخر لبوذا أصغر من التمثال الأول في موكب حافل، قام بجنبه الملك "هرش" بمظلة، وقام الملك الحليف "كامروب" يذب عنه الذباب. ويقول هذا الرحالة عن أسرة الملك ورجال بلاطه: إن بعضهم كان من عباد "شو"، وبعضهم من أتباع الديانة البوذية، وكان بعضهم يعبد الشمس، وبعضهم يعبد "وشنو"، وكان لكل واحد أن يخص من الآلهة أحدًا بعبادته أو يعبدهم جميعًا.

    - الشهوة الجنسية الجامحة
    وأما الشهوة فقد امتازت بها ديانة الهند ومجتمعها منذ العهد القديم، فلعل المواد الجنسية والمهيجات الشهوية لم تدخل في صميم ديانة بلاد مثل ما دخلت في صميم الديانة في البلاد الهندية، وقد تناقلت الكتب الهندية وتحدثت الأوساط الدينية عن ظهور صفات الإله، وعن وقوع الحوادث العظيمة، وعن تعليل الأكوان روايات وأقاصيص عن اختلاط الجنسين من الآلهة، وغارة بعضها على البيوتات الشريفة تستك منها المسامع، ويتندى لها الجبين حياء، وتأثير هذه الحكايات في عقول المتدينين المخلصين المرددين لهذه الحكايات في إيمان وحماسة دينية، وفعلها في عواطفهم وأعصابهم واضح، زد على ذلك -في صورة بشعة- اجتماع أهل البلاد عليها من رجال ونساء وأطفال وبنات، زد عليه كذلك ما يحدّث به بعض المؤرخين أن رجال بعض الفرق الدينية كانوا يعبدون النساء العاريات، والنساء يعبدون الرجال العراة، وكان كهنة المعابد من كبار الخونة والفساق الذين كانوا يرزءون الراهبات والزائرات في أعز ما عندهن، وقد أصبح كثير من المعابد مواخير يترصد فيها الفاسق لطِلْبته، وينال فيها الفاجر بُغيته. وإذا كان هذا شأن البيوت التي رُفِعَتْ للعبادة والدين، فما ظن القارئ ببلاط الملوك وقصور الأغنياء؟! فقد تنافس فيها رجالها في إتيان كل منكر وركوب كل فاحشة، وكان فيها مجالس مختلطة من سادة وسيدات، فإذا لعبت الخمر برءوسهم خلعوا جلباب الحياء والشرف، وطرحوا الحشمة فتوارى الأدب وتبرقع الحياء، هكذا أخذت البلادَ موجةٌ طاغيةٌ من الشهوات الجنسية والخلاعة، وأسفت أخلاق الجنسين إسفافًا كبيرًا.

  7. #37
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    5,424
    آخر نشاط
    12-07-2013
    على الساعة
    02:24 PM

    افتراضي

    نظام الطبقات الجائر

    أما نظام الطبقات فلم يعرف في تاريخ أمة من الأمم نظامًا أشد قسوة وأعظم فصلاً بين طبقة وطبقة، وأشد استهانة بشرف الإنسان من النظام الذي اعترفت به الهند دينيًّا ومدنيًّا، وخضعت له آلافًا من السنين ولا تزال، وقد بدت طلائع التفاوت الطبقي في آخر العهد الويدي بتأثير الحرف والصنائع وتوارثها، وبحكم المحافظة على خصائص السلالة الآرية المحتلة ونجابتها، وقبل ميلاد المسيح بثلاثة قرون ازدهرت في الهند الحضارة البرهمية، ووُضِعَ فيها مرسومٌ جديدٌ للمجتمع الهندي، وأُلِّفَ فيه قانون مدني وسياسي اتفقت عليه البلاد، وأصبح قانونًا رسميًّا ومرجعًا دينيًّا في حياة البلاد ومدنيتها، وهو المعروف الآن بـ (منوشاستر).

    يقسم هذا القانون أهل البلاد إلى أربع طبقات ممتازة البراهمة: طبقة الكهنة ورجال الدين، شتري رجال الحرب، ويش رجال الزراعة والتجارة، شودر رجال الخدمة. ويقول منو مؤلف هذا القانون: "إن القادر المطلق قد خلق لمصلحة العالم البراهمة من فمه، وشتري من سواعده، وويش من أفخاذه، والشودر من أرجله، ووزع لهم فرائض وواجبات لصلاح العالم. فعلى البراهمة تعليم ويد، وتقديم النذور للآلهة، وتعاطي الصدقات، وعلى الشتري حراسة الناس والتصدق، وتقديم النذور، ودراسة "ويد" والعزوف عن الشهوات، وعلى ويش رعي السائمة، والقيام بخدمتها، وتلاوة ويد، والتجارة والزراعة، وليس لشودر إلا خدمة هذه الطبقات الثلاث.
    - امتيازات طبقة البراهمة

    وقد منح هذا القانون طبقة البراهمة امتيازات وحقوقًا ألحقتهم بالآلهة، فقد قال: إن البراهمة هم صفوة الله وهم ملوك الخلق، وإن ما في العالم هو ملك لهم فإنهم أفضل الخلائق وسادة الأرض، ولهم أن يأخذوا من مال عبيدهم شودر – من غير جريرة – ما شاءوا، لأن العبد لا يملك شيئًا، وكل ماله لسيده. وإن البرهمي الذي يحفظ رك ويد "الكتاب المقدس" هو رجل مغفور له ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه وأعماله، ولا يجوز للملك حتى في أشد ساعات الاضطرار والفاقة أن يجبي من البراهمة جباية أو يأخذ منهم إتاوة، ولا يصح لبرهمي في بلاده أن يموت جوعًا، وإن استحق برهمي القتل لم يجز للحاكم إلا أن يحلق رأسه، أما غيره فيقتل.

    أما الشتري فإن كانوا فوق الطبقتين "ويش وشودر" ولكنهم دون البراهمة بكثير؛ فيقول "منو":
    إن البرهمي الذي هو في العاشرة من عمره يفوق الشتري الذي ناهز مائة، كما يفوق الوالد ولده.
    - المنبوذون الأشقياء

    أما شودر "المنبوذون" فكانوا في المجتمع الهندي – بنص هذا القانون المدني الديني - أحط من البهائم وأذل من الكلاب؛ فيصرح القانون بأن "من سعادة شودر أن يقوموا بخدمة البراهمة، وليس لهم أجر وثواب بغير ذلك. وليس لهم أن يقتنوا مالاً أو يدخروا كنزًا، فإن ذلك يؤذي البراهمة، وإذا مَدَّ أحدٌ من المنبوذين إلى برهمي يدًا أو عصًا ليبطش به قُطِعَتْ يدُه، وإذا رفسه في غضب فُدِعَتْ رجله، وإذا هَمَّ أحدٌ من المنبوذين أن يجالس برهميًّا، فعلى الملك أن يكوي استه وينفيه من البلاد، وأما إذا مسه بيد أو سبه فيقتلع لسانه، وإذا ادعى أنه يعلمه سُقِيَ زيتًا فائرًا، وكفارة قتل الكلب والقطة والضفضعة والوزغ والغراب والبومة ورجل من الطبقة المنبوذة سواء".
    مركز المرأة في المجتمع الهندي

    وقد نزلت النساء في هذا المجتمع منزلة الإماء، وكان الرجل قد يخسر امرأته في القمار، وكان بعض الأحيان للمرأة عدة أزواج، فإذا مات زوجها صارت كالموءودة لا تتزوج، وتكون هدف الإهانات والتجريح، وكانت أَمَةَ بيت زوجها المُتوفَّى وخادم الأحماء، وقد تحرق نفسها على إثر وفاة زوجها تفاديًا من عذاب الحياة وشقاء الدنيا. وهكذا صارت هذه البلاد المخصبة أرضًا وعقولاً - التي وصفها بعض مؤرخي العرب بكونها معدن الحكمة، وينبوع العدل والسياسة، وأهل الأحلام الراجحة، والآراء الفاضلة؛ لبعد عهدها عن الدين الصحيح، وضياع مصادره، وتحريف رجال الدين، واتباع هوى النفوس، ونزعات الشهوات - مسرحًا للجهل الفاضح، والوثنية الوضيعة، والقسوة والهمجية، والجور الاجتماعي الذي ليس له مثيل في الأمم، ولا نظير في التاريخ.

    هكذا عاشت الأمم التي لم تَستَنِر بنور الإسلام؛ سدرت في جاهليتها وغيها، وغرق الناس في بحور الجهل والظلم والشهوات التي أردتهم المهالك، واستعبد بعضهم بعضًا، وصاروا في دركة أحط من الحيوانات، وبهذا يظهر الفرق بين مصر التي عمرها الإسلام وأضاء أركانها؛ فانتقلت من حال إلى حال، وبين الأمم التي لم يصلها الفاتحون، ولم تعرف نور الإسلام.

  8. #38
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    5,424
    آخر نشاط
    12-07-2013
    على الساعة
    02:24 PM

    افتراضي

    مصر في عهد عمرو بن العاص
    الجوانب الحضارية


    مشاركة مصر في كشف الضر الذي نزل بالجزيرة العربية (عام الرمادة)
    عند التحدث عن عام الرمادة في عهد عمر، لا بد من الإشارة إلى أن السياسة (الحكم) والاقتصاد (المالية) ركنان مهمان ومتلازمان
    من أركان الدولة القوية والناجحة. وما حصل في عام الرمادة في عهد عمر، هو أزمة قاسية لاقتصاد الدولة الإسلامية الفتية.

    وعام الرمادة -والرمادة في اللغة الهلكة- هو البلاء والحدث الجسيم الذي فاجأ عمر، وهو في صدد بناء الدولة الإسلامية الناشئة. ففي سنة 18هـ، حصل في الجزيرة العربية قحط دام تسعة أشهر، فسميت هذه السنة عام الرمادة؛ لأن الريح كانت تسفي ترابًا كالرماد، أو لأنه هلكت منه الناس والأموال. واشتد الجوع في ذلك العام حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها.



    وأصبحت الجزيرة العربية جدباء قاحلة، لا ماء ولا مرعى، ولا ماشية ولا طعام. وجاع الناس، وأحسَّ عمر بجوع رعيته، ونهض لهذه الكارثة نهوضه لكل خطب، فأقسم ألا يذوق لحمًا ولا سمنًا حتى يكشف الله الضر، وقال: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يصبني ما أصابهم؟!

    وبدأ عمر بمواجهة المشكلة داخليًّا متجهًا إلى الله عز وجل، وإلى الأغنياء والموسرين من رعيته، واستجلب القوت من كل مكان فيه مزيد من قوت، وجعل يحمله على ظهره مع الحاملين إلى حيث يعثر على الجياع والمهزولين العاجزين عن حمل أقواتهم، وآلى على نفسه وأهله لا يأكلون طعامًا أنقى من الطعام الذي يصيبه الفقير المحروم من رعاياه.

    وعن ابن عمر: "كان عمر بن الخطاب أحدث في زمان الرمادة أمرًا ما كان فعله، لقد كان يصلي بالناس العشاء ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال
    يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب فيطوف عليها، وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو يقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي".

    ولم يقتصر عمر في مواجهة الأزمة على الالتجاء إلى الله فقط، بل كتب إلى الولاة والعمال في سائر الأمصار يطلب منهم النجدة والعون
    يستعينهم ويستغيثهم لأهل المدينة ومن حولها، وكانت كتبه إليهم قصيرة، عميقة التأثير، منها رسالته إلى عمرو بن العاص والي مصر:

    "بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص ابن العاص، سلام عليك. أما بعد
    أفتراني هالكًا ومن قبلي وتعيش أنت ومن قبلك؟ فياغوثاه! يا غوثاه! يا غوثاه!".

    فرد عمرو بن العاص والي مصر إلى عمر
    "بسم الله الرحمن الرحيم. إلى عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو. أما بعد، أتاك الغوث فلبيك لبيك، لقد بعثت إليك بعيرٍ أولها عندك وآخرها عندي، مع أني أرجو أن أجد سبيلاً أن أحمل في البحر".

    فبعث في البر بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيق والدهن، وبعث إليه بخمسة آلاف كساء.
    وكتب إلى معاوية بن أبي سفيان والي الشام يقول: إذا جاءك كتابي هذا فابعث إلينا من الطعام بما يصلح قِبَلَنَا؛ فإنهم قد هلكوا إلا أن يرحمهم الله.
    فأرسل معاوية ثلاثة آلاف بعير من دمشق، وقدم أبو عبيدة بن الجراح من حمص بأربعة آلاف راحلة محملة بالطعام.

    حفر خليج أمير المؤمنين

    يعتبر حفر خليج أمير المؤمنين من الأعمال العمرانية العظيمة التي قام بها عمرو بن العاص في مصر، فعن طريقه تم ربط النيل بالبحر الأحمر
    بحر القلزم وشبه الجزيرة العربية، ولكن الروايات تختلف في شأن صاحب الفكرة الأولى في حفره.

    فقد ذكر ابن عبد الحكم في كتابة فتوح مصر والمغرب: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر، فقدموا عليه، فقال عمر: "يا عمرو، إن الله قد فتح على المسلمين مصر، وهي كثيرة الخير والطعام، وقد ألقى في رُوعي؛ لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين، والتوسعة عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها قوة لهم ولجميع المسلمين، أن أحفر خليجًا من نيلها حتى يسيل في البحر، فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة، فإن حمله على الظهر يبعد، ولا نبلغ منه ما نريد، فانطلق أنت وأصحابك فتشاوروا في ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم."

    فانطلق عمرو فأخبر بذلك من كان معه من أهل مصر، فثَقُلَ ذلك عليهم، وقالوا: نتخوف أن يدخل في هذا ضرر على مصر
    فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له: إن هذا أمر لا يعتدل ولا يكون، ولا نجد إليه سبيلاً.

    فرجع عمرو بذلك إلى عمر، فضحك عمر حين رآه، وقال: "والذي نفسي بيده، لكأني أنظر إليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرنا به من حفر الخليج فثقل ذلك عليهم، وقالوا: يدخل في هذا ضرر على أهل مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له: إن هذا الأمر لا يعتدل، ولا يكون ولا نجد إليه سبيلاً".
    فعجب عمرو من قول عمر، وقال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، لقد كان الأمر على ما ذكرت.

    فقال له عُمر: انطلق يا عمرو بعزيمة مني حتى تجِدَّ في ذلك، ولا يأتي عليك الحول حتى تفرغ منه إن شاء الله. فانصرف عمرو، وجمع لذلك من الفَعَلَةِ ما بلغ منه ما أراد، ثم احتفر الخليج الذي في حاشية الفسطاط الذي يقال له: خليج أمير المؤمنين، فساقه من النيل إلى القلزم، فلم يأتِ الحول حتى جرت فيه السفن، فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة، فنفع الله بذلك أهل الحرمين، وسمي خليج أمير المؤمنين.


  9. #39
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    5,424
    آخر نشاط
    12-07-2013
    على الساعة
    02:24 PM

    افتراضي

    التسامح الديني

    وهذا جانب جديد من جوانب النزعة الإنسانية في حضارتنا الخالدة، جديد في تاريخ العقائد والأديان، وجديد في تاريخ الحضارات القديمة التي ينشِئُها دين معين أو أمة معينة، لقد أنشأ الإسلام حضارتنا فلم يضق ذرعًا بالأديان السابقة، ولم يتعصب دون الآراء والمذاهب المتعددة، بل كان شعاره {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:17-18]. ومن أجل ذلك كان من مبادئ حضارتنا في التسامح الديني:

    1- أن الأديان السماوية كلها تستقي من معين واحد: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13].

    2- وأن الأنبياء إخوة لا تفاضل بينهم من حيث الرسالة، وأن على المسلمين أن يؤمنوا بهم جميعًا: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:136].

    3- وأن العقيدة لا يمكن الإكراه عليها، بل لا بد فيها من الاقتناع والرضا {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّين} [البقرة:256]
    {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِين} [يونس:99].

    4- وأن أماكن العبادة للديانات السماوية محترمة، يجب الدفاع عنها وحمايتها كحماية مساجد المسلمين
    {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج:40].

    5- وأن الناس لا ينبغي أن يؤدي اختلافهم في أديانهم إلى أن يقتل بعضهم بعضًا، أو يعتدي بعضهم على بعض، بل يجب أن يتعاونوا على فعل الخير ومكافحة الشر
    {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان} [المائدة:2].

    أما الفصل بينهم فيما يختلفون فيه، فالله وحده هو الذي يحكم بينهم يوم القيامة: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة:113].

    6- وأن التفاضل بين الناس في الحياة وعند الله بمقدار ما يقدم أحدهم لنفسه، وللناس من خيرٍ وبِرٍّ "الخلق كلهم عيال الله
    فأحبهم إليه أنفعهم لعياله" (رواه البزار)، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].

    7- وأن الاختلاف في الأديان لا يحول دون البر والصلة والضيافة {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة:5].

    8- وإن اختلف الناس في أديانهم، فلهم أن يجادل بعضهم بعضًا فيها بالحسنى، وفي حدود الأدب والحجة والإقناع {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:46]. ولا تجوز البذاءة مع المخالفين، ولا سب عقائدهم ولو كانوا وثنيين {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108].

    9- فإذا اعتدى على الأمة في عقيدتها، وجب رد العدوان لحماية العقيدة ودَرْءِ الفتنة {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193]، {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} [الممتحنة:9].

    10- فإذا انتصرت الأمة على من اعتدى عليها في الدين، أو أراد سلبها حريتها، فلا يجوز الانتقام منهم بإجبارهم على ترك دينهم
    أو اضطهادهم في عقائدهم، وحسبهم أن يعترفوا بسلطان الدولة، ويقيموا على الإخلاص لها حتى يكون "لهم ما لنا وعليهم ما علينا".

    هذه هي مبادئ التسامح الديني في الإسلام الذي قامت عليه حضارتنا، وهي توجب على المسلم أن يؤمن بأنبياء الله ورسله جميعًا، وأن يذكرهم بالإجلال والاحترام، وأن لا يتعرض لأتباعهم بسوء، وأن يكون معهم حسن المعاملة، رقيق الجانب، لين القول، يحسن جوارهم، ويقبل ضيافتهم، وأوجب الإسلام على الدولة المسلمة أن تحمي أماكن عبادتهم، وأن لا تتدخل في عقائدهم، ولا تجور عليهم في حكم، وتسويهم بالمسلمين في الحقوق والواجبات العامة، وأن تصون كرامتهم وحياتهم ومستقبلهم كما تصون كرامة المسلمين وحياتهم ومستقبلهم.

    وعلى هدي الرسول الكريم في تسامحه الديني ذي النزعة الإنسانية الرفيعة، سار خلفاؤه من بعده، فإذا بنا نجد عمر بن الخطاب وقد شكت إليه امرأة مسيحية من سكان مصر أن عمرو بن العاص قد أدخل دارها في المسجد كرهًا عنها، فسأل عَمْرًا عن ذلك؛ فيخبره أن المسلمين كثروا وأصبح المسجد يضيق بهم، وفي جواره دار هذه المرأة، وقد عرض عليها عمرو ثمن دارها وبالغ في الثمن فلم ترضَ، مما اضطر عمرو إلى هدم دارها وإدخاله في المسجد، ووضع قيمة الدار في بيت المال تأخذه متى شاءت.

    ومع أن هذا مما تبيحه قوانيننا الحاضرة، وهي حالة يعذر فيها عمرو على ما صنع، فإن عُمر لم يرضَ ذلك، وأمر عَمرًا أن يهدم البناء الجديد من المسجد، ويعيد إلى المرأة المسيحية دارها كما كانت!!
    هذه هي الروح المتسامحة التي سادت المجتمع الذي أظلته حضارتنا بمبادئها، فإذا بنا نشهد من ضروب التسامح الديني ما لا نجد له مثيلاً في تاريخ العصور حتى في العصر الحديث!!

    ومن مظاهر التسامح الديني أيضًا أن كانت المساجد تجاور الكنائس في ظل حياتنا الخالدة، وكان رجال الدين في الكنائس يعطون السلطة التامة على رعاياهم في كل شئونهم الدينية والكنسية، لا تتدخل الدولة في ذلك
    بل إن الدولة كانت تتدخل في حل المشاكل الخلافية بين مذاهبهم، وتنصف بعضهم من بعض، فقد كان الملكانيون يضطهدون أقباط مصر في عهد الروم ويسلبونهم كنائسهم، حتى إذا فتحت مصر ردَّ المسلمون إلى الأقباط كنائسهم وأنصفوهم.
    أما حرية رجال الدين في طقوسهم، وإبقاء سلطاتهم على رعاياهم دون تدخل الدولة في ذلك، فقد شعر المسيحيون من سكان البلاد بالحرية في ذلك ما لم يشعروا ببعضه في حكم الروم.
    - ابن عمرو بن العاص والقبطي

    يذكر ابن عبد الحكم أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب t، فقال له: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم. قال: عذت معاذًا. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط،ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه هو وابنه، فقدما، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب. فجعل يضربه بالسوط، ويقول عمر:اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه. ثم قال عمر للمصري: ضع على صلعة عمرو.
    فقال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني، وقد اشتفيت منه. فقال عمر لعمرو:
    مُذ كَمْ تعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا ؟! قال: يا أمير المؤمنين، لم أعلم ولم يأتني.

  10. #40
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    5,424
    آخر نشاط
    12-07-2013
    على الساعة
    02:24 PM

    افتراضي

    وثيقة الصلح مع أهل مصر

    كانت وثيقة الصلح التي عقدها عمرو بن العاص t مع أهل مصر إحدى مظاهر التسامح الديني
    فقد تمتع المصريون من خلالها بحرية دينية كاملة لم يعهدوها من قبل، وهذا نص الوثيقة:

    "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر، الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم، وبرهم وبحرهم، لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينتقص، ولا يساكنهم النوب، وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح، وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف، وعليهم ما جنى لُصوتُهم (جمع لِصْت، وهو اللص)، فإن أبى أحد منهم أن يجيب رُفِعَ عنهم الجزاء بقدرهم، وذمتنا ممن أبى بريئة، وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى، رفع عنهم بقدر ذلك، ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، أو يخرج من سلطاننا، عليهم ما عليهم أثلاثًا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم، على ما في هذا الكتاب عهد الله، وذمته وذمة رسوله، وذمة الخليفة أمير المؤمنين، وذمم المؤمنين، وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسًا، وكذا وكذا فرسًا، على ألا يُغْزَوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة. شهد الزبير وعبد الله ومحمد ابناه، وكتب وردان وحضر".

    وتبرز من خلال هذه الوثيقة مجموعة من المعطيات المهمة:
    1- ضمان الحرية الدينية، والتعهد بحماية ممتلكات الكنائس والأديرة.
    2- ربط قضية الجزية بالقدرة على دفعها، فإذا كانت السنة خيرة بعطائها الزراعي تمَّ دفع الجزية بحسب ما هو مقرر "خمسين مليون"
    أما إذا كان الفيضان ضعيفًا وكان الإنتاج الزراعي قليلاً تمَّ تخفيض الجزية بما يعادل "إجداب الأرض وضعف إنتاجها".
    3- تقسيم الجزية على ثلاثة أقساط بما يتوافق والتكوين الاقتصادي للإقليم.
    4- إعطاء الأمان لمن يرفض دفع الجزية حتى يغادر أرض مصر.
    5- شمول الجزية لمن يريد المصريون إدخاله في الجزية من أبناء الشعوب الأفريقية التي لم يفتح المسلمون بلادهم.
    6- إسقاط واجب الحرب عن المواطنين ممن يدفعون الجزية.
    7- إطلاق الحرية التجارية وحرية التنقل دون قيود.
    8- إعطاء ذمة الله ورسوله.

صفحة 4 من 5 الأولىالأولى ... 3 4 5 الأخيرةالأخيرة

أهمية الفتوح الإسلامية .. سلسلة فتح مصر

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. البحث عن الفتوي اسهل هنا
    بواسطة أبــ عمرــو في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 22-04-2009, 09:17 AM
  2. تأملوا معى الفتوي الصادرة من البابا شنودة مفاجأة
    بواسطة فاطمة 2 في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 20-04-2009, 02:02 PM
  3. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-04-2007, 11:31 AM
  4. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 15-11-2006, 12:36 PM
  5. مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-09-2006, 03:01 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهمية الفتوح الإسلامية .. سلسلة فتح مصر

أهمية الفتوح الإسلامية .. سلسلة فتح مصر