" الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ ‏" (الأعراف‏:157)‏.

هــذا النص القرآني الكريم جاء في بدايات الربع الأخير من سورة الأعراف‏ ,‏ وهي سورة مكية‏ ,‏ وعدد آياتها ‏(206)‏ بعد البسملة‏ ,‏ وهي من طوال سور القرآن الكريم‏ ,‏ وأطول السور المكية على الإطلاق‏ ,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى (الأعراف‏)‏ وهي أسوار مضروبة بين الجنة والنار للفصل بين أهل كل منهما‏ ,‏ تشريفا وتكريما لأهل الجنة‏ ,‏ وإذلالا وامتهانا لأهل النار‏.وكطبيعة السور المكية‏ ,‏ يدور المحور الرئيسي لسورة الأعراف حول العقيدة الإسلامية القائمة على أساس من الإيمان بالله‏ ,‏ وملائكته‏ ,‏ وكتبه‏ ,‏ ورسله‏ ,‏ واليوم الآخر‏ ,‏ وعلى التوحيد الخالص لله ـ تعالى ـ بغير شريك‏ ,‏ ولا شبيه‏ ,‏ ولا منازع‏ ,‏ ولا صاحبة ولا ولد‏ ,‏ والتسليم الكامل بعبودية جميع الخلق لله الخالق‏ ,‏ وتنزيهه ـ سبحانه وتعالى ـ عن جميع خلقه في إلوهيته‏ ,‏ وربوبيته‏ ,‏ ووحدانيته‏ ,‏ وأسمائه‏ ,‏ وصفاته‏ ,‏وتنزيهه كذلك عن كل وصف لا يليق بجلاله ‏ " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " (الشورى:11) , وهذه العقيدة الصحيحة علمها الإله الخالق‏ (جل شأنه‏)‏ لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ لحظة خلقه‏ ,‏ ثم أنزلها على سلسلة طويلة من أنبياء الله ورسله‏ ,‏ الذي بلغ عددهم مائة وعشرين ألف نبي‏ ,‏ اصطفى منهم ربنا ـ تبارك وتعالى ـ ثلاثمائة وبضعة عشر رسولا‏ ,‏ وحفظ هذه العقيدة الخالصة في الرسالة الخاتمة التي أنزلها ـ الله تعالى ـ على خاتم أنبيائه ورسله ـ صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏ ,‏لذلك فإن هذا الرسول الخاتم أرسله الله تعالى للعالمين ‏: " شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً " (الأحزاب:‏46,45) . ‏ووجه إليه الخطاب قائلا وهو تعالى أصدق القائلين ‏: ‏" إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الجَحِيمِ " ‏(‏البقرة:‏119) .‏
ولما كان سيدنا محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ هو خاتم الأنبياء والمرسلين‏ ,‏ فليس من بعده نبي ولا رسول‏ ,‏ ولما كان عدل الله المطلق قد حكم بعدم تعذيب عباده حتى يبعث إليهم رسولا لقوله العزيز‏ :‏ " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " (الإسراء:15) , فقد تعهد هذا الإله العليم الحكيم بحفظ رسالته الخاتمة حتى تكون شاهدة على الناس أجمعين إلى يوم الدين وقد حفظت هذه الرسالة الخاتمة في نفس لغة وحيها‏ (اللغة العربية‏)‏ على مدي يزيد على أربعة عشر قرنا‏ ,‏ وسوف تبقي محفوظة أبدا بأمر الله تحقيقا لوعده الذي قطعه على ذاته العلية فقال : وقوله الحق‏ :‏ " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " ‏(‏الحجر‏:9)‏ .
وقد أبرزت سورة الأعراف أزلية عقيدة التوحيد في ردود عدد من أنبياء الله ورسله على أقوامهم بالقول السديد‏:‏ يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره التي ترددت أربع مرات في هذه السورة الكريمة على لسان كل من أنبياء الله‏:‏ نوح‏ ,‏ وهود‏ ,‏ وصالح‏ ,‏ وشعيب‏ .‏ وأتبعت هذه الدعوة المباركة في كل مرة بتحذير أو تقريع شديد‏ ,‏ وذلك من مثل قول نبي الله نوح - عليه السلام – لقومه ‏:‏ " إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ‏" (الأعراف‏:59) , ‏وقول نبي الله هود ـ عليه السلام ـ لقومه‏ :‏ " أَفَلاَ تَتَّقُونَ ‏" (الأعراف‏:65) ,‏ وقول كل من نبي الله صالح ـ عليه السلام ـ لقومه‏ ,‏ ونبي الله شعيب ـ على نبينا وعليه من الله السلام ـ لقومه ‏:‏ " قد جاءتكم بينة من ربكم " ‏(الأعراف‏:85,73).
‏وتبدأ سورة الأعراف بالحروف المقطعة الأربع‏ (ألمص‏)‏ وقد تكرر ذكر هذه المقطعات من قبل ولا أري حاجة إلى تكرار ذلك هنا‏.‏ثم تمتدح الآيات القرآن الكريم وتأمر بإتباعه‏ ,‏ وتستعرض صورا من عقاب العاصين من الأمم السابقة للعظة والعبرة‏ ,‏ مع بيان جزاء كل من المؤمنين والعاصيين‏ ,‏ وعرضت لقصة أبينا آدم ـ عليه السلام ـ حتى يأخذ الناس شيئا من العبرة والدرس‏.‏وأشارت السورة المباركة إلى المباحات والمحرمات في السلوك الإنساني‏ ,‏ وحذرت من افتراء الكذب على الله‏ ,‏ ومن التكذيب بآياته‏ ,‏ وعرضت لثواب المؤمنين ولعقاب الكافرين والمشركين‏ ,‏ ولشيء من مشاهد الآخرة خاصة حول الأعراف التي سميت باسمها السورة‏ ,‏ وأمرت بدعاء الله ـ تعالى ـ تضرعا وخفية‏ ,‏ وحرمت الإفساد في الأرض‏ ,‏ كذلك عرضت السورة المباركة لسير عدد من أنبياء الله‏ ,‏ ولتفاعل أقوامهم مع دعوة كل منهم‏ ,‏ وكان من هؤلاء نوح‏ ,‏ وهود‏ ,‏ وصالح‏ ,‏ ولوط‏ ,‏ وشعيب‏ ,‏ وموسي‏ (على نبينا وعليهم وعلى جميع أنبياء الله السلام‏) . ‏وتأمر الآيات في سورة الأعراف الناس جميعا بإتباع خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث للناس كافة‏ ,‏ محذرة من الآخرة‏ ,‏ ومن فجائية قيام الساعة‏ ,‏ ومن غيبتها المطلقة عن جميع الخلق وناهية عن الشرك بالله نهيا قاطعا‏.‏وختمت سورة الأعراف بتمجيد القرآن الكريم كما بدأت به‏ ,‏ وبنصيحة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلى جميع المؤمنين به فتقول‏ : ‏" وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الغَافِلِينَ*. إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ " ‏(‏الأعراف:‏204‏-‏206)‏ .

من ركائز العقيدة الإسلامية في سورة الأعراف :
(1)*الإيمان بالله تعالى ربا واحدا‏ ,‏ أحدا‏ ,‏ فردا صمدا‏ ,‏ منزها عن الشريك‏ ,‏ والشبيه‏ ,‏ والمنازع‏ ,‏ والصاحبة‏ ,‏ والولد‏ ,‏ وعن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏ ,‏ والإيمان بأسمائه الحسني التي لا يجوز أن يدعى إلا بها‏ ,‏ واليقين بان الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون‏ .
(2)التسليم بوجود خلق غيبي هم ملائكة الله‏ ,‏ والإيمان بأنهم مفطورون على عبادة الله والتسبيح باسمه ـ تعالى ـ والسجود لجلاله‏ ,‏ وبأنهم لا يستكبرون عن شيء من ذلك أبدا‏ .‏
(3)*التصديق بجميع الصور الأصلية للوحي الذي أنزله الله تعالى هداية لخلقه على سلسلة من أنبيائه ورسله‏ ,‏ تأكيدا على وحدة هذه الرسالة‏ ,‏ وعلى تكاملها في القرآن الكريم‏ ,‏ ذلك الوحي الخاتم المنزل من الله ـ تعالى ـ إلى خاتم أنبيائه ورسله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وضرورة الدعوة إلى الإيمان به‏ ,‏ والإنذار من عاقبة التنكر له‏ ,‏ أو محاولة الإساءة إليه‏ ,‏وتحمل جميع التبعات المترتبة على ذلك في مواجهة كل موجات الكفر والشرك والضلال ومقاومة كل صور الباطل والظلم والفساد والطغيان‏ .‏
(4)التصديق بجميع رسل الله ـ دون أدني تفريق ـ وبالأخوة بين الأنبياء‏ ,‏ وبوحدة رسالة السماء المنزلة من الله تعالى هداية لخلقه في القضايا التي يعلم ربنا ـ تبارك اسمه ـ بعجز الإنسان عن وضع ضوابط صحيحة لنفسه فيها من مثل‏ :‏ قضايا العقيدة‏ ,‏ والعبادة‏ ,‏ والأخلاق‏ ,‏ والمعاملات‏ ,‏ وهي تمثل صلب الدين‏ .‏
(5)*التسليم بأن النبي والرسول الخاتم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مرسل من الله ـ تعالى ـ للناس جميعا‏ ,‏ وان ذكره الشريف قد جاء في كتب السابقين‏ ,‏ وان أنكره الضالون عن الحق‏ ,‏ المحاربون لأهله‏ ,‏ وان تطاول على مقامه الكريم بعض الحثالات من شياطين الإنس المطموسة بصائرهم فلا يرون الحق أبدا‏ .‏
(6)*اليقين بحقيقة الخلق‏ ,‏ وبأن الله ـ تعالى ـ هو الخالق البارئ المصور‏ ,‏ وأنه ـ سبحانه وتعالى ـ مستحق للشكر الدائم من جميع خلقه على عظيم نعمه على عباده‏ ,‏ وان من صور هذا الشكر الخضوع لله بالطاعة والعبادة كما أمر‏ ,‏ وبالمجاهدة في القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها وإقامة عدل الله فيها ‏.‏
(7)*الإيمان بالآخرة وبحتمية أحداثها من البعث والحساب والجزاء‏ ,‏ ثم الخلود إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏ ,‏ وبأن الساعة علمها عند الله ـ تعالى ـ وحده‏ ,‏ لا يعلمها إلا هو‏ ,‏ وأنها ثقلت في السماوات والأرض ولا تأتي الناس إلا بغتة‏ .‏

8)التسليم بكرامة الإنسان مادام فاهما لحقيقة رسالته في هذه الحياة‏ ,‏ مستقيما علي نهج الله و هدايته‏ ,‏ قائما بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها وإقامة شرع الله وعدله فيها‏ ,‏ دون إفساد أو خيانة‏ .‏
(9)*اليقين من عداوة الشيطان للإنسان ومن محاولات هذا اللعين لغواية كل الناس كما فعل مع أبوينا آدم وحواء ـ عليهما من الله السلام‏ ,‏ واليقين كذلك من توبتهما ومن قبول الله ـ تعالى ـ لتلك التوبة‏ ,‏ وبأن أحدا من ذريتهما لا يحمل شيئا من الخطأ الذي وقعا فيه‏ .‏
(10)الإيمان بأن من اتقى وأصلح من عباد الله المكلفين فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏ ,‏ وأن من كذب منهم بآيات الله واستكبر عنها فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‏ ,‏ والتسليم بأن الإنسان مطالب دوما بطاعة الرحمن وبمعصية الشيطان‏ ,‏ وبالحذر من غوايته ووساوسه ونفثه‏ ,‏ والتصديق بحتمية مساءلة كل من المرسلين والذين أرسلوا إليهم من الخلق المكلفين‏.‏
(11)*اليقين بأن آجال المخلوقين محددة بقدر الله ـ تعالى ـ وعلمه وحكمته‏ ,‏ وبأنه لا يقدر أحد من العباد تغييرها أو العبث بها تقديما أو تأخيرا بالنقص أو بالزيادة‏ .‏
(12)*التصديق بما أنزل الله ـ تعالى ـ بالعاصين من عباده في الأمم السابقة من مختلف صور العقاب المذكورة في محكم كتابه ‏.‏
(13)*الإيمان بما جاء في القرآن الكريم من وصف لأحوال كل من أهل الجنة وأهل النار‏ ,‏ وهي من الغيوب التي لا سبيل للإنسان في الوصول إلى شيء منها إلا بوحي من الله ـ تعالى ـ أو بإقرار من خاتم أنبيائه ورسله ـ صلى الله عليه وسلم ‏.
(14)*اليقين بأن دعاء الله ـ تعالى ـ تضرعا وخفية هو من العبادات التي يقبلها ربنا بقبول حسن لأن الدعاء هو العبادة كما قال رسول الله ـ صلى الله ليه وسلم ‏.‏
(15)*التسليم بأن الله ـ العليم الحكيم ـ قد حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن‏ ,‏ والإثم والبغي بغير الحق‏ ,‏ كما حرم الشرك به ـ سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ وحرم أن يقول العباد علي الله ـ تعالى ـ بما لا يعلمون‏ ,‏ كما حرم الإسراف والإفساد في الأرض تحريما قاطعا‏ .‏

من الإشارات العلمية في سورة الأعراف :
جاء في سورة الأعراف عدد من الإشارات العلمية والتاريخية يمكن إيجازها فيما يلي ‏:‏
(1)*الإشارة إلى فجائية العقاب الإلهي الذي وصفته السورة الكريمة بتعبير‏ (بأس الله‏)‏ كما جاء في الآيات ‏(99,97,4)‏ والملاحظات العلمية تؤكد فجائية العديد من جند الله التي يسخرها ـ سبحانه وتعالى ـ عقابا للعاصين‏ ,‏ وابتلاء للصالحين‏ ,‏ وعبرة للناجين وذلك من مثل‏ :‏ الهزات الأرضية‏ ,‏ والثورات البركانية‏ ,‏ والعواصف والأعاصير‏ ,‏ وغير ذلك من النوازل الكونية ‏.‏
(2)*التأكيد علي عملية تصوير الأجنة في بطون الأمهات بعد عملية الخلق ‏ (الأعراف‏:11)‏ ودراسات علم الأجنة تثبت حقيقة ذلك‏.‏
(3)*وصف خلق الجن من نار‏ ,‏ وخلق الإنس من طين‏ (الأعراف‏:12) ,‏ والجن من العوالم الغيبية بالنسبة لنا‏ ,‏ أما خلق الإنسان من طين فتؤكده جميع الدراسات العلمية‏.‏
(4)*التأكيد علي العداوة بين كل من الشيطان والإنسان‏ ,‏ والإشارة إلى مرحلية وجودهما علي الأرض ‏(الأعراف:‏24‏,‏25) ,‏ والدراسات العلمية تثبت ذلك‏ .‏
(5)الإشارة إلى السرعة الفائقة التي كانت الأرض تدور بها حول محورها أمام الشمس في بدء الخلق‏ (الأعراف‏:54)‏ والشواهد الحسية العديدة التي تركها لنا ربنا ـ تبارك وتعالى ـ في صخور الأرض قد أثبتت هذه الحقيقة في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏ .‏
(6)*التأكيد علي أن كلا من الشمس والقمر والنجوم وغيرها من أجرام السماء‏ ,‏ والوجود كله مسخر بأمر الله تعالى ـ الذي له الخلق والأمر‏ (الأعراف‏:54).‏
(7)*تقرير حقيقة أن الله ـ تعالى ـ هو الذي " وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ‏ " (الأعراف:57) ,‏ ويكون السحب بإرادته وينزل المطر برحمته‏ ,‏ ويخرج النبت والشجر والثمر بعلمه وحكمته‏ ,‏ وانه تعالى سوف يخرج الموتي بقدرته‏ ,‏ وبنفس طريقة إخراج النبت من الأرض بعد إنزال الماء عليها ‏ (الأعراف‏:57) .‏
(8)*الإشارة إلى حقيقة أن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه‏ ,‏ وان الذي خبث لا يخرج إلا نكدا‏ (الأعراف‏:58)‏ .
(9)ذكر عدد من الأنبياء والمرسلين المبعوثين من قبل بعثة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين ـ ووصف عدد من المعجزات التي أيدهم الله ـ تعالى ـ بها ـ شهادة لأقوامهم وتفاعل أقوامهم مع تلك الدعوات‏ ,‏ والجزاء الذي لقوه على هذا التفاعل سلبا وإيجابا‏ ,‏ والكشوف الأثرية المتتالية تؤكد صدق كل ما جاء بالقرآن الكريم عن السابقين من الأمم التي أورد ذكرها‏ ,‏ ومن ذلك ما أصاب فرعون مصر وقومه من صور العذاب‏ ,‏ وإنزال المن والسلوى على موسى وأتباعه .
(10)*التأكيد على حقيقة مشارق الأرض ومغاربها‏ ,‏ والتي لم تصل المعارف المكتسبة إليها إلا بعد تطورها عبر القرنين الماضيين ‏.‏
(11)*الإشارة إلى بقاء ذكر الرسول الخاتم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كتب السابقين ‏ (الأعراف‏:157:169) .‏
(12)*التأكيد على خلق جميع بني آدم من نفس واحدة ـ هي نفس أبينا آدم عليه السلام ـ وجعل زوجها منها‏ ,‏ والنتائج المتأخرة لعلم الوراثة تثبت ذلك وتؤيده ‏.‏
على الرغم من إيماننا نحن معشر المسلمين بأن ضياع أصول التوراة والإنجيل قد تعرض ما بقى منهما من ذكريات نقلت شفاهة لمدة قرن على الأقل (كما هو الحال مع الأناجيل) إلى عدة قرون تتعدى الثمانية (كما هو الحال مع التوراة) , وعلى الرغم من أن هذا الذي نقل شفاهة قد دون بأيدي مجهولين من البشر ليسوا بأنبياء ولا بمرسلين , وعلى الرغم من إضافة العديد من الرسائل التي لا علاقة لها بوحي السماء إلى ما قد دون , وعلى الرغم من جمع ذلك كله في القرن السابع عشر الميلادي تحت مسمى (العهدين القديم والجديد) ، ومراجعة ترجماتها إلى اللغة الانجليزية بأمر من الملك البريطانى جيمس* , (The King James Vrrsion of the bible) وعلى الرغم من المراجعات العديدة لتلك الطبعة ولغيرها من الطبعات (1535م إلى اليوم) وعلى الرغم من كثرة الإضافات والحذف والتعديل والتبديل , والتحريف والتغيير , والتحرير بعد التحرير , فإن بقاء ما يشهد بنبوة الرسول الخاتم – صلى الله عليه وسلم –فى هذه الكتابات جميعا يدحض محاولات النيل من مقامه الكريم التى جاءت فى إحدى اليوميات الدانمركية والتي تناقلتها وسائل الإعلام الغربية والشرقية .
النبوءات ببعثة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ففى كتب الأولين :
أولا : فى العهد القديم :
1- جاء في سفر التكوين (الإصحاح 49/10) ما ترجمته : " لا يزول صولجان من يهوذا أو مشترع من قدميه حتى يأتي شيلوه وله يكون خضوع الشعوب "وفى ترجمة أخرى للنص ذاته (دار الكتاب المقدس – بيروت) جاء ما يلي :" لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي (شيلوه) وله يكون خضوع الشعوب ".
ووفى تفسير هذا النص ذكر القس المهتدى البروفسير عبد الأحد داود- رحمه الله رحمة واسعة- فى كتابه المعنون : (محمد في الكتاب المقدس) تحت عنوان : " محمد هو الشيلوه " بأن هذه النبوءة تشير بوضوح إلى النبى المنتظر لأن من معانى هذه الكلمة فى اللغة العبرية (شيلوه) (Shilh) صاحب الصولجان والملك ،ومن معانيها الهادىء المسالم ، الأمين ، الوديع والصيغة الآرامية (السريانية) للكلمة هي شيليا (Shilya) بمعنى الأمين والرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم) عرف من قبل بعثته الشريفة بلقب الصادق الأمين " .

2-*فى سفر التثنية:
*جاء في سفر التثنية من العهد القديم على لسان نبي الله موسى مخاطبا قومه قائلا لهم : تثنية 18/15 – 20) ما ترجمته : " يقيم لك الرب إلهك : نبيا من وسطك ، من إخوتك ، مثلى ، له تسمعون ، حسب كل ما طلعت من الرب إلهك فى حوريب يوم الاجتماع قائلا : لا أعود أسمع صوت الرب إلهي ولا أرى هذه النار العظيمة أيضا لئلا أموت ، قال لي الرب : قد أحسنوا فيما تكلموا ،أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه ، وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبي " . والنبي الذي أقامه الله – تعالى- لهداية الناس من وسط إخوة اليهود (وهم العرب) وهو يشبه موسى –على نبينا وعليه من الله السلام- هو سيدنا محمد – صلى الله عليه و سلم .
كذلك جاء في مطلع الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر تثنية كذلك (تث :33/1) ما ترجمته : " وهذه هي البركة التي بارك بها موسى – رجل الله – بني إسرائيل قبل موته فقال : " جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير ، وتلألأ من جبال فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم " . وجبال (فاران) أو (باران) كما جاء فى سفر التكوين (تك 21 /12) هي البرية التي هاجر إليها إسماعيل (عليه السلام) وأمه هاجر (رضي الله عنها) ، وجاء في أغلب شروح الكتاب المقدس أن الاسم (فاران) أو (باران) هو تعبير عن جبال مكة المكرمة ، وتلألؤ الله - تعالى - من جبل فاران هو إشارة إلى بدء تنزل هذا الوحي الخاتم في غار حراء فوق جبال مكة المكرمة ، ومجيء الله تعالى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم – هو تنبؤ برحلة الإسراء والمعراج التي أكرم الله (تعالى) بها خاتم أنبيائه ورسله - صلى الله وسلم وبارك عليهم أجمعين –كما استنتجه القس المهتدى عبد الأحمد داوود (رحمه الله) .

3- في سفر أشعيا :*
جاء في سفر اشعيا (أش 11/4) وصف للرسول الخاتم بأنه إنما يقضى بعدل للمساكين ، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ، ويعاقب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه ، لأنه سيرتدى البر ويتمنطق بالأمانة وهذه كلها من صفات سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم – الذي وصفه قومه من قبل بعثته الشريفة بوصف " الصادق الأمين " .
*وجاء في سفر أشعيا أيضا (21/13-17) نبوءة بهجرة المصطفى- صلى الله عليه وسلم - وجاء ذلك بما ترجمته : " وحى من جهة بلاد العرب . في الوعر من بلاد العرب تبتين يا قوافل الدانيين . هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء ، وافوا الهارب بخبزه ، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار ، وبقية عدد في أبطال بني قيدار تقل لأن الرب قد تكلم " .
والنبي الوحيد الذي هاجر من جبال مكة إلى قرب ثيماء هو خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – .
*وجاء في " سفر حبقوق " (حبق 3/3) ما ترجمته : " الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران سلاه = صلاة جلاله غطى السماوات ,والأرض امتلأت من تسبيحه ، وكان لمعان كالنور ، له من يده شعاع وهناك استتار قدرته " . وإذا كان جبل فاران هو جبل مكة المكرمة (وبكة) فمن من أنبياء الله غير سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – هاج من مكة إلى قرب تيماء (وهى شمال المدينة المنورة) .
وفى المزامير المنسوبة إلى داوود : جاء فى المزمور الرابع والثمانين من العهد القديم (1-7) ما ترجمته : " ما أحلى مساكنك يارب الجنود ، نشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب ، قلبي ولحمى يهتفان بالإله الحي ، العصفور أيضا وجد بيتا والمسنونة عشا لنفسها حيث تضع أفراخها ، مذابحك يارب الجنود ملكي وإلهي ،طوبى للساكنين فى بيتك أبدا يسبحونك ، سلاه = صلاة " .
" طوبى لأناس عزهم بك ، طرق بيتك في قلوبهم ، عابرين في وادي البكاء = (وادي بكة) يصيرونه ينبوعا ، أيضا ببركات يغطون مورة ".
و في الترجمة الانجليزية لما يعرف باسم سلسلة ثومبسن للإنجيل المرجعي : (The Thompson Chain Reference Bible)

والمنشور في كل من ولايتى إنديانا وميتشجان بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1983م جاء النص المشار إليه آنفاً على النحو التالي :

( How lovely is your dweling place , O lord Almighty , Mysoulyearns.even faints for the courts of the lord ,.. O lord Almighty , my' king and my God , Blessed are Those who dwell in your house they are ever praising you . Selah (Salah)Blessed are those whose strength is in you , who have set their hearts on Pilgrimage , as They Pass Through The Valley of Baca , They make it a Place of spring , The autumn rains also cover it with pools of blessing ( .
*************************.** والفرق بين الترجمتين العربية والانجليزية واضح وضوح الشمس فى رابعة النهار ، ودليل على التحريف الذى لا يخفى على عاقل*

ثانيا : فى العهد الجديد :
في إنجيل يوحنا : جاءت في إنجيل يوحنا (يو : 6/27) إشارة إلى أن نبي آخر الزمان يحمل خاتم النبوة بين كتفيه ، وذلك فيما ترجمته : " لا تسعوا وراء الطعام الفاني بل وراء الطعام الباقي إلى الحياة الأبدية ، والذي يعطيكم إياه ابن الإنسان لأن هذا قد وضع الله ختمه عليه " .
ومن الثابت تاريخيا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يحمل خاتم النبوة بين كتفيه .
*في إنجيل يوحنا (يو16/ 12-14) ما ترجمته : " إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن . وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ، ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لى ويخبركم " , وهذا الوصف شديد الانطباق على خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم)الذي بشر بمقدمه عيسى بن مريم ، لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصفه القرآن الكريم بقول الحق (تبارك وتعالى) : " وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى*. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى " (النجم:3-4) .
وكان النص السابق الذى جاء فى إنجيل يوحنا (يو6/27) ترجمة لمدلول هاتين الآيتين القرآنيتين الكريمتين ، ولآية أخرى كريمة يقول ربنا تبارك وتعالى : " وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إليكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ " (الصف:6) .

سفر رؤيا :
وجاء في سفر رؤيا من العهد الجديد (رؤ 19/15 ,11) ما ترجمته : " ثم رأيت السماء مفتوحة ، وإذا حصان أبيض يسمى راكبه باسم (الصادق الأمين) الذي يقضى ويحارب بالعدل ... " .
ووصف (الصادق الأمين) ينطبق على سيدنا محمد لأن أهل مكة المكرمة كانوا قد أطلقوا عليه هذا الوصف بالضبط من قبل بعثته الشريفة .
وبقاء هذه الإشارات إلى اقتراب بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين في كتب الأولين ، على الرغم مما تعرضت له من ضياع الأصول ،وتحريف المنقول شفاهة عنها لقرون عديدة تؤكد صدق هذا الكتاب المجيد (القرآن الكريم) ، وصدق نبوة الرسول الخاتم الذي تلقاه . فالحمد لله على نعمة الإسلام العظيم ، والحمد لله على بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين ، وصلاة الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .