" هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً " (‏ الإنسان‏:1)‏.

هـذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في مطلع سورة الإنسان‏,‏ والإجماع علي أنها سورة مدنية‏,‏ وإن كان سياقها سياقا مكيا‏,‏ ولا يوجد ما يمنع من ترابط السياقين المكي والمدني في السورة الواحدة ‏. ‏وعدد الآيات في سورة الإنسان واحد وثلاثون بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بالحديث عن الإنسان ونشأته‏,‏ ورسالته‏,‏ وخلقه‏,‏ مؤكدة أنه آخر ما خلق الله تعالي علي الأرض‏,‏ وأنه خلق للابتلاء‏ وأعطي الاستعداد لشكر الله تعالي أو الكفر به ‏. ‏وأجملت السورة الكريمة جزاء الكافرين‏,‏ وفصلت جزاء الأبرار المؤمنين‏,‏ ووجهت الخطاب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ مؤكدة أن الله ـ تعالي ـ هو الذي اصطفاه للنبوة والرسالة‏,‏ وأنزل إليه القرآن تنزيلا‏,‏ وأمره بالصبر لحكم الله‏,‏ وعدم الطاعة لأي من الآثمين أو الكفار‏,‏ كما أمره بذكر الله كثيرا بكرة وأصيلا‏,‏ وبالسجود له طويلا بالليل وتسبيحه وحمده‏,‏ وأنذرت السورة الكريمة من يحبون الدنيا ويذرون أهوال الانتقال منها إلي الآخرة‏,‏ مؤكدة أن الله ـ سبحانه وتعالي ـ هو الذي خلقهم وأحسن خلقتهم ثم كفروا به‏,‏ وأن الله علي إفنائهم واستبدالهم بغيرهم لقدير‏,‏ وأمرت بالاتعاظ بالقرآن الكريم‏,‏ وبما جاء فيه من آيات الذكر الحكيم‏,‏ وعلقت ذلك بمشيئة الله‏,‏ وانطلاقا من إحاطة علمه وكمال حكمته‏,‏ وأنه تعالي يدخل من يشاء في رحمته‏,‏ ويخرج من يشاء منها‏,‏ وأنه قد أعد للظالمين عذابا أليما‏ .‏
وسورة الإنسان في مجموعها خطاب من الله ـ سبحانه وتعالي ـ إلي هذا المخلوق المكرم الذي خلقه بيديه‏,‏ ونفخ فيه من روحه‏,‏ وعلمه البيان‏,‏ وأسجد له الملائكة‏,‏ وكرمه وفضله علي كثير ممن خلق تفضيلا‏,‏ وبالرغم من ذلك كفر أغلب الناس به أو أشركوا في عبادته ما لم ينزل به سلطانا‏,‏ ومن هنا جاء التحذير في هذه السورة الكريمة من الخروج علي منهج الله‏,‏ وجاءت الدعوة إلي اتقاء عذابه‏,‏ واليقظة لابتلائه‏,‏ وإدراك حكمته في الإنعام والابتلاء علي حد سواء‏.‏وتبدأ سورة الإنسان بقول ربنا تبارك اسمه ‏:‏" هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً .‏ إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً .‏ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً "‏ ‏*(‏ الإنسان‏:1‏ ـ‏3)‏ .

و‏(‏هل‏)‏ حرف استفهام‏,‏ لكنها هنا حرف تأكيد بمعني‏(‏ قد‏),‏ و‏(‏الحين‏)‏ طائفة محدودة من الزمان الممتد‏,‏ و‏(‏الدهر‏)‏ يطلق علي كل زمان طويل غير معين‏,‏ وعلي مدة العالم كله ‏.‏
و‏(‏النطفة الأمشاج‏)‏ أي المختلطة هي اللقيحة‏(ZYGOTE)‏ المكونة من إخصاب نطفة المرأة‏(‏ البييضة‏)‏ بواسطة نطفة الرجل‏(‏ الحيمن‏),‏ و‏(‏الابتلاء‏)‏ هو الاختبار بالتكاليف حتي يثبت الانسان جدارته بالجنة أو استحقاقه للنيران‏,‏ وقد زوده الله ـ تعالي ـ بملكات الاختيار بين الشكر لله أو الكفر به‏ .
وبعد ذلك تنتقل السورة الكريمة إلي إجمال جزاء الكافرين ثم إلي تفصيل جزاء الأبرار المؤمنين فتقول‏:‏ " إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً .‏ ‏ إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً .‏ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً " ‏(‏الإنسان‏:4‏ ـ‏6) .‏

و‏(‏السلاسل‏)‏ بها يقادون‏,‏ و‏(‏الأغلال‏)‏ بها يقيدون من أيديهم وتجمع أيديهم بها إلي أعناقهم‏,‏ و‏(‏السعير‏)‏ النار المستعرة‏,‏ وهو تصوير لما سوف ينال الكافرين من مهانة وإذلال في يوم القيامة‏.‏
وفي المقابل تتحدث الآيات عن شيء من نعيم الأبرار من المؤمنين الشاكرين لأنعم الله سبحانه وتعالي و‏(‏الأبرار‏)‏ جمع‏(‏ البر‏),‏ وهو المطيع المتوسع في فعل الخيرات‏.‏ و‏(‏الكافور‏)‏ في الدنيا طيب فيه بياض وبرودة‏,‏ و‏(‏كافور‏)‏ الآخرة غيب لايعلمه إلا الله سبحانه وتعالي لما يروي عن ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏من قوله‏:‏ كل ما ذكر في القرآن الكريم مما في الجنة‏..‏ ليس له في الدنيا شبيه إلا في الاسم‏ .‏ وبعد ذلك تعرض الآيات في سورة الإنسان لجانب من صفات المؤمنين الأبرار وتزيد من وصف النعيم الذي وعدهم به رب العالمين فتقول‏:‏" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً .‏ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً .‏ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً .‏ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً "‏ ‏* ‏(‏ الإنسان‏:7‏ ـ‏10) .‏
والشر‏(‏ المستطير‏)‏ أي العذاب المنتشر‏,‏ و‏(‏اليوم العبوس القمطرير‏)‏ شديد الهول‏,‏ عظيم الأمر‏,‏ تعبس فيه الوجوه وتقطب الجباه من شدة كراهيته وطول البلاء فيه ‏.‏ وتعاود الآيات الحديث عن جزاء المؤمنين الأبرار في جنات النعيم فتقول‏:‏" فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً .‏ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً .‏ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً .‏ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ‏ .‏ وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ ‏ .‏ ‏ قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً .‏ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً .‏ ‏ عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً ‏ .‏ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً .‏ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ‏ .‏ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ‏ .‏ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً "‏ ‏(‏الإنسان‏:11‏ ـ‏22) .‏
و‏(‏النضرة‏)‏ هي الحسن والبهجة في الوجوه‏,‏ و‏(‏السرور‏)‏ محله القلب‏,‏ و‏(‏الزمهرير‏)‏ هو البرد الشديد‏,‏ وفي الحديث‏:‏ إن هواء الجنة سجسج لا حر ولا برد‏(‏ رواه ابن أبي شيبة‏),‏ والسجسج هو الظل الممتد ما بين الفجر وطلوع الشمس‏,‏ و‏(‏دانية‏)‏ أي قريبة بمعني أن الظلال قريبة منهم‏,‏ زيادة في تنعيمهم‏.‏ و‏(‏ذللت قطوفها تذليلا‏)‏ أي يسر لهم قطف ثمارها تيسيرا كبيرا‏,‏ بمعني جعل قطف ثمار الجنة أمرا في غاية السهولة واليسر لهم‏,‏ وذلك أيضا من قبيل تكريم الله سبحانه وتعالي لهم‏.‏
ويطوف عليهم سقاة بأوعية شراب من فضة جعلت شفافة حتي يري ما بداخلها من شراب قدره الساقون تقديرا علي وفاق ما يشتهي الشاربون دون أدني زيادة أو نقصان‏.‏ وعن ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ أنه قال‏:‏ ليس في الجنة شيء إلا أعطيتم في الدنيا شبيهه إلا قوارير من فضة‏.‏ و‏(‏السلسبيل‏)‏ هو السلس في الانسياغ‏,‏ الممتع في المذاق‏ .‏

و‏(‏الولدان المخلدون‏)‏ الدائمون علي ما هم عليه من النداوة والبهاء‏,‏ والحسن والصفاء‏,‏ وإشراق الوجوه‏,‏ والانبثاث في المجالس‏,‏ حتي ليحسبهم من يراهم حبات الدر المنثور‏.(‏ وإذا رأيت ثم‏)‏ يعني هناك في الجنة‏(‏ رأيت نعيما وملكا كبيرا‏)(‏ عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق‏)‏ أي علي أهل الجنة ثبات مخضرة من سندس‏(‏ وهو ما رق من الديباج‏;‏ أي الحرير‏),‏ و‏(‏إستبرق‏)‏ وهو ما غلظ منه أي من‏(‏ الحرير‏),‏ وجعل في أيديهم أساور من فضة‏,(‏ وسقاهم ربهم شرابا طهورا‏)‏ أي بالغا غاية الطهر‏,‏ وفوق هذا النعيم يسمع أهل الجنة من يقول لهم‏:(‏ إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا‏)‏ أي أن هذا النعيم المقيم أعد لكم جزاء لأعمالكم في الدنيا‏,‏ وكان سعيكم فيها محمودا عند الله تعالي مرضيا عنه ومقبولا منه سبحانه وتعالي‏ .‏ ثم تتجه الآيات في سورة الإنسان بالخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم يقول له فيه ربنا وربه تبارك وتعالي‏:‏" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ تَنزِيلاً .‏ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً .‏ ‏ واذكر وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً .‏ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً "‏ ‏ ‏(‏الإنسان‏:23‏ ـ‏26)‏ .
والأمر من الله ـ تعالي ـ إلي خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ هو أمر لكل مسلم ومسلمة أن يقبل علي كتاب الله يتدارس آياته في تدرج‏,‏ فيطبق ما فيها من أوامر‏,‏ ويجتنب ما فيها من نواه‏,‏ وبذلك يتعلم العلم والعمل معا‏,‏ ثم ينطلق مبلغا عن الله وعن رسوله بالكلمة الطيبة‏,‏ والحجة الواضحة‏,‏ والمنطق السوي‏,‏ لايخرجه عن ذلك سفه السفهاء‏,‏ ولا تطاول الضالين من الكفار والمشركين‏,‏ ومن العصاة التائهين في ضلالات هذه الحياة‏,‏ وعليه أن يصبر كما صبر رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم وأن يتجنب إثم الآثمين‏,‏ وكفر الكفار والمشركين‏,‏ ولايطيعهم في أمر أبدا‏,‏ وأن يداوم علي ذكر الله ـ تعالي ـ في جميع الأوقات‏,‏ مع المحافظة علي الصلوات في أوقاتها من الفجر إلي العشاء‏,‏ وعلي التهجد طويلا من الليل بنافلة من الصلاة والذكر‏.‏ ثم ينتقل الحديث بعد ذلك عن غالبية أهل الأرض من الكفار والمشركين‏,‏ والطغاة المتجبرين‏,‏ والظلمة الجائرين الصائلين الذين أعمتهم الدنيا ببريقها الزائف‏,‏ فأنستهم الآخرة بأهوالها ومخاطرها وكربها‏,‏ فلا يعملون لها حسابا حتي يفاجأوا بأهوالها فيندموا أشد الندم حين لايجدي الندم‏,‏ ولا ينفع البكاء ولا العويل‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالي ‏:‏" إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً .‏ ‏ نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً "‏ ‏ ‏(‏ الإنسان‏:28,27) .‏
‏(‏ وشددنا أسرهم‏)‏ أي‏:‏ وأحكمنا خلقهم‏,‏ و‏(‏الأسر‏)‏ هو الخلق‏,‏ ومن بلاغة القرآن الكريم أنه لم يكرر لفظة الخلق فجاء بالبديل ولذلك لم يقل‏:‏ نحن خلقناهم وأحكمنا خلقهم ولكنه قال‏:‏ نحن خلقناهم وشددنا أسرهم والآية الكريمة هي من قبيل الامتنان علي العباد أن الله ـ تعالي ـ هو الذي خلقهم‏,‏ وأحسن هذا الخلق وأحكمه‏,‏ ثم يكفر العباد بخالقهم أو يشركون به أحد خلقه‏,‏ أو يتنكرون لأنعمه فيملأون الأرض ظلما وجورا واستعلاء وتجبرا وفسادا وتجاوزا لحدود الله تعالي ‏.‏
وتختتم سورة الإنسان بإعلان من الله سبحانه وتعالي بأن الآيات التي اشتملت عليها هذه السورة الكريمة هي موعظة بالغة من الله تبارك اسمه فمن شاء أن يتعظ بها‏,‏ ويتخذ ما جاء فيها من هداية وسيلة يتقرب بها إلي خالقه فله ذلك‏,‏ ومن شاء الإعراض عن ذلك فله ماشاء‏,‏ وما يختار الإنسان شيئا إلا وفق مشيئة الله ـ تعالي وحسب ارادته لأنه تعالي هو العليم الحكيم‏,‏ مع وجود دائرة الإرادة الشخصية والحرية الكاملة فيها لكل فرد منا‏,‏ ولذلك تختتم سورة الإنسان بقول ربنا تبارك وتعالي‏: " إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً .‏ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً .‏ يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً "‏ ‏* ‏(‏الإنسان‏:29‏ ـ‏31) .‏

من ركائز العقيدة الإسلامية في سورة الإنسان:
‏(1)‏ الإيمان بان الله ـ تعالي ـ هو خالق الإنسان‏,‏ وخالق كل شيء‏,‏ وأن خلق الإنسان كان آخر ما خلق الله ـ سبحانه وتعالي ـ علي الأرض‏,‏ وأن خلقه وتكاثره بعد الخلق الأول يتم بالنطفة المختلطة من الأبوين مما يشهد للخالق ـ تبارك اسمه ـ بطلاقة القدرة‏,‏ وبديع الصنعة‏,‏ وإحكام الخلق‏,‏ وبالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏ .‏
‏(2)‏ اليقين بحتمية اليوم الآخر وأهواله وشدائده‏,‏ وبضرورة الجزاء فيه إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏,‏ والتسليم بكل ما جاء في القرآن الكريم من وصف لكل من الجنة والنار‏ .‏
‏(3)‏ التصديق بأن الله ـ تعالي ـ هو الذي نزل القرآن الكريم تنزيلا علي خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ وأنه ـ سبحانه وتعالي ـ نزله تذكرة وهداية لخلقه في القضايا التي يعلم ـ بعلمه المحيط ـ عجز الإنسان عن الوصول فيها إلي أي تصورات صحيحة كقضايا العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات‏,‏ وهي صلب الدين الذي لم يفرضه الله ـ تبارك اسمه ـ علي أحد‏,‏ بل ترك الخيار فيه مفتوحا أمام كل الناس‏:‏ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ‏.‏
‏(4)‏ التسليم بأن الله ـ تعالي ـ قادر علي إفناء خلقه‏,‏ وعلي استبدالهم بغيرهم‏,‏ وأن ذلك علي الله يسير‏.‏
‏(5)‏ الإيمان بأن الإرادة البشرية داخلة في دائرة قدر الله ومشيئته‏,‏ لأن الله تعالي هو العليم الحكيم‏,‏ الذي يدخل من يشاء في رحمته‏,‏ وأعد للظالمين عذابا أليما‏ .‏

من القضايا التعبدية في سورة الإنسان:
‏(1)‏ ضرورة الوفاء بالنذور‏,‏ والحرص علي إطعام المسكين واليتيم والأسير طلبا لمرضاة الله‏.‏
‏(2)‏ المحافظة علي الصلوات المفروضة‏,‏ وعلي أداء النوافل ومنها قيام الليل‏,‏ ومداومة ذكر الله وتسبيحه وتمجيده‏.‏
‏(3)‏ ضرورة الصبر لحكم الله في الالتزام بأوامره‏,‏ واجتناب نواهيه‏,‏ والقيام بواجب التبليغ عنه وعن رسوله صلي الله عليه وسلم والصبر علي جفوة الكفار والمشركين وصلافتهم‏,‏ وعلي بذاءة الآثمين وقلة أدبهم وعدم استحيائهم من الله تعالي والحرص علي عدم الانحدار إلي مستوياتهم‏.‏
من الإشارات الكونية في سورة الإنسان:
‏(1)‏ تأكيد أن حينا من الدهر قد انقضي ولم يكن للإنسان وجود يذكر إلا في علم الله ـ تعالي ـ وفي ذلك إشارة إلي قصر فترة وجود الإنسان علي الأرض بالنسبة إلي غيره من المخلوقات‏,‏ والعلوم المكتسبة تثبت أخيرا أن الأرض قد عمرت بالحياة قبل خلق الإنسان بآماد طويلة‏.‏
‏(2)‏ الإشارة إلي خلق الإنسان من نطفة مختلطة أو لقيحة‏(Zygote)‏ وهو ما لم تصل إليه العلوم المكتسبة إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي‏.‏
‏(3)‏ تقديم السمع علي البصر في هذه الآية القرآنية الكريمة‏,‏ وفي العديد غيرها من سور القرآن الكريم‏,‏ والدراسات المكتسبة أخيرا في مجال العلوم الطبية تؤكد تقدم مراكز السمع علي مراكز البصر في مخ الإنسان‏.‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي مناقشة خاصة بها‏,‏ ولذلك سوف أركز هنا علي النقطة الأولي في القائمة السابقة والتي يقول فيها ربنا تبارك وتعالي ‏:‏
" هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً "‏ ‏(‏ الإنسان‏:1)‏ .

من أقوال المفسرين :
في تفسير قوله تعالي ‏:‏" هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً ‏ "*(‏الإنسان‏:1)‏ .
(1) ذكر ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:‏يقول تعالي مخبرا عن الإنسان‏,‏ أنه أوجده بعد أن لم يكن شيئا يذكر لحقارته وضعفه‏..‏ ثم بين ذلك فقال جل جلاله‏:(‏إنا خقلنا الإنسان من نطفة أمشاج‏)‏ أي أخلاط‏,‏ والمشج والمشيج‏,‏ الشيء المختلط بعضه في بعض‏ .
‏‏(2) وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ ما يلي‏:‏هل قد‏(‏ آتي علي الإنسان‏)‏ آدم‏(‏ حين من الدهر‏)‏ أربعون سنة‏(‏ لم يكن‏)‏ فيه‏,(‏ شيئا مذكورا‏)‏ كان فيه مصورا من طين لا يذكر‏,‏ أو المراد بالإنسان الجنس‏,‏ وبالحين مدة الحمل‏ .‏
‏‏(3) وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:‏هذا الاستفهام في مطلع السورة إنما هو للتقرير‏,‏ ولكن وروده في هذه الصيغة كأنما ليسأل الإنسان نفسه‏:‏ ألا يعرف أنه أتي عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟ ثم ألا يتدبر هذه الحقيقة ويتملاها؟ ثم ألا يفعل تدبرها في نفسه شيئا من الشعور باليد التي دفعته إلي مسرح الحياة‏,‏ وسلطت عليه النور‏,‏ وجعلته شيئا مذكورا بعد أن لم يكن شيئا مذكورا؟ إنها إيحاءات كثيرة تنبض من وراء صيغة الاستفهام في هذا المقام‏,‏ وهي إيحاءات رفيقة وعميقة تثير في النفس تأملات شتي‏:‏ واحدة منها تتجه بالنفس إلي ما قبل خلق الإنسان ووجوده ابتداء‏,‏ يعيش فيها مع هذا الكون وقد خلا من الإنسان‏..‏ كيف تراه كان؟ والإنسان مخلوق مغرور في نفسه وفي قيمته‏,‏ حتي لينسي أن هذا الكون كان وعاش قبل أن يوجد هو بدهور وأزمان طوال ‏.‏
وواحدة منها تتجه إلي اللحظة التي انبثق فيها هذا الوجود الإنساني‏,‏ وتضرب في تصورات شتي لهذه اللحظة التي لم يكن يعلمها إلا الله‏,‏ والتي أضافت إلي الكون هذه الخليقة الجديدة‏,‏ المقدر أمرها في علم الله قبل أن تكون‏!‏ المحسوب دورها في خط هذا الكون الطويل‏!.‏
وواحدة منها تتجه إلي تأمل يد القدرة وهي تدفع بهذا الكائن الجديد علي مسرح الوجود‏,‏ وتعده لدوره‏,‏ وتعد له دوره‏,‏ وتربط خيوط حياته بمحور الوجود كله‏,‏ وتهيئ له الظروف التي تجعل بقاءه وأداء دوره ممكنا وميسورا‏,‏ وتتابعه بعد ذلك في كل خطوة‏,‏ ومعها الخيط الذي تشده به إليها مع سائر خيوط هذا الكون الكبير‏!.‏
وإيحاءات كثيرة وتأملات شتي‏,‏ يطلقها هذا النص في الضمير‏..‏ ينتهي منها القلب إلي الشعور بالقصد والغاية والتقدير‏,‏ في المنشأ وفي الرحلة وفي المصير‏.‏
فأما امتداد هذا الإنسان بعد ذلك وبقاؤه فكانت له قصة أخري " إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ".‏

‏‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبها‏)‏ ما نصه‏:(‏هل أتي‏...)‏ أي قد أتي علي نوع الإنسان‏..‏ والمراد بنو آدم‏.(‏ حين من الدهر‏)‏ طائفة محدودة من الزمان الممتد غير المحدود‏.‏ والدهر‏:‏ يطلق علي كل زمان طويل غير معين‏,‏ وعلي مدة العالم كله‏.(‏ لم يكن شيئا مذكورا‏)‏ بالإنسانية‏,‏ بل كان نطفة‏,‏ ثم علقة‏,‏ ثم مضغة‏.‏
‏‏ وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏قد مضي علي الإنسان حين من الزمان قبل أن ينفخ فيه الروح‏,‏ لم يكن شيئا يذكر باسمه‏,‏ ولا يعرف ما يراد منه ‏.‏
‏‏ وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبها خيرا‏)‏ ما نصه‏:(‏هل أتي علي الإنسان حين من الدهر‏)‏ أي‏:‏ قد مضي علي الإنسان وقت طويل من الزمان‏(‏ لم يكن شيئا مذكورا‏)‏ أي كان في العدم‏,‏ لم يكن له ذكر ولا وجود‏..‏ قال المفسرون‏(‏ هل أتي‏)‏ بمعني قد أتي‏...‏ والمراد بالانسان الجنس‏,‏ وبالحين مدة لبثه في بطن أمه‏,...‏ والغرض من الآية تذكير الإنسان بأصل نشأته‏,‏ فقد كان شيئا منسيا لا يفطن له‏,‏ وكان في العدم جرثومة في صلب أبيه‏,‏ وماء مهينا لا يعلم به إلا الذي يريد أن يخلقه‏,‏ ومر عليه حين من الدهر كانت الكرة الأرضية خالية منه‏,‏ ثم خلقه الله‏,‏ وأبدع تكوينه وإنشاءه بعد أن كان مغمورا ومنسيا لا يعلم به أحد‏.‏

من الدلالات العلمية للآية الكريمة:
أثبتت دراسات علوم الأرض والفضاء أننا نحيا في كون يقدر عمره بأكثر من عشرة آلاف مليون سنة‏,‏ وعلي أرض يقدر عمرها بأكثر من أربعة آلاف وستمائة مليون سنة‏,‏ وأن أقدم أثر للحياة علي الأرض يعود إلي ثلاثة آلاف وثمانمائة مليون سنة مضت‏,‏ وقد وجد هذا الأثر علي هيئة جزيئات لمركبات عضوية متأحفرة تشبه العديد من الخلايا الحية المعاصرة‏,‏ وقد اكتشفت هذه البقايا في صخور جزيرة جرينلاند في سنة‏1978‏ م بواسطة سيرل بونامبروما‏(Cyril Ponnamperuma)‏ الأستاذ بجامعة ميريلاند الأمريكية‏ .‏ وقد أدي هذا الكشف إلي اعتبار الفترة من‏4.6‏ بليون سنة مضت الي‏3.8‏ بليون سنة مضت وقدرها‏800‏ مليون سنة فترة إعداد الأرض لاستقبال الحياة ويطلق عليها اسم زمان أو أبد انعدام الحياة‏(The Azoic Eon) . وتلي ذلك اكتشاف أحافير لكائنات وحيدة الخلية تشبه البكتيريا في صخور يرجع عمرها إلي نحو ثلاثة بلايين ونصف البليون سنة في جنوب غربي استراليا‏.‏ وبالمثل تم اكتشاف عدد من الأحافير لكائنات وحيدة الخلية شبيهة بالطحالب والبكتيريا المعاصرة وذلك في تتابع من الصخور الرسوبية غير المتحولة يعرف باسم متكون شجرة التين‏(The Fig Tree Formation)‏ وذلك في جنوب إفريقيا ‏.‏

ثم تم اكتشاف بقايا للطحالب الخضراء المزرقة‏(Bluegreen-Algae)‏ في روديسيا في صخور جيرية يرجع عمرها إلي‏(2.7‏ بليون‏)‏ سنة‏,‏ وتم اكتشاف بقايا مشابهة في منطقة أنتاريو‏(‏ كندا‏)‏ في صخور يرجع عمرها إلي‏(1.9‏ بليون‏)‏ سنة‏. ‏وبالمثل تم اكتشاف العديد من أحافير الطحالب والبكتيريا والفطريات في صخور من الصوان الكربوني في وسط استراليا قدر عمرها بألف مليون سنة مضت ‏.‏ وهذه الكائنات تصنف تحت أمة واحدة تعرف باسم أمة أوليات الأنوية‏(Domain Prokaryota)‏ وتحت مملكة واحدة هي مملكة البدائيات‏(Kingdom Monera)‏ وتشمل البكتيريا والطحالب الخضراء المزرقة‏,‏ وأفرادها بسيطة التركيب‏,‏ ويتكون الفرد منها من خلية واحدة‏,‏ أو من عدد من الخلايا‏,‏ ولكن هذه الخلايا لا تتمايز إلي أنسجة‏,‏ ولا إلي أعضاء‏,‏ مهما تعددت الخلايا‏,‏ ولكنها قد تتفرع إلي عدة أفرع‏.‏ وهذه الكائنات ليست لها نواة محددة‏,‏ ولكن تنتشر محتويات النواة في سائل الخلية دون أن تتركز علي هيئة الصبغيات‏ .‏

ووجــدت بقايا أول خلية ذات نواة محددة‏(Domain Eukaryotes)‏ في صخور يرجع عمرها إلي نحو‏1,4‏ بليون سنة في شرقي ولاية كاليفورنيا الأمريكية والكائنات وحيدة الخلية وذات النوي المحددة المحاطة بغشاء نووي يفصلها عن سائل الخلية‏(‏ السيتوبلازم‏)‏ تصنف في عدد من الممالك الخاصة منها مملكة الطلائعيات‏(Kingdom Protista)‏ وتضم العديد من الكائنات البسيطة مثل السوطيات‏,‏ والطحالب‏,‏ والجرثوميات أو البوغيات‏(Sporozoa),‏ والهدبيات‏(Ciliata)‏ وغيرها‏.‏ ومنها مملكة الفطريات‏(kingdom Fungi) .‏ أما مملكة الحيوانات‏(Kingdom Animalia)‏ والتي تضم أكثر من عشرين قبيلة فقد وجدت أولي بقاياها في صخور يقدر عمرها المطلق بنحو‏(700‏ مليون‏)‏ سنة مضت‏.‏ وبناء علي ذلك تعتبر الفترة من‏(3.8‏ بليون‏)‏ سنة مضت إلي‏(700‏ مليون‏)‏ سنة مضت زمانا خاصا يعرف باسم زمان أو أبد الحياة المستترة‏(The Cryprozoic Eon)‏ وقد دام لأكثر من ثلاثة بلايين سنة‏(3.1‏ بليون سنة‏),‏ واعتبرت الفترة من‏(700‏ مليون سنة‏)‏ إلي اليوم زمانا آخر يعرف باسم زمان أو أبد الحياة الظاهرة‏(The Phanerozoic Eon)‏ ازداد فيه تنوع وأعداد مختلف صور الحياة النباتية والحيوانية بالتدريج حتي وصلت إلي صورتها الحالية‏.‏ فتعددت صور النباتات من الطحالب‏,‏ إلي الحزازيات‏,‏ إلي ذيل الحصانيات‏,‏ إلي السراخس‏,‏ ثم النخيليات‏,‏ والمخروطيات‏(‏ الصنوبريات‏),‏ إلي النباتات المزهرة‏.‏ وقد خلقت أول النباتات الأرضية منذ نحو‏(400‏ مليون‏)‏ سنة في مطلع العصر السيليوري‏,‏ وبقيت الحياة في المياه لأغلب تاريخ الأرض ‏.‏ وتنوعت مجموعات الحياة الحيوانية غير الفقارية لتشمل أكثر من عشرين قبيلة متمايزة‏,‏ وخلقت طلائع الأسماك‏,‏ ثم البرمائيات‏,‏ ثم الزواحف‏,‏ ثم الطيور‏,‏ ثم الحيوانات اللبونة‏(‏ ذات الأثداء أو الثدييات‏)‏ وتنوع خلقها تنوعا مذهلا حتي خلقت الثدييات المشيمية‏(Placental Mammals)‏ وكان منها آكلات الحشرات‏,‏ والخفاشيات‏,‏ والحافريات‏(‏ ذوات الحوافر‏)‏ ومنها الخيول‏,‏ والغزلان‏,‏ والماشية‏,‏ وغيرها‏,‏ والمفترسات ‏(Carnivora),‏ والقوارض‏(Rodentia),‏ والخرطوميات من مثل الفيلة‏,‏ والحيتان والدلافين‏,‏ والرئيسيات ومنها القردة‏(‏ القرود العادية‏,‏ الشمبانزي والغوريللا‏,‏ وغيرها‏),‏ بينما لا يتعدي أقدم أثر للإنسان علي الأرض مائة ألف سنة ‏.‏
من هذا الاستعراض تتضح ومضة الإعجاز العلمي في قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏" هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً "‏ (‏ الإنسان‏:1)‏.
فقد أثبتت العلوم المكتسبة أن عمر الإنسان علي الأرض لا يتعدي واحدا من خمسين ألفا من عمرها‏,‏ وأن خلق الأحياء الأخري قد سبق خلق الإنسان بقرابة الأربعة ملايين من السنين‏,‏ وإذا قارنا هذه الحقيقة القرآنية التي أنزلت من قبل ألف وأربعمائة سنة بما ذكره القس الإنجيلي الأيرلندي جيمس أشر‏(James Ussher)‏ كبير أساقفة أرماغ‏(Archbishop of Armagh)‏ والذي عاش في الفترة‏(‏ من‏1581‏ م إلي‏1656‏ م‏)‏ والذي أعلن في سنة‏1625‏ م أن الأرض قد خلقت في تمام الساعة العاشرة من صباح الثالث والعشرين من أكتوبر سنة‏4004‏ قبل الميلاد بناء علي تحليله لتتابع الأحداث في العهدين القديم والجديد‏,‏ أدركنا فضل القرآن الكريم علي غيره‏,‏ خاصة أن هذا التاريخ قد ظل مثبتا حتي نهاية القرن التاسع عشر الميلادي‏,‏ أي لقرابة الثلاثمائة سنة‏,‏ وهي صورة من الخطأ البشري الذي صححه العلم مؤخرا‏ .‏

فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين الذي ختم الله ـ تعالي ـ ببعثته النبوات‏,‏ وأكمل برسالته الرسالات‏,‏ ولذلك تعهد بحفظ رسالته فحفظت في نفس لغة وحيها وحفظت حفظا كاملا‏:‏ كلمة كلمة‏,‏ وحرفا حرفا علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية وإلي أن يشاء الله‏.‏ فالحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله وأشرف الصلاة وأزكي السلام علي سيدنا محمد بن عبدالله وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏ .‏