أهمية معرفة الغاية التي من أجلها خلق الإنسان.

مجدي الصفتي : إن غايةَ بعثتِه وبعثةِ الرسل هي "عبادتُه وحدُه لا شريكَ له" ، وهي توحيدُ الله سبحانه وتعالى ، وفي تلك العبادة رحمتُهم في الدارين الدنيا والآخرة ، وهي نعمةُ اللهِ على الخلق ، وهي الصراط المستقيم الذي أنعم الله به على النبيين وأتباعهم من الصديقين والشهداء والصالحين فقال تعالى : " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (2) الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7) "

سورة الفاتحة التي هي أعظمُ سورةٍ في القرآنِ لأنَّها تحتوي على صفةً من صفات " رب العالمين "، وهي صفة الرحمة التي من أجلها خلق الخلق ليعبدوه فيرحمهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ؛ بشرط أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً .

فهو " مالك يوم الدين "- يوم الحساب يوم الجزاء – فَأَرشَدَنا إلى حَمْدِه على هذه النعمة "نعمة الإسلام ، نعمة الصراط المستقيم ، الذي هو صراط النبيين ومن تبعهم" .

ثُمَّ أمَرَنَا سبحانه بأن نردد " إياك نعبد ، وإياك نستعين " في كل ركعةٍ من الصلاة أي وحدك ندعوا ووحدك نطلب العون على هذه العبادة ، ثم أمرنا أن ندعوه – وحده – أن يهدينا إلى صراطه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه .

لذلك قال النبي  :" الدعاء هو العبادة " فالصلاة عبادة وهي دعاء في كل ركعة "اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ " ، ومن أجل ذلك بَيَّن سبحانه وتعالى هداية الإرشاد فقال "وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " .

فتلك هي فاتحة الكتاب ، والسبع المثاني والقرآن العظيم الذي أُوتيه النبي  ، وما سواها من القران يُفَسِرُها ويُفَصِلُها ، وهي مُجْمَلُ رِسَالتِه  ، وكُلُهَا تَدُورُ حول الصِّرَاط المُسْتَقِيم ، وهو رحمة الله للعالمين قال الله تبارك وتعالى :" وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ " الداريات : 56 وقال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " الأنبياء : 107

والقرآن العظيم كله أُحْكِمَ وفُصِِّلَ من الله من أجل هذه الغاية – ألا تعبدوا إلا الله - كما بَيَّن الله عز وجل في بداية سورة هود فقال تعالى : " الـر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) " هود : 1- 2

وأَمَرَ اللهُ تعالى الناسَ جميعاً أن يعْبُدوه وحدَه ولا يشركوا به شيئاً ، لِأنه خلقهم وخلق الذين من قبلهم ، فهو المستحق للعبادة فقال تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "البقرة : 21 وشهادة أن لا إله إلا الله ؛ هي حق الله على العباد ، وعليها ( أي على هذه الشهادة ) أُسِّسَت المِلة ، ونُصِبَتْ القِبْلَة ، ومن أَجْلِها جَاهَد الأنبياءُ ومن تبعهم ، وهي فطرةُ اللهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عليها ، وهي الكلمةُ السَواء ، وهي الكلمةُ الطيبة ، وهي الأصل الثابت وفرعها في السماء ، وهي التي تُؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها ، وهي العُروةُ الوثقى ، وهي الفارق بين الكفر والإيمان ، ومن كان آخر كلامِه لا إله إلا الله دخل الجنة .

و لذا أَمَرَ اللهُ تعالى رسولَه أن يُبَين لأهل الكتابِ أيضاً هذه الكلمة السواء ( لا إله إلا الله ) فكان معنى هذه الكلمة في نفس الآية " أن لا نعبد إلا الله ، ولا نشرك به شيئاً ، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله " فهي الغاية التي من أجلها أرسل الله ُ الرسل جميعاً ، ولكن أكثر الناس يحيدون عنها بنزغات الشياطين وأهواء الذين يضلونهم بغير علم ، أو يضلونهم على علم محرف ، وتحريف الكلم عن مواضعه.

فمن الناس من أضله الله على علم ، ومنهم من أضلهم بسبب جهلهم ، فليحذر الذين آمنوا أن يصبهم مثل ما أصاب الذين من قبلهم.

فمن أصول الدعوة لأهل الكتاب أن أول ما يُبين لهم أهم قضية وهي قضية " عبادة الله وعدم الإشراك به " – وهي الكلمة السواء - كما قال تعالى : " قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ " آل عمران : 64

والكلمة السواء : هي لا إله إلا الله : هي العبادة الحقة ، والبراءة من الشرك ، فإن هم وافقوا على هذا الأصل ، فما دونه أسهل ، لأن باعترافهم بالتوحيد الحق ، وشهادتهم على ذلك ، وعلى أن القرآن هو كلام الله ، فلزمهم أن يعترفوا بجميع ما أُنزل في القرآن كما قال تعالى : " قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ (137) " البقرة 136- 137

ومن هذه الآيات السابقة ، وغيرها كثير في القرآن ، تبين لنا أن عبادة الناس لربهم ، وتوحيدهم له فيها رحمتهم ، ونجاتهم من الشقاوة والتعاسة والضلال في الدارين ، ولذلك في أكثر من موضع من القرآن وصف ربنا سبحانه بعثة النبي  ورسالته أنها رحمة للعالمين فقال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " الأنبياء : 107

ووصف الله سبحانه هذا القرآن بأنه هدىً ورحمة ، ولكن لمن ؟ لمن اتبعه وكان من المؤمنين المحسنين ، وهو شفاءٌ ورحمة لهم ، ولا يزيد الظالمين إلا خساراً .. قال تعالى : " الـم (1) تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ (3) " لقمان : 1-3

وقال تعالى : " وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " الأنعام : 155


وقال تعالى : " أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ " الأنعام : 157

وقال تعالى : " وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً " الإسراء :82


وقال تعالى : " وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " الأعراف :52


وقال تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)" يونس : 57 – 58


وقال تعالى : " وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ " النحل : 89


وقد بين الله تعالى أن مدار قصص القرآن حول هذا الأمر العظيم ، ألا وهو الأمر الشرعي الذي شرعه الله ، وأمر به " وهو عبادته وحده لاشريك له "، ولا يرضى لعباده الكفر ،فمن اتبع أمره ، ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى .

فقال تعالى : " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " يوسف : 111