اللغة العَربيّة أصْلُ اللغات كلها (بحث)

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

اللغة العَربيّة أصْلُ اللغات كلها (بحث)

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: اللغة العَربيّة أصْلُ اللغات كلها (بحث)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    04:10 PM

    افتراضي اللغة العَربيّة أصْلُ اللغات كلها (بحث)

    اللغة العَربيّة أصْلُ اللغات كلها
    عبدالرحمن أحمد البوريني


    كتاب عظيم وبحث دقيق بذل المؤلف فيه جهدا كبيرا مستدلا بأدلة دامغة من الكتاب والسنة وعلوم اللغة ثم الدراسة المعجمية من خلال دراسة مقارنة لزهاء 500 كلمة في اللغة الإنجليزية على حروف المعجم وأصولها العربية ملتزما بالمنهج العلمي في البرهنة والاستدلال تاركا المجال لغيره لبحوث في اللغات الأخرى معطيا منهجا مفيدا لمن يقتفي أثره ويصل إلى النتائج المرجوة وقد طرق موضوعات متنوعة في القسم الأول من كتابه يمكن أن يكون كل واحد منها محلاً لدراسة مستفيضة مستقلة بل ربما لدراسات كثيرة كالحديث عن تاريخ اللغة ثم عن ماهية اللغة واحتكاك اللغات ثم عن علم اللغة ثم عن تولد اللهجات فيظهر لنا البحث مرتبطاً في سلسلة واحدة تصل بنا في الختام إلى الدراسة العملية المعجمية.



    عن الكتاب
    صالح أحمد أبو عمران . الأردن

    يمكن لقارئ هذا الكتاب أن يعده شمعة تمدّ بنورها مصباح الأمل، وتزيد جذوة الثقة بالذات توقداً، فحين يخيم ظلام اليأس على حياة الناس يحتاجون إلى شموع الأمل، يتلمسون بها طريقهم، ويستردون بنورها بعض عزيمتهم ليواصلوا بها المسير إلى الأمام.
    لا ريب أن اللغة العربية –وهي موضوع الكتاب- ركن أساس من أركان وحدة أمتنا العربية والإسلامية، وعمود محوري من أعمدة قوتها، إنها دعامة بقاء، وعنصر تفوق لهذه الأمة، ومن هنا فإن كل لبنة تضاف إلى بنيات هذه اللغة وتزيد في شموخه، هي قوة دافعة لروح الأمة وشعاع يضاف إلى حزمة ضيائها.
    وهكذا يأتي جهد الباحث العربي عبد الرحمن البوريني في كتابه "اللغة العربية أصل اللغات كلها" الذي صدر حديثاً عن دار الحسن للنشر والتوزيع في عمّان: لا ليشير إلى تميز لغتنا العربية فحسب، بل ليكشف عن أصالتها العالمية ومصدريتها القديمة، مما يؤكد أصالة أمتنا العربية وتفوق عطائها الإنساني، وينوّه بدور الإسلام العظيم في بلورة هذا العطاء بما قدمه القرآن الكريم من إمداد وتجديد وخلود لهذه اللغة المدهشة.
    عنوان غريب جديد
    ولا شك في أن غرابة عنوان الكتاب هي أول ما يلفتك من جديده، فهو عنوان غريب جديد يحمل في طياته بعض التحدي وربما الاستفزاز لكثير من قناعاتنا ومسلّماتنا، ولكن الفكرة التي يطرحها هذا العنوان تأخذ في الاقتراب رويداً رويداً إلى فهم القارئ مع كل صفحة يقرؤها من قسمه الأول، الذي جعله المؤلف بحثاً نظرياً تاريخياً يستند إلى نصوص من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وبعض الاقتباسات النصية من مراجع أخرى.
    وليس معنى ذلك أن كل من يقرأ الكتاب سيتفق مع مؤلفه، أو يلتقي مع أفكاره، فالخلاف في ذلك أمر طبيعي، ولكن ما جاء في الكتاب هو حقاً جدير بالنظر والتأمل، ولا سيما ذلك الجهد العلمي المبذول في إرجاع زهاء خمسمائة كلمة إنجليزية تضمنها القسم الثاني من الكتاب إلى الأصل العربي.
    الأدلة الظنية والدليل العلمي العملي
    وإنك لتلمس وأنت تقرأ حرص المؤلف وحذره، فهو يدرك أبعاد ما يحمل عنوان كتابه، ولذلك فإنه لا يعتمد في البرهنة على صحة طرحه، على الأدلة النقلية، بل هو يعترف أن هذه الأدلة لا تستطيع أن تنهض قوية لإثبات صحة ما يقول، ولكنها يمكن أن تكون استشهادات تشجيعية لأنها تحمل الصفة الظنية لا القطعية، أما الذي يراه المؤلف دليلاً يعتمد عليه، فهو الدراسة المعجمية التي ترجع جذور الكلمات من اللغات الأخرى إلى الأصل العربي، وهو ما أجراه الباحث على كلمات اللغة الإنجليزية في القسم الثاني من كتابه.
    يدخل القارئ إلى الكتاب عبر مقدمة لطيفة يستحث فيها المؤلف قارئه على مواصلة القراءة ويستمهله في إصدار حكمه على الكتاب حتى ينتهي من قراءته ولا سيما مطالعة قسمه الثاني وهو قسم الكلمات الإنجليزية التي اعتبرها المؤلف دليلاً علمياً على أن الإنجليزية أصلها عربي، ليخرج بنتيجة في النهاية مؤادها أن كل اللغات الأخرى سوف ترجع إلى الأصل العربي إذا أجريت على كلماتها دراسة معجمية مشابهة.
    وتحت عنوان "لغة آدم هل كانت العربية؟" نرى الكاتب يحافظ على الالتزام بحدود المنهج العلمي في البرهنة والاستدلال حيث يقرر مرة أخرى أنه لا يوجد دليل نصي يصلح للقطع بأن لغة آدم (عليه السلام) كانت العربية ولكنه يعول في إثبات ذلك على دور الدراسة المعجمية التي تتقصى تاريخ الكلمات وتنظر في تراكيبها وتردها إلى أصولها العربية.
    فائدة الدراسة
    وقبل أن يحدثنا المؤلف عن فائدة الدراسة ينتقل بنا إلى موقع جديد يحمل سمة العمومية حيث يكشف لنا عن أسماء أخرى يقف أصحابها معه في تبني هذه النظرية والدفاع عنها، فيحدثنا عن عدد من الجهود السابقة في المجال نفسه ويذكر بعض المؤلفات والمقالات التي نادت بالفكرة نفسها وأكدت أن العربية هي أصل اللغات كلها.
    وللإجابة عن سؤال يطرح بداهة في مستهل هذا البحث حول جدواه، نرى المؤلف يسرع إلى الإجابة عنه تحت عنوان "فائدة الدراسة" مبيناً ذلك في إحدى عشرة نقطة تدور حول دور اللغة العربية في تأكيد شخصية هذه الأمة وصياغة فكرها وإثبات أصالتها وتميزها وفاعليتها في توحيد الأمة والإسهام في حركة نهضتها وتقدمها الحضاري.
    اللغة عطاء إلهي للإنسان
    يبدأ المؤلف حديثه في القسم الأول من كتابه بتمهيد يتحدث فيه عن تكريم الخالق سبحانه لعبده آدم (عليه السلام) وذريته بعطاء إلهي عظيم هو اللغة، ثم يبين أن هذه اللغة هي وعاء الفكر وأن الإنسان لا يمكن أن يفكر إلا بلغة، وأن هذه اللغة لا يمكن أن تكون مكتسبة في أصلها من تقليد أصوات الطبيعة كما يزعم أرباب هذا الرأي المتهافت، وأن وجود اللغة سابق على وجود المجتمع البشري لأنه لا يمكن أن تكون هناك حياة بشرية اجتماعية بلا لغة.
    ويعرض المؤلف بعض أقوال العلماء القدامى في أصل اللغة، وينتصر للرأي القائل بأن أصل اللغة توقيفي، وأن ما يمكن أن يكون من حظ الإنسان في صناعتها فإنما هو مستحدث لأغراض خاصة بالحياة البشرية، وأنه ليس أكثر من استخدام للطاقات الموهوبة للإنسان من الله تعالى، وتفعيل دائرته اللغوية وتعزيز قدراته التعبيرية.
    القرآن الكريم أعظم مصدر للدراسات اللغوية
    ويوثق الباحث الصلة بين بحثه باعتباره أعظم مصدر تفيد منه الدراسات اللغوية، لأنه الوثيقة الإلهية الوحيدة المعصومة التي لم يتطرق إليها تحريف ولا تبديل، فنبؤها هو الأعظم وخبرها هو الأصدق، ويُكثر الباحث من الاستشهاد بآيات القرآن الكريم، فيتحدث عن قوله تعالى: "ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم" (الروم (22)) ويفسر اختلاف المذكور في الآية بأنه طارئ على الأصل الذي يقتضي وحدة اللغة الأولى ويقتضي تعدد الفروع وتنوعها كما تعددت القبائل وتفرعت واختلفت مع أنها ترجع في الأصل إلى مجتمع واحد.
    ثم ينتقل إلى الحديث عن خصوصية اللغة العربية التي أبرزتها آيات القرآن الكريم (الذي هو المعجزة الإلهية البيانية) التي تحدّى الله تعالى بها أرباب الفصاحة والبلاغة فاستسلموا أمام إعجازها الباهر.
    مكة المكرمة موطن المجتمع البشري الأول
    ويحدثنا بعد ذلكم تحت عنوان: "اللغة العربية عبر التاريخ" عن ابتداء الحياة البشرية الأولى على الأرض بآدم أبي البشر (عليه السلام) ويستند إلى آيات القرآن الكريم ليدلل بها على أن آدم عاش في مكة وأن الأرض شهدت ميلاد المجتمع البشري الأول في تلك البقعة المباركة "إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين" (آل عمران/ 96) ومنها كان انطلاقه في الأرض وخروجه إلى بقاعها المختلفة، حيث تبدأ رحلة التفرع والانقسام اللغوية تبعاً لرحلة التفرع والانقسام الاجتماعي، متأثرة بعوامل البيئة وظروف الحياة الجديدة، وآخذة في الابتعاد مع الزمن ومع تنوع التجربة الحياتية والبيئية عن الأصول الأولى: لتتولد بذلك لهجات يظهر اختلافها ويبدو تباينها شاهداً على حركة الإنسان وتفاعله مع ظروف الحياة، وتغيّر الزمان والمكان.
    تنوع وترابط في الموضوعات
    ويمكن في الحقيقة أن نقول: إن الكاتب قد طرق موضوعات متنوعة في القسم الأول من كتابه يمكن أن يكون كل واحد منها محلاً لدراسة مستفيضة مستقلة بل ربما لدراسات كثيرة، لدرجة أن الخيط الذي يربط بين هذه الموضوعات قد يبدو لغير المتمعن واهناً أحياناً حيث ينتقل بنا الكاتب بين موضوعات ظاهرة التنوع، كالحديث عن تاريخ اللغة ثم عن ماهية اللغة واحتكاك اللغات ثم عن علم اللغة ثم عن تولد اللهجات.. إلخ، ولكن هذا الخيط لا ينقطع، بل يظل موصولاً، فيظهر لنا البحث –على الرغم من تنوع حلقاته كل هذا التنوع- مرتبطاً في سلسلة واحدة تصل بنا في الختام إلى الدراسة العملية المعجمية.
    يتحدث الكاتب عن نشوء اللهجات العامية، ويعده أساساً في نشوء اللغات من اللغة الأولى ودليلاً على صحة انتساب لغات البشر للغة أصلية واحدة، وهنا يظهر ارتباط الموضوعات الوثيق رغم تنوعها الظاهر واختلاف عناوينها.
    ويتحدث عن تأثير البيئة في تطور اللهجة وتنوع اللهجات بتنوع البيئات واختلاف ظروف الزمان والمكان والمناخ، الأمر الذي يساعد فهمه على إنجاح الدراسة اللغوية في هذا المجال.
    ومما تجدر الإشارة إليه أن القسم الأول من الكتاب قد تضمن عدداً من الأفكار القيّمة التي تستحق النظر والتأمّل وخاصة من الدارسين والمتخصصين، ومنها على سبيل المثال ما ورد تحت عنوان: "تشابه اللهجات" حيث يقول الكاتب ص78: "انطلاقاً من تماثل تركيب جهاز النطق (الفم) عند البشر جميعاً فإن احتمالات انزلاق اللسان عن مخارج الحروف واستحداث مخارج جديدة واحدة عند الجميع" ويستشهد لذلك بما يوجد من تشابه بين اللهجات العربية العامية المنبثقة من اللغة الفصحى أصلاً وبين اللغة الإنجليزية باعتبارها لهجة عربية قديمة جداً، وهذا التشابه له مظاهر كثيرة يورد أمثلة منها في ثنايا البحث.
    دعوة إلى مواصلة البحث
    وبعد أن يعرض المؤلف منهجه في الدراسة المقارنة وطريقته في مقابلة الحروف بين الإنجليزية والعربية والاحتمالات اللفظية لكل حرف مقدّماً بذلك مفتاحاً عاماً يمكن أن يستخدم في أي دراسة لغوية مشابهة، يوجه الباحث الأردني عبد الرحمن البوريني نداءً إلى الباحثين والدارسين المهتمين والمتخصصين العرب في مجال اللغات غير العربية ليقوموا بدورهم في إجراء دراسات مماثلة لهذه الدراسة تثري البحوث العلمية في هذا المجال، وتضيف إلى رصيد الدراسة والبحث فيه ما يؤكد صحة هذه النظرية، ويقطع بأصالة لغة القرآن وأنها أم لغات البشر أجمعين، لا سيما أن مثل هذه البحوث المقارنة تحتاج إلى جهد مؤسسي ضخم حتى تؤتي أُكلها وتقدم خدمتها للغة القرآن العظيم بما يليق بهذه اللغة من مقام وسمو.
    قاموس جديد وخدمة للترجمة
    وقبل أن يأخذ المؤلف بأيدينا في رحلة طريفة عجيبة مع الكلمات الإنجليزية التي أماط البحث عنها لثام العُجمة ونزع عن وجهها قناع الغربة، يحدثنا عن نواة قاموس جديد وعن خدمة جليلة يقدمها هذا البحث للترجمة حين ينجح في استكمال خطواته وإنجاز مسيرته بإخراج قاموس إنجليزي عربي يعامل الإنجليزية على أنها لهجة يعود بها إلى أصلها العربي، لا لغة أخرى يأخذ منها كلمات على حالها فيعربها لتبدو غريبة مع وجود أصولها العربية في لغة العرب.
    وهذا يفيد أن بحثه في كلمات الإنجليزية لم يستغرق حروف المعجم كلها، بل لا يزال هناك الكثير الكثير من الجهد المطلوب حتى يتم إخراج هذه الدراسة على وجهها الأتم.
    خمسمائة كلمة من جذور الإنجليزية تعود لأصلها العربي
    ونلتقي في القسم الثاني من الكتاب مع الدراسة المعجمية المقارنة التي أجراها الباحث على نحو خمسمائة كلمة إنجليزية متسلسلة حسب الترتيب الهجائي في قاموس المورد، بدءاً من أول كلمة في حرف A وهي ِِِAard التي أصلها العربي (أرض) ثم مجموعة الكلمات من حرف B ثم مجموعة من حرف C وبعض الكلمات من حروف أخرى، وليست هذه الكلمات هي كل ما ورد في القاموس تحت هذه الأحرف، بل هي على الأغلب الجذور التي تشتق منها صيغَها الأخرى، كما أن الدراسة استبعدت الكلمات الدالة على مسميات المخترعات وأسماء العلوم والمصطلحات العلمية المشتركة بين كثير من اللغات، وركزت الجهد على دراسة الكلمات الأصلية والجذور اللغوية.
    ولا شك أن المقابلة بين الكلمات قد تبدو غريبة بعيدة التوافق للوهلة الأولى، ولكن هذه الغرابة تزول، وذلك التوافق الغائب يبرز أمام القارئ كلما اقترب من الكلمات وأعمل فيها النظر والتأمل، مدركاً مدى التحول الذي طرأ على الحروف والكلمات عبر التاريخ، ناظراً إلى احتمالات انحراف اللسان عن اللفظ الأصلي للحروف والكلمات.
    وأخيراً
    فإن المؤلف قد نجح في لفت أنظارنا إلى لغتنا لا باعتبارها واحدة من اللغات المتميزة في العالم، بل بصفتها لغة البشرية الأولى، ذلك أن عودة جذور الإنجليزية إلى العربية برغم ما يفصل بينهما من ظروف الزمان والمكان واختلاف اللسان والإنسان لهي دليل علمي مادي ملموس على أن الأسرة اللغوية التي تعد الإنجليزية إحدى بناتها تنتمي إلى الأصل العربي.
    إن هذه النتيجة العظيمة تتطلب مزيداً من الجهود العلمية التي تدعمها وتستحث المتخصصين في الدراسات اللغوية من العلماء العرب على النظر إلى هذه الدراسة بما تستحقه من الاحترام والاهتمام.


    ان شاء الله يتبع علي حلقات
    التعديل الأخير تم بواسطة طالب عفو ربي ; 11-02-2010 الساعة 12:42 PM
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    04:10 PM

    افتراضي


    مقدمة




    الحمد لله الذي خلق الإنسان , وعلمه البيان , وأنزل القرآن , فقوّم به اللسان , والصلاة والسلام على إمام المرسلين , وخاتم النبيين , النبي الأمي الصادق الأمين , الذي آتاه الله جوامع الكلم , وجعل أمته شاهدة على سائر الأمم .



    أما بعد عزيزي القارئ ؛ فهذا كتاب اللغة العربية أصل اللغات كلها يأتيك عنوانه بخبره سريعا , وقد يدعوكم ذلك إلى التعجل في الحكم عليه , وسواء أكان حكمك الذي تصدره قبولا أم ردا , إقرارا أم إنكارا , فإن هذه المقدمة تستمهلك في إصدار ذلك الحكم , وتدعوك إلى متابعة السطور , حتى تستكمل رحلة القراءة , فتحكم له أو عليه , بعد إمعان النظر , وبخاصة في قسمه الثاني حيث تتجلى لك الكلمات المغتربات والبحث ينزع عن وجوههن تلك الأقنعة وعن رؤوسهن تلك القبعات , ويمنحهن أصالة النسب , ويردهن إلى عريق المحتد من كلام العرب . فينقلب إنكارك إقرارا , أو يتحول ريبك يقينا , أو لربما ازددت على قناعتك ثباتا واستقرارا .



    يجئ هذا الكتاب في قسمين ؛ يتحدث الأول منهما عن نشأة اللغة وعن موطن آدم عليه السلام على الأرض ولغته , وعن أصالة العربية وتفرع لغات العالم منها , وعن ماهية اللغة وعلم اللغة واللهجات .



    ويشتمل القسم الثاني على مجموعة من الكلمات الإنكليزية التي تم ترجيعها إلى العربية , والكلمات العربية التي ظهر بالبحث أنها أصل لتلك الكلمات , مع الشروح التوضيحية اللازمة ليسهل على القرئ الربط بين الكلمات الإنكليزية ومقابلاتها في العربية , وذلك إثباتا لصحة الفكرة القائلة بأن العربية هي أصل لكل اللغات .




    القسم الأول




    لابد من إعطاء الدراسة اللغوية شأنها الذي تستحقه في حياة الناس , لما للغة من أهمية في تلقي الفكر ونقل العلم والتعرف على السمات العامة والملامح الشخصية للأفراد والمجتمات والأمم .



    وقد ظلت نشأة اللغة أمرا حير أهل اللغة منذ القدم , وقد أسهم علماء العربية الأول بالبحث في هذا الموضوع , فذكر أبوعلي الفارسي أن اللغة من عند الله علمها آدم عليه السلام واستشهد بقوله تعالى " وعلم آدم الأسماء كلها ...." البقرة : 31 . , بينما نسب تلميذه ابن جني نشأة اللغة إلى التواضع والاصطلاح ولم يقتنع بما قاله أستاذه , إلا أنه عاد مرة ثانية لما رأى من دقة العربية ولطفها وأيد ما ذهب إليه أستاذه أبوعلى , ولكنه وقف تأييده الكامل لهذا الرأي على توفر مزيد من الاقتناع بصحته , ولم يتخل عن القول بمبدأ نشوء اللغة بالتواضع والاصطلاح .




    ولقد كان البحث اللغوي في السابق يتناول اللغة المنطوقة والكتابة نشأة وتطورا فقط ؛ وقد قام الهنود قديما بدراسة اللغة السنسكريتية من حيث أصوات الكلام والنحو , وكذلك فعل اليونان بلغتهم , وقام العرب بوضع المعاجم , ودرسوا مفردات اللغة العربية من حيث المعنى واللفظ , وقاموا بدراسة نحوية وصرفية مستفيضة , ولكن اللغة حظيت منذ القرن التاسع عشر بدراسة مفصلة على أيدي اللغويين الغربيين الذين قاموا بدراسات مقارنة بين اللغات الأوروبية والسنسكريتية , ثم نظروا إلى اللغة الإنسانية بشكلها الموسع ؛ الرمزي والمنطوق , وأسسوا مدارس لغوية كثيرة تبحث في الرموز التعبيرية وفي الكلام , وهكذا نشأ علم اللغة الحديث بفهومه العام الذي يبحث في اللغة كوسيلة تفاهم إنسانية وظاهرة اجتماعية .



    وأرى أن اللغة إلهام من الله تعالى علمه لآدم عليه السلام , وأن اللغة التي تعلمها آدم من جل وعلا هي لغة الأرض الأولى , فقد كانت لغة آدم , ولغة أبنائه وأحفاده الذين تشكل منهم المجتمع البشري الأول .




    ولما كانت معجزة محمد صلى الله عليه وسلم هي القرآن بيانية في المقام الأول , إذ جاء كلام الله تعالى بألفاظ عربية في صورة آيات باهرة متحدية الإنس والجن إلى قيام الساعة أن يأتوا بمثلها , فقد حازت العربية الشرف ذاته الذي حازته لغة سيدنا آدم من الله سبحانه وتعالى , وخرجت كلتاهما من النبع ذاته , وهذا ما حملني على القول بأن اللغة العربية هي لغة آدم وأصل اللغات جميعا .




    وردا على تساؤلات بشأن نسب العربية لآدم , فإن هذا الكتاب يفترض أن تكون الجزيرة العربية موطنا لآدم عليه السلام , ويفترض أحداثا تتفق والمنطق التاريخي , من ذلك انتشار الناس في هجرات جماعية متتالية في الأرض , ونشوء لهجات من العربية , وتحولها إلى لغات منفصلة مع الزمن وابتعاد الناس عن موطن اللغة الأم , ووجود فئة من الناس ظلت تحافظ دائما على اللغة الأصل كما هي حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم .




    ثم يأتي الحديث عن ماهية اللغة باعتبارها وسيلة التعبير الأولى والأساسية , وعن الرموز كوسيلة تعبيرية , وكيف أن حياتنا تزخر بوسائل التعبير الرمزية , وعن انبثاق اللهجات من اللغة كعلم , وتأثر اللغة بأحوال الأفراد ، وتأثير الجماعات والبيئات على اللغة .




    وتتشابه اللهجات فيما بينها بأساليبها التعبيرية وطرق لفظ الكلمات والأحرف وخروجها عن قواعد اللغة الأصلية . وذلك بسبب تماثل تركيب جهاز النطق البشري , وعليه فإن احتمالات التغيير في النطق الأول للحرف في اللغة العربية واحدة وتظل متكررة في اللهجات .




    فللأرض لغة واحدة هي العربية وما عداها لهجات منبثقة منها . وعندما يبتعد قوم بلهجتهم عن اللغة الأصل تكتسب تلك اللهجة مع مرور الزمن الشخصية الاعتبارية كلغة , وعليه فالحديث عن اللغات الأخرى على أنها لغات هو من منطلق ما تعارف عليه الناس .




    القسم الثاني




    إن النظر المتعمق في اللغات والدراسة المقارنة بينها وبين العربية تكشف عن علاقة بين تلك اللغات والعربية لا تكون إلا بين الفرع والأصل , وقد تمت الدراسة المقارنة بين كلمات أحرف الإنكليزية L,D,C,S,A وبعضا من كلمات أحرف أخرى .




    وبعد الدراسة تبين وجود علاقات مشابهة بين الكلمات الإنكليزية ومقابلاتها العربيات بالقدر الذي يؤكد انتساب الإنكليزية إلى العربية .



    وإنني أضع هذا الجهد الذي بدأت به عام 1986 أمام القارئ الكريم , لأرجو أن أكون قد قدمت خدمة للغتنا العربية الجميلة , وللناطقين بها , وبرهانا على أصالتها يزيد أهلها اعتزازا بها وغيرة عليها , ويحثهم على مزيد من العمل لرفع شأنها وإعلاء مكانتها . وإني لأهيب بذوي الاختصاص من الباحثين والدارسين أن يبذلوا وسعهم في إثراء هذه الدراسة المعجمية , وإنجاز ما لم تحط به من إماطة اللثام عن عروبة ما تبقى من الكلام سواء في الإنكليزية أو في غيرها من اللغات .




    وفي ختام هذه المقدمة أتقدم بالشكر إلى الأخ الدكتور جاسر أبي صفية على تعاونه الكريم وتفضله بتزويدي ببعض الكتب والمنشورات القيمة .



    كما أتقدم بالشكر الجزيل إلى شقيقي العزيز صالح البوريني على جهده الصادق في إخراج هذا الكتاب ومساهمته الفعالة في ترتيب الأفكار والموضوعات ودعمه الكبير لإنجاز هذا العمل . والله الموفق لكل خير .




    عبد الرحمن أحمد خليل البوريني





    من الجهود السابقة في هذا الموضوع




    في الوقت الذي انشغل فيه الباحث في إعداد كتابه هذا , وقبل خوضه غمار هذه الدراسة المعجمية , لم تكن ساحة البحث خالية ممن بحث في هذا الموضوع , وإنصافا للحقيقة , وتعزيزا للفكرة التي يطرحها هذا الكتاب , فإنني أذكر هنا ما وصل إليه اطلاعي وأحاط به إلمامي من الجهود السابقة والمواكبة لهذا العمل :



    1 – كتاب " لإة آدم عطاء أبدي لبني آدم " . من تأليف : محمد رشيد ناصر ذوق .



    2 – كتاب " اللغة الفرنسية لغة عروبية " , صور من تطور الكلمات , وكوة على التاريخ الضائع . تأليف : محمود عبد الرؤوف القاسم .



    3 – Arabic . The Source Of all The Languages



    By : Muhammad Ahmad Mazhar



    Kraus reprint / Nedeln Liechtenstein 1972 .



    4 – وقد نشرت مقالات وأبحاث بهذا الشأن , فقد نشر في مجلة : اللسان العربية – المجلد السابع – الجزء الأول – يناير 1970 م . وهي مجلة دورية للأبحاث اللغوية ونشاط الترجمة والتعريب في العالم العربي يصدرها المكتب الدائم لتنسيق التعريب في العالم العربي – جامعة الدول العربية – الرباط – المغرب الأقصى .



    نشر في هذا العدد من المجلة في الصفحة 169 موضوع بعنوان :



    " ميزة البيان في نشأة الإنسان أو : كيف نشأت اللغة في المجتمع البشري " للأستاذ خليل عبد الله , جاء في وفي صفحة " 190 " :



    " العربية أم اللغات وأصلها الأصيل , وكل اللغات الآرية والسامية والحامية كان أصلها لهجات عربية تولدت عنها وتطورت فيما بعد بحسب البيئات والحاجيات ثم تعمقت كلغات مستقلة على مر العصور .



    5 – وفي مجلة " منار الإسلام " التي تصدر في الإمارات العربية المتحدة – العدد السابع – السنة الثانية والعشرون – رجب 1417 هـ - 12 نوفمبر 1996 , نشر في الصفحة 92 حوار بعنوان : اللغة العربية ليست من اللغات السامية , وقد تم الحوار مع الدكتور فؤاد فخر الدين , وهو من أعلام المفكرين المسلمين في أندونيسيا .




    جاء في ذلك الحوار عن اللغة العربية : " أميل إلى القول بأن اللغة العربية ليست من اللغات التي نشأت من اختلاط الإنسان بالمحيط الذي نعيش فيه , فهي ليست مأخوذة من أصوات الحيوانات والعالم المحيط المتحرك حوله , لأنها لغة كتاب الله , وهي من مصدر أصلي لا ريب فيه , وغير مقتبسة من لغات أخرى " ثم يقول : " فاللغة العربية هي لغة الله , وهي أول اللغات وأولها استعمالا على وجه البسيطة , ثم انتشرت مع نزول آدم عليه السلام وحواء من الجنة " .




    6 – وفي الصفحة 106 من العدد نفسه من مجلة " منار الإسلام " نشر مقال للدكتور محمدالسقا عيد بعنوان : " تعريب الطب قضية لا يجوز أن تهدأ " جاء فيه : " وإيمانا مني بأن اللغة العربية هي أم اللغات الحية وبأنها بقية أمجادنا وكذلك جدول حضارتنا .. "




    ثم يقول في المقالة نفسها في الصفحة 110 على لسان الدكتور محمد عبدالعزيز محمد رئيس قسم الرمد بجامعة الأزهر : " إن اللغة العربية ليست لغة حديثة , وإنما هي لغة قديمة قدم الدهر , وهي لغة القرآن , وحيث إن القرآن أنزل للناس كافة فلغته يجب أن تعرف للناس كافة , حيث إن العربية هي الأصل لجميع اللغات " .







    فائدة الدراسة




    هل تكفي دراسة مقارنة بين اللغة العربية والإنكليزية للتدليل على أن العربية هي أصل لغات العالم أجمع ؟! لا شك أن الجواب بالنفي هو الأقرب إلى الصواب , لأن الدراسة المعجمية المقارنة بين العربية والإنكليزية يمكن أن تقدم دليلا على أن الإنكليزية ترجع إلى العربية , أما اليابانية والصينية والحبشية وسائر اللغات فإن كلا مها بحاجة ولا شك إلى إجراء راسة مماثلة وشاملة للخروج بنتيجة , ولا شك أن هذا الجهد فوق طاقة آحاد الناس , فكيف بمن يتصدى له بمفرده ! إذن , ما الذي يمكن أن تفيده هذه الدراسة ؟




    تتجلى فائدة هذه الدراسة – بعد أن تنجح في إثبات انتساب الإنكليزية إلى العربية –بفتح الطريق أمام البحث المقارن بين العربية وسائر اللغات , فإذا أثبتت أن الإنكليزية أصلها عربي فإن هذا الإثبات يترتب عليه أن تكون العائلة اللغوية التي نشأت منها الإنكليزية عربية الأصل أيضا . وإذا صح هذا فإن الباب يكون قد انفتح على مصراعيه لمزيد من النتائج المماثلة التي تتمخض عنها الدراسات المقارنة التي يمكن أن يجريها متخصصون لرد كلمات لغات أخرى بعيدة إلى العربية , وهكذا .



    ويمكن أن نلخص فوائد البحث في هذا الموضوع بما يلي :




    1 – تأكيد شخصية هذه اللغة وأصالتها وتميزها وهيمنتها على سائر اللغات في العالم .



    2 – لفت أنظار المتخصصين إلى مزيد من الاجتهاد والبحث للكشف عن الجديد من طاقتها الجمالية والتعبيرية والبلاغية .



    3 – استعادة ثقة الأمة بنفسها وتأكيد هويتها الثقافية والحضارية بين الأمم , لأن اللغة من أهم مقومات الأمة العزيزة الظافرة .



    4 – بطلان كل الدعاوي المغرضة التي تنادي بالعدول عن العربية الفصحى إلى اللهجات العامية .



    5 – لفت نظر العرب والمسلمين إلى منزلة لغتهم ورفعة شأنها وتشجيعهم على تأكيد ذلك واقعيا بجعلها لغة " العامة والخاصة على حد سواء " ولغة التعليم في كل مراحله .



    6 - إظهار قوة ارتباط اللغة العربية الفصحى بالإسلام وأهميتها في خدمة حقائقه وتعاليمه , وبيان فضل القرآن في تأكيد أصالة اللغة العربية .



    7 – نقض النظريات التي تنسب نشأة اللغة إلى الطبيعة , وتأكيد صحة التصور الإسلامي في نشوء اللغة .



    8 – تأكيد عروبة الموطن الأول للإنسان .



    9 – تأكيد منطقية ووجاهة الوحدة العربية والإسلامية القائمة على أساس أن اللغة عامل وحدة مصيري .



    10 – إحترام الحرف العربي وعودته إلى مجده وسموه .



    11 – وضع نتائج هذه الدراسة في خدمة الترجمة من العربية وإليها .





    القسم الأول



    تمهيد





    خلق الله سبحانه الخلق بالحق والاتزان والتناسق فكان كل شئ بقدر " إنا كل شيئ خلقناه بقدر " القمر : 49 , " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " الملك : 3 , والتفاوت هو الاختلاف .



    وكرم الله سبحانه الإنسان " ولقد كرمنا بني آدم " الإسراء : 70 , وليس هذا التكريم دليل نقص في أي شيئ آخر , فقد حاز كل شيئ خلقا حسنا " الذي أحسن كل شيئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين " السجدة : 7 . إنما هو تميز أعطاه الله لآدم عليه السلام وذريته من بعده . فما هو ذلك التكريم الذي خص الله سبحانه به الإنسان ؟ وإنه لتكريم عظيم لأن الله سبحانه هو الذي سماه تكريما .



    إن الله سبحانه هو الذي يعلم حقيقة ذلك التكريم " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " إبراهيم : 34 , ولكن نستطيع أن نتلمس بعض هذا التكريم فأن يجعل الله للإنسان عقلا ؛ تخصيص له لم يحظ به غيره من الطير والحيوان " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " الرعد : 3 , وأن ينعم عليه بالنطق واللغة ؛ تكميل لدور العقل ليستطيع الإنسان أن يعبر عما لديه من أحاسيس , وأن ينقل للآخرين ما عنده من معان , فلا معرفة بلا عقل وفكر , ولا تفكير بلا لغة .



    اللغة إذن هي الشيئ الأول والأهم الذي يجب أن يمتلكه الإنسان العاقل المفكر ليستطيع أن يحيا حياته الإنسانية الكريمة التي يرتضيها الله سبحانه له كسيد للأرض يعمرها وكعبد يطيع ربه ويؤدي شكره .




    اللغة وعاء الفكر




    لو أراد الإنسان أن يفكر بخالقه ووجوده لا حتاج فورا إلى كلمات : من وأين وكيف , أو كلمات تعنيها . فلو رفع رأسه ونظر عاليا وراح يبحث في ذهنه عن خالقه , عمن أوجده .. لكان بحاجة إلى كلمة تعني ما يعمل .. تفسر كل هذه المعاناة وتكون نهاية المطاف لذلك التفكير . ولو لم نعرفها لظل يبحث عن شيئ يقوله . وكلمة " من " تصل بعملية التفكير إلى نهايتها . نعم .. من هو ؟ من الخالق ؟ من صاحب الأمر ؟ من هذا الذي أبحث عنه ؟




    ولو فكر في المكان الذي كان فيه قبل أن يوجد , لظل يسرح في خياله وتصوراته باحثا عن ترجمة لتفكيره . وكلمة " أين " في تساؤله تغنيه عن ذلك البحث الطويل . وكذلك لو تساءل عن الكيفية التي خلق بها فلن يهدأ له بال حتى يقول : كيف ؟ أو كلمة تعنيها .



    كل سؤال بحاجة إلى جواب , ولكن يتعين قبل السؤال وجود كلمات تفسر الرغبة في المعرفة التي تدفع الذهن إلى البحث والتي إذا نطق بها صورت فورا حاجته ونقلته إلى موضع الحصول على الإجابة .




    من الإمتهان للكرامة الإنسانية أن نتصور الإنسان المفكر وكل همه أن يحصل على طعامه وشرابه وبقية حاجاته الغريزية من دون أن تكون له روابط مع الكون والخالق , ومن دون أن يحدد موقفه من الموت والحياة والخير والشر والحق والباطل .




    ترى .. كيف سيعيش إن لم يملك لغة يعبر بها عن كل معنى يرد في ذهنه , ويسني بها كل شيئ يراه ويسمعه ؟






    اللغة إلهام أم اصطلاح ؟




    لقد حاول الكثيرون منذ قديم الزمان وحتى عصرنا الحاضر تفسير وجود اللغة العربية وكيف نشأت , وساد عند العرب قديما رأي يقول بأن نشوء اللغة كان تواضعا واصطلاحا , وأن بدايات ذلك كالنشوء كانت أصواتا يجمعها الإنسان من هنا وهناك , فاعتقد به أهل اللغة على ما في هذا الرأي من مجانية للصواب وامتهان لكرامة الإنسان الأول الذي خلا ذهنه تماما من اللغة على حد زعمهم .




    فهذا أبو الفتح عثمان بن جني يقول في كتابه " الخصائص " في باب القول على أصل اللغة العربية أإلهام هي أم اصطلاح : " هذا موضع محوج إلى فضل تأمل , غير أن أكثر أهل النظر – ويقصد ابن جني بهم علماء الكلام والمعتزلة على وجه الخصوص – على أن أصل اللغة العربية إنما هو تواضع واصطلاح , لا وحي وتوقيف "(1)



    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



    (1) نصوص من كتاب الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني , الدكتور عبده الراجحي .





    ويقول أيضا : " وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كله إنما هو من الأصوات المسموعات كدوي الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشحيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونزيب الظبي ونحو ذلك , ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد . وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل " .(1)




    وقد اعتقد آخرون برأي آخر مفاده أن اللغة هي هبة من الله للإنسان , وقد نقل لنا ابن جني في الخصائص رأي أستاذه أبي علي الفارسي القائل بهذا المفهوم دونما تأييد لهذا الرأي : " إلا أن أبا علي رحمه الله قال لي يوما : هي من عند الله , واحتج بقوله تعالى : " وعلم آدم الأسماء كلها " , وهذا لا يتناول موضع الخلاف , وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويله : أقدر آدم أن واضع عليها , وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا محالة . فإذا كان ذلك محتملا غير مستنكر سقط الاستدلال به " (2) .



    إن ابن جني هنا لا يقبل رأي استاذه ويحيل تفسير الآية على أن الله تعالى أقدر آدم عليه السلام على المواضعة على اللغة ونسي أن المواضعة تتطلب مجتمعا من الناس , ولم يكن ذلك المجتمع كائنا بعد , لأن آدم عليه السلام هو أبو البشر .



    ولكن ابن جني الذي شغله كثيرا التفكير في موضوع نشأة اللغة لم يخرج برأي قاطع في حقيقة نشوء اللغة فهو كما أيد تارة الرأي القائل بأنها تواضع واصطلاح يميل في تارة أخرى إلى الاعتقاد بصحة الرأي القائل بأنها إلهام من الله سبحانه : " واعلم فيما بعد , إنني على تقادم الوقت , دائم التنقير والبحث عن هذا الموضع , فأجد الدواعي والخوالج قوية التجاذب لي مختلفة جهات التغول على فكري . وذلك أنني إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة , والكريمة اللطيفة , وجدت فيها من الحكمة والدقة , والإرهاف والرقة , ما يملك على جانب الفكر حتى يكاد يطمح به أمام غلوة السحر , فمن ذلك ما نبه عليه أصحابنا رحمهم الله , ومنه ما حذوته على أمثلتهم فعرفت بتتابعه وانقياده , وبعد مراميه وآماده , صحة ما وفقوا لتقديمه منه , ولطف ما أسعدوا به وفرق لهم عنه . وانضاف ذلك إلى وارد الأخبار المأثورة بأنها من عند الله عز وجل , فقوي في نفسي اعتقاد كونها توقيفا من الله سبحانه وأنها وحي " (3)



    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ



    (1) المصدر السابق



    (2) المصدر السابق



    (3) نصوص من كتاب الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني , الكتور عبدع الراجحي .




    ولكنه أحس بأن الاقتناع الكامل والأكيد بأنها هبة من الله يحتاج إلى المزيد من الإلإثبات والكثير من الدلائل القوية فظل معلقا حكمه بشأن اللغة بانتظار المزيد من التأييد لأي من الرأيين حول اللغة أهي توقيفية من الله أم أنها توفيقية اهتدى إليها الناس بأنفسهم , فهو يقول في كتابه الخصائص :



    " ثم أقول في ضد هذا : كما وقع لأصحابنا ولنا , وتنبهوا وتنبهنا , على تأمل هذه الحكمة الرائعة الباهرة , كذلكم لا ننكر أن يكون الله تعالى قد خلق من قبلنا – وإن بعد مداه عنا – من كان ألطف منا أذهانا , وأسرع خواطر وآجر أجنانا , فأقف بين تين الخلتين حسيرا , وأكاثرهما فأنكفئ مكثورا , وإن خطر خاطر فيما بعد , يعلق الكف بإحدى الجهتين , ويكفها عن صاحبتها , قلنا به , وبالله التوفيق "







    أصل اللغة إلهام والاصطلاح مستحدث




    للغة شأن خطير في حياة الناس , فهي بصورتيها : المكتوبة والمسموعة , بمكانة القلب من جسم الحضارة الإنسانية , فلا يمكن أن تقوم حياة اجتماعية بلا لغة , ولا شك أن تجريد المجتمع الإنساني من اللغة بمثابة الحكم عليه بالإعدام .




    والصحيح أن اللغة إلهام من الله علمها آدم عليه السلام , والشاهد في ذلك ما جاء في القرآن الكريم حيث يقول سبحانه وتعالى : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون . وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين . قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم . قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " البقرة 30- 33 .




    وهي بعد ذلك اصطلاح وتوفيق في ما يستجد في حياة الناس من جديد , إنها أصل يختزن كل طاقات النمو والتجدد والتنوع , إنها جذور ثابتة تخرج منها سيقان وأغصان وأوراق وأثمار .




    فإذا كان آدم – عليه السلام – قد تعلم الأسماء كلها فقد تعلم اللغة , وكل كلمة هي اسم لما تعنيه .




    وفي الآية السابعة والثلاثين من سورة البقرة إشارة إلى معرفة آدم عليه السلام بالكلام " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم " فكيف يتلقى الكلمات وهو يجهل الكلام !!




    ويقول سبحانه وتعالى في أول سورة الرحمن : " الرحمن علم القرآن . خلق الإنسان , علمه البيان " الرحمن : 1-4 . والبيان لغة : الإفصاح والتبيين والتعبير عما لدى الإنسان من معان بكامل الوضوح . ولا يكون هذا إلا بلغة كاملة يستطيع أن يعبر بها الإنسان عن أغراضه .




    أما أن يكون منشأ اللغة اصطلاحيا , فمعناه أن يتفق الناس عليها , كأن يقترح بعضهم الأسماء لمسمياتها ويوافق البعض الآخر على تلك الأسماء . ولكن , كيف اتفقوا على اقتراح الكلمات , وبأي وسيلة تم التفاهم بينهم ؟ إذا كان الناس في البداية – على حد قول أصحاب هذا الرأي – يجمعون اللغة من أصوات الحيوانات والطيور وما في الطبيعة كالرعد وأصوات الشلالات وسقوط الحجارة وصوت الريح وحفيف الأشجار , فكيف اتفقوا وقد كان الإنسان الأول لا يستطيع الكلام لأنه كان يفتقر إلى اللغة ؟!




    وقد أشار علماء اللغة العرب قديما إلى قيام الأمرين : الإلهام أولا ثم الاصطلاح الذي فرضته الحاجة . فقد نسب ابن جني للأخفش قاعدة عامة في نشأة اللغة . يقول الأخفش : " وكيف تصرفت الحال وعلى أي الأمرين كان ابتداؤها فإنها لا بد أن يكون وقع أول الأمر بعضها ثم احتيج فيما بعد إلى الزيادة عليه لحضور الداعي إليه فزيد إليها شيئا فشيئا " (1) .



    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ



    (1) الدكتور حسام سعيد النعيمي : الدراسات اللهجية والصوتية عيد ابن جني ص270-273 .




    لقد كانت اللغة الأولى مكتملة , ولكنها أقل عددا في مخزون الألفاظ من لغات اليوم لأنها كانت تتكون من كلمات تمثل جذور اللغات الحالية . ولما احتاج الإنسان إلى مزيد من الكلمات لتسمية الموضوعات والمكتشفات والأحوال الجديدة انبثق من تلك الجذور ما احتاج إليه من الكلام .




    يفترض أن لغة الأرض الأولى كانت تحتوي على كلمات يسمى بها الناس ذكورا وإناثا , وأسماء أخرى للطيور والحيوانات وما في الأرض والسماء من شجر وحجر وشمس وكواكب , وكلمات يمكن أن تستعمل للتعبير عن علاقة الخلق بالخالق والناس بعضهم مع بعض ومع غيرهم من النبات والحيوان والطير , وعن موقف الإنسان من الماضي والحاضر والمستقبل , وعما يحب ويكره ويأمل وأسماء الأحوال كلها . والاتفاق والاصطلاح بين الناس أمر متوقع لما يستجد من كلمات فيما بعد مثل أسماء العلوم أو الأمراض أو الأدوية أو المصنوعات , فهي قد تكون متصلة نوعا ما بشكل غيف أو قوي بكلمات من أصول تلك اللغة . وإن كان الشئ أمرا معنويا أعطي كلمة مشتقة , ولا بد من صلة بين الكلمة الأم والمشتقة .




    اللغة وسيلة العبادة




    لقد كانت اللغة نعمة من الله أنعم بها على الإنسان ليكون بها قادرا على عبادته سبحانه وتعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات : 56 , لأن التعبير بالكلام أول رد فعل بعد التفكر في ما يبصر الإنسان ويسمع .



    فما حوله من جماد وأحياء سواء كان صغيرا معجزا في دقته , أو هائلا يبعث في نفسه الرعب , كلها تصيبه بالذهول والدهشة , وتدعوه في التفكر في ماهية المسموعات والمرئيات وأين هو من كل هذا , ولم كان هذا الكون وكل ما فيه ؟ بعد هذا التفكر يأتي الكلام ليترجم أحاسيسه في شواهد تعبيرية ثابتة تدل على هذا التفكر كلما نطق بها .



    يستطيع الإنسان بالعقل والكلام أن يوجه العمل ويفسره , ويكون قادرا على أداء العمل الذي كلفه الله سبحانه به ويحقق الهدف الذي خلق من أجله وهو عبادة الخالق سبحانه " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات : 56 .




    وأول الشروط التي تتحقق بها العبادة هي المعرفة .. معرفة الخالق سبحانه وما خلق , فيدرك الإنسان أنه وما حوله من أحياء وجماد , مخلوقات , وأن الله خالق الكون كله , وأنه الإله الواحد الصمد الذي لا يكون التوجه إلا إليه , والرب الذي لا يعبد غيره .




    علم الله آدم الكلام , وخاطبه وزوجه به وهو في الجنة , وما كان ليخاطبهما وهما يجهلان معنى خطابه " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " البقرة : 34 .




    ولو لم يعص آدم ربه وشاء الله أن يبقى مع زوجه في الجنة لظل الكلام الذي تعلمه من الأهمية بمكان . فبه يذكر ربه . وبه يتقرب إليه .



    وعلى ذلك فإن علاقته مع خالقه بعد نزوله إلى الأرض هي أهم شيئ في حياته . ولا مغالاة في الطعن بالفكرة التي تقول : إن الإنسان الأول كان يجهل اللغة لما في هذا الفرض من القطيعة بين الإنسان وربه . " قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " البقرة : 38 .




    نتيجة حتمية :




    أنطق الله سبحانه وتعالى أمنا حواء بلغة أبينا آدم , وقد علماها أبناءهما بعد أن هبطا إلى الأرض ليتعلمها بعد ذلك الأحفاد .




    لغة آدم عليه السلام إذن هي لغة الأرض , لأنها لغة الشعب الأول من أبنائه . ويقود هذا الفهم إلى القول بما يترتب عليه , فلئن كانت تلك اللغة هي لغة الأرض , وأهل الأرض كلهم من نسل آدم عليه السلام , فلا بد أن تكون اللغات في العالم كله اليوم هي في الأصل لهجات خرجت من تلك اللغة .




    اختلاف الألسن ووحدة الأصل اللغوي




    قد يرى البعض أن هذه النظرية تتعارض مع قوله تعالى : " ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم .... " سورة الروم : 22 . لأن هذه الآية توجب وجود لغات عديدة للعالم لا لغة واحدة , قال ابن كثير " واختلاف ألسنتكم " يعني اللغات , فهؤلاء عرب وهؤلاء تتر ... إلى غير ذلكم مما يعلم الله من اختلاف لغات بني آدم " (1) .



    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



    (1) مختصر تفسير ابن كثير للصابوني ج3 / ص 51 .




    أقول : إنها لا تتعارض مع الآية , لآن اختلاف الألسن لا يعني وجود لغات متعددة أصلا , إنه استحداث لهجات جديدة لقوم كانوا يتكلمون لغة واحدة , وتخصص كل لهجة بأسلوب يميزها عن غيرها من الكلام , وانصراف كل القبائل أو المجتمعات في الأمة عن تبني اللغة القومية , وتحدث كل منها بلهجته الخاصة .




    اختلاف الألسن هو في النهاية ابتعاد كل لهجة عن غيرها وابتعادها كلها عن اللغة الأصلية , وتحول اللهجة إلى لغة قومية جديدة لا تلبث أن تنبثق منها لهجات .... وهكذا .




    تعدد اللغات بمفهومه النهائي إذن غير موجود في العهود الأولى من نشوئها . فاللغات في بداية نشوئها كانت أكثر تقاربا . كانت أشبه باللهجات ؛ وأوضح مثال على ذلك اللغات في أوروبا ؛ كالفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية .... فهي في واقعها الحالي لغات منفصلة تختلف كل منها عن غيرها . ولكنها كانت في الماضي أكثر تقاربا . فقد انبثقت من اللاتينية والجرمانية .




    ونلفت الانتباه إلى مثال حي في عالمنا العربي . فالعرب المسلمون الذين انطلقوا فاتحين في صدر الإسلام كانوا يتكلمون العربية الفصحى .



    ولكننا نرى اليوم لهجات تملأ علمنا العربي من مشرقه إلى مغربه . ولولا القرآن الكريم الذي يشدنا دائما إلى لغتنا الأصلية لكان في بلاد العرب اليوم لغات إقليمية متعددة .




    لغة آدم عليه السلام هل كانت العربية ؟




    ليس هناك دليل من الكتاب أو السنة يثبت أن لغة آدم عليه السلام هي اللغة العربية , ولذلك فإن أحدا لا يستطيع أن يجزم اعتمادا على النصوص بأنها كانت العربية أو لم تكن , فيجوز هذا ويحتمل ذاك , والله أعلم . وقد نزلت آيات القرآن من عند الله سبحانه باللغة العربية " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " الحجر : 9 . وهذا تشريف لها من الله سبحانه , وقد كانت لغة آدم مشرفة لأنها من الله أيضا . وقد حازت لغات المرسلين السابقين شرف نزول الوحي بها كذلك , فقد أرسل الله تعالى الأنبياء والرسل بألسنة أقوامهم " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم .. " إبراهيم : 4 , فكان الوحي ينزل بلسان القوم ليبلغهم رسولهم دين ربهم بلغتهم , ومعنى هذا أن شرف تنزل الوحي الرباني بالعربية قد نافس العربية فيه سائر اللغات التي نزل بها الوحي على أنبياء الأمم السابقة , ولكن الميزة التي ليست لغير العربية هي عالميتها التي فرضتها عالمية الرسالة , فطبيعة اللغة مستمدة من طبيعة الرسالة , والرسالة الإسلامية المحمدية رسالة الهداية للبشرية عامة " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا " سبأ : 28 , وقال عليه الصلاة والسلام : " .... وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " (1)



    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ



    (1) أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين والنسائي في سننه عن جابر .




    ولا شك أن اللغة التي تختارها العناية الإلهية للبشرية جمعاء لتكون لغة الاتصال بالله عز وجل ولغة عبادته وذكره ودعائه من بين سائر اللغات لهي اللغة الأجدر بأن تكون أكمل اللغات وأجملها , وإن هذا ليشجع على الاعتقاد بأنها هي الأساس الأول لسائر اللغات , وكما كان بها البدء , صار بها الختام , فهي اللغة المختارة لكلام الله حين يوجه للخلق أجمعين , تشرق به آيات القرآن نورا وهدى للعالمين . ومع ذلك فإن هذا البحث لا يريد أن يتكئ على هذا الاستنتاج أو ذلك الاستئناس فيتخذه برهانا على أن لغة آدم عليه السلام كانت العربية , أو دليلا يعتمده أساسا في إثبات أصالة العربية وتفرع سائر اللغات منها , بل هو يفترض ذلك افتراضا ويجعل البرهنة عليه من مسؤولية الدراسة اللغوية المقارنة .




    فبعد الدراسة المقارنة بين كلمات اللغة العربية وغيرها من اللغات يتضح مدى صحة أو عدم صحة هذا الاعتقاد . وإقامة الدليل على أن العربية هي أصل اللغات تحتاج إلى جهد يستوعب الأسر اللغوية كلها لرد كلماتها إلى الأصل العربي , فإذا تحقق ذلك فهو الدليل العملي الذي يغني عن ورود النصوص الصريحة فضلا عن تأويل النصوص العامة .




    خصوصية العربية في بيانها واستقامتها




    القرآن الكريم كما نعلم هو المعجزة التي أعطاها الله لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتكون دليلا على صدق نبوته , وكانت اللغة العربية هي ميدان الإعجاز : " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " الإسراء : 88 . بل قد جعل الله سبحانه التحدي ولو بسورة واحدة : " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله .... " البقرة : 23 .




    بيانها :




    وقد ورد ذكر اللسان العربي في القرآن من باب التركيز على الخصوصية التي تمتعت بها اللغة العربية بالمقارنة مع غيرها من اللغات : " نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين " الشعراء : 193-195 . فإذا كانت كلمة " عربي " هي التمييز باعتبار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عربيا وقومه الذين أرسل فيهم هم أيضا عرب , لأن الله سبحانه كان يرسل النبي بلسان قومه : " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " إبراهيم : 4 , فإن كلمة " مبين " هي وصف اللسان العربي الواضح .




    وإذا نظرنا في هاتين الآيتين : " إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " يوسف : 2 , لوجدنا أن كلمة " عربي " في الآيتين تتعدى كونه تحديدا لنوع اللغة التي نزل بها القرآن لآن هذا أمر مفهوم , ومن البديهي أن يكون عربيا لأن النبي منهم ولا بد من أن يرسله الله بلسانهم . لابد إذن من أن تكون كلمة " عربيا " قد احتوت معاني أخرى . إنني أرى فيها إشارة خاصة إلى ما في العربية من بيان ووضوح يمكن قارئ القرآن المتدبر لآياته من أن يعقل وفهم القرآن : " وهذا لسان عربي مبين " النحل : 103 .




    استقامتها :




    واللغة العربية هي اللغة الصحيحة : " قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون " الزمر : 28 .




    وما دام القرآن " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " فصلت : 42 , فمن المؤكد أن يكون غير ذي عوج . واللغة العربية هي الأنسب لقرآن غير ذي عوج , واعوجاج اللسان هو انحرافه عن المسار الصحيح , ذلك المسار الذي يتحقق به البيان ؛ فلا شك أن اللسان العربي المبين إنما يحافظ على هذه الخصوصية ما دام مستقيما على المسار الصحيح من غير انحراف ولا اعوجاج , ولا خروج عن المخارج المقررة الثابتة المعروفة الشاملة المستوعبة لإمكانات الإنسان الصوتية أو النطقية . ويمكن أن يكون مصطلح " عروبة اللسان " مرادفا تماما لمصطلح " استقامة اللسان " الذي عكسه " انحراف اللسان " المسمى عجمة , والذي ينتح عنه الاشكال أو التباس الفهم أو نقص البيان . فالكلام الإنساني بهذا الاعتبار قسمان : كلام واضح تقوم به عروبة اللسان وينطق به اللسان العربي المبين , وكلام ناقص الوضوح قاصر البيان تنوء به العجمة ويجهد به اللسان الأعجمي .





    إذن , فهي العربية الواضحة التي نفهم وضوحها من اسمها . نقول : أعرب عن رأيه : أي أوضحه وبينه , وكل ما عداها أعجمي : " أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هذى وشفاء " فصلت : 44 .




    ودليل وضوح العربية التفصيل : " كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " فصلت : 3 , وما عداها من اللغات يخلو من هذا التفصيل وذلك الوضوح : " ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته " فصلت : 44 . والأعجمية هنا لا تعني لغة بعينها , إنها كلمة تطلق على كل لغة غير العربية الفصحى .




    كل لغات البشر تؤدي وظيفة التعبير عما في ذهن المتكلم من معان , واستيعاب المستمع لمعاني ما يتلقى من كلام يتوقف على معرفته بهذا الكلام . وقد تتميز لغات كثيرة بميزات تعبيرية مختلفة ومتفاوته فيما بينها . ويتحمس أهل اللغة كل للغته . ولو سألت أهل اللغات وأصحاب الدراية بها ليخبروك عن أحسنها وأجودها وقالوا رأيهم لكان حكم الله سبحانه هو الأصوب والأصدق بهذا الشأن . فقد حكم سبحانه بأفضلية اللغة العربية على غيرها وتميزها بالخصوصية التي لا تكون لسواها , فهي اللغة المبينة الموضحة : " نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين " الشعراء : 193-195 . وهي اللغة الصحيحة التي لم تشوهها اللهجات :" قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون " الزمر : 28 . وهي اللغة السليمة وغيرها ينوء بالعجمة : " أأعجمي وعربي " فصلت : 44 , والعجمة في اللغة هي الإبهام وعدم الإفصاح في الكلام , كيف لا وهي وحدها المناسبة لقرآن مفصل !!: " ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته " فصلت : 44 , ترى هل هناك أنسب من هذه اللغة الشريفة السليمة ذات البيان والاستقامة والتفصيل لإعطائها آدم عليه السلام ؟




    إن المسلم المؤمن بربه , وبأن القرآن كتاب الله الكريم , أقرب إلى الاقتناع بأن اللغة العربية هي لغة آدم عليه السلام : " خلق الإنسان . علمه البيان " الرحمن : 3-4 .






    يتبع
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    04:10 PM

    افتراضي

    العربية عبر التاريخ
    فرضية تاريخية

    إن العربية هي لغة آدم , أي إنها أم اللغات جميعا , وهذا القول يضعنا أمام أسئلة كثيرة , وعلينا أن نوفق بينه وبين المفاهيم التاريخية , فرب قائل يقول : إن المعروف تاريخيا أن الأنباط هم أول من نطق بالعربية . فكيف تنسبها إلى آدم عليه السلام ؟ وأين عاش آدم ؟

    نفترض أولا بأن آدم عليه السلام قد عاش في الجزيرة العربية , جاء في " تهذيب تاريخ الطبري " : " قال قتادة : أهبط الله عز وجل آدم بالهند , وحواء بجدة , فجاء في طلبها حتى اجتمعا , فازدلفت إليه حواء , فلذلك سميت المزدلفة , وتعارفا بعرفات , فلذلك سميت عرفات , وعن ابن عباس قال : إن آدم شكا إلى الرب عندما أمره بالتوجه إلى البيت في مكة , فقال : لست أقوى عليه ولا أهتدي إليه , فقيض الله له ملكا فانطلق به نحو مكة (1) . وقال الفيروز آبادي في " القاموس المحيط " في مادة عرف : " وعرفات : موقف الحاج ذلك اليوم , وعلى اثني عشر ميلا من مكة , وغلط الجوهري فقال : موضع بمنى سميت لأن آدم وحواء تعارفا بها , أو لقول جبريل لإبراهيم عليهما السلام لما علمه المناسك : أعرفت ؟ قال : عرفت , أو لأنها مقدسة معظمة كأنها عرفت , أي : طيبت " (2) .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) صالح خريسات : " تهذيب تاريخ الطبري " ؛ تاريخ الأمم والملوك , ص 32 – 33 .
    (2) الفيروز أبادي : مجد الدين محمد بن يعقوب المتوفي سنة 718 هـ , " القموس المحيط " ط2 .

    وقوله غلط الجوهري يعني الإمام أبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري في معجمه المشهور ب " كتاب الصحاح " الذي اختصره الإمام محمد بن أبي بكر الرازي وسماه " مختار الصحاح " وقد أهمل الرازي ذكر أسباب تسمية عرفات بهذا الاسم فلم يورده في المختار .

    وسواء أصح لقاء آدم بحواء في المكان المسمى بعرفات أو لم يصح فإننا نفترض بأن ميلاد المجتمع الأول هو في أرض الجزيرة العربية , موطن العرب , وموضع أقدم بيت وضع للناس : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين " آل عمران : 96 .

    ولعل النظر في هذه الآية يحمل على الاعتقاد بأن مكة بعينها هي موطن الإنسان الأول , وذلك أن أبا البشر آدم عليه السلام عبد الله تعالى مكلف بعبادة ربه عز وجل , والبيت هو المكان الذي يأوي إليه المكلفون لممارسة العبادة . ولما كان المجتمع الأول مجتمعا صالحا لأن آدم عليه السلام نزل إلى الأرض بعد أن تحققت توبة الله عليه " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم . قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون " البقرة : 37 – 38 , فمن المقبول عقلا في إطار فرضيتنا هذه أن يكون أول بيت للعبادة قد وضع لأول مجتمع من الناس على وجه الأرض .

    وبغض النظر عمن قام ببناء البيت أول مرة فإن موضعه كان محددا قبل إبراهيم عليه السلام فعرفه الله عليه وأمره برفع قواعده منه : " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا ... " البقرة : 127 .

    وإبراهيم عليه السلام الذي سبق عهده رسالتي موسى وعيسى عليهما السلام جاء إلى مكة ليبني البيت الذي ستؤمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم نبي آخر الزمان بالحج إليه والطواف حوله , ألا يدعونا هذا إلى تركيز النظر على مكة ومكانتها عند الله تعالى ؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أطيبك من بلد وأحبك إلي , ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك " (1) !! وهل من مكان آخر أنسب منها لغيش آدم عليه السلام أول ساكني الأرض ومن أسجد الله له الملائكة .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
    (1) حديث صحيح , رواه الترمذي وابن حبان والحاكم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه , وانظر : الحديث رقم 5536 في صحيح الجامع تحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني .

    وعند التفكر في المراحل الزمنية التي تتابعت بعد عصر سيدنا آدم عليه السلام , وكيف تزايدت أعداد الناس وانتشروا في الأرض . نجد الطوفان الذي غمر الأرض في عهد نوح عليه السلام . يقطع ذلك التفكير ويعود بالفكر إلى نقطة البداية مرة ثانية , عندما رست السفينة على الجودي .

    إن نوحا عليه السلام هو أبو البشر الموجودين على هذه الأرض . فقد انتهت رسالته إلى قومه بطوفان غمر الأرض كلها وأغرق من عليها من البشر عدا من كان في السفينة " وقال نوح رب لا تذرعلى الأرض من الكافرين ديارا " نوح : 26 .

    ويبدو والله أعلم أن من كان عليها من المؤمنين من غير أبناء نوح عليه السلام قد عاشوا ما شاء الله لهم بعد ذلك ثم ماتوا من غير أن يتناسلوا , قال الله تعالى : " وجعلنا ذريته هم الباقين " الصافات : 77 .

    بناء على هذه الآية فإننا نتوقع أن أبناء النبي نوح عليه السلام قد عاشوا فترة من الزمن معا , تم خلاله الزواج بين أبنائهم وبناتهم وتزايدت ذريتهم .. ولكن أين عاشوا ؟

    يقال أن الجودي جبل في شمال العراق , ولكن المكان الذي نري أنه احتضن البشرية لتنمو فيه من جديد هو مكة .

    فها هي الحياة البشرية تعود إلى بدايتها بنواة صالحة هم نوح عليه السلام وأولاده , ويقبل الذوق الإيماني مجاورتهم لبيت الله الحرام في أحب أرض الله إلى الله , فلربما رست السفينة في شمال العراق , ثم أمر نوح عليه السلام وأولاده بالتوجه إلى مكة كما أمر إبراهيم عليه السلام من بعده بوضع زوجه وولده هناك .

    ويعزز هذا الإفتراض أمران متلازمان : الهجرات البشرية المعروفة تاريخيا من الجزيرة العربية , وبدايات الحضارات الإنسانية .

    فالمعروف أن الحضارة الإنسانية بدأت أول الأمر في الهلال الخصيب , وأن أقدم مدينة في العالم هي أريحا . والمعروف أيضا أن الهلال الخصيب تعرض إلى موجات بشرية مهاجرة من الجزيرة العربية , وأن أول تلك الموجات تركزت في جنوب العراق حيث بدأت هناك معرفة الإنسان بالكتابة .

    لقد ترتب ظهور الحضارة على وجود الإنسان , ولما كان انبثاق الهجرات من الجزيرة سابقا , فإن المحصلة هي الاقتناع بوجود الإنسان أولا في الجزيرة العربية قبل غيرها .

    ولكن لماذا كانت الهجرات البشرية من الجزيرة ؟ لقد تحولت أرض الجزيرة في العصور المتأخرة إلا القليل منها إلى صحاري جدباء تتخللها بعض الواحات , وذلك بسبب ما حل بالأقوام التي كانت تسكنها من غضب الله تعالى .

    وهكذا فلم يعد بالإمكان للصحراء أن تستوعب السكان المتزايدين فكان البعض منهم يضطرون إلى الهجرة بما لديهم من المواشي بحثا عن الكلأ والماء في أماكن أكثر
    خصبا .

    وهكذا لم تشهد الصحراء بناء حضارة أو عمرانا كذلك الذي فيها قبل أن تتحول إلى صحراء كما كان في أرض عاد وثمود . فقد وصف القرآن إرم بأنها ذات العماد : " ألم تر كيف فعل ربك بعاد . إرم ذات العماد " سورة الفجر : 6 – 7 .

    لقد كانت أرض الجزيرة العربية أول الأمر خضراء خصيبة فيها الجنات والثمار والأنهار وكثير من أنواع الطير والحيوان : قال صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يكثر المال , ويفيض , حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منها , وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا (1) .
    ومن المؤكد أن البلاد التي عاش فيها قوم عاد وقوم ثمود كانت جنات وعيونا , قال تعالى : " كذبت عاد المرسلين . إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون . إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون . وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العامين . أتبنون بكل ريع آية تعبثون . وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون . وإذا بطشتم بطشتم جبارين . فاتقوا الله وأطيعون . واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعام وبنين . وجنات وعيون " الشعراء : 123-134 . وقال سبحانه وتعالى في شأن ثمود : " كذبت ثمود المرسلين . إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون . إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون . وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين . أتتركون في ما هاهنا آمنين . في جنات وعيون . وزروع ونخل طلعها هضيم " الشعراء : 141-148 .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه , وهو في صحيح الجامع بتحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني برقم 7429

    لقد عاشت عاد في منطقة الأحقاف . قال تعالى : " واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " الأحقاف : 21 .
    جاء في تفسير ابن كثير : " يقول تعالى مسليا نبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه : " واذكر أخا عاد " وهو هود عليه الصلاة والسلام , بعثه الله عز وجل إلى عاد الأولى , وكانوا يسكنون الأحقاف ؛ وهو الجبل من الرمل . قاله ابن زيد وقال عكرمة : الأحقاف : الجبل والغار , وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : الأحقاف واد بحضرموت يدعى بوهوت تلقى فيه أرواح الكفار " .

    وجاء في تفسير ابن كثير أيضا : " الأحقاف بحضرموت عند اليمن " (1) .

    وجاء في لسان العرب في مادة حقف : " الحقف من الرمل : المعوج .... ,اما قوله تعالى : " إذ أنذر قومه بالأحقاف " فقيل هي من الرمال ؛ أي أنذرهم هناك . قال الجوهري : الأحقاف ديار عاد .

    لقد كانت ديار عاد جنات وعيونا وذلك قبل أن ينزل الله بهم عقابه , وقد أصبحت بعد ذلك أحقافا لأن الريح التي سلطها الله عليهم قد دمرت كل شيئ , قال الله تعالى : " فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم . تدمر كل شيئ بأمر ربها فأصبحو لا يرى إلا مساكنهم دذلك نجزي القوم المجرمين " الأحقاف : 24-25 .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
    (1) المصدر السابق .


    لقد ظلت الريح تهب عليهم سبع ليال وثمانية أيام , قال الله تعالى : " كذبت ثمود وعاد بالقرعة . فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية . وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية . سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية . فهل ترى لهم من باقية " الحاقة : 4-8 .

    كانت الريح إذا هبت على شيئ جعلته كالرميم , قال الله تعالى : " وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم . ما تذر من شيئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم " الذار يات : 41-42 .

    أي أنها تكفي أن تأتي على الشيئ , تهب عليه , وتلامسه حتى تجعله كالرميم , أي الشيئ الهالك البالي . وريح كهذه الريح يكفي أن تلامس الإنسان , إن لم يكن مرة فبضع مرات حتى تهلكه , ولكنها ظلت مسخرة عليهم تهب سبع ليال وثمانية أيام . ظلت تهب فلم تذر شيئا في ديارهم إلا فتتته والله أعلم .

    فهي في البداية قضت عليهم , قال تعالى : " فاصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " الأحقاف : 25 .

    ولكنها استمرت بعد موتهم تدمر كل شيئ , فهي تأتي على الشيئ فتجعله باليا كالرميم , ثم تأتي على ذلك كالرميم فتزيده تدميرا , فلو هبت على منطقة فيها الصخور وفيها الحجارة وفيها الحصى , فهل تراها تدمر الصخور وتترك الحجارة والحصى !! لقد ظلت تفتت كل شيئ حتى أصبح ذرات متحركة تنقلها الرياح من مكان إلى مكان .

    أما أن يشار إلى ديارهم في القرآن على أنها الأحقاف , فهو حال الذي أصبحت عليه تلك الجنات والأنهار بعد عذاب الله , أصبحت جبالا مستطيلة من الرمال لا تصلح للحياة فيها . قال الله تعالى : " وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد . وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود " . هود : 59-60 .

    ولقد لقيت ثمود عقابها من الله كذلك , فها هي ديارها صحراء بعد أن كانت جنات وعيونا . إذ تقع مدائن صالح في المنطقة الشمالية من جزيرة العرب . وإن ظلت آثارها باقية للعبرة مع وجود بعض النباتات .

    ربما لم يسلم في الجزيرة من العقاب غير مكة , وإن تأثرت تربتها بالجدب الذي أصاب ما حولها من المناطق : " ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون " الأحقاف : 27 . فلئن لم يلحق العقاب بمكة , فلا يستبعد أن تتأثر من حيث المناخ وخصوبة الأرض بما حولها من المناطق , فإن مفهوم تصريف الآيات يتعلق بانعكاس ذلك التصريف على من بقي من الناس في تلك المناطق ليعتبروا بما حصل لغيرهم ويرجعوا عما هم فيه من الضلال , ذلك أن تصريف الآيات هو تنويع للبراهين بأساليب مختلفة .
    ونقول صرف الله الرياح : حولها من وجه إلى وجه . وما خصوبة الأرض وعدم خصوبتها ونزول الأمطار وانحباسها وإرسال الرياح وسكونها إلا لآيات من آيات اللع تعالى , وتصريف الآيات هو تغييرها من حال إلى حال والله أعلم .

    " ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيئ قدير " فصلت : 39 .

    "... واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون " الجاثية : 5 .

    أرض الجزيرة بعد أن حل في أكثرها العقاب تحولت إلى صحاري قاحلة ليس فيها غير الواحات القليلة مما حدا بالناس فيها إلى الهجرة منها عندما ازداد عددهم .

    لا أحد طبعا كان يرقب بداية هجرة تلك الموجات البشرية من الجزيرة العربية وكم منها ذهب إلى الجنوب فاستقر في جنوب الجزيرة أو عبر الساحل إلى إفريقيا , وكم منها ذهب إلى الشمال , وكم مر من الزمن بين بداية هجرتها وبدء هجرات الساميين . ولكن المؤرخين حددوا بدء هجرات الساميين بمنتصف الألف الرابع قبل الميلاد .

    إن طبيعة الحياة في الصحراء من حيث قلة الماء وعدم خصوبة التربة إضافة إلى قلة خبرة المجتمعات الإنسانية الأولى في شؤون الزراعة , يجعلنا نجزم بأن القبائل المهاجرة من الجزيرة العربية قد كانت قبائل رعوية ترتحل دائما بحثا عن الكلأ من أجل مواشيها .

    وقد تلقى الهلال الخصيب أولى الهجرات البشرية إلى الشمال , فكانت القبائل المهاجرة تتنازع ولا شك على الأماكن الخصيبة في الهلال الخصيب , حيث كانت المنازعات تنتهي دائما بهجرة من تلك الأماكن إلى أماكن أبعد عن جزيرة العرب وأكثر أمنا في الشمال والشرق والغرب .
    النتيجة الطبيعية لذلك الترحال المستمر أن يعمر الإنسان كل أنحاء الأرض , وربما ركب البحر وساقته الرياح حيث يشاء الله إلى الأماكن البعيدة من الجزر والقارات التي ظلت مجهولة إلى عهد قريب .
    استمرت الهجرات البشرية من جزيرة العرب إلى الشمال وذهب بعضهم إلى وادي النيل وذهب بعضهم الآخر جنوبا وعبر الساحل إلى إفريقيا واستقروا في الحبشة وأعالي النيل . وآخر الهجرات كانت تلك الهجرات التي خرجت من اليمن على أثر انهيار سد مأرب حوالي القرن السادس الميلادي , واستقر بعضها في مشارف الشام وأسس دولة الغساسنة , واستقر البعض الآخر في العراق وأسس دولة المناذرة , واستمر ذلك حتى ظهور الإسلام .

    أثر الهجرات القديمة على اللغة

    من البديهي أن يكون أبناء آدم وأحفاده قد تعلموا لغته , وأن لغة المجتمع الإنساني الأول قد أفرزت مع الزمن لهجات متعددة , وأن القبائل التي تباعدت أماكن إقامتها بالانتشار في أرجاء الجزيرة وما حولها من البلدان لازدياد أعداد الناس , لم تكن لهجاتها يوما تخلو من التشابه .

    وفي المراحل الزمنية التالية لعصر نوح عليه السلام , كانت لغة الناس هي لغة نوح عليه السلام , وهي إحدى اللهجات التي خرجت من اللغة العربية , وقد أفرزت بدورها لهجات جديدة بشكل مستمر .. وهكذا فالاعتقاد هو أن نبي الله إبراهيم عليه السلام كان يتكلم بلغة متسلسلة من العربية , كما كانت كذلك لغة قبيلة جرهم التي كانت تعيش قرب مكة حيث أرسل زوجه السيدة هاجر وابنها إسماعيل عليه السلام ليعيشا هناك .

    ولعل الفترة التي عاش فيها إسماعيل عليه السلام هي نقطة التحول المهمة في تاريخ اللغة العربية , فقد وهبه الله سبحانه وتعالى الفصاحة والبيان , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن أربع عشرة سنة " (1) .

    لقد عاش عليه السلام في وسط قبيلة جرهم العربية . وتعلم لسانها , ولكن الله تعالى أمده بالفصاحة والبيان الذين صارا سمة كلام أبنائه وغيرهم من العرب حتى زمن بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

    وبابتعاد القبائل المهاجرة من الجزيرة العربية عن موطنها , وبمرور الزمن أخذت لهجاتها تبتعد شيئا فشيئا بكلماتها وأساليبها النطقية عن اللغة الأم حتى صارت إحداها تبدو وكأنها لغة جديدة .

    بناء على هذا المفهوم فإن من المقبول الاعتقاد بأن لهجة قوم سبقوا غيرهم في الهجرة من الجزيرة موطن الإنسان الأول تكون أكثر بعدا واختلافا عن اللغة الأم من لهجات من هاجر بعدهم .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) رواه الشيرازي في " الألقاب " , وانظر : صحيح الجامع تحقيق الألباني , حديث رقم : 2581 .


    وربما يبرز تساؤل : هل استمر خروج الموجات البشرية من شبه الجزيرة العربية ؟ ومتى كان توقفها ؟

    بعد أن تتابعت هجرات الساميين إلى العراق والشام وصار الهلال الخصيب مقسما إلى دويلات وممالك , خفت الهجرة من الجزيرة التي ازدحمت بمن فيها من القبائل التي توزعت في الأرجاء الجنوبية والشرقية والشمالية منها , وظلت تتكلم العربية لاستمرار اتصالها بوطنها .

    وكانت آخر الهجرات إلى الشمال هجرات المناذرة والغساسنة أيام الفرس في العراق والرومان في الشام . وظل الغساسنة والمناذرة على صلة بإخوانهم في الجزيرة الذين كانوا يصلون بسهولة إلى أطراف ملكهم في الشمال وإلى مدن اليمن في الجنوب .


    من التاريخ المجهول إلى ذروة الكمال

    يستطيع دارس اللغات السامية أن يلاحظ التقارب الشديد بين كلماتها وكلمات اللغة العربية , مما جعل بعض اللغويين يجزمون بانتساب العربية إلى اللغات السامية . والصحيح أن اللغات السامية متفرعة من العربية , لأن العربية هي هبة الله تعالى لآدم عليه السلام أبي الساميين وأبي البشر أجمعين .
    وعندما لاحظ اللغويون التقارب بين العربية والحبشية ولغات وادي النيل كالنوبية قالوا بوجود أسرة اللغات السامية الحامية وانتسابها إلى أصل واحد .

    اللغة العربية بناء على ما افترضنا هي لغة آدم عليه السلام وأم اللغات جميعا . هي اللغة وما عداها لهجات منبثقة منها . ولعل المؤرخين الذين قالوا إن العربية متولدة من النبطية قد لاحظوا تقاربا بين النبطية والعربية أكثر مما بين العربية واللهجات الأخرى .

    لقداحتار المتخصصون في تاريخ اللغات في أمر العرب ولغتهم , وظلت جزيرة العرب لغزا يلفه الغموض في طريق الباحث عن بداية تاريخ العرب فيها أو بداية نشوء اللغة العربية .

    يقول الدكتور حسن ظاظا في كتابه " الساميون ولغاتهم " حول أقدمية العرب في شبه الجزيرة : " ولو أننا ركزنا اهتمامنا على بحث الجانب الحضاري كله , من خلال دراسة مقارنة بين اللغة العربية واللغات القديمة , وهو بحث لم ينجز إلى الآن على جهة الاستقصاء والإحصاء , لرأينا العجب العجيب من حيث أقدمية العرب في منطقتهم هذه . ولو أننا إلى جانب ذلك عكفنا على عاداتهم وتقاليدهم في الجاهلية وعلى أسماء أصنامهم ومقدساتهم ؛ وعلى أمثالهم وأساطيرهم وخرافاتهم , لتبين لنا أن الجاهلية الأخيرة لم تكن إلا مرحلة ضئيلة جدا من حياة العرب في أميتهم هذه قبل الإسلام بزمن سحيق يصعب علينا الحدس ببدايته , ولو أننا بالإضافة إلى ذلك كله عنينا بجس باطن الأرض لأغراض غير التي ينشدها الباحثون عن النفط , فلربما أسفر ذلك عن كشوف تصحح معرفتنا بتاريخ العرب القدماء , وتزيدها دقة وتفصيلا " (1) .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
    (1) د . حسن ظاظا : الساميون ولغاتهم , دار المعرف بمصر / ص 162 .

    وينقل الدكتور حسن ظاظا في الكتاب نفسه رأيا للمستشرق الفرنسي آرنست رينان حول رأيه في العرب واللغة العربية , يقول رينان : " إن وسط شبه الجزيرة العربية وهو موطن العرب الأصلي , لم يظهر في تاريخ الشرق القديم إلا متأخرا , ومع ذلك فإنه هنالك بالتحديد تستمر بفضل الحياة البدوية الميزات الأصلية للجنس السامي .

    ففي القرن السادس بعد الميلاد يتراءى هناك عالم زاخر بالحياة وبالشعر وبالرقي الفكري في بلاد لم تعط حتى هذا التاريخ أية علامة على وجودها . فبدون سابقة ولا تمهيد نلتقي فجأة بفترة المعلقات وغيرها من الشعر الذي احتواه كتاب الأغاني ؛شعر فطري في مضمونه بينما هو من حيث الشكل في غاية الأناقة , ولغة منذ البداية تفوق في لطائفها أشد أنواع الكلام إمعانا في الثقافة , وألوان من الحصافة في النقد الأدبي , وفي البيان , تشبه ما تجده في أشد عصور الإننسانية إعمالا للفكر . فإذا ما وجدنا هذه الحركة تنتهي بعد قرن من الزمان بدين جديد , وبفتح نصف العالم ثم تعود من جديد فتنطوي في النسيان .. أفليس من حقنا إزاء ذلك أن نقول إن بلاد العرب , دون جميع البلاد , تشذ أكثر الشذوذ عن كل القوانين التي نحاول بمقتضاها تفسير تطو الفكر الإنساني ؟

    ومن بين الظواهر التي اقترن بها هذا الانبثاق غير المنتظر لوعي جديد في الجنس البشري . ربما كانت اللغة العربية نفسها هي الظاهرة الأشد غرابة والأكثر استعصاء على الشرح والتعليل , فهذه اللغة المجهولة قبل هذا التاريخ , تبدو لنا فجأة بكل كمالها ومرونتها وثروتها التي لا تنتهي . لقد كانت من الكمال منذ بدايتها بدرجة تدفعنا إلى القول بإيجاز إنها منذ ذلك الوقت حتى العصر الحديث لم تتعرض لأي تعديل ذي بال . اللغة العربية لا طفولة لها , وليست لها شيخوخة أيضا ... , ولست أدري إذا كان يوجد مثل آخر للغة جاءت إلى الدنيا مثل هذه اللغة من غير مرحلة بدائية ولا فترات انتقالية ولا تجارب تتلمس فيها معالم الطريق " (1) .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) الدكتور حسن ظاظا : الساميون ولغاتهم , ص 162-164 .

    وسر كمال العربية الذي حير آرنست رينان وغيره من المؤرخين والدارسين يرجع إلى كمال مصدرها . فكمال المظهر يدل على كمال المصدر ؛ ألهمه فتكلم , وعلمه بها فتعلم , ووهبه البيان بها فأفصح وأبان .

    كما افترضنا فإن الناس الذين كانوا يسكنون مكة وما حولها من بعد سيدنا إسماعيل عليه السلام ظلوا دوما يحافظون على اللغة العربية الفصحى ولا يتركون مجالا لتشويه ألفاظها . وهكذا كان الحال دائما إلى أن كان العصر الذي بعث فيه سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل فيه القرآن باللغة العربية .
    وكانت مكة تمثل بؤرة التجمع العربي . وكانت تتاجر في رحلتين في السنة : إحداهما في الشتاء وتذهب جنوبا إلى اليمن والأخرى في الصيف وتذهب إلى الشمال . وباستمرار اتصال القبائل العربية ببعضها فقد تمت المحافظة على اللغة العربية إلى أن حان موعد الدين الجديد ( الإسلام ) .

    وبعد ظهور الإسلام خرج العرب لنشره في العالم , وارتحل عدد من القبائل ليسكن في العراق والشام وأخذ الموالي من غير العرب يختلطون مع العرب وتوافد الناس من الشعوب الأخرى المسلمة على الجزيرة العربية , فبدأ اللحن يظهر على اللغة مما حمل العرب على القيام بخطوات للمحافظة على لغتهم , ومن ذلك : جمع القرآن , وقيام أبي الأسود الدؤلي بجمع اللغة فيما سمي من بعد بالنحو , وظهور المعاجم التي حوت كلام العرب .

    وينبغي أن لا يفوتنا إذا أردنا أن نجري دراسة مقارنة بين كلمات العربية وبعض اللغات الأسيوية مثل الفارسية والتركية والأوردية والمالاوية أن نأخذ في الاعتبار مجريات تاريخية ودينية مرت بها تلك اللغات منذ انتشار الإسلام في آسيا واحتوت خلالها على عدد كبير من الكلمات العربية التي تتعلق بالدين .

    ماهية اللغة ودراسة اللغات واحتكاكها

    اللغة أصوات ورموز

    اللغة هي الكلام , ولها صورتان : الصورة الصوتية وهي الكلام المنطوق ؛ والصورة المكتوبة وهي الكلام المرسوم .

    ومفرد الكلام كلمة , وهي اللفظة التي يلفظها اللسان . ولما كان اللسان يلفظ الكلام سميت اللغة اللسان .

    والمادة الأساسية في بناء الكلمات هي الأحرف المنطوقة , وهي وحدات صوتية تجمع معا في مجموعات صوتية هي الكلمات الملفوظة . وفي الكتابة فإن للوحدات الصوتية أشكالا رمزية تدل عليها هي الأحرف الهجائية .
    وقد تختلف أشكال الحروف الهجائية وطرق كتابتها وقراءتها من لغة إلى أخرى , وقد تتشابه .

    اللغة وسيلة التعبير الأولى والرئيسة عما لدى المتكلم من معان يود إبلاغها السامع أو القارئ . ولكن الحياة الاجتماعية اقتضت أن يزيد الناس من وسائل التعبير من أجل التفاهم فيما بينهم . ولئن كانت لغة ما تخص شعبا دون غيره أو أكثر فإن من وسائل التعبير ما هو عام يصلح لكل الناس مثل الإشارة الضوئية وعلامات المرور وشواخص الطرق ولكن لا بد من ترجمة تلك الوسائل والتعبير عنها باللغة .

    إذا اقتربت من إشارة ضوئية وقد ظهر النور الأحمر , وقفت لأنك فهمت أن الضوء الأحمر يقول لك قف . ومن لافتات وإشارات عند المنعطفات تعرف وأن تقود السيارة بأي اتجاه تسير وأي الشوارع التي لا يسمح بالمرور فيها

    وهكذا فحياتنا تزخر بمثل هذه الرموز التي تهدف كلها إلى توصيل المعلومات لمن يراها أو يسمعها . فهي أساليب تعبيرية . واستعمال مثل هذه الأساليب ليس وليد العصر , بل هو قديم قدم المجتمعات الإنسانية , فكان الطبل والبوق وسيلتين تعبيريتين تنقلان للناس إعلان الحرب , وكانت الرياش وما يلبس أثناء الحرب تميز الجند عن القادة وعن سائر الناس .

    كل وسائل الاتصال الرمزية تسهل على الناس توصيل المعلومات والحصول عليها , ولكن فهمها لا يتم إلا بترجمتها للذهن بالكلام , ولو أراد شخص ِأن يشرح سبب وقوفه عند إشارة المرور الحمراء لقال : وقفت لأن معناها ( قف ) , وتصور هذه الكلمة في كل لغة بحسب أشكال حروفها , أما المعنى فواحد وهو الأمر بالوقوف .

    لقد سارت اللغة الرمزية أو الوموز التعبيرية جنبا إلى جنب مع اللغة المنطوقة , وقد عرفتها المجتمعات البشرية القديمة , بل نستطيع القول إن الرموز التعبيرية في تلك المجتمعات قد كانت كثيرة الاستعمال كبيرة الأثر , وقد أملتها على الناس ظروف الحياة الاجتماعية , فالعلاقات الإجتماعية تفرض سرعة الاتصال وتوصيل المعلومات , فعلى صعيد الحياة القبلية , لم يكن من السهل إبلاغ جميع أفراد القبيلة سريعا بما يطرأ من أمور بالغة الأهمية فاستخدم الطبل ليكون أداة إعلامية , فإذا ما ضرب بلغ صوته أسماع القبيلة كلها , فأسرع أفرادها بالحضور. ولم يكن شأن أهم من تعرض القبيلة إلى غزو خارجي , فكان الطبل وسيلة الإعلام التي تجمعها بسرعة . والزواج قضية اجتماعية كبيرة , إنه إعلان عن بداية لتشكيل أسرة جديدة تنجب فيزيد عدد أفراد القبيلة , وتمدها بقوة شبابية جدبدة , والزواج يزيد من تقارب عناصر القبيلة . إنه موضوع يحتاج إلى مراسم خاصة صارت فيما بعد رموزا تدل على العرس .

    ولكن لغة الكلام قد سبقت لغة الرمز , وإلا فكيف نفسر عناصر الرموز , فيجب أن يعرف الناس قبل وجود طبول الحرب معنى كلمة طبل وحرب وعدو , وأن يعرفوا قبل إقامة مراسم الزواج معنى كلمة عروس وزواج وأبناء .

    وظل الرمز لغة لا بد منها , لأنه وسيلة التعبير والاتصال عبر المسافات البعيدة وقطاعات المجتمع المختلفة , وكما كان معلما اجتماعيا في الماضي فقد ظل مظهرا بارزا من مظاهر المجتمع الحديث له دور كبير في تنظيم الحياة العصرية , فكما تلعب الأعلام دورا كبيرا في التمييز بين الدول والجيوش والمنظمات الدولية ويحتل الشعار مكانا مرموقا في التعريف بالشركات والمؤسسات تقوم الموسيقى والأصوات والإشارات باليد وباللافتات والألوان والمصابيح الكهربائية والأزياء بدور يغطي معظم الحياة الاجتماعية وينظمها .





    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    04:10 PM

    افتراضي

    علم اللغة وآفاق البحث اللغوي

    كانت علوم اللغة مجال اهتمام الدارسين منذ اقدم . فقد قام الهنود بدراسة اللغة السنسكريتية دراسة وصفية دقيقة كشفت لهم عن أنظمتها الصوتية وقواعدها النحوية .

    ودرس اليونان لغتهم , وبتأثير من فلسفتهم وقرب القواعد اللغوية من درجة القوانين فقد كان الدرس اللغوي عندهم قائما على أساس منطقي . وقد كان الرومان تلامذة لليونان في الدراسات اللغوية التي بدأت منذ القرن الثاني قبل الميلاد وحذوا حذو اليونان في دراستهم للغة اللاتينية .

    لقد فتنت كل أمة بجمال لغتها , فقد ادعى النحوي الهندي (بانيني ) أنه تلقى علمه عن طريق الوحي والإلهام , " وقد وصف " بانيني " وهو نحوي هندي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد القوانين الصوتية والنحوية للغة السنسكريتية وصفا يبلغ درجة من الدقة حتى إنه يحكي في بعض الروايات أنه تلقى هذا العلم عن طريق الوحي والإلهام " (1) .

    أما اليونان فقد بلغ من إعجابهم بلغتهم أن اعتقدوا أن لغتهم تجسم الصور العامة للنظام الكوني بأسره . وبأن النحو فيها يبلغ درجة الكمال . فكانت قواعد النحو كأنها قوانين .

    وقد شهدت أوروبا في العصور الوسطى اهتماما بتعليم اللغة اللاتينية , وقد نظمت قواعد النحو اللاتيني شعرا في القرن الثالث عشر . ولكنها أخذت تهتم بدراسة اللغة اليونانية وإجراء الدراسات المقارنة التي كشفت عن تشابه بين اللغتين . وأدرك الأوروبيون فيما بعد قرابة لغوية ما . بين اللغات الهندية والإيرانية من ناحية , واللغات الأوروبية من ناحية أخرى .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) الدكتور محمود السعران / علم اللغة مقدمة للقارئ العربي دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت , ص 318 .

    وعندما اكتشف " السير وليم جونز " الإنكليزي في القرن الثامن عشر اللغة السنسكريتية أظهرت الدراسة اللغوية وجود التقارب الكبير بينها وبين اللغات الأوروبية , الأمر الذي دعا الأوروبيين إلى اللقول بوجود أسرة اللغات الهندوأوروبية والتي تنتمي إلى اللغة السنسكرتية واللاتينية .

    وقد أظهرت الدراسات المقارنة للغات أخرى من خارج إطار أسرة اللغات الهندوأوربية مع بعض اللغات بداخلها تقاربا أيضا . وأنقل هنا سطورا من كتاب " علم اللغة " للدكتور محمود السعران تثبت التشابه بين اللغة الصينية واللغة الإنكليزية . "إن نظم اللغة الإنكليزية الحديثة وهي كاللاتينية الكلاسيكية من عائلة اللغات الهندوأوروبية ليظهر مشابه من نظم اللغة الصينية وهي غير شريكة الإنكليزية في الأصل القريب أو البعيد أكثر من المشابه القائمة بين الإنكليزية واللاتينية " (1) .

    إضافة إلى ذلك فإن الدراسة المقارنة لكلمات اللغة الإنكليزية واللغة العربية , والتي ضمها القسم الثاني من هذا الكتاب , قد كشفت عن وجود علاقة قوية وتشابه مذهل بين كلمات اللغتين .

    وعلى قلة الكتب اللغوية التي تبحث في علم اللغة كعلم حديث في المكتبة العربية , إلا أن الموجود منها يلقي الضوء على هذا العلم ويكشف لنا عن اتساع المدى الذي بلغته أبحاثه , وسنستشهد هنا بفقرات من كتاب " علم اللغة مقدمة للقارئ العربي " للدكتور محمود السعران : " منذ أواخر القرن التاسع عشر , أخذ مفهوم " اللغة " طبيعتها , ووظيفتها ودراستها في التغير . وقد أحدث ذلك التغير جهود متلاحقة بذلها علماء الغرب لدراسة معظم لغات العالم وصفا وتاريخا ومقارنة , وللوصول من ذلك إلى نظرية أو نظريات عامة في اللغة تكشف عن حقيقتها نشأة وتطورا وتبرز القوانين أو الأصول العامة التي تشترك فيها لغات البشر , وتعين على تحديد وتدقيق مناهج الدراسة اللغوية ووسائلها . وكانت تلك الجهود في الميدان اللغوي تستهدي وتناظر وتساير النهضة العلمية والفكرية العامة التي شهدها الغرب في ذلك الزمان .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
    (1) الدكتور محمود السعران : " علم اللغة , مقدمة للقارئ العربية " ص 247 .

    لقد نتج عن تلك الجهود المترادفة القوية والتي لا تزال متتابعة قوية أن أصبحت دراسة اللغة علما من العلوم , له ما لأي علم مستقل موضوعه , ومنهاجه , ووسائله " (1) .

    ولئن أعرض علماء اللغة عن البحث في نشأة اللغة , لضآلة مادتها في الدرس اللغوي , إلا أنهم وسعوا من مجال الدراسة اللغوية فشملت مسائل جديدة , يقول الدكتور السعران : " كما أن علم اللغة قد وسع من مجال الدراسة اللغوية بأن أخضع للبحث مسائل جديدة , وبأن فصل البحث في مسائل لم يكن يفصل فيها القدماء , كما أنه قد استبقى كثيرا من مشكلات الدراسة اللغوية القديمة " (2) .

    وقد فتحت الدراسة العلمية للغة آفاقا جديدة وأضافت إلى المعارف الإنسانية ما يزيدها ثراء , لأنها تتعدى الدراسات الفرعية كدراسة النحو والصرف إلى طبيعة اللغة ووظيفتها وطرق درسها : " إن علم اللغة من حيث هو علم يرشدنا إلى مناهج سليمة لدرس أي ظاهرة لغوية , وهو يهدينا إلى مجموعة من المبادئ والأصول متكاملة مترابطة عن اللغة وحقيقتها ينبغة أن تكون في ذهن الباحث اللغوي علي الدوام أيا كان موضوع بحثه " (3) .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
    (1) الدكتور محمود السعران : علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ص 11 .
    (2) د. محمود السعران : علم اللغة ص 12 .
    (3) د . محمود السعران : علم اللغة ص 21 .


    لقد أشار الدكتور السعران إلى أن علم اللغة هو الدراسة التي تتخذ اللغة عامة موضوعا لها وليس لغة معينة : " إن اللغات هي الأشكال المختلفة التي تتحقق فيها اللغة , فدراسة كل منها وصفا وتاريخا ودراسة العلاقات التي تقوم بينها أو بين طائفة منها , ودراسة الوظائف التي تؤديها , وتبين ظروف استعمالها , كل أولئك وسواه يمهد للوصول إلى التعريف بحقيقة تلك الظاهرة الإنسانية العامة التي هي اللغة " .


    قسمت الدراسات اللغوية العلمية اللغة إلى العلامات الاصطلاحية والدلالات الاصطلاحية .


    من العلامات الاصطلاحية ما يفسر بالأصوات التي يحدثها جهاز النطق الإنساني وهي الأحرف والكلمات المركبة منها , ولكن ما نذهب إليه هو أن أصوات هذه الكلمات هي الأصل عندما علمها الله سبحانه لآدم عليه السلام ثم جاء بعد ذلك الاصطلاح على شكل الأحرف والكلمات التي تتركب منها , أي أن العلامات الاصطلاحية هنا جاءت متأخرة عن الدلالات .


    ونظرا لضخامة كم العلامات الاصطلاحية فإن علم اللغة جزء من علم العلامات وهو ما يسمونه " السميولوجيا " , يقول الكتور السعران : " هذه الأنظمة المختلفة من العلامات لما كانت شريكة اللغة في طبيعة الأصل الذي يقوم عليه كل منهما فهي جديرة بأن تدرس معها .


    ودراسة اللغة على هذا الاعتبار جزء من ذلك العلم الناشئ الذي يتهذ موضوعا له دراسة استعمال العلامات الاصطلاحية ووظيفتها في المجتمعات والذي اقترح له فرديناند دي سوسير اسم La Semiologie " السميولوجيا أو علم العلامات " من الكلمة اليونانية Semeion بمعنى " علامة " (1) .

    وقد نقل الدكتور السعران قول دي سوسير : " إنا إذا كنا قد استطعنا , للمرة الأولى , أن نحدد لعلم اللغة مكانا بين العلوم , فما ذلك إلا لأننا وصلناه بالسميولوجيا " (2) .

    يرى علماء اللغة أن اللغة ظاهرة اجتماعية , فدراستها من حيث الظروف الاجتماعية تدخل في نطاق علم الاجتماع , وقد استعانوا في دراساتهم بوجود كثير من المسائل المتعلقة باكتساب اللغة بعلم الأجناس البشرية وعلم الوراثة وعلم وظائف الأعضاء وعلم التشريح وأمراض الكلام , واستعانوا بعلم التاريخ لصلة علم اللغة بعلم التاريخ من حيث تطورها وصلتها بالمجتمعات وانقسامها إلى لهجات .


    وعن أسلوب البحث اللغوي يقول الدكتور السعران : " وعن أسلوب البحث اللغوي يقول الدكتور السعران : " إن الباحث اللغوي الحديث يضطر إلى القيام بسلسلة من التجريدات على مستويات مختلفة حتى يسلم وصفه وتحليله وتصح نتائجه " (3) .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
    (1) الدكتور محمود السعران : علم اللغة ص 65 .
    (2) الدكتور محمود السعران : علم اللغة ص 66 .
    (3) المرجع السابق : ص77 .

    وعن تلك التجريدات يقول : " من المسلم به أنه لا بد لعلم اللغة , كما أنه لابد لأي علم من أن يفرد أو يعزل أو يجرد شيئا ما ليدرسه . وماهية اللغة توجب أن يكون ثمة أكثر من مستوى للدراسة , فاللغة من حيث كونها أصواتا يدرسها علم الأصوات اللغوية , وله وسائله الخاصة به , وتكوين الأصوات في مقاطع وكلمات وجمل على أصوات معينة يدرس تحت اسم المورفولوجيا والنظم أي تحت اسم النحو . ودراسة اللغة من حيث إنها كلمات تدل على معان . موضوعها علم الدلالة . ولعلم الدلالة منهجه ووسائله فهو يعتمد على دراسة الصوت وعلى الدراسة النحوية , ولكنه يدخل في اعتباره عناصر غير لغوية كشخصية المتكلم وشخصية السامعين , وكالحاضرين , وظروف الكلام ... الخ .


    وثمة منهج لدراسة المعنى من الناحية الوصفية , ومنهج لدراسة المعنى من الناحية التطورية " (1) .


    يقول بعض المستشرقين : إن الدراسات النحوية ليست أصيلة وأنها ناجمة عن التأثر باليونان والهنود , وإنصافا للحقيقة نقول : إن الدرس النحوي يتكون من : أسلوب الدراسة إضافة إلى المادة المدروسة , أما مادة الدرس وهي العلاقات القائمة بين الكلمات في الجملة العربية وبين الجمل نفسها والتي تضبط حركات أواخر الكلمات فيه صفة لازمة في اللغة العربية لا نعدم وجود شيئ منها في أي لهجة خرجت من العربية . ونقصد بهذه اللهجات اللغات العالمية المعروفة لأنها خرجت من العربية . وأما أسلوب الدراسة وهو طريقة البحث في العلاقات النحوية في الجمل ووضع القواعد الثابتة بشأنها . فقد يتماثل في بعض جوانبه لدى دارسين لموضوع واحد في مكانين مختلفين مع اتفاق الزمان أو اختلافه من دون أن يلتقي أحدهما بالآخر .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) نفس المصدر ص 77 – 78 .

    ولو فرضنا أن العرب قد تأثروا باليونان والهنود في أسلوب الدراسة النحوية فليس في هذا ما يعيب أو يقلل من شأن النحويين العرب , فالمعرفة لا يقتصر خيرها على أمة دون غيرها , فهي مكسب للإنسانية كلها , وليس في اقتباس النحويين العرب لأسلوب الدرس النحوي عند اليونان والهنود ما يشين اللغة العربية , وقد احتوت اللغة اليونانية كما احتوت اللغة الهندية بعض صفاتها . ولكن الشيئ المؤسف أن أكثر المستشرقين لا يقبل على الدراسات العربية بروح الباحث عن العلم بل يخضع لتأثير التعصب أو الحقد , فلا يترك فرصة للإساءة إلى التراث العربي إلا ويستغلها , وقد بلغ الأمر ببعضهم أنه راح يشكك في شخصية أبي الأسود الدؤلي ويصفها بأنها شخصية أسطورية كما فعل كارل بروكلمان .




    أثر احتكاك اللغات في انتقال الكلمات بينها

    يؤثر احتكاك الشعوب وتعايشها معا على اللغات التي تتكلمها فتتسرب الكلمات من لغة إلى أخرى , ويتناسب حجم ما يتسرب من لغة إلى غيرها من اللغات تناسبا طرديا مع تأثير الشعب الذي يتكلم تلك اللغة على غيره من الشعوب التي تتعايش معه .


    الحروب والغزوات التي تنتهي دائما بانتصار طرف على طرف وخضوع المهزوم للمنتصر هي من أكبر الأسباب لاحتكاك اللغات وامتزاجها ونشوء لغات جديدة تكون خليطا من لغات الأقوام التي تعيش معا إثر اكتساح الجيوش لحدود دول أخرى .


    وتتعدد أسباب احتكاك الشعوب التي تؤدي بدورها إلى احتكاك اللغات وتسريب الكلمات فيما بينها , فبالإضافة إلى الاكتساح والاحتلال بالحرب , هناك الهجرة والتجارة وحركة الترجمة وانتشار الدين .

    ودور التبادل التجاري فيما بين الأمم دور مشهود في انتقال الكلمات بين اللغات , فقد شهدت منطقة الجزيرة والهلال الخصيب قديما اختلاطا في كثير من الكلام بسبب كون المنطقة حلقة وصل للتجارة بين الشرق والغرب , فقد دخل العربية كلمات من الفارسية واليونانية والسريانية , ولكنها تظل كلمات تعني مصنوعات أو أدوات مستحدثة أو أنواعا من المأكولات والمشروبات الخ ...

    لقد دخل إلى العربية وهي الأصل كثير من الكلمات من اللهجات المنبثقة منها أصلا , وهي لغات مستقلة في عرف البشر , فأخذها العرب كما هي فأدخلت إلى العربية كما وردت وأعطي كثير منها أوزان وتصاريف الكلمات العربية ولكن بلفظها الذي ورد في اللغات الأخرى .


    ولانتشار الدين تأثير في احتكاك اللغات لا يستهان به , فلغات الشعوب المسلمة في جنوب شرق آسيا تحتوي على كلمات عربية تسربت إليها لحاجة أولئك المسلمين الدينية لها , ولم يكن انتشار الإسلام في تلك المنطقة بسبب الحروب .


    وما حدث بشأن الفارسية بعد الإسلام خير دليل على ذلك , فقد أقبل الفرس على اللغة العربية , وأصبحت العربية لغة العلم المفضلة بعد أن أقبل المسلمون في إيران على تعلمها . وفي أواخر العصور العباسية راح الناس هناك يعودون إلى اللغة الفارسية القديمة فوجدوا كثيرا منها قد تخلى الناس عنه ونسوه فأخذوا يلتقطون بعضا منها من أهال الجبال والمناطق النائية ودخل كثير من كلمات اللغة العربية إلى الفارسية الحديثة .

    وذلك ما هو كائن في اللغة الأوردية التي احتوت على كلمات فارسية وكثير من كلمات العربية إلى جانب الإنكليزية .

    والكلمات اليونانية التي دخلت إلى اللغة العربية إثر ترجمة الكتب اليونانية إلى العربية أيام الدولة العباسية شاهد على مساهمة الترجمة وانتقال العلوم في اقتباس الأسماء العلمية والأدبية والفلسفية .

    وما انتقل من كلمات عربية عن العلوم والصناعة إلى أوروبا في القرون الوسطى من خلال احتكاك الشعوب المسلمة في بلاد الشام بالصليبيين وبأوروبا عبر الأندلس دليل على تأثير التجارة بين الدول والانتقال لطلب العلم في مجال الاقتباس بين اللغات .

    ربما يكون تأثير شعب على شعب أوشعوب تعيش معه في دولة واحدة أو ظروف مشتركة بسبب سيطرة ذلك الشعب على غيره من الأقوام أو بسبب ما بمتاز به من سبق لغيره من الأمم , ربما يكون تأثيرا قويا يتمثل في تسرب كلمات كثيرة من لغة ذلك الشعب إلى لغات غيره من الشعوب بسبب إقبال تلك الشعوب على اقتباس ما عنده من علوم أو دين .


    وكمثال على ما يمكن أن يؤدي إليه اجتماع أقوام من شعوب مختلفة واندماجهم في مجتمع واحد وتأثير ذلك على لغاتهم تبرز جنوب إفريقيا كمثال واضح , فالمعروف أن تلك المنطقة خضعت للاستعمار الأوروبي لمئات السنين , هاجر إليها خلالها كثير من الأوروبيين من مختلف بلدان أوروبا , وقد انبثقت من لغات الأوروبيين المختلفة إلى جانب لغات الشعوب الإفريقية في المنطقة لغة خاصة بذلك المجتمع هي مزيج من تلك اللغات وتسمى اللغة الأفريكانية .

    بسبب تداخل المجتمعات فيما بينها منذ القدم وفي مختلف الظروف والأحوال فإننا لا نكاد نجد لغة تخلو من كم كبير من كلمات اللغات الأخرى بداخلها . ولكن هذا الأمر لا يمنع إعادة أي لغة معترف بشخصيتها المستقلة إلى العربية , وإن تألفت من عدة لغات امتزجت معا ,لأن مادة اللغة هي الكلمات , وتظل الكلمات عبر الزمن محتفظة بشيئ من لفظها ومعناها وإن تنقلت عبر عديد من اللغات بما يكفي للاقتناع بإعادتها إلى أصولها .


    إن اللغات يأخذ بعضها من بعض , فالظروف التي تطرأ في حياة الأمم تحتم الاتصال والاحتكاك بين اللغات , ودخول كلمات جديدة إلى كل لغة من غيرها , وخصوصا فيما يتعلق بالمصنوعات والعلوم والأمراض والكلمات التي تفرض إيجادها ظروف حياتية جديدة .


    ولو أردنا أن نعيدها إلى الأصل العربي فيجب أن ندرك أولا أن تلك الكلمات عندما استحدثت في اللغات الأخرى لم تستحدث من الفراغ , وإنما من المخزون العربي المتوارث عبر العصور , الأمر الذي يعتبر عونا كبيرا للباحث في طريق إثبات صحة كون العربية هي أصل اللغات .

    الاختلاف والتشابه في اللهجات

    تولد اللهجات

    ماذا يطرأ على اللغة بمرور الزمن ؟ وكيف تتولد اللهجات ؟
    تنبثق من اللغة بمرور الزمن لهجات متعددة , وذلك لأن اللسان الإنساني ميال بتأثر من الطبع والمزاج الذي يتأثر بالظروف المحيطة والأحوال إلى إحداث تغيير في الألفاظ كفيل مع تعاقب الأجيال باستحداث لهجة تحدد في إطار تعبيري خاص بها , وهذا كائن على صعيد المجتمعات الصغيرة كقبيلة أو قرية أو حي في مدينة .

    وعليه فإن المجتمع الكبير في قطر من الأقطار يكون محتويا على العشرات من اللهجات الأولية التي تتبع كلها للهجة القطر بأكمله . ولهجة القطر هذه تكون قد اتخذت من الألفاظ والجمل والمصطلحات التعبيرية الخاصة بها ما يجعلها تبدو بعد زمن طويل لغة منفصلة عن اللغة التي انبثقت منها في الأصل .

    لا شك أن تشابها في الكلمات قد يظل قائما يلاحظ لأول وهلة بين اللهجة واللغة التي انبثقت منها وتماثلا في كثير من التراكيب اللغوية , ولكن الاختلاف في نطق كثير من الكلمات والجمل وطرق التعبير عامة بينهما يكون كفيلا بإعطاء تلك اللهجة شخصية اعتبارية كلغة مستقلة .
    ولأن الإنسان ابن مجتمعه , تنعكس عليه سلبيات ذلك المجتمع وإيجابياته , فإن من الصواب دراسة اللغة كظاهرة اجتماعية تتأثر بنوع المجتمع وبيئته , ناهيك عن حالة الفرد النفسية والتعليمية . وعليه , فسوف نحاول التعرف على طبيعة التطورات التي تطرأ على اللغة .


    الكلام ظاهرة إنسانية تتأثر بأحوال الإنسان المتقلبة ؛ الفرح والغضب والتساؤل والدهشة والتعجب والاستنكار والاستغراب والإصرار والملل إلى غير ذلك . وتحدث التغييرات على لفظ الكلمات بدافع من حالة الإنسان النفسية فقد يرفع الصوت عند نطق الحرف أو يخفضه , وقد يشد عليه بشكل مميز . أو يرققه أويفخمه فيؤثر تصرفه في لفظ الكلمة , فيستغرق لفظها مدة أطول من اللازم أو أقصر مما ينبغي . قد يؤدي تسرعه في لفظ الكلمة إلى التخلي عن الحرف الأخير أو قلب حرف إلى آخر أو إدخال حرف جديد في الكلمة .

    وهكذا فإن مجتمعا من الناس يمكن أن يحدث عددا من التغييرات على اللهجة , وإن تعايش أفراد هذا المجتمع معا يوجد بينهم تعارفا على تلك التغييرات لتلقيهم إياها من مصادرها , فتكون سمات لغوية لهم .

    هذا المجتمع قد يكون سكان قرية أو حي في مدينة ؛ أي أن المدينة قد تحتوي على مجموعة سمات لغوية بسيطة بعدد أحيائها . وبسبب اقتراب تلك الأحياء من بعضها يختلط سكانها بشكل كبير , وتتكون من تلك السمات اللغوية مجتمعة سمة غالبة على أهل المدينة تكون لهجة مميزة لها عن غيرها من أقاليم البلاد .

    وبمقدار ما لتلك المدينة أو لإقليمها من ثقل في إدارة شؤون الدولة يكون تأثير لهجتها على لغة تلك الدولة , وربما طغت بعد زمن طويل على غيرها من اللهجات , بل ربما صبغت اللغة بصبغتها .


    وربما أدت الكتابة وتسجيل الأحداث وتأليف الكتب إلى توقف تأثير اللهجات المستمرة في الخروج من اللغة وإلى انحسارها إلى حد معين بحيث تظل محصورة في أضيق حدودها لسيادة لغة الكتابة على البلاد , وذلك إلى أجل قد يطول أو يقصر تبعا لظروف تلك البلاد .

    وعليه فإن طغيان اللهجات الجديدة على اللسان السائد , وتعدد اللهجات المنبثقة منه أمر نسبي وله ارتباط بمدى تحضر الأمم ؛ فكلما كان المجتمع متحضرا كلما سادت اللغة مدة أطول , وظلت اللهجات عاجزة زمنا عن القضاء عليها والحلول محلها , وكلما كان المجتمع بدائيا أو قريبا من ذلك , كلما تسارعت اللهجات في الظهور وطغت على لسان المجتمع . وكمثال على هذا في أيامنا : سيادة اللغات الحية كالإنكليزية أو الفرنسية على مجتمعات عدة ومساحات واسعة , وتعدد اللهجات في مجتمع صغير كما في جنوب السودان .



    الأثر الاجتماعي والنفسي على اللهجة

    تتأثر اللهجة بالمستويات الاجتماعية المختلفة , إذ تنتشر في أوساط العمال والفقراء كلمات وجمل وأساليب تعبيرية تختلف عن مثيلاتها من حيث الدلالات والمستويات التعبيرية عند الطبقة الاجتماعية الراقية التي تمتاز بالترف والثقافة العالية والمكانة الاجتماعية الرفيعة .


    وسنأتي بمثال من المجتمع الأردني : فلو طلبنا من شخصين يمثلان تلكما الطبقتين بأن يروي أحدهما قصة مثلا وأن يعيد الآخر رواية القصة نفسها لاستطعنا أن نميز الاختلاف من خلال لفظ الذال ظاء في هذا أو جعل القاف ألفا في قال , أو جعل الثاء تاء في انين أو ترقيق الجيم المعطشة لتصبح أقرب إلى الشين .

    ولكن الحكم في هذا الأمر يظل نسبيا , أي أن الطبقة العاملة أو الفقيرة قد تضم أناسا يتكلمون بأسلوب الطبقة الثانية , بينما قد ينتسب إلى طبقة الأغنياء أناس يرفضون التحدث بلهجة الطبقة الراقية لكونها ناعمة بشكل يرفضونه , ولأنهم يحبون اللهجة التي تناسب الطبقة المتوسطة لكونها أقرب إلى الرجولة حست مفهومهم . ولكن أهل تلك اللهجة الناعمة لو سئلوا عن لهجتهم لقالوا إنها حضارية وتخلو من الوعورة , وأن مفهوم الرجولة مسألة نسبية .


    تأثير البيئة على الإنسان لا يخفى على أحد , فهو يهجر الأماكن شديدة الحرارة وشديدة البرودة إلى الأماكن المعتدلة , وإن لم يستطع راح يكيف مسكنه بأجهزة التبريد صيفا والتدفئة شتاء . ولا يقل عن ذلك تأثير الحالة الاقتصادية عليه , فهو إن امتلك المال استطاع تحقيق رغباته , وإلا فإنه يظل محروما . إنه يتأثر نفسيا بالمناخ , راحة أو انزعاجا , وبالمال إن توفر أو شح رضا أو سخطا , وهو في جميع الحالات بعبر عن حالته النفسية باللغة تعبيرا لا شك بأنه يتأثر بمستواه الثقافي . وهكذا فإن اللغة ظاهرة إنسانية يصدق على دراستها ما يصدق على دراسة سائر الظواهر الاجتماعية .


    إنه في حديثه – من دون الالتزام بأساليب الحديث الأصلية في اللغة – يكون عرضة لإحداث تشوه في الألفاظ أو التراكيب الكلامية "الجمل " , قد يكون مسرعا فيخفي حرفا يسهل إخفاؤه أو يسقط الحرف الأخير , أو لعجلته يقلب الكلمة . قد يكون بسبب إحساسه بالملل لا يجد لديه الاستعداد ليلفظ حرفا كالباء أو الضاد مثلا على الشكل الصحيح , فتخرج الباء كحرف V في الإنكليزية والضاد ظاء .

    وبوجود هذه الحالة النفسية المتقلبة فإنه قد لا يكون مهتما في لفظ الأحرف على أصولها فسيتبدل حرفا بآخر له مخرج قريب من مخرج الحرف الأول فتصبح الألف هاء والقاف غينا . قد يسأله أحد سؤالا أو يلقي عليه التحية , ولعجلته واختصارا للوقت قد يعطي شيئا من الكلمة ويمسك عن باقي حروفها .

    وهكذا فإن بنية الكلمة عرضة لأن يجري عليها بعض التغيير الذي قد يكون في البداية بسيطا وربما يزداد مع الزمن وتغير الظروف الإنسانية . فقد يكون في إبدال حرف بحرف في أي مكان من الكلمة في أولها أو وسطها أو آخرها .

    فإن كانت الكلمة في الأصل مكونة من حرفين فإن مجرد إبدال حرف منهما يغير الكلمة , وليس التغيير في كل الكلمات شيئا حتميا . وتختلف مستويات التغيير في الكلمات , فقد يكون شيئا يسيرا في بعض الأحيان , وقد يكون كبيرا في أحيان أخرى , وقد يكون بحذف مقطع من أول الكلمة أو من آخرها , وقد يكون بقلب الكلمة أو تغيير ترتيب الحروف .


    وتقارب مخارج الحروف وميل اللسان إلى ما يعتقد أنه تخفيف في اللفظ يعطي الحرف مخرجا غير مخرجه الأصلي فيستبدل به . إن مخارج القاف والكاف والجيم المصرية متقاربة , وقد يكون إبدال القاف بأحد المخرجين الآخرين أمرا محتملا . وكذلك احتمال إبدال القاف بالألف لاقتراب مخرجيهما في الحلق , وإبدال الألف بالهاء أو العكس والسين بالشين أو العكس والفاء بالباء أو العكس .


    وانزلاق اللسان عن مخرج الحرف لا يقتصر على إبداله بحرف آخر معروف في العربية بل قد يصطنع له مخرجا جديدا بلفظ جديد ثم رسم جديد متعرف عليه كما في اللغات الأخرى مثل حرف P الذي قد يكون في الأصل العربي ب أو ف , و V الذي قد يكون في الأصل و أو ب أو ف .


    إن هذه التغييرات التي تطرأ على الكلمات والتي قد تكون إبدال حرف بحرف مثل آل بدلا من قال , أو إسقاط حرف من الكلمة مثل أبي بدلا من أبغي أو بدي بدلا من بودي أو تغيير موضعه مثل تغيير موضع الألف في أحد فنقول ما حدا بدلا من ما أحد . قد تجري عند الاستعمال اللغوي في بعض التراكيب اللغوية مثل تايصير أي حتى يصير وإيش حصل أي أي شئ حصل .

    وبازدياد هذه التغييرات في الكلمات والجمل ترتسم معالم اللهجة حتى لتغدو بعد زمن طويل وكأنها لغة منفصلة لا علاقة لها باللغة الأم .


    تنتشر في الوطن العربي لهجات عامية كثيرة , حتى لتتعدد اللهجات في القطر الواحد , والسبب أننا سمحنا لأنفسنا بأن نتعامل باللهجات في حياتنا اليومية , ولم نلتزم بالعربية الفصحى , حتى لقد سمحنا لبعض سمات العامية بالوصول إلى الفصحى فلصقت بها . فمنا من صار يقرأ النصوص وربما القرآن متأثرا باللهجة فليلفظ الثاء سينا والذال زايا .

    والاختلاف في بعض المفردات عند النطق بالفصحى بين قطر وقطر ليس شيئا خطيرا لأنه عائد إلى سعة العربية وكثرة ما فيها من مرادفات . إنما الخطورة في ضعف تعلمنا للعربية , أما بالنسبة لتوحيد المفردات والعبارات المستعملة بين الأقطار العربية , فهذا شيئ جيد وضروري ويعين عليه توفر أسباب الوحدة وتقوية الاتصالات والتنسيق في المجال الثافي والإعلامي .

    الفروق بين اللهجات القطرية في المشرق العربي والمغرب العربي كبيرة , ولولا وجود القرآن الكريم الذي حافظ على العربية الفصحى , والصلاة التي لا تكون إلا بالعربية لصار لكل قطر عربي لغته . وما هي إلا لهجات من العربية ابتعدت كثير عن العربية الفصحى التي كان العرب يتكلمونها إبان الفتوحات الإسلامية .


    انبثاق اللهجات من اللغة أمر حتمي , إلا إن تم الالتزام باللغة , وهو أمر ميسور في هذه الأيام لوجود أجهزة الإعلام الرسمية والشعبية التي تعين الناس على هذا الأمر .






    تأثير البيئة في اختلاف اللهجات

    1- بيئة البادية :

    يعتاد الإنسان فيها على الرؤية البعيدة, ولأنها بيئة مفتوحة ينتشر فيها الأفراد بسهولة وكثيرا ما يبتعد فيها شخص عن آخر فيضطر لاستدعائه إلى النداء بصوت عال , مما أثر في الطريقة التي يتحدث فيها ابن الادية حيث يميل في حديثه إلى إشباع المد بالألف في المقطع الأول من الكلمة لأن ذلك يتناسب مع حال من ينادي شخصا بعيدا بحرف النداء يا , وهكذا فلا يصل إلى آخر الكلمة حتى يكون قد استنفد الرغبة في الإطالة فيختم الكلمة بسرعة .


    إنه عندما يبدأ الكلمة يبدؤها بصورة انفجارية , إذ يخرج الصوت عاليا كحال من يريد النداء فإذا تبع الحرف الأول حرف المد الألف كان المد بالإشباع , وإذا كان واوا حصل مزج في لفظها بينها وبين الألف مثل حرف O بالإنكليزية من تأثير أسلوب النداء وإذا كان الحرف الثاني هو الياء فإن الياء أصلا تلفظ بشكل قريب من الألف مثل a بالإنكليزية .
    أمثلة على ذلك :

    ينادي شخص أخاه الذي يدعى عودة : ياعُودَة فيجيبه : يا عُونك , الواو هنا تلفظ O ولا تلفظ مسكنة , مع التغيير في حركة الحرف السابق , فبدلا من الفتحة الأصلية يعطونه الضمة ؛ فالأصل عَودة , عَونك .

    وكذلك الحال في السكون على الواو مع الفتح السابق للسكون في جَوهر نَوفل مَوزة , أما الكلمات يا شيخ الخيل البيت فإن الياء الساكنة لا تتناسب مع حركة الفم في النداء , فأصبحت مثل حرف a في كلمة Game أما الكلمة مثل يا حميد يا رشيد فإن الياء تلفظ مثل a ولهذا أخذت الحاء والراء حركة السكون لتتناسب مع الميم والياء ma والشين والياء Sha ولو بقيت الحاء والراء مفتوحتين لاضطر البدوي إلى لفظ مدّين متتابعين حا ma را sha , وهذا لا يتناسب مع الابتداء الانفجاري , إنه يمد الكلمة ولكن في بداية سريعة تتناسب مع تحفزه ويقظته .

    وهكذا كان في كلامه مدفوعا بطاقة كبيرة في أول الكلمة , حتى إذا وصل آخرها أحس بأنه أنجز المطلوب , فختمها سريعا .

    وإذا استعرضنا معظم الأسماء الشائعة في البادية لوجدنا أنها تلك التي تبدأ بمقطع فيه مد الألف مثل راشد خالد سالم فالح أو حمد فهد خلف وتبدأ بحركة الفتح على الحرف الأول, أو كلمات فيها شدة مثل غضب زعل صخر متعب مطلق , وقلما نجد أسماء يتطلب لفظها الهدوء مثل نعيم جميل سمير وسيم نبيه .


    2 – بيئة المدينة :

    طبيعة الحياة في المدينة تؤثر في أسلوب المحادثة فيما بين أهلها , فازدحام الأحياء السكنية وتقارب الناس يعطيهم شعورا بالأمان ينعكس على اللغة هدوءا في التعبير واعتدالا في الخطاب . ولكن سهولة العيش ويسره , والنوم على الأسرة , والجلوس على الأرائك مما لا يكون في حياة البادية , هذه الأشياء وأمثالها في حياة المدني تؤثر في كلامه المعتدل فتزيده سهولة حتى يصبح لينا والسبب والله أعلم أنه عندما يبدأ الكلمة ينطلق من طبعه الهادئ فتخرج الأحرف الأولى خفيفة , حتى إذا أحس باقتراب الانتهاء من الكلمة راح يمد الألف أو الواو أو الياء بشكل زائد ؛ حتى أنه يمد الفتحة والضمة والكسرة فيعطيها إشباعا كبيرا لينتبه المخاطب إلى ما يريد أن يبلغه إياه عن مدى إصراره أو إعجابه أو انتقاده أو رفضه .

    إن الكلمة التي يقولها تحمل معنى التعبير , ولكن نبرة الكلمة هي التي تعطي المخاطب صورة عن حقيقة مبلغ ذلك المعنى في نفس المتكلم . وسنتناول اللهجة الشامية , ونخص منها لهجة أهل دمشق . باعتبارها مدينة عريقة تتمتع بجو جميل يمر منها نهر بردى وتحيطها غوطته الغناء . سنتناول تلك اللهجة كمثال على كلام أهل المدينة :

    لو دعا شخص آخر فقال : " وينك ؟ " أي : " أين أنت ؟ " , فإنه يخرجها هطذا : " ويناك ؟ , فتصبح الفتحة على النون ألفا ممدودة .

    إن هذا المد بالفتحة يحمل للمخاطب جزءا كبيرا من مقصد المتكلم الذي قد يرفع صوته بذلك المد ليفهم المخاطب أنه يهدده إن لم يسمع بقية كلامه ويأخذه على محمل الجد , وهكذا نجد أن معنى السؤال عن مكانه لم يعد هو المقصود , إنما المقصود : أينما تكون فاسمع ما سأقول .

    ولو قال أحدهم للآخر سائلا إياه أن يحضر شيئا : " جيبه " , أي : أحضره , لقال : جيبو , فمد الضمة حتى أصبحت واوا ممدودة وأصبح لفظ الهاء صعبا ومجهدا فاستغني عنها . وسبب المد الزائد هو خروج الأحرف الأولى الجيم والياء والباء بسرعة وسهولة لا تفي بما يريد المتكلم إبلاغه للسامع عن حاجته الماسة والسريعة للشيئ الذي أراده , فما كان منه إلا أن استغل وجود الضمة على الباء وقال بو مادا الضمة بمسافة صوتية قد تصل إلى ما تحتاجه من الوقت لتلفظ الواو ثلاث مرات .

    وما يجري على الألف والواو يجري على الياء , فقد يقول أحدهم لمن يسأله ع شيئ إن كان موجودا لديه فيقول : ما في , أي ليس موجودا في المكان الذي سألت عنه . إنه يمد الياء في آخر الكلام لإقناع السامع بصحة ما يقول


    أسلوب المد في أواخر الكلمات ليس مطردا وعلى درجة واحدة في كل الكلمات لأن الألفاظ تختلف فيما بينها في مدى الحاجة لتأكيدها , كما أن الحالة النفسية للمتكلم تلعب دورا كبيرا في ذلك , فهو إن كان متوترا أو منزعجا يميل إلى مد الكلمة ورفع الصوت , وإن كان مستغربا أو معجبا فإنه يمد الكلام ولكن دون رفع الصوت . ويظهر المد واضحا وكثيرا عند النساء بصورة أشد مما عند الرجال لميلهن إلى الليونة أكثر .


    الليونة في اللهجة لا تؤثر في مدى رجولة الرجل عند المواقف التي تتطلب القوة , لأنه قد يستعيض برفع الصوت وشدة النبرة عن البطء الناشئ في التعبير وايصال المعلومة إلى السامع , ولكن الصفة العامة لهذه اللهجة عند الناس تنسحب على أهل المدينة بصورة عامة . وتمتاز جميع المدن بلهجات ذات نعومة ورقة تميزها عن لهجات الريف والبادية .

    والمثقفون من أهل المدينة يرفضون الالتزام باللهجة اللينة , فهم يستخدمون أحيانا بعض الكلمات من اللغة الفصحى , ويستبدلون بالألفاظ الدارجة على لسان العوام ألفاظا غيرها , فبدلا من ويناك يختار المتكلم مثلا إسمعني أو إفهمني ولا حاجة لمد الياء في آخر الكلمة فإن مقدرة المثقف على إقناع سامعه تمكنه من التحدث إليه بثقة لا تحتاج التهديد المسبق . وكل هذا يظل نسبيا , فالأمر يختلف من شخص إلى آخر بمقدار ثقافته أو حالته النفسية .

    3 – بيئة الريف :
    وأهل الريف يمثلون في لهجتهم حالة وسطا ما بين البادية والمدينة , فهم لا يبدأون الكلمة بداية انفجارية عالية تجعل آخرها سريعا لا يكاد يظهر بوضوح أحيانا كما هو الحال في أهل البادية , وهم أيضا لا يبدؤون الكلمة بداية سريعة خفيفة ليتبعوها بمد طويل بأحد أحرف المد .

    إنهم يلفظونها بشكل أقرب إلى طبيعة اللغة من اللهجتين , إلا أنهم بسبب انتشار العامية في قطاع كبير من سكان الريف وبسبب خشونة العيش الناجمة عن أسلوب التعامل بالفلاحة ورعاية الماشية تعتور لهجتهم خشونة تظهر من خلال تضخيم أصوات الكلمات الناتج عن استبدال حرف رقيق بحرف ضخم أو لفظ الحرف مع توسيع الفم أو التشديد على الحرف .

    مثال ذلك استبدال الذال بحرف الظاء كما في كلمة هاظا التي تعني هذا ولفظ الكاف إتش , وحذف الهاء من الكلمة والشد على التاء السابقة لها مثل قولهم كتَبِتّا بدلا من كتبتها , أو وضع السكون على الياء الأخيرة كما في داريْ من أجل إعطاء نبرة شديدة للتعبير .
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

اللغة العَربيّة أصْلُ اللغات كلها (بحث)

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اللغة العربية ومكانتها بين اللغات كتاب الكتروني رائع
    بواسطة عادل محمد في المنتدى منتدى الكتب
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-11-2011, 03:54 PM
  2. اللغة العربية أصل اللغات كلها كتاب الكتروني رائع
    بواسطة عادل محمد في المنتدى منتدى الكتب
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 15-02-2010, 01:26 PM
  3. البرامج البالتوكية كلها
    بواسطة armoosh_2005 في المنتدى منتدى غرف البال توك
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 18-07-2008, 06:24 PM
  4. فلاشات دعوة النصارى - كلها
    بواسطة مجاهد في الله في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 05-04-2008, 02:49 PM
  5. رايح الجيش وجاى على طول ... كلها سنة :)
    بواسطة مجاهد في الله في المنتدى منتدى الأسرة والمجتمع
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 14-07-2007, 09:31 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

اللغة العَربيّة أصْلُ اللغات كلها (بحث)

اللغة العَربيّة أصْلُ اللغات كلها (بحث)