من حوامع كلم النبي عليه الصلاة والسلام - حديث أحب الأعمال




كاتب المقال: أبو أسامة المصري




بسم الله الرحمن الرحيم




الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين




روى الطبرانى فى المعجم الكبير وبن عساكر فــى التاريخ وحسنه الالبانى عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما: ان رجلا جــاء الى النبــى عليه الصــلاة والســلام فقال: يا رسول الله اى النـــاس احـــب الى الله واى الاعمال احب الى الله فقال عليه الصـــلاة والسلام: "احب الناس الى الله تعالى انفعهم للناس واحب العمـــل الــى الله عــز وجل سرور يدخله على مسلم او يكشف عنه كربه او يقضى عنه دينا او يطرد عنه جوعا و لان امشى مع اخ فى حاجه احب الى من ان اعتكف فى هذا المسجـــد شهرا يعنــــى مسجد المدينه ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء ان يمضيـــه امضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامه ومن مشى مع اخيه فى حاجه حتى تتهيأ له اثبت الله قدمه يوم تزول الاقدام وان سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل" حديث حسن

هذا حديث جامع شامل من جوامع كلم النبى عليه الصلاة والسلام يبين فيه من هم اهل محبـــــة الله عزوجل واحب الاعمال الى الله لانه حديث جامع لانواع الخير والبر وفى السؤال وجوابه دلاله على محبة الله عز وجل لاهل الخير ومحبة الله تعالى لعباده ثابته فى القرءان والسنه قال تعالى ان الله يحب التوابين ويحب المطهرين وقال تعالى والله يحب الصابرين

اول فائده من الحديث السؤال عن الخير دلاله على السعى اليه

الثانيـــــه احب العباد الى الله انفعهم لعباده فكلما زادت منفعة العبد وخيره لعباد الله كلما زادت محبة الله عزوجل له وهى درجة عظيمه ينبغى ان يسعى اليها كل مسلم واذا احب الله عبدا لا يعذبه واحبه اهل السماء والارض وقد روى مسلم فى صحيحه ان النبى عليه الصلاة والسلام قال: "اذا احب الله عبدا قال يا جبريل انى احب فلانا فاحبه فيحبه جبريــــــــل فينادى جبريل فى اهل السماء ان الله يحب فلانا فاحبوه فيحبه اهل السماء فيوضع لـــــه القبول فى الارض" وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الحاكم "ان الله لا يلقى حبيبه فى النار"

ثم ارشد النبى عليه الصلاة والسلام السائل الى احب الاعمـــــال الى الله وهى سرور تدخله على مسلم وهنا فائده ان السرور يختلف من عبد الى اخر فقد يفـــــرح مسلـــــم بسؤالك عنه واخر يفرح بزيارته واخر يفرح بصلته واخر يــفرح بهديه واخــــــر يفرح بعطيه وقد يتحقق باى شئ اخر فهو يختلف باختلاف الاحوال والعباد
يفهم من هذا الحديث انه اذا كان الله يحب ادخال السرور على قلب مسلم فانه يبغض ادخال الحزن على قلب مسلـــم باى شكل من الاشكال فالواجب على كل مسلم السعى الى ادخال السرور على قلب اخوانه المسلميـــــن بغير معصيه والحذر كل الحذر من ادخال الحزن على قلب مسلم الا اذا كان يدفع عنه شئ حرمه الله ورسوله

من احب الاعمال الى الله ان تكشف كربه عن مسلم والكربه هى الشده العظيمه التى توقع صاحبها فى الغم والهم والحزن ولقد وعد الله من يفعل ذلــــــك بتفريج الكرب عنه يوم القيامه على لسان حبيبه قال عليه الصلاة والسلام: "من نفس عـن مسلم كربه من كرب الدنيا نفس الله عنه كربه من كربات يوم القيامه" ومن المعـــلوم ان كرب الدنيا كلها لا تساوى فى كرب الاخرة شئ قال تعالى: {يا ايها الناس اتقوا ربكــــم ان زلزلة الساعة شئ عظيم} وقال تعالى: {فكيف تتقون ان كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا} تخيل يا عبد الله


يـوم القيامة لو علمت بهوله لفررت من اهل ومن اوطـان




يوم عظيم مستطير شره فى الخلـق منتشـر عظيـم الشـان




يوم تشققت السماء لهوله وتشيب من هوله مفارق الغلمان




هذه الاهوال يتقيها العبد بتنفيس كربه عن مسلم رفع هم وغم وكـــرب وحزن عن قلب مسلم تخيل هذا الكرب العظيم فى يوم القيامه يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم ينجو منه الانسان بتفريج كربه عن عبد مسلم ياله من ثمن قليل لخير وفير

ويدلنا الحديث عن عمل اخر من احب الاعمال الى الله الا وهو قضاء الدين عن مسلم ان الله تعالى جعل للغارمين نصيبا فى الصدقات قال تعالى انما الصدقـــــات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وبن السبيل

والغارمين هم من ركبتهم الديون ولزمتهم وحبستهم ثم لم يجدوا لها وفاء فاهل الاموال مطالبون شرعا بقضاء دين الغارمين ولذلك جاء فى الحديث الــذى رواه الترمذى وبن ماجه والنسائى وابو داود وغيرهم انه اصيب رجل فى عهد رسول الله فى ثمار ابتاعها فكثرت ديونه فقال عليه الصلاة والسلام: "تصدقوا عليه" فتصدق الناس فلم يبلغ وفاء دينه فقال عليه الصلاة والسلام لغرمائه اى اصحاب الديــــون: "خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك" والله انه دعوه للتكامل والمحبه دعوه للجنه فلو فعل الاغنياء ذلك ما وجدنا فقير ولا محتاج ولا صاحب دين ولا اشتكى الناس الغلاء وقلة البركه

يدل الحديث ايضا على باب عظيم من ابواب الخير هو ان تطرد عن مسلم جوعا فطرد الجوع عن الجوعان واطعام المسكين والفقير من اعظم اعمال البر والصله التى يحبها الله عز وجل قال تعالى مبينا فضل ذلك العمل: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} وقال تعالى: {او اطعام فى يوم ذى مسغبـــــــه يتيما ذا مقربه او مسكينا ذا متربه} وقال عليه الصلاة والسلام مبينا فضل اطعـــام الجائع والمسكين واليتيم وبن السبيل اطعموا الجائع وفكوا العانى وعودوا المريض رواه البخــــــارى فى الادب وقال عليه الصلاة والسلام ايها الناس افشوا السلام واطعموا الطعـــــام وصلــــوا الارحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلون الجنة بسلام رواه بن ماجه وقال عليه الصلاة والسلام ليس المؤمن بالذى يشبع وجاره جائع الى جنبه صححه الالبانى وقال عليـــــه الصلاة والسلام فى الحديث الذى رواه مسلم مبينا عظيم فضل اطعام الجائع يقول الله تعالــــى يوم القيامه: "يا ابن ادم استطعمتك فلم تطعمنى فيقول يا رب كيف اطعمك وانت رب العالمين فيقول عز وجل استطعمك عبدى فلانا فلم تطعمه اما علمت انك لو اطعمته لوجدت ذلك عندى" ولقد بين الله سبحانه وتعالى ان عدم اطعام الجائع سبب من اسباب دخول النــار قال تعالى: {ما سلككم فى سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين} بل ان الله تعالى بين ان عدم الحض على اطعام المسكين من اسباب دخول النار قال تعالــــى: {خذوه فغلــــوه ثم الجحيم صلوه ثم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه انه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام الا من غسليـــــن لا يأكله الا الخاطئون} فهل بعد هذا لا نسارع فى اطعام المسكين والحض على اطعامهم ودفع ورد الجوع عنهم

ومن احب الاعمال الى الله تعالى المشى فى حاجة المسلمين قــــال عليه الصلاة والسلام: "ولان امشى مع اخى المسلم احب الى من اعتكف فى هذا المسجد شهرا" يعنى مسجد المدينه ففى قول النبى عليه الصلاة والسلام اشاره الى فضل المشى فى قضاء حوائج المسلمين قال عليه الصلاة والسلام: "الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون اخيه" وقال عليه الصلاة والســـــــلام: "من كان فى حاجة اخيه كان الله فى حاجتـــه" وكلها احاديـــث تحث وتبين فضل السعى فى قضاء حوائج المسلمين وقال تعالى مبينا فضل ذلك وهل جــزاء الاحسان الا الاحسان ولذلك كان السلف رضوان الله عليهم حريصين على ذلك الامر كان عمر وهو امير للمؤمنين يتعاهد الارامل بالليل ويقضى حوائجهن وفى الصحيحين عن انـــس رضى الله عنهم انه قال: كنا مع رسول الله فى سفر فنزلنا منزلا فى يوم شديد الحــر اكثرنا ظلا من يستظل بكساء ومنا من يستظل بيده وكان منا الصائم والمفطر فنـــزل الصائمون وقام المفطرون فضربوا الابنيه وسقوا الدواب فقال عليه الصلاة والسلام: "ذهب المفطرون بالاجر"

وفى الحديث بيان فضل من يمشى فى قضاء حوائج الناس قال عليه الصلاة والسلام: "ومن مشى مع اخيه فى حاجه حتى تتهيأ له ثبت الله قدمه يوم تــــزول الاقدام" فيا اخا الاسلام


اقض الحوائج ما استطعت وكن لهم اخيك فارج




فلخيـر أيـام الفتــى يــوم قضــى فيــه الحوائــج




ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "ان لله تعالى اقــــوام يختصهم بالنعم لمنافع العباد ويثبتها عندهم ما نفعوهم فاذا هم لم ينفعوهم حولها عنهم الى غيرهم" صححه الالبانى

ثم يقول النبى عليه الصلاة والسلام: "ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء ان يمضيه امضاه ملأ الله صدره رضا يوم القيامه" هنا ارشاد نبوى جميل الى ما يفعله المرء عند الغضب كف الغضب وكظم الغيظ ولذلك قــــــال عليه الصلاة والسلام للرجل الذى طلب النصيحه قال: "لاتغضب لا تغضب لا تغضب" ومن كــــف غضبه ستر الله عورته لان الغضب يظهر جهل وحماقة وطيش الانسان وكظم الغيظ مـــــن صفــــات المتقين قال عليه الصلاة والسلام: "من كظم غيظه وهو قادر على ان ينفذه دعاه الله علــى رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما يشاء" رواه الترمذى وابو داود وبن ماجه وقال تعالى: {واذا ما غضبوا هم يغفرون} وقال تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافيـــــن عــــن الناس والله يحب المحسنين} وقال عليه الصلاة والسلام: "اذا غضب احدكم فليسكت" وقال عليه الصلاة والسلام: "اذا غضب احدكم وهو قائم فليقعد فان ذهب عنه الغضب والا يضطجع" وقال عليه الصلاة والسلام: "اذا غضب الرجل فقال اعوذ بالله سكن غضبه" صححه الالبانى، وفــــــى الصحيحين ان رجلان تشاحنا عند رسول الله فغضب احدهم حتى احمر وجهه وانتفخـــت اوداجه فقال عليه الصلاة والسلام: "انى لاعلم كلمه لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قــــال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد"

ولما ارشد النبى عليه الصــــلاة والسلام السائل الى احب الاعمال الى الله ختمها بهذا الارشاد لبيان فضل حسن الخلق على سائر العمل قال عليه الصلاة والسلام: "وان سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل" اراد النبى عليه الصلاة والسلام بعد ان بين له فضائل الاعمال ان يبين لــــه محبطات هذه الفضائل واهمها سوء الخلق لانه يذهب بكل خير ولنا فى حديث المفلس ايــــه عظيمه وسئل رسول الله عن امراه تكثر الصلاه والصيام وصدقتها ولكنها تؤذى الناس قــــــال: "هى فى النار" وذكرت له اخرى قليلة الصيام والصلاه والصدقات ولكنها لا تؤذى جيرانها قال: "هى فى الجنه" وقال عليه الصلاة والسلام مبينا فضل حسن الخلق: "ان المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم" متفق عليه وكان عليه الصلاة والسلام يدعو قائلا: "اللهــــــم كما حسنت خلقى حسن خلقـــــــى" رواه احمد، هذه جمله من فضائل الاعمال ومحبطات العمل جمعها حديث واحد من احاديث رسول الله جعلنا الله واياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه انه ولى ذلك والقادر عليه كتبه ونقله لكم


افقر العباد الى عفو ربه ومن لا غنى له طرفة عين عن رحمته




ابو اسامه المصرى