تقوم عقيدة المسيحين في الثالوث على هذه الفكرة التي نكثفها في هذا النص:
(الثالوث المقدس هو ليس تعددية فى الجوهر و انما تعددية فى داخل الجوهر الواحد فنحن نؤمن ان الاب و الابن و الروح القدس هم واحد و ليسوا ثلاثة و لكن فى الجوهر و ايضا نؤمن انهم ثلاثة و لكن اقنوميا و ليس جوهريا و ذاتيا فالاب ليس هو الابن ليس هو الروح القدس اقنوميا و لكن الاب هو الابن هو الروح القدس ذاتيا و جوهريا).

ونقول الكثرةلا توجد في الكائنات إلا حيث يوجد الضعف والانقراض فيها، ليحل واحد من أفرادها عوضاً عن المنقرِض، حفظاً لكيانها وبما أن الله أزلي أبدي في فكركم ، ولا يضعف أو يتغيّر على الإطلاق، فلا يمكن أن يكون هناك سواه .
ثم لو فرضنا أن هناك إلهين، لكان كلٌ منهما متحيزاً بمكان وبما أن المتحيز بمكان لا يكون أزلياً بل حادثاً، فلا يمكن أن يكون أيٌ منهما هو الله، لأن الله لا يتحيز بحيّز (جلس ياسوع عن يمين الله ).
بما أن المركب من أجزاء لا يتكوّن إلا بعد وجودها " إذْ أن وجود الأجزاء يسبق وجود الكل " وبما أن الله لم يكن مسبوقاً بعدم أو وجود، حسب اعترافكم لأنه هو الأزلي وحده، إذاً فهو ليس مركباً . مما ينفي غنه صفة التثليث .
بما أنه لا بد للمركَّب من مركِّب يضمّ أجزاءه بعضها إلى بعض حتى يصير كلاً " لأن الأجزاء لا ينضم بعضها إلى البعض الآخر دون علة أو مسبب وبما أن الله لا علة له حسب قولكم ، لأنه موجود بذاته أزلاً، إذاً فهو ليس مركباً
بما أن كل مركَّب محدود بكمية أجزائه وقدرها، وبما أنه الله غير محدود كما تقول أناجيلكم ، إذاً فهو ليس مركباً .
" قال أرسطو : كل مركب صائر إلى الانحلال، ولذلك لا يكون الواحد " " إلا بسيطاً غير قابل للتجزئة . فلا يمكن أن يتركب الله أو يتبعض أو يتجزأ .
والوحدانية المطلقة غير مقيدة، أو هي وحدانية لا حدَّ لها، ولم تُستعمل الوحدانية المطلقة بهذا المعنى عند جميع الفلاسفة، فقد استعملها بعضهم بالمعنى الذي يُفهم من الوحدانية المجردة .
والقائلون بهذه الوحدانية يؤمنون أن لله وجوداً واقعياً لكنهم ينقسمون من جهة صفاته إلى فريقين : فريق ينفي عنه صفة الإرادة و الاختيار والعلم بالجزئيات ذلك أنه إذا كان الله يريد، فإنه يريد أزلاً وإرادته أزلاً تتطلب إما وجود كائنات أزلية معه كان يريدها، أو وجود تركيب في ذاته وبما أنه لا تركيب فيه ولا شريك له، إذاً فهو لا يتصف بالإرادة ولا بالصفات الأخرى التي تتطلب في ممارستها ما تتطلبه هذه الصفة .
وفريق آخر يسند إلى الله جميع صفات الكمال ، كالإرادة والعلم والقدرة والبصر والسمع والكلام ولكن يتعذر عليه التوفيق بين إسناد هذه الصفات إلى الله أزلاً، واعتبار وحدانيته وحدانية مطلقة، لأن التوفيق بينهما محال .

قال أرسطو : الله صورة الصور وفكرة الفكر أي أنه ليس ذاتاً. وقال أفلوطين : الواحد ليس بماهية بل هو شيء أسمى من الماهية، وليس هو الوجود لأن الوجود له تعين، بل هو فوق الوجود. وهو ليس ذاتاً أو صفة لأنه سابق لكل الصفات. وهو ليس بكائن لأن الكائن كلّ، والكلية تتناقض مع الوحدانية المطلقة. ولذلك لا يمكن أن نعرف عنه شيئاً . وقال ألبينوس : الله ليس خيِّراً وليس شريراً، ولا يتصف بصفة وليس بدون صفات . فالله بناءً على رأي أفلوطين وألبينوس كائن مبهم ليست له ماهية خاصة.
هل الله جوهر أو ماهية وهل الأقنوم الثاني جوهر أم ماهية ؟
الجوهر يعرف على انه ماهية اذا وجدت في الخارج وجدت لافي موضوع مستغنٍ عنها في وجوده.
هناك بعض الموجودات تحتاج في وجودها الى موضوع بحيث لاتكون قائمة بذاتها بدون الموضوع الذي يحملها وتسمى العرض .

اما الجوهر فهو ما لايحتاج الى موضوع بل يكون مستقل بذاته وقائم بذاته ولانعني بهذه الجملة انه غير معلول مثلاً او انه واجب والوجود بل نعني فقط انه لايحتاج الى موضوع ليصح الحمل عليه،.. مثلاً المادة جوهر....

المسيحية تقول أن الله ماهية وهنا تزل اقدام فلاسفتهم ، اذ الماهية هي ما يكون بها الكائن ذلك الكائن، وإن شئت فقل إنها كنهه أو حقيقته أو جوهره أو كيانه.
والماهية هنا صفة سلبية ذلك لأنها تفتضي التعين في الذات او الكنه أو الصورة والتعين بواحد من هذه الأشكال يعني انه يعتوره النقص ذلك أنه لا بد أن يتعين بالذات أو الكنه أو الصورة ولا يمكن أن يتعين بهما جميعا ثم عليه أن يتعين بها وحده كذات .

وكذلك الماهية المجردة لا تتصف بصفة، من صفات الكائنات، بدعوى أن ذلك يجعله محدوداً مثلها حتى صفة الوجود تنتفي هنا ، بدعوى أن الوجود صفة من صفاتها وليتمشى هذا النفي مع اعتقاد البعض في عظمة الله، يقولون عنه إنه فوق الوجود، وفوق العلم، وفوق الإرادة، وفوق الوجود وإن كانت صيغة هذا الوصف تبدو إيجابية، إلا أنها في الواقع سلبية وكل ما في الأمر أنها سلبية بصيغة مهذبة، إذ أن مَنْ هو فوق الوجود هو في الواقع غير موجود، لأنه خارج عن دائرة الوجود وعلى هذا النسق : من هو فوق العلم غير عالِم ومن هو فوق الإرادة غير مريد ولذلك فكيف نتصور إلهاً مثل هذا .
وعندما يكون لموجود ما صفات مسلوبة منه او صفات سلبية فانه يكون فاقد للكمال لان الكمال لايكون بصفة سلبية بل ان كل صفات السلب مسلوبة عن الموجود الكامل فهل نصف بالكامل من يكون غير عالم مثلاً ؟
فوصفنا لشيء ما بانه غير عالم هو حد وهو سلب لصفة كمال وجودية هي العلم فمثل هكذا موجود محدود بحد عدمي لايكون كامل.
تقول الفلسفة المسيحية الاله هو ذاك الموجود الجامع لكل كمالات الوجود.
فهل بناءاً على هذا التعريف يمكن ان يكون له حد؟ ان وجوب الوجود عند الواجب هو مناط الغنى الصرف والكمال المطلق فهل يمكن ان يكون للواجب حد ماهوي؟؟؟
هل يمكن ان يكون للاله ماهية؟
بالتأكيد لا !
واذ لم يكن له ماهية فهل يمكن ان يكون جوهر؟؟؟
قطعا لا
اذا كان للاله ماهية فان وجوده سيكون عارض على ماهيته لان الوجود زائد على الماهية عارض عليها وكل عارض معلول، محتاج الى علة ولاتخلو العلة عن امرين بالنسبة للاله اما ان تكون علته ذاته او تكون علته خارجة عن ذاته، فان قيل علته خارجة عن ذاته صار معلولاً بينما المفروض ان الاله غير معلول، والمفروض ان يكون غنياً غير محتاج اومتكأ في وجوده على غيره، وان قيل علته هي ذاته فان العلة متقدمة على معلولها والمعلول عن علته، فاذا كان وجود الاله معلول بذاته لنتج عنه اجتماع المتقدم والمتأخر اي انه سيكون متقدم على نفسه.

ثم ننقل الحديث الى المرتبة السابقة وهكذا الى مالانهاية وهو التسلسل الممتنع. فكلا الفرضين محال فيثبت عندنا ان الاله لاماهية له ولا جوهر . وهنا تسقط كل النظرية الأقنومية المسيحية على اعتبار أنها نظرية .

الامر الاخر هو قولهم بالتعددية في داخل الجوهر وقد ثبت عندنا ان الاله لاماهية له فاذا كان لاماهية له فكيف يتمايز او كيف يتعدد و أنى له أن يتعدد ؟؟؟

التمايز والتعدد يكون بالحدود فاذا كان الموجود غير محدود باي حد فكيف يكون متمايز أو متعددا ؟
وامر اخر اننا سنسأل المسيحيين هل توجد جهة اشتراك بين الاقانيم الثلاثة ام لاتوجد جهة اشتراك؟؟؟
اذا قالوا لاتوجد جهة اشتراك فيكون جوابنا لايمكن انتزاع مفهوم واحد من مصاديق مختلفة من حيث هي مختلفة اي لايمكنك ان تقول عن ثلاثة اشياء مختلفة تماماً انها واحد بلا وجود جهة اشتراك فيما بينها، فانت مثلاً لايمكنك ان تنتزع مفهوم الحيوانية من الانسان والحجر لانه لايوجد جهة اشتراك بين الانسان والحجر في الحيوانية ولكن يمكن في مايخص الانسان والفرس لانه توجد جهة اشتراك بينهما في الحيوانية. وهذا يعني انه لايمكن ان تكون هذه الاقانيم اله واحد.
فان قالوا انه توجد جهة اشتراك وهم يثبتون ان الاقانيم متمايزة فيكون عندنا جهة اشتراك وجهة امتياز ومابه الاشتراك غير مابه الامتياز (لان العلم ليس هو الحياة وليس هو القدرة) فلازمه التركب ولازم التركب الحاجة الى الاجزاء وهذا بخلاف الوجود الذاتي الذي هو مناط الغنى الصرف.

ولكن ماهي الادلة التي يطرحها المسيحيون على صدق عقيدة الثالوث هذه ؟

يقولون "اذا كان الله واحد بلا اقنومية والله حين خلق البشر احبهم،
فهل صفة المحبة ادخلت على الله بعد ان خلق البشر...لو حدث هذا يكون الله متغير... فصفة المحبة يجب أن تكون في الله قبل خلق البشر داخل الاقانيم...."
المسيحي يطرح هذه الاشكالية بعد أن أعياه النظر أقصد الفهم
يقول الله محبة والمحبة تقتضي وجود محبوب ما، اذ لايمكن ان تحب الا اذا كان هناك من تحبه ولما كان البشر وسائر المخلوقات حادثة لم تكن، ثم كانت فمن كان يحب الله قبل ان يوجد اي شيء اخر سواه؟
والحل في نظر المسيحي هي بالاقانيم فالاب يحب الابن يعني اقنوم الاب محب لاقنوم الأبن .
قال أرسطو : الله يتنزّه عن عن الحب ، لأن الحب يقتضي الطلب، والله لا يطلب. لأنه لو كان يطلب لكان يطلب أزلاً، وطلبه أزلاً يستلزم وجود أزليين نظيره كان يطلبهم، وذلك لتنزّهه عن طلب ما هو أقل منه. وهذا محال لأنه لا شريك له على الإطلاق . وقال أيضاً : الله لا يعلم الكائنات، لأنه لو كان يعلمها لكان يعلم أزلاً، وعلمه أزلاً يستلزم وجود أزليين نظيره كان يعلمهم وذلك لتنزّهه عن علم ما هو أقل منه. وهذا محال للسبب السابق ذكره .