بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه له النعمة و له الفضل وله الثناء الحسن

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله r وعلى آله وأصحابه

ومن اهتدى بهداه ثم أما بعد :

يقول الحق جل علاه :] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقدكم منها كذلك يبن الله لكم آياته لعلكم تهتدون [ .



أيها الإخوة والأبناء : أذكر قولا وأظنه عن عبد الله بن مسعود t يقول :

{ إذا سمعت يا أيها الذين آمنوا في القرآن فاسغ لها سمعك فإنه إما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه } أقول : هذا يدل دلالة واضحة على عناية أصحاب رسول الله r بالقرآن لا تلاوة فقط بل تلاوة وتدبرا للوقوف على ما تضمنه هذا القرآن الكريم من العبر والمواعظ والأحكام وبيان الحلال و الحرام والوعد والوعيد ولا شك أن من أولى القرآن هذه العناية نال سعادة الدنيا والآخرة فإن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا القرآن على نبيه r لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور و من الضلالة إلى الهدى ومن الكفر والشرك إلى الإيمان و التوحيد وهو كتاب الله الذي يهدي للتي هي أقوم . وما رضي الله سبحانه وتعالى للبشرية كلها إلا دين الإسلام ودين الإسلام هذا يجب أن يؤخذ من كتاب الله ومن سنة رسوله r وكذلك سيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين .

وهذه الآيات أعتذر إليكم أيها الإخوة والأبناء عن شرحها كاملة ولكني سأحاول مع الإختصار عرض بعض ما اشتملت عليه .





فنقول أولا : في قوله تبارك وتعالى ] اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [

فسر هذا غير واحد من الأئمة كابن عباس وغيره { تقوى الله حق تقاته } أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر .

و أما قوله سبحانه وتعالى- النقطة الثانية – فإنه سبحانه وتعالى لما أمر بتقواه حق التقوى وحذر من التفريط فيها وأمر بالثبات على الحق و الهدى بقوله] لا تموتن إلا وأنتم مسلمون [ دعا عباده إلى الإعتصام بحبله ] واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا [

أقول : {واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا} هذه الجملة القرآنية ما بيانها ؟ لأنَّا وجدنا كثيرا من المسلمين يقولون نعتصم بحبل الله ولا نتفرق .

فحبل الله ما هو أولا ؟ وما كيفية الاعتصام بهذا الحبل ؟

فحبل الله : هو كتاب الله وسنة رسوله r قولا وعملا واعتقادا لا غير ذلك.

وثانيا هذا الاعتصام – الإعتصام بحبل الله – ما جاء مفردا بل جاء مضموما إلى قواعد إلى قواعد يجب أن يسلكها كل مسلم وهذه القواعد في حديث صحيح صح عن النبي r ] إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم [

{إن الله يرضى }: هذه جملة خبرية إخبار منه r وهو المبلغ عن ربه وهو لا ينطق عن الهوى – أعني محمدا r- إن هو إلا وحي يوحى يبلغ عن ربه سبحانه وتعالى ما أراده من عباده

و{إن الله يرضى لكم ثلاثا} هذه الجملة الخبرية في الأصول تفيد الأمر والأصل في الأمر الوجوب ما لم يصرفه صارف .

فرضى ربنا سبحانه وتعالى كما أخبر به رسوله r هذه الثلاثة الأشياء :{ عبادته وحده دون سواه والاعتصام بكتابه وسنة رسوله وأن نناصح ولاة أمورنا }

ويزيد الأمر وضوحا أحاديث كثيرة صحت عن النبي r منها حديث العرباض بن سارية t قال] وعظنا رسول الله r موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجد وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة [ هذا المنهج هذا هو الذي رسمه لنا رسول الله r و رسول الله r في مجال الاعتقاد والأحكام يبلغ عن ربه ما يرضاه لعباده

هذا المنهج يتمثل في عدة أمور :

الأمر الأول :

شد عصا المسلمين إن صح التعبير نقول شد عصا المسلمين فهذا الشد يكون في طاعة إمامهم فيما يأمر به و ينهى عنه السمع والطاعة وهذه الطاعة ليست مطلقة بل هي مقيدة ويقيدها حديث بن عمر في الصحيحين ]على المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة [ فإذا انجلى الأمر فليست المسألة راية علمية فيجب طاعة أمر ولي المسلمين مادام يؤمر بطاعة الله وهذا كما قدمنا مقرر في نصوص كثيرة منها أحاديث النبي r.

و الأمر الثاني القاعدة الثانية :

قوله r ]أوصيكم بتقوى الله[ فتقوى الله ما هي ؟

التقوى في اللغة من الوقاية فالإنسان يتقي ما يكره بما يقدر عليه من وسائل فهو يتقي ما يضره و يدفع ما يكرهه بما أقدره الله عليه من وسائل حتى ينجو منه

والتقوى في الاصطلاح : هي أن تعمل ما أمر الله به على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تدع ما نهى الله عنه على نور من الله أي على بصيرة تخشى عقاب الله هذه هي التقوى

و الأمر الثالث :

قوله r ( وإياكم ومحدثات الأمور ) محدثات الأمور قد تكون في العادات وقد تكون في العبادات ومجال المعاملات واسع لا نبحثه الآن لكن يهمنا الآن مجال العبادات لأن العبادات هي الأصل أصل الرسالات كلها هي العبادة هي صحة الاعتقاد فالنبي r بهذا يحذر من كل أمر يستحدثه الناس ولا عهد للإسلام والمسلمين به لا من كتاب ولا سنة ويزيد الأمر تأكيدا إذا سمعت قوله r:

] سيكون في أخر هذه الأمة قوم يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آبائكم فإياكم وإياهم [

والأمر الرابع] عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين[

إذا المنجاة من مضلات الفتن وسبيل السلامة الوحيد وطريق السعادة الكامل هو التزام كتاب الله وسنة رسوله r فإن رسولنا r ما ترك الأمة وهو يعلم لها خيرا إلا بينه لها أتم البيان وما ترك الأمة وإلا بين لها شر ما يعلمه لها أتم البيان حتى تجتنبه

وهنا يجدر أيها الإخوة أن نبين بعض مهمات الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام فإن مهمة الرسول محمدا r كما سبقه من الأنبياء

أولا : تعريف الناس بخالقهم سبحانه وتعالى يعرفون الناس بخالقهم U أي يعرفونهم بما يجب لله عز وجل يعني يعرفون العباد بحق الله سبحانه وتعالى عليهم وليس التعريف المجرد .

المشركون يعرفون أن الله ربهم لكن الرسالات ما جاءت بهذا الرسالات جاءت بتعريف الناس سبحانه وتعالى أنه هو المستحق أن يعبد وحده

الأمر الثاني: الطريق الموصلة إلى مرضات الله سبحانه وتعالى كما قال ربنا U ]إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم [ فقد سد الله سبحانه وتعالى كل طريق يزعم الناس أنها توصلهم إلى مراضي ربهم غير طريق واحدة هي طريق محمد r وهذا يظهر حين تتأمل الآية وكيف يظهر بأن الله سبحانه وتعالى اشترط في صدق المحبة شرطا واحدا لا غيره ما هو ؟

(الجواب) :إتباع النبي r لأن محبة الله أمنية غالية وكل إنسان يدعي محبة الله سبحانه وتعالى وإن انحرفت به السبل واستحوذت عليه الشياطين فإن ما دام مسلما( فهو) يدعي محبة الله سبحانه وتعالى لكن الدليل القاطع على صدق المحبة هو اتباع النبي محمد r

ويزيد هذه الأمور توضيحا وتأكيدا في بيان المحجة البيضاء والنهج الصحيح الذي إذا سلكته هذه الأمة سعدت في الدنيا والآخرة ما رواه الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه من حديث عبد الرحمن ابن عبد رب الكعبة قال :{ دخلت المسجد فوجدت عبد الله بن عمرو بن العاص حول الكعبة والناس جلوس حوله فدنوت منه فسمعته يقول: كنا مع رسول الله r في سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباؤه ومنا من ينتضل يعني يرمي بالأقواس ومنا من هو في جشره يعني دوابه وإذا بمنادي رسول الله r ينادي الصلاة جامعة فاجتمعنا فقال رسول الله r - حمد الله ثم أثنى عليه - إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لها - سمعتم يا إخواني خير ما يعلمه لها – ويبين لهم شر ما يعلمه لها وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخر لها بلاء – ( تعليق من الشيخ "و و الله و تالله وبالله لا مناص لكم أيها المسلمون عامة وطلاب العلم خاصة من الفتن ومحدثات الأمور فاستعيذوا بالله" فسيصيب آخرها بلاء" عام يشمل جميع أنواع البلايا" فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وفي رواية فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب أن يِؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع وإن جاء آخر ينازعه فاقتلوا الأخر قال عبد الرحمن فقلت له أنشدك الله أأنت سمعت هذا من رسول الله r قال اللهم نعم قال هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نقتل أنفسنا وأن نأخذ أموالنا بالباطل والله يقول ] ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضي منكم و لا تقتلوا أنفسكم [ فسكت ساعة – يعني زمنا – ثم قال أطعه في طاعة الله و اعصه في معصيته }.

من هذه أيها الإخوة ,من هذه الأحاديث -وليست فريدة ما أكثرها - بيان صحيح صريح للمنهج الصحيح الذي يجب أن تسلكه أمة محمد r حتى تلقى ربها إذ أرادت سعادة الدنيا والأخرة فلتسلك هذا المنهج لماذا كان صحيحا وفيه سعادة الدنيا و الأخرة ؟

لأن الذي وضعه من هو ؟ هو الله سبحانه وتعالى والذي بلغه من هو؟ هو رسول الله r

إذا كل منهج لا يرتكز على هذا المنهج وإن كان صاحبه مخلصا محتسبا فإنه منهج ضلال و انحراف شاء أم أبى شاء أم أبى

هذه أهم ملامح المنهج الذي وضعه الله وبلغ به رسوله r

قاله: الشيخ عبيد بن عبد الله بن سليمان الجابري حفظه الله تعالى