أرسلت في 8-5-1425 هـ من قِبَل admin
يعتقد المسلمون بعصمة أنبياء الله للأسباب الأتية:

(1) أنهم أعلم البشر بالله تعالى و أتقاهم إليه .

(2) أنهم عباد الله الذين اصطفاهم بالرسالة و الرسول عنوان المرسل فلا يمكن أن يرتكبوا الفواحش،فالرسول بشر يُوحَى إليه.. له خصوصية الاتصال بالسماء ، ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه فيمن يصطفيه ، كى تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها،وبداهة العقل - فضلاً عن النقل - تحكم بأن مُرْسِل الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذى يضفى الصدق على رسالته ، كان عابثًا.. وهو ما يستحيل على الله ، الذى يصطفى من الناس رسلاً تؤهلهم العصمة لإضفاء الثقة والصدق على البلاغ الإلهى.. والحُجة على الناس بصدق هذا الذى يبلغون .
و قد اختار رسله من البشر لأن البشر هم الذين يصلحون قدوة و اسوة , يقول سيد قطب رحمه الله: ((و إنها لحكمة تبدو فى رسالة واحد من البشر إلى البشر يحسب إحسلسهم و يتذوق مواجدهم و يعانى تجاربهم و يدرك ألامهم و أمالهم و يعرف نوازعهم و أشواقهم و يعلم ضروراتهم و أثقالهم, و من ثم يعطف على ضعفهم و نقصهم و يرجو قوتهم و استعلائهم و يسير بهم خطوة خطوة, و هو يفهم و يقدر بواعثهم و تأثراتهم و استجاباتهم, لأنه فى النهاية واحد منهم, يرتاد بهم الطريق إلى الله بوحى من الله و عون منه على وعثاء الطريق.
و هم من جانبهم يجدون فيه القدرة الممكنة, لأنه بشر مثلهم, يتسامى بهم رويداً رويداً يعيش فيهم بالأخلاق و الأعمال و التكاليف التى يبلغهم أن الله قد فرضها عليهم و أرادها منهم فيكون بشخصه ترجمة حية للعقيدة التى يحملها إليهم و تكون حياته و حركاته و أعماله صفحة معروضة لهم, ينقلونها سطراً سطراً , و يحققونها معنى معنى و هم يرونها بينهم فتهفوا نفوسهم إلى تقليدها لأنها ممثلة فى الإنسان))

يقول الإمام محمد عبده عن عصمة الرسل ((.. ومن لوازم ذلك بالضرورة: وجوب الاعتقاد بعلو فطرتهم ، وصحة عقولهم ، وصدقهم فى أقوالهم ، وأمانتهم فى تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه ، وعصمتهم من كل ما يشوه السيرة البشرية ، وسلامة أبدانهم مما تنبو عنه الأبصار وتنفر منه الأذواق السليمة ، وأنهم منزهون عما يضاد شيئًا من هذه الصفات ، وأن أرواحهم ممدودة من الجلال الإلهى بما لا يمكن معه لنفس إنسانية أن تسطو عليها سطوة روحانية.. إن من حكمة الصانع الحكيم - الذى أقام الإنسان على قاعدة الإرشاد والتعليم - أن يجعل من مراتب الأنفس البشرية مرتبة يُعدُّ لها ، بمحض فضله ، بعض مَنْ يصطفيه من خلقه ، وهو أعلم حيث يجعل رسالته ، يميزهم بالفطرة السليمة ، ويبلغ بأرواحهم من الكمال ما يليقون معه للاستشراق بأنوار علمه ، والأمانة على مكنون سره ، مما لو انكشف لغيرهم انكشافه لهم لفاضت له نفسه ، أو ذهبت بعقله جلالته وعظمته ، فيشرفون على الغيب بإذنه ، ويعلمون ما سيكون من شأن الناس فيه ، ويكونون فى مراتبهم العلوية على نسبة من العالمين ، نهاية الشاهد وبداية الغائب ، فهم فى الدنيا كأنهم ليسو من أهلها ، هم وفد الآخرة فى لباس من ليس من سكانها.. أما فيما عدا ذلك فهم بشر يعتريهم ما يعترى سائر أفراده ، يأكلون ويشربون وينامون ويسهون وينسون فيما لا علاقة له بتبليغ الأحكام ، ويمرضون وتمتد إليهم أيدى الظلمة ، وينالهم الاضطهاد ، وقد يقتلون "
فلو أن أنبياء الله تعالى يرتكبون الرذائل لما صلحوا لأن يكونوا قدوة و أسوة لأتباعهم يقول تعالى((أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ )) و يقول((لكم فى رسول الله أسوة حسنة)) و يقول عز و جل((وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ))

عصمة الأنبياء فى التحمل و التبليغ:

يقول الدكتور عمر الأشقر: اتفقت الأمة على أن الرسل معصومون فى تحمل الرسالة فلا ينسون شيئاً مما أوحاه الله إليهم إلا ما شاء الله نسخه , و قد تكفل الله لرسوله (صلى الله عليه و أله و سلم) بأن يقرئه فلا ينسى إلا شىء أراد الله أن ينسيه إياه (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله..) و تكفل له بأن يجمعه فى صدره: ((إن علينا جمعه و قرأنه )) و هم معصومون فى التبليغ فالرسل لا يكتمون شيئاً مما أوحاه الله إليهم((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ))، (( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ )) ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ *لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ *ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ))

عصمة الأنبياء من الذنوب :

عقيدة الأمة الاسلامية (أهل السنة و الجماعة) على أن الأنبياء معصومون من ارتكاب الكبائر كما أنهم معصومون من الاصرار على الصغائر.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: ((القول بأن الأنبياء معصومون من الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر أهل العلم , و جميع الطوائف, حتى أنه قول أكثر أهل الكلام, كما ذكر أبو الحسن الأمدى أن هذا قول أكثر الأشعرية , و هو أيضاً قول أهل التفسير و الفقهاء , بل لم ينقل عن السلف و الأئمة و الصحابة و التابعين و تلبعيهم إلا ما يوافق هذا القول...)) أما الأراء الأخرى التى لا تقول بعصمة الأنبياء أو التى تثبت العصمة عن كل هفوة فهى أقوال شاذة غير صحيحة فلا حجة بها.

_و ننوه هنا إلى أن بعض الباحثين استعظم أن ينسب للأنبياء صغائر الذنوب و يحاول بعضهم تأويل النصوص التى تدل على ذلك و هو تأويل فاسد مردود و كان سبب انكارهم أمرين:

(1) لأن ذلك يتنافى مع الكمال حتى لو تابوا من الذنب
و هذا غير صحيح فالكمال هو كمال بشرى كما أن التوبة تغفر الحوبة و لا تنافى الكمال و التائب من الذنب كمن لا ذنب له بل إن حال العبد بعد توبته قد يكون أفضل من حاله قبل التوبة و لذلك لما يكون فى قلبه من الندم و الخشوع و الخشية من الله تعالى و لما يجهد به نفسه من الاستغفار و الدعاء و لما يقوم به من صالح الأعمال يرجوا بذلك أن تمحو الحسنات السيئات

(2) لأن ذلك يتنافى مع الأمر بالتأسى بهم فكيف نتأسى بهم و هم يرتكبون الذنوب ؟
و قولهم هذا قد يكون صحيحاً لو كانت معصية الأنبياء من الكبائروالخبيثة أو صدرت عن عمد و استكبار أو لم يتوبوا منها و هذا كله لم يحدث.
بل كانت ذنوبهم من الصغائر التى لا تصدر عن عمد ولا تعدو أن تكون إما هفوةً و إما غفلةً و إما ترك للمستحب كما يقول البعض (حسنات الأبار سيئات المقربين) زد على هذا أن الله كان يوفقهم للتوبة منها سريعاً بلا تأخير, و بذلك نرى أن ما اوردوه لا يصلح أن يكون دليلاً بل يكون التأسى بهم فى هذا منصباً على الاسراع فى التوبة عند وقوع المعصية و عدم التسويف فى هذا, و بهذا يكون الأنبياء نعم القدوة و المثل فهم لا تصدر منهم الفاحشة فنتأسى بهم بذلك و نعظم حرمات الله و لا نسلك سبيل الهوى و الضلال أبداً اما الصغائر من الذنوب فذلك مما لا سبيل لنا إلى منع وقوعه و إن كنا لا نسعى إليه و هنا نجد الأسوة فى أنبياء الله أيضاً الذين كانوا إذا صدرت منهم زلة أسرعوا إلى التوبة و الاستغفار و لم ييئسوا من رحمة الله و لم يصروا عليها أبداً.

و من أمثلة الأمور التى لا تنافى العصمة:

الأعراض البشرية الجبلّية لا تنافى العصمة, فإبراهيم عليه السلام أوجس فى نفسه خيفة عندما رأى أيدى ضيوفه لا توتد إلى الطعام الذر قدمه و لم يكن يعلم أنهم ملائكة تشكلوا فى صورة بشر ((هود 70))

_و موسى وعد الخضر بأن يصبر فى صحبته فلا يسأله عن شىء يفعله العبد الصالح حتى يُحدث له منه ذكراً و لكنه لم يتمالك نفسه إذ رأى تصرفات غريبة فكان فى كل مرة يسأل أو يعترض أو يوجه و فى كل مرة يذكره العبد الصالح و يقول له((ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا)) و عندما كشف عن سر أفعاله قال(( ذلك تأويل ما لم تستطيع عليه صبرا)

_و غضب موسى و أخذ برأس أخيه يجره إليه و ألقى الألواح عندما عاد إلى قومه بعد أن تم ميعاد ربه فوجدهم يعبدون العجل ،ثم لما تأكد أن هارون عليه السلام لم يقصر فى ردعهم هدأ و دعى ربه قائلا ((قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ))

_و من ذلك ما وقع من نبى من الأنبياء حين لدغته نملة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ((نزل نبى من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار فأوحى إليه الله تعالى: فهلا نملة واحدة)).

_و من ذلك النسيان الطارىء العارض الذى يحدث لكل الناس بحكم بشريتهم فعن أبى هريرة قال: (( صلى رسول الله (صلى الله عليه و سلم) إحدى صلاتى العشى فصلى ركعتين ثم سلم, فقام إلى خشبة معروضة فى المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان و وضع يده اليمنى على اليسرى و شبك بين أصابعه و وضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى و خرجت السرعان من باب المسجد فقالو: قصرت الصلاة , و فى القوم أبو بكر و عمر فهابا أن يكلماه و فى القوم رجل يقال له ذو اليدين فقال : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنس و لم تقصر ثم قال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا نعم. فتقدم و صلى ما ترك ثم سلم ثم كبر و سجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه و كبر, فربما سألوه, ثم سلم ....)) متفق عليه
و عن ابن مسعود قال : قال رسول الله (ص) : (( و لكنى إنما أنا بشر, أنسى كما تنسون , فإذا نسيت فذكرونى)) قال هذا بعد نسيانه فى إحدى صلواته و هذا لا حرج فيه فالنسيان من سمات البشر و قد قال رسول الله (ص) " رُفع عن امتى الخطأ و النسيان و اُستكرهوا عليه",.
و أن الأنبياء بشر ينسون و ينامون و يغضبون و يضحكون و يتزوجون...((و قالوا كال هذا الرسول يأكل الطعام و يمشى فى الأسواق..)) و قال تعالى(( وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ))

-----
انتهى

اضف

هدا الكتاب
http://www.offok.com/rad/emad2.htm