يجلب استنساخ البشر التوالدى الدمار والخسران للبشرية. ويكفى أنه:
أولا: تعطيل سنة جواز الفطرة:
إن أخطر ما في استنساخ البشر تعطيل سنة الزواج. والعقلاء من البشر يؤمنون بأن أي صورة من صور الأسرة خارج إطار الزواج الفطري وبال علي البشرية. وأعني بالزواج الفطري الرباط الذي يجمع بين الرجل والمرأة في نطاق الشرع .


ثانيا: ظهور الأسرة المثلية:
وليس من الطبيعي قيام أسرة من جنس واحد؛ أعني من رجل ورجل, أو أنثي وأنثي. فالزواج فطرة الله. وليس من أساس الفطرة إقامة الأسرة علي علاقات شاذة, ما أنزل الله بها من سلطان, وما أقرها من لديه بقية من عقل. ولكن في ظل استنساخ البشر سيكون الناس أمام أوضاع غاية في الشذوذ.وستظهر صورة قبيحة للأسرة. أسرة من النساء خالصة عناصرها نساء في نساء؛ من امرأة صاحبة الخلية الأصلية وقطيع من أشباهها. وهنا ليس للذكر ضرورة البتة. والصورة القبيحة الأخري أمام أسرة من الذكران, وإن كان احتياج الرجل إلي بويضة المرأة شيء لا غني عنه. ومن يدري لعلهم ينجحون في أن يحمل الرجل!

ثالثا:لا خلود حتي في ظل الاستنساخ:
يقول تعالى: ((ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ)) (المؤمنون:15). والرائيليون عبدة الشيطان- وإن شئت قل إنهم الشياطين أنفسهم- يعتبرون "استنساخ البشر" ركنا أساسيا من أركان عقيدتهم حول "الخلق العلمي" ويزعم إبليس هذه الجماعة كلود فوريلون والذي أطلق علي نفسه اسم "رائيل" في كتابه "نعم للإستنساخ البشري": إن استنساخ البشر هو الوسيلة التي ستؤدي بالبشر مرحليا إلي الخلود والاستمرار الي الأبد. ونلفت النظر إلي أن شعار جماعة الخلود المزعوم "الرائيليين" هو نجمة داود تتوسطها قطعة من الثلج المندوف.

ضرورة تحريم الاستنساخ البشري شرعا وقانونا:
"قبل أن نفاجأ بأول نسخة بشرية نشير الي المساويء التي تنجم عن استنساخ البشر".
قد دونت تلك الجملة بخط يدى منذ عامين في كراسة المذكرات الخاصة بي, والآن وقد أعلن عن استنساخ أول بشر علي يد جماعة "الرائيليين" وسواء صح هذا الإعلان أو لم يصح, يحسن أن نوضح أن الاستنساخ حرام من وجهة الدين الإسلامى باعتباره الدين الذي يعصم البشرية الضالة من نفسها التي توردها مورد الهلاك. ويكفى فى ذلك أن الاستنساخ البشرى التوالدى تعطيل لسنة الزواج, وتعطيل لكثير من الآيات القرآنية على النحو التالى:

أولا- في استنساخ البشر تعطيل لسنة الفطرة المتعلقة بالزواج والإسلام شرع الزواج لتحقيق المودة والرحمة بين الزوجين: الرجل والمرأة. وجعل المرأة سكنا لزوجها يتغشاها. وجعل منهما بنين وحفدة: يقول الحق تبارك وتعالي:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (النساء:1).

واذا ما استشري في الناس وباء الاستنساخ البشري فأي أرحام يتساءل بها الناس. ولا حاجة للزوج إلي الزوجة حتي تبث منه رجالا ونساء. فالزوج حينئذ يكتفي بأمبراطورية الأشباه له, والمرأة لا حاجة لها إطلاقا الي الرجل. بل ستعيش بين إمبراطورية النسوة أشباهها. وفي ذلك عبث بفطرة الزواج وتعطيل للنص القرآني السابق. ولنصوص أخري نذكر منها:
1- ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)) (الأعراف:189).

2 – ((خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) ((الزمر: 6).


3- ((وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)) (النحل: 72).

4- ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون) ((الروم: 21).

5 – ((وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(( (فاطر: 11).

6- ((فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(( (الشوري: 11).


والإسلام لا يقر إطلاقا الفوضوية الجنسية التي تتخفي تحت شعارات كاذبة في أن الإنسان حر يفعل ما يشاء. واستنساخ البشر من شأنه أن يحطم العلاقات الإنسانية. ففي حالة استغناء النساء بالنساء في عملية التناسل بالاستنساخ تحريض علي العلاقات الشاذة بين الرجال والرجال. ففي مجتمعات الانحلال تخرج المرأة المتحررة لسانها للرجل وتقول له: ولي زمانك, فما أحتاجه من نسخة أو "ابنه" أستطيع بمفردي الحصول عليها دون الحاجة إليك. ومع أن الآيات التالية خاصة بقوم لوط إلا أنها عامة في كل من أتي بفعلهم المنكر. حيث يقول رب العالمين:


((أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ* وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ* قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ* قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ* رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ* فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ* ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ)) (الشعراء:165-174).


ويشير النص القرآني الصريح إلي أن فطرة الله أن يأتي الولد من ماء الرجل الدافق وماء الأنثي.


ثانيا- في الاستنساخ أو إن شئت قلت- "الاستمساخ"- يعطل دور ماء الرجل تماما ويتوقف الاحتياج الي ماء المرأة في الحصول علي البويضة المنزوع منها مادة الوراثة. وفى ظل الاستنساخ البشرى التوالدى تعطل الكثير من آيات القرآن من مثل قوله تعالى:


* ((فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ *خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ*يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ)) (الطارق:5-7).


* وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى* مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى)) (النجم: 45- 46).


* أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى *فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى)) (القيامة:37-39).



والاستنساخ البشري الكامل يمثل انحرافا عن الفطرة التي تجعل الزواج واللقاء بين الزوجين في نطاق الشرع الحنيف. وتمتع كل منهما بالآخر واختلاط مائهما. والسكن والمودة بينهما أساس بناء الأسرة المتحابة. ومع الاستنساخ سوف يحدث تفسخ للأسرة. ويتحلل المجتمع.
والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يشيران إلي ان عظم دور النطفة في خلق الانسان. والنطفة هي التقاء مني الرجل ومني الأنثي. فأين الاستنساخ البشري من ذلك. إنهم يفسدون الحياة ويتبعون الشيطان, وصدق قول الحق تبارك وتعالي فيهم: ((يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا)) (النساء: 120).
توافق عجيب أن تأتي آية تغيير خلق الله ضمن آيات سورة النساء التي مطلعها:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا))
والسورة تحدد المعالم لبناء الأسرة القوية, ببيان الحلال والحرام في علاقة النساء بالرجال, والميراث, والإقرار بأن الإنسان ضعيف أمام الشهوات, وتحذير من الذين يتبعون الشهوات. وتبدو المفارقة جلية بين إرادة الله وما يريده أهل الشهوات حيث يقول الحق تبارك وتعالي: ((وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا* يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)) (النساء:27-28).


والاستنساخ البشري لعب في خلق الله. ولا يملك أصحاب كذبة "الخلق العلمي" صناعة, ولا أقول خلق خلية حية واحدة. بل لا يملكون خلق الصبغيات (الكروموزومات) ولا خلق المورثات (الجينات). وقصاري جهدهم أنهم أخذوا الخلية الحية التي تجمع بين مورثات الأب (23 صبغيا) ومورثات الأم (23 صبغيا) وتحايلوا عليها بالتقنية الحديثة حتي يعيدوها سيرتها الأولي لتبدأ انقساماتها وتجمع في رحم امرأة وتنمو جنينا. والخطوة الرئيسية في ذلك أنهم عطلوا نداء الفطرة المتمثل في لقاء الذكر بالأنثي. إنهم حبسوا الإنسان في خليته الجسدية

بقلم: د. حسنى حمدان
أستاذ الجيولوجيا المساعد-جامعة المنصورة
عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية