بسم الله الرحمن الرحيم
- القرآن تطابق مع العلم الحديث في إبطال مذهب التطور.

- القرآن يلغي الفوارق بين البشر ويدعو إلى تواصلهم وهذا ما يريده علم الأنثربولوجيا.

- مفهوم الثقافة قرآني لا غربي.

- القرآن تطابق مع العلم الحديث في إبطال مذهب التطور.

- الدعوة الإسلامية في حاجة ماسة إلى المنهج الأنثروبولوجي.

مفكرة الإسلام: في هذه السطور نتوقف مع بعض المسائل الهامة في علم الأنثروبولوجيا من خلال الدراسة العلمية التي أعدها د. زكي محمد إسماعيل أستاذ الأنثربولوجيا بجامعة الإسكندرية بعنوان 'الأنثروبولوجيا في القرآن الكريم'.

وقد بدأت الدراسة بتعريف الأنثروبولوجي بأنه مصطلح من لفظين يونانيين .. الأول أنثربوس ويعني الإنسان.. والثاني لوجوس ويعني علم، والمعنى الاشتقاقي هو 'علم الإنسان'.. وبعض العلماء يعرفونه بأنه علم ثقافة الشعوب أو علم دراسة الإنسان وأعماله أو علم ثقافة المجتمع. وهناك علوم كثيرة تدرس الإنسان مثل علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الأخلاق وعلم السياسة وعلم الاقتصاد، ولكن كلا منها يدرس الإنسان من ناحية معينة.

فمثلا علم النفس يدرس الإنسان من حيث السلوك فهو إذا علم السلوك، وعلم الاجتماع يدرس الإنسان من حيث كونه عضوا في المجتمع.. وهكذا.

أما علم الإنسان فيدرس الإنسان من كل هذه الزوايا عن طريق منهج المعايشة الميدانية. والباحث في الأنثروبولوجيا كي يدرس مجتمعا فلا بد أن يكون هذا المجتمع محدودا، فيعايشه ويندمج معه ليعرف قيمه وعاداته وتقاليده ورموزه وثقافته وملامح أفراده، من حيث تكوينهم الجسمي مثل الطول ولون الشعر والعينين وشكل الجبهة والشفتين... الخ. حتى تكون فكرته عن هذا المجتمع متكاملة وشاملة.

علم إسلامي أصيل

وتقول الدراسة إن علم الإنسان أو علم الأنثروبولوجيا الذي يدعي الغرب أنه علم غربي لم يعرف إلا منذ قرنين من الزمان، إنما هو علم عربي إسلامي أصيل، لأن الرواد من العلماء المسلمين الرحالة الذين جابوا الأقطار المختلفة كانوا أنثروبولوجيين بمعنى الكلمة قبل أن يظهر هذا المصطلح في أوروبا. وقد قام هؤلاء العلماء الرحالة برحلاتهم اهتداء بقول الله تعالى [أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف بدأ الخلق]. وقول الله تعالى [ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة] فهؤلاء العلماء طافوا العالم ودرسوه جيدا وسجلوا كل شيء عن شعوبه المختلفة حسب مفردات منهج الأنثروبولوجيا الحديث.

وعلم الإنسان الذي يقوم على مقارنة الشعوب والمجتمعات بعضها ببعض، يهدف إلى الوصول إلى أن الجنس البشري واحد وأنه مؤتلف لا مختلف، وأنه يجب أن يتواصل لا أن يتباعد. وعن علاقة علم الإنسان بالقرآن يقول د. زكي إسماعيل إنها علاقة وثيقة لأن القرآن أنزله الله لهداية البشر جميعا فمحور القرآن هو الإنسان، وعلم الإنسان علم وضعي وضعه الإنسان لدراسة الإنسان ليصل إلى نفس الهدف وهو فهم، الإنسان ومن خلال هذا الفهم يمكن أن يحدث التقارب لا التباعد والوئام لا الخصام. فسبب الحروب التي تحدث بين الشعوب كانت النتيجة أن الإنسان لا يفهم الإنسان. وحتى في البلد الواحد كيوغوسلافيا وروسيا تقوم الحروب بين أهل البلد الواحد لأن الصرب والروس لا يفهمون المسلمين.. ونفس الأمر يحدث في كل أنحاء العالم ولهذا قامت الحرب العالمية الأولى والثانية.. فهتلر قال إن ألمانيا فوق الجميع ولم يفهم أن أوروبا لها كبرياؤها وكرامتها.


وهكذا فإن علم الإنسان يهدف إلى الوصول إلى وحدة الجنس البشري وفهم الإنسان للإنسان بلا فوارق وبالتالي فهو يلتقي مع الإسلام الذي يقول [كلكم لآدم وآدم من تراب]. ويقول أيضا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم [لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى]. وهكذا فإن المفاضلة في الإسلام بين إنسان وإنسان تختلف تماما عنها في البراجماتية الأمريكية أو الرأسمالية الغربية أو الشيوعية الشرقية.

وعلم الإنسان يدرس الإنسان من حيث جسمه وطبيعته البيولوجية، ومن خلال هذه الدراسة وصل هذا العلم إلى أمور هامة، لكن سبق القرآن هذا العلم فذكر هذه الأمور في قوله تعالى [ولقد كرمنا بني آدم ورزقناهم من الطيبات وحملناهم في البر والحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا]. وهذا التفضيل قال عنه المفسرون التقليديون عند تمييز الإنسان عن الحيوان بأنه يعيش منتصبا على رجليه ويأكل بيديه وينظر للأمام، ولكن دراسات علم الإنسان الفيزيقي تجاوزت آراء المفسرين التقليديين وقالت إن الإنسان لم يكرمه الله فقط بالعقل والفكر وإبداع الثقافة وإنما بتكوين جسمي عضوي فريد يتجلى في التركيب المخي المتميز بتعقيد معين لا يوجد في غيره من المخلوقات. كما يتميز بالتركيب الخاص للقدم والحوض والسيقان والسلسلة الفقرية واليدين والإبصار.

والباحث المتعمق في هذه الأمور يصل إلى أن الله لم يخلق الإنسان عبثا وإنما لغاية وحكمة معينة.

القرآن أبطل مذهب التطوريين

لقد استطاعت الأنثروبولوجيا أن تدرس الإنسان في تاريخه الطبيعي منذ ملايين السنين، واستطاعت أن تصل إلى أن الإنسان الحالي اختلف عن الإنسان الأول ولكن ذلك كان في الطول وشكل الوجه والشفاه، إلا أن الإنسان هو الإنسان خلقه الله بشرا من آدم.

لكن للأسف فإن كتب الأنثروبولوجيا محشوة بخزعبلات داروين الذي قال بالانتقاء الطبيعي وإن الإنسان خلق من غيره من الحيوانات التي هي أقل منه في الدرجة، وإنه كان يمشي على أربع ولكن مع التطور أصبح يحاول أن يدافع عن نفسه، ومن هنا استطاع أن يمشي على رجلين ويبدأ في النهوض، وحينما وصل إلى هذا بدأت جبهته تختلف، ووجود الجبهة أحدث نموا في الدماغ فأصبحت رجلاه الأماميتان يدين. إلا أن تلاميذ داروين أنفسهم انتقدوا هذا الكلام لأن معنى وجود الجبهة لا يعني اتساعا في المخ وحتى لو أن هناك اتساعاً في المخ فأين كانت مراكز اللغة وكيف تطورت حتى نطق الإنسان؟

لقد ذكر القرآن التطور فقال [ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا].. والأطوار هذه هي أطوار الجنين وتحوله من النطفة إلى المضغة إلى العلقة .. الخ. والقرآن يقول إن الله هو الذي خلق آدم بيديه خلقا خاصا، وكذلك خلق كل مخلوق غير الإنسان.. والعلم يقول لنا إن الخروف لم يتطور إلى الغزالة وإن الجمل لم يتطور إلى الحصان.

والعلم يقول أيضا إن الحصان ذا الحوافر احتاج إلى 50 مليون سنة كي يتطور إلى حصان بلا حافر، وعلى هذا فلو سلمنا بصحة كلام داروين فإن القرد يحتاج إلى بلايين السنين كي يتطور إلى إنسان، بينما يتحدث العلم عن 15 مليون سنة فقط هي عمر الإنسان. وإذا قلنا إن الإنسان يتحول إلى قرد فإن هذا ينفي أن الله قادر على أن يخلق من جديد.. لكنه سبحانه وتعالى حسم هذا الأمر فقال [ أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير]. وقال أيضا [قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة]. والله تعالى يخلق هذا البشر مرة أخرى يوم القيامة وكأنه سبحانه وتعالى يقول أنا أستطيع أن أفعل ذلك ولست بحاجة إلى أن يحدث التطور بين الكائنات. وهناك آية أخرى تدحض كلام داروين وهي [والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع].. وإذا كان التطور صحيحا لذكر الله تعالى من يمشي على أربع أولا. ثم إن العلم لا يمكن أن يقوم إلا بالتجريب، فهل قام داروين بهذا التجريب وشاهد بعينيه، هذا محال وما كان كلامه إلا تخمينا وظنا، والظن لا يغني عن الحق شيئا.

مفهوم الثقافة قرآني لا غربي

إن مفهوم الثقافة – كما يقول الباحث – هذا المفهوم الذي يعتبر أهم أبحاث الأنثروبولوجيا المعاصرة هو مفهوم قرآني لا غربي على عكس ما يدعي علماء الغرب. فالفعل ثقف يثقف ثقافة بمعنى الإدراك والفهم والوعي والتبصر، والقرآن يقول [واقتلوهم حيث ثقفتموهم]. ويقول أيضا [فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم]، ويقول كذلك [إن يثقفونكم يكونوا لكم أعداء] ، فالمفهوم إذا موجود في القرآن وموجود أيضا في صلب اللغة العربية. إن الثقافة في المفهوم الأنثروبولوجي لا تعني العلم والتعلم، ولكن تعني العادات والقيم والمفاهيم والرموز التي تميز شعبا أو مجتمعا عن شعب ومجتمع آخر. والقرآن حدثنا عن ثقافات العالم كله منذ نشأ هذا العالم من خلال الرسل والأقوام الذين آمنوا والذين كفروا..الخ.

الأنثربولوجيا وعلاقتها بالدعوة الإسلامية

إن المنهج الأنثروبولوجي هو المنهج الذي أصبح الآن منهجا مختارا لدراسة المجتمع على أساس معايشة هذا المجتمع ودراسة لغته وعاداته على الطبيعة والاختلاط به والتفاعل معه. والدعوة الإسلامية لن تؤدي دورها ولن تؤتي أكلها إلا من خلال هذا المنهج الأنثروبولوجي، فالداعية لابد أن يتعلم لغة القوم الذين سيدعوهم، ولذلك بدأ الأزهر ينتبه ويدرس اللغات الإسلامية بجانب اللغات الأوروبية.

فالداعية قد يعمل في مجتمع وثني مثل مجتمع جنوب السودان، وأوروبا كانت ترسل ولا زالت طيلة القرن العشرين علماء أنثروبولوجيين يعملون مبشرين.. وقد رأيت هؤلاء في قبائل الشلك يترجمون الأناجيل لهذه القبائل رغم أن لغتهم تنطق ولا تكتب.. ومع ذلك استطاع هؤلاء العلماء المبشرون أن يكتبوها لهم وأن ينصروهم.. وكان هؤلاء العلماء المبشرون حريصين على إقامة ثلاثة أشياء، أولا الكنيسة ليقيموا فيها الصلوات، وثانيا المدرسة ليتعلم أهل القبائل الإنجليزية ثم يستفاد من خريجيها في الأمور الإدارية، وثالثا المستشفى.

وفي أوائل السبعينات نزل التجار المسلمون على مكان عاصمة الشلك وأخذوا ينشئون الكتاتيب ويعلمون الأطفال العربية ومبادئ الإسلام وبدأت إدارات الري المصرية العاملة في السودان تستجلب عددا من العمال وتعلمهم العربية ومبادئ الدين الإسلامي ثم يدخلون في الإسلام.

وهكذا فإن الدعوة الإسلامية في حاجة ماسة إلى المنهج الأنثروبولوجي الذي يفرض على الباحث أن يعيش وسط القوم الذين يدرسهم سنة على الأقل. وكان ابن بطوطة أنثروبولوجيا من الطراز الأول فقد استغرقت رحلته 25 سنة حلل فيها المجتمعات تحليلا واستمرت رحلة علماء مسلمون ورحالة غيره عشرة وخمسة عشر عاما.

---------------------------------------------------
المصدر: موقع مفكرة الإسلام