ثمرة من ثمار دعوتنا السلفية في بيت المقدس


{راهبٌ من روما يعلن إسلامه في المسجد الأقصى المبارك}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .

لقد حفل التاريخ الإسلامي قديمه وحديثه بنماذج رائعة من المهتدين الذين ارتفعت همتهم في البحث عن الدين الحق، وبذلوا في سبيل ذلك النفس والنفيس، فصاروا مضرب الأمثال، وحجة الله على خلقه إن من انطلق باحثا عن الحق مخلصا لله تعالى، فإن الله عز وجل يهديه إليه، ويمنّ عليه بأعظم نعمة في الوجود، نعمة الإسلام، ورحم الله شيخنا الألباني ، فقد كان كثيرا ما يردد { الحمد الله على نعمة الإسلام والسنة}. ومما أثر عن السلف ما أُثر عن ابن شيبة رحمه الله قال: ( أن من نعمة الله على الأعجمي والحدَث إذا نسك، أن يؤاخي صاحب سنة فيحمده عليها).

{ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله } بكلمة التوحيد ، بالكلمة الطيبة ، بمفتاح الجنة ، هذه الكلمة كانت المحطة لطريق طويل مليء بالصعوبات والعناء ، لم تكن كلمة التقوى بالسهلة حين يريد أن يحرك الإنسان لسانه بها ، وحين يريد أن تخرج من أعماق قلبه ، لأنه إذا أراد الإنسان أن تخرج من أعماق قلبه فعليه أولاً أن يعلم أنها تخرج بإذن الله ـ تعالى ـ وهكذا صار مع إبراهيم (دانيال سابقاً) ـ حفظه الله وسدده على طريق الاستقامة وختم حياته على دين الله الإسلام ـ

ها هو يروي لنا كيف غادر دين قومه النصرانية إلى الإسلام، وكيف ضحى في سبيل { الحقيقة الكبرى} بثراء أبيه ورغد العيش، باحثاً عن خلاص عقله وروحه.

يقول إبراهيم (دانيال سابقاً) ـ حفظه الله وثبته على طريق الاستقامة: كنت رجلاً من أهل روما أبن لعائلة ثرية عشت طفولة برفاهية وترف ، هكذا عشت طفولتي ، وفي فترة الشباب أيضاً قضيت كثيراً من وقتي بالترف مع الأصدقاء وكنت أمتلك سيارة فاخرة وكانت لدي النقود امتلك أي شيء ولم ينقصني شيء.

لكن منذ طفولتي و أنا أشعر أن هناك شيئاً ما ينقصني في هذه الحياة ، كنت على يقين أن في حياتي خطأً ما ، وفراغاً يجب أن أمليه فلم تكن كل وسائل هذه الحياة هي هدفي . اتجهت نحو الدين وبدأت أقرأ الإنجيل وأذهب إلى الكنيسة وشغلت نفسي بقراءة الكتب الدينية النصرانية . من خلال هذه الكتب بدأت أجد بعض الأجوبة لتساؤلاتي ولكن مازالت غير مكتملة ، كنت استيقظ مبكراً كل يوم أذهب إلى الشاطئ أتأمل البحر وأقرأ الكتب وأقوم بالصلاة وبعد شهرين من بداية هذه الحياة اقتنعت بأني غير قادر على ممارسة حياتي الطبيعية بعد التدين، عندها ذهبت إلى والدي وأخبرته أنني لا أستطيع إتمام عملي معه ، وذهبت إلى أمي وأخوتي وأخبرتهم أنني قررت أن أتركهم وجهزت حقيبتي وركبت القطار ، لا أعلم إلى أين أنا ذاهب ، وصلت مدينة بولون والتحقت في الدير هناك وصعدت على جبل عالي وبقيت على الجبل قرابة الشهر لا أكلم أحداً ، أقرأ وأتعبد .

أمضيت قرابة ثلاث سنوات متنقلاً من دير إلى دير ، أقرأ وأتعبد على عكس الرهبان الذين لا يستطيعون مغادرة أديرتهم ، لأني لم أعطي الوعد بأن أصبح راهبا في دير معين، وهذا الوعد يمنع من كثرة الخروج من الدير.

بعدها قررت التجوال في البلدان فبدأت رحلتي الطويلة من ايطاليا مرورا بسلفونيا ، هنغاريا، النمسا، رومانيا ، بلغاريا، تركيا، ايران، باكستان، ومن هناك إلى الهند كل هذه الرحلة كانت عبر البر، سمعت صوت الآذان في تركيا ولقد كنت سمعت الآذان في القاهرة في رحلة سابقة ولكن هذه المرة أثر في وأحببته . وفي أثناء رجوعي على الحدود الإيرانية الباكستانية تعرفت على مسلم شيعي استضافني هو وزميله وبدءا يشرحا لي الإسلام حسب النظرة الشيعية وذكرا لي الأئمة الإثنى عشر ولم يذكرا لي الإسلام كمفهوم الإسلام، بل ركزوا على التشيع وعن الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ وعن انتظار عودة الإمام المخلص الذي سيأتي لإنقاذ الناس، كل هذه المناقشات لم تثير اهتمامي ولم أجد أجوبة لتساؤلاتي في البحث عن الحقيقة ،عرض علي هذا الشخص تعلم الإسلام في مدينة قم الإيرانية لثلاثة أشهر من غير مقابل، لكني أكملت رحلتي وتركتهم وذهبت إلى الهند وأول ما نزلت من القطار رأيت الناس يحملون قناديلا في ساعات الفجر المبكر مهرولين إلى داخل المدينة فتبعتهم فرأيتهم يطوفون حول بقرة مصنوعة من الذهب ، عندها أدركت أن الهند لم يكن بها ما أبحث. بعدها عدت إلى ايطاليا حيث مكثت شهرا كاملا في المستشفى كدت أن أفقد حياتي لما حملت من المرض من الهند لكن الله سلم ، والحمد لله.

نزلت من المستشفى إلى البيت وبدأت أفكر عن الخطوات التي سأتخذها بعد هذه الرحلة الطويلة ، فقررت أن أبقى مستمرا في طريقي في البحث عن الحقيقة . رجعت إلى الدير وبدأت أمارس حياة الرهبنة في أحد الأديرة في روما حيث طلب مني كبير الرهبان إعطاء الكلمة والوعد في تلك الليلة فكرت طويلا ، وفي الصباح قررت عدم إعطائهم الكلمة وتركت الدير، شعرت أن شيء ما دفعني للخروج من الدير ، بعدها قررت التوجه إلى القدس لإيماني بقدسيتها . فسافرت إلى القدس عبر البر مارا بالبلدان التي مررت بها إلى أن وصلت سوريا، ولبنان، وعمان، والقدس، أمضيت أسبوعا في القدس، وبعدها عدت إلى ايطاليا فزادت تساؤلاتي ، عدت إلى البيت وفتحت الإنجيل في هذه اللحظة شعرت بأنه لا بد لي أن أقرأ الإنجيل من البداية فبدأت بالتوراة ماراً بقصص أنبياء بني إسرائيل في هذه المرحلة بدأت تتبلور عندي المعاني الحقيقية للرسالة التي بعثها الله . وبدأت أشعر بها، وينتج عن هذا أسئلة لم أجد لها أجوبة حاولت أن أجد لهذه التساؤلات أجوبة من خلال مكتبتي المليئة بالكتب المتعلقة بالإنجيل والتوراة. حينئذ تذكرت صوت الأذان الذي كنت اسمعه في تنقلاتي بين البلدان ومعرفتي بأن المسلمين يؤمنون بإله واحد لا إله غيره ، وهذا الذي كنت أعتقده ، فقلت : بأن لا بد لي من التعرف على الإسلام فبدأت أقتني كتبا عن الإسلام وكان عندي القرآن الكريم باللغة الإيطالية كنت اشتريته من خلال رحلاتي .

بعد إطلاعي على هذه الكتب وجدت أن الإسلام ليس كما هو مفهوم عند كثير من الغرب بأنه دين قتل وتسلط ولكن وجدته دين رحمة ووجدت أنه قريب في المعنى الحقيقي للتوراة والإنجيل، فقررت أن أعود إلى القدس لأنني أؤمن بأن القدس مهبط الرسالة السابقة ولكن هذه المرة استعملت الطائرة من إيطاليا إلى القدس . نزلت في المكان الذي ينزل فيه الرهبان والزوار تحت رعاية الهوسبيس الأرمني في البلدة القديمة . لم أحمل في حقيبتي إلا قليل من الملابس والقرآن المترجم والإنجيل والتوراة . فبدأت أقرأ أكثر فأكثر وأقارن بين ما في القرآن وما في التوراة والإنجيل فوجدت أنه قريبٌ من رسالة موسى وعيسى عليهما السلام الحقيقية، بدأت أتكلم مع أناس مسلمون سائلاً إياهم عن الإسلام حتى قابلت صديقي العزيز وسيم حجير وتكلمنا معاً عن الإسلام وقابلت كثيراً من الأصدقاء وكانوا يشرحوا لي عن الإسلام . بعد حين قال لي الأخ وسيم أنه سيعقد لقاء بيني وبين أحد الأخوة الدعاة إلى الله، فكان اللقاء مع الأخ العزيز أمجد سلهب فكانت بيننا محادثة طيبة عن الدين الإسلامي ومن أكثر الأشياء التي أثرت بي قصة الصحابي الجليل سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ لما فيها من التشابه مع قصة في البحث عن الحقيقة ، ولقد جمعنا لقاء آخر مع الأخ أمجد وكان معه رفاقه ومن بينهم فضيلة الشيخ هشام العارف ـ حفظه الله ـ فدار الحديث عن الإسلام وعظمته وكان عندي بعض الأسئلة فأجاب عنها فضيلة الشيخ . فبقيت أتردد عند الأخ أمجد وكان يوضح لي كثيرا من المسائل ، حينئذ كان أمامي خيارين إما أن أتبع الحق أو ارفضه ولم يكن باستطاعتي الرفض بعد أن آمنت أن الإسلام هو الطريق الصحيح ، في هذا الوقت كنت جالسا وحدي وكأني أشعر بأن الوقت قد حان للتلفظ بكلمة التوحيد وأن أنطق بالشهادة فإذا بالأخ أمجد قد جاءني وكان موعد الأذان لصلاة الظهر قد حان فما كان مني إلا أن تلفظت بـ "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ـ فعانقني الأخ أمجد وهنأني بالإسلام وسجدنا سجود شكراً لله على هذه النعمة، وطلب مني الاغتسال والذهاب إلى المسجد الأقصى لصلاة الظهر وهناك وبعد انتهاء الصلاة قابلت المصلين بالشهادة التي من الله بها علي ، وبعدها بدأت أطلب العلم وقد وفقني الله أن أطلب العلم على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.

والحمد لله على الإسلام والسنة.

وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .


منقول .