أما بالنسبة لدعوى الدكتور / هاني رزق الله في استدلاله على عقيدة التثليث بأن كل المخلوقات مركبة مما يوحي أن الذات الإلهية أيضًا مركبة , فهذا هو الكفر بعينه , لأن دعواه فيها تشبيه الخالق بالمخلوق وهذا ما لا يقبله دين من الأديان , قال تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11 , وجاء في العهد القديم : " أيها الرب إله إسرائيل , لا إله مثلك في السماء والأرض " ( أخبار الأيام الثاني 6 : 14 ) , وأيضًا : "ليس مثل الله " (تثنية 34 : 26 ) , " فبمن تشبهون الله ؟ وأي شبه تعادلون به ؟ " (إشعياء 40 : 18). فكيف بعد كل هذا نشبه الله بمخلوقاته ؟!

أما ما ادعاه البابا شنودة لا يختلف كثيرًا عن دعوى الدكتور / هاني رزق الله من تجسيد وتشبيه لله جل في علاه بمخلوقاته , لكن العجيب في الأمر هو : ما الذي يجعل البابا يحوم دائمًا حول التثليث في وصف الأشياء يريد بذلك تبرير التثليث بالواحد , فالنار لها دخان ولهب واحتراق ورماد , ولها صفات أخرى لا تنحصر في النور والحرارة فما الذي يجعله يقف عند حد التثليث ؟ !

ويبرر تثليث النصرانية أيضًا بالإنسان له ذات وعقل وروح , ونقول : الإنسان أيضًا له سمع وبصر , ورغبة وشهوة , وصفات كثيرة متعددة تشكل في النهاية شيئًا واحدًا هو الإنسان , فلماذا التثليث فحسب ؟!

والذي يقوله البابا والنصارى من خلفه خلط عجيب بين تعدد الذات وتعدد الصفات !
فالنار بصفاتها شيء واحد , والإنسان بصفاته شيء واحد , لكن ذلك لا يعني أن النار والإنسان شيء واحد !
كما أننا يمكننا أن نقول : البابا شنودة هو رئيس تحرير مجلة الكرازة , وهو رئيس الأقباط في مصر , وهو المولود باسم نظير جيد , وكل هذه الأشياء صفات لشخص واحد وهى غير مجسمة أو منظورة أو مستقلة , بمعنى : أن وظيفة البابا في الكنيسة ليست شخصًا ضرب وصُلب وتألم وقبر , أو أن رئاسته لمجلة الكرازة لا تعد شخصية تحل على الأنبياء ويتعمد بها الناس !
وبالتالي نحن لا يمكننا أن نقول : أن البابا شنودة وبولس الرسول والبابا يوحنا بولس بطريارك الكاثوليك السابق كل ذلك شخص واحد !
فهؤلاء أشخاص متعددون , والفرق بين تعدد الذات وتعدد الصفات واضح لا يحتاج إلى دليل , وأنتم قد أقررتم أن المسيح ذات وأن الروح القدس ذات والآب ذات , ثلاث ذوات متميزة بالأعمال والصفات , وذلك في معنى كلمة " أقنوم " , فكيف يقال عنهم بعد ذلك بأنهم وحدة واحدة ؟!

وإذا جعل البابا المسيح صفة من صفات الله تعالى قياسًا على مثل النار والإنسان , فمعنى هذا أنه عندما مات المسيح على الصليب ( كما زعموا ) فقد ماتت صفة من صفات الله !

وإذا كان الثلاثة واحدًا , فموت أحد الثلاثة يعني موت الجميع , وما الذي يبقى من النار إذا فقدت حرارتها ؟! , وما الذي يبقى من الإنسان إذا فقد عقله وروحه ؟! , وقياسًا : فما الذي يبقى من الآب أو الروح القدس إذا مات الإبن ؟!

وهكذا يريد البابا أن يخلط العبارات ببعض ليلقي الذر في العيون فتعمى عن معرفة الفرق بين تعدد الصفات للشيء الواحد وبين تعدد ذوات الأشياء المتباينة !
فالإنسان منا له عدة صفات , فهل كثرة الصفات تعني تعددًا في الذات ؟ وهل يجوز أن يطلق شخصك نفسه على صفة الطول أو الكرم أو الذكاء ؟ وهل يتصور أن تنفصل إحدى الصفات السالفة ليطلق عليها الرصاص , أو تسمر على خشبة الصليب ؟!

إن لله تبارك وتعالى صفات عديدة جليلة , لكن إثباتنا لهذه الصفات شيء بعيد كل البعد عن القول بأن الآب هو الإبن وهو الروح القدس , وأن خالق الكون هو الذي صُلب على خشبة الصليب في أرضه على يد خلقه !
وحقيقة دعوى البابا إنما هى دعوى بعض المفكرين المسيحيين القدماء أمثال أوغسطين (ت/ 430م) وأتباعه لإثبات عقيدة التثليث .

فالتمثيل بالنار أو بالشمس وأوصافها الكثيرة لا يخدم قضية التثليث ولا التربيع في ذات الله, والأمر لا يعدو لونًا من اللعب بالألفاظ بل هو تمثيل يجلب النقص لله جل في علاه , وقد أقر بهذا العديد من الباحثين النصارى .

يقول الدكتور / هاني رزق الله : ( اتخذ أحدهم مثلاً من الشمس ليقرب معنى الثالوث فقال إن الشمس على هيئة دائرة وهي مضيئة ولها حرارة وقد أخطأ هذا الشخص رغم اجتهاده ، لأن الشمس لو رفعت عنها خاصية الحرارة لصارت ناقصة . أما في الثالوث المقدس (الآب والإبن والروح القدس) ، نجد أن الله الآب هو إله كامل ، الله الابن هو إله كامل ، الله الروح القدس هو إله كامل ، وهم أقانيم ثلاثة داخل الجوهر الواحد ولا يمكن الفصل بينهم ( ما معنى أن يسوع المسيح هو ابن الله؟ ص8 ) .

فكفى بالمنهج فسادًا أن يصعب على العلماء ضبطه !