.. المرء على دين خليله والشعوب على ملة حكامها

للحاكم اهمية ودور فعال ومؤثر جدا فى صلاح الامة او فسادها .. فالمرء على دين خليله والشعوب على ملة حكامها وولاة امرها .. ولم تكن آيات الله اساطير الاولين تتلى علينا بكرة واصيلا بل بها كل العبر وضربت كل الامثال لقوم يعقلون ويفقهون ويسمعون .. واظهرت الايات الكريمة مدى تأثير الحكام والملوك وولاة الامر فى مصائر شعوبهم التى تدين لهم بالسمع والطاعة .. وكيف نجت امم وشعوب وقبائل وهلكت اخرى لاتباعها لامر كل جبار مريد مستكبر بحكمه على الامتثال لاوامر الله ..
لذا فان قناعات الحاكم وما يدين به ويعتقده من الاهمية التى لا تقتصر على شخصه وطبائعه ومانحبه او نكره منه من خلق ولا يتعارض مع سمعنا وطاعتنا له .. ولكن الامر يذهب لابعد من ذلك اذا وصل لحد الخروج عن امور العقيدة والجرأة على الله وتبنى واتباع مناهج فاسدة باطلة معادية لله وموالاة اصحابها والترويج لها .. الامر فى هذة الحالة يؤدى الى افتتان العباد فى دينهم وضعف الامة وزوال قوتها وتمكين اعدائها منها ..
وتضرب لنا الايات الامثال التى توضح مدى أهمية الحاكم وتأثيره فى الرعيه ومصيرهم
- يوسف عليه السلام عندما اشتراه عزيز مصر كانت البلاد تعبد اربابا متفرقون ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر حيث قالت الايات على لسان يوسف الكريم (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ))
فلما اصبح يوسف امينا على البلاد واستخلصه حاكم مصر لادارة شئونها وجعله على خزائنها أسلمها نبى الله واهلها لعبادة الله الواحد القهار .. وبعد ان كانت مصر تمقت اى دعوة او رمز يشير لديانة التوحيد واتباعها .. وبعد ان سخر ملوكها من دعوه جده خليل الله ابراهيم واخرجوه من مصر رافضين الخضوع لعبادة الله الواحد مفضلين عليه اربابهم واوثانهم .. واذا بيوسف بعد ان مكنت له البلاد يدعو اهل التوحيد ابواه واخوته لدخول مصر آمنيين سالميين مبشريين ومنذرين وداعيين الى صراط ربهم المستقيم (( وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ))

- اهل الكهف فتيه امنوا بربهم وزادهم ايمانا .. عاشوا فترة حكم فيها اهل الشرك بلادهم .. اصروا الا يجعلوا لله اندادا (( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )) .. وامام جبروت وقسوة حكامهم وجنودهم وقومهم الذين كانوا على ملة حكامهم لا يعصون لهم امرا .. هربوا طلبا للامان الى الكهف ..
واستيقظوا بعد قرون وهم لا يدرون كم من الزمن امضوا وهم على خوفهم وفزعهم من اهل الباطل وجنوده ((وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا .. إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا )) .. واذا بالبلاد قد تبدل حالها حين حكمها ملك مؤمن فاهتدت البلاد الى عبادة الله .. تبدلت الاحوال من المطالبة قديما برؤوسهم ورجمهم الى التنافس بين الناس والمبالغة فى توقيرهم وتكريمهم لحد المطالبة ببناء مسجدا حولهم ((إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ))

-بلقيس ملكة سبأ كانت وقومها يسجدون للشمس من دون الله .. فلما أسلمت مع سليمان لله رب العالمين .. تحول قومها من الشرك للايمان وسجدوا لله الذى يخرج الخبء فى السموات والارض ويعلم ما يخفون وما يعلنون

_ فرعون يستكبر على الله ويستمسك باستبداده وجبروته باهوائه وقناعاته ويأبى الخضوع لله ويصر على اغواء قومه الذين تولوه ورفضوا المشورة والانصات الى اهل الحكمة والصلاح عندما دعاهم رجل مؤمن منهم قائلا ((يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ )) .. استخفهم فرعون بخيرات مصر والانهار التى تجرى من تحته وعظمة بلاده وثرواته وحضارته المبهرة وطريقته المثلى كما يراها لحكم البلاد فاعمى بصيرتهم عن الحق فاطاعوه (( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ )) ..
ضل فرعون فأضل قومه فتحملوا تبعيه اتباعهم لاهل الهوى والضلال ((وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى )) .. انبهروا بالظلم والظالمين ولم يستنكروا افعاله ولو بقلوبهم وناصروه واتبعوه واطاعوه فاستحقوا مشاركته بنفس المصير فى الاخرة مثلما شاركوه اهوائه واطاعوه فى الدنيا ولم يستثنوا من سوء العاقبة (( إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ))

- تركيا كانت من اكبر معاقل وحصون الاسلام وبها اخر عواصم الخلافة الاسلامية وكوكبة ودرر من اروع المساجد والمؤسسات الاسلامية .. وكان الاسلام الى ما بعد الحرب العالمية الاولى يمثل لدى مسلميها اهمية كبيرة وتشهد المراجع التاريخية والكتاب المعاصرين للقرن الماضى ان اهلها كانوا على درجة كبيرة من التعلق بالمساجد والالتزام الاسلامى .. فلما حكمها كمال اتاتورك العلمانى الفكر والمنهج و المبهور بالثقافة الغربية حاد بالبلاد بعيدا عن الاسلام و احدث تغيرات فتنت العباد فى دينهم واقتلعت الاسلام من البلاد والنفوس وحولته الى طقوس ومظاهر ولم يعد له فيها قرار ..
قناعات اتاتورك ومنهجيته العلمانية الكارهة لاى التزام دينى او حكم لله على ارضه أدت به الى الاصرار والتصميم على علمنة البلاد . .لم يبدأها بخطة متكاملة ولكن بمراحل سريعة متلاحقة وكأنه فى سباق مع الزمن لانتزاع هيمنة الاسلام من البلاد والقلوب .. انتزع اللغة العربية واستبدلها بالحروف اللاتينية .. ألغى التعليم الدينى تدريجيا وغير فى مناهج التعليم .. اغلق الحدود وانسلخ من الخلافة واى انتساب يربطه بدول الاسلام .. استبعد اهل العلم من المشايخ واستبدل اى بنود لمرجعية اسلامية من الدستور بقوانين غربية.. جعل الدين مهمشا مختصرا على الاعياد والمناسبات فبدا كطقوس من العبادات .. شجع اعلام وصحافة السفور والعلمانية وسياسة اعلامية جعلت من الحجاب احد مظاهر التخلف .. لم يكن الامر يسيرا ولا معبدا له ولكن تصادم كثيرا مع حماة الاسلام ولكن كانت الكفة تميل لاقوال العلماء الذين وجدوا من الحكمة الصبر والسمع والطاعة حتى لا تفتح ابواب للفتن والمفاسد واراقة الدماء .. وقد كان ووصلت تركيا الى الحال التى عليها الان .. كان الامر عهد اتاتورك يقتصر على الاطاحة به وببطانته واليوم اصبحت تركيا ملايين من الجنود والرعايا كل منهم اتاتورك .. ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم وارجو ان تأتى الصحوة هناك بثمارها

_ بورقيبة حول تونس الخضراء من ارض الخير والزوايا والمساجد والاولياء الصالحين الى بلاد ترتع فيها العلمانية السافرة المتبجحة حتى كاد ان يسقط فرائض الاسلام ويمنع صيام رمضان على اعتبار انهم فى مرحلة بناء للدولة ويحق لهم الافطار .. ولولا خوفه من ردود فعل المتشددين وعلماء الامة لبئس ما كان يفعل وجنوده
-ثورة يوليو 1952 فعلت بمصر ما عجزت عنه جيوش الاستعمار والكفر والشرك . .وحول زعيمها عبد الناصر مصر الى اكبر حصون فنون الفسق والسفور والعرى كان الراعى الرسمى لكتاب وادباء ومفكريين الشيوعية والاشتراكية والالحاد والعلمانية وكل التيارات المعادية للاسلام وجعل الدين مرجعية مهمشة لا ولاء ولا سلطان ولا حكم له
- وما صدام حسين عنا ببعيد الذى جعل من شخصه الها يعبد من دون الله فاطاعوه وسايروه ونصبوا له التماثيل .. وخافوه اكثر من خشيتهم لله فجلبوا على انفسهم الهلاك والخراب وغضب الله ..

-ان مفهوم السمع والطاعة فى الاسلام له حدود وخطوط لا يتعداها والا اصبح شركا بالله وعبودية لاهواء اشخاص ضلوا واضلوا السبيل لمجرد انهم يمتلكون القوة التى يمسكون بها بذمام الامور بالبلاد .. الطاعة للبشر ليست مجردة ولا مطلقة الا لله وحده لا شريك له . لا تكون فى معصية ولا خروج وردة عن تعاليم الله واوامره ونواهيه .. الطاعة لا تكون الا فى معروف وفى حدود الشرع .. وما يقره العلماء ويعلنوه ويقولوا فيه كلمته صراحة دون خوف او تحفظ او مواراه
كم من ممالك وامم اسلامية أضاعها حكامها وملوكها الذين افتتنوا فى دينهم واعتنقوا مذاهب وافكار اهل الكفر والشرك فى اسيا (بالهند والصين ) وغيرها.. والاندلس باوروبا .. وجزر وسلاطين وبلاد بافريقيا .. كم من ممالك اسلامية اضاعها علمائها عندما إلتزموا الصمت ولم يخلصوا لولاة الامر النصيحة واجمعوا عليهم شعوبهم سمعا وطاعة لاهوائهم وما تصدوا لهم بالكلمة او حتى الاستنكار بالقلب ..

ولاة امور المسلمين لابد ان يكونوا على قدر كبير من المسئولية باتباع المنهج الاسلامى الصحيح حين يحكمون شعوبا اسلامية .. فلا يليق ان يحكموا الاغلبية باهواء الباطل والشرك .. وان يكون لديهم وعى كافى بالاوامر والنواهى التى حددها الله حتى يلتزموها ولا يستخدون حق الطاعة استخداما سيئا يفتتنون به الناس فى دينهم ويستعبدون به العباد باهوائهم .. وايضا لابد ان يعى الرعية حقوقهم وواجباتهم وان يكونوا هم ايضا على وعى دينى بأوامر الله ونواهيه حتى لا يستدرجوا الى فعل المعاصى فتزل بهم الاقدام ويحل بهم عذاب مقيم وفى الحديث الشريف :
(( بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه ، فغضب عليهم وقال : أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى قال : قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها . فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا ؛ فلما هموا بالدخول فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض فقال بعضهم : إنما تبعنا النبي صلى الله عليه وسلم فرارا من النار أفندخلها ؟ فبينما هم كذلك إذا خمدت النار وسكن غضبه فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا ، إنما الطاعة في المعروف ))
الراوي: علي بن أبي طالب - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 7145