فليسمح لى القارئ هنا ان اقتبس بتصرف قول كاتب إنجيل برنابا مقدمة إنجيله :
[الآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى ، مبشرين بتعليم شديد الكفر ، داعين المسيح ابن الله ، وواضعين الرب فى رغيف ومحولين اياه إلى وجبة كومبو ، الذين ضل في عدادهم أيضا عقل الرهبان الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى ، وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق](1).

اقنعت بعض الطوائف المسيحية اتباعها بموضوع الأفخارستيا وهو مايعنى تحول ربهم تحول فعلى لا ينكره إلا مهرطق إلى خبز ونبيذ وهو ما يطلق عليه ايضا عقيدة الاستحالة (أي تغيير الخبز والخمر إلى ذات المسيح معبودهم) , وهم يعتمدون فى هذا على النص التالى من الإنجيل المنسوب لمتى 26: 26 – 28 حيث يقول مؤلفه متحدثا عن عشاء الفصح أو العشاء الأخير للمسيح مع تلاميذه :
[وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى تلاميذه وقال: خذوا كلوا، هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد، الذي يسفك من أجل الكثيرين لمغفرة الخطايا].

وعلى هذا النص تقوم تلك العقيدة فى بعض كنائس النصارى , وقبل ان نبطل عمل الشيطان ونوضح الحقيقة جلية لأتباع النصرانية دعونا نطرح هذا السؤال :
هل حضر المسيح فعلا العشاء الأخير أو عشاء الفصح المزعوم ؟

بالطبع وقبل أن يرتد للسائل طرفه وقبل أن ينهى سؤاله ستأتى الإجابة من أتباع الكنائس والتى دربهم عليها الكهنة والرهبان والتى تتلخص فى الإجابة بالتأكيد إستنادا للنصوص التالية من كتابهم :
[و في اليوم الاول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح قال له تلاميذه اين تريد ان نمضي و نعد لتاكل الفصح . فارسل اثنين من تلاميذه و قال لهما اذهبا الى المدينة فيلاقيكما انسان حامل جرة ماء اتبعاه . و حيثما يدخل فقولا لرب البيت ان المعلم يقول اين المنزل حيث اكل الفصح مع تلاميذي . فهو يريكما علية كبيرة مفروشة معدة هناك اعدا لنا . فخرج تلميذاه و اتيا الى المدينة و وجدا كما قال لهما فاعدا الفصح . و لما كان المساء جاء مع الاثني عشر . و فيما هم متكئون ياكلون قال يسوع الحق اقول لكم ان واحدا منكم يسلمني الاكل معي . فابتداوا يحزنون و يقولون له واحدا فواحدا هل انا و اخر هل انا . فاجاب و قال لهم هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة . ان ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه و لكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الانسان كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد . و فيما هم ياكلون اخذ يسوع خبزا و بارك و كسر و اعطاهم و قال خذوا كلوا هذا هو جسدي . ثم اخذ الكاس و شكر و اعطاهم فشربوا منها كلهم] [ مرقس 14: 12 – 23].

ثم يتابع من إنجيل لوقا 22: 7 – 20 :
[و جاء يوم الفطير الذي كان ينبغي ان يذبح فيه الفصح . فارسل بطرس و يوحنا قائلا اذهبا و اعدا لنا الفصح لناكل . فقالا له اين تريد ان نعد . فقال لهما اذا دخلتما المدينة يستقبلكما انسان حامل جرة ماء اتبعاه الى البيت حيث يدخل . و قولا لرب البيت يقول لك المعلم اين المنزل حيث اكل الفصح مع تلاميذي . فذاك يريكما علية كبيرة مفروشة هناك اعدا . فانطلقا و وجدا كما قال لهما فاعدا الفصح . و لما كانت الساعة اتكا و الاثني عشر رسولا معه . و قال لهم شهوة اشتهيت ان اكل هذا الفصح معكم قبل ان اتالم . لاني اقول لكم اني لا اكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله . ثم تناول كاسا و شكر و قال خذوا هذه و اقتسموها بينكم . لاني اقول لكم اني لا اشرب من نتاج الكرمة حتى ياتي ملكوت الله . و اخذ خبزا و شكر و كسر و اعطاهم قائلا هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم اصنعوا هذا لذكري . و كذلك الكاس ايضا بعد العشاء قائلا هذه الكاس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم].

ثم يختم كلامه من إنجيل متى 26: 17 – 27 :
[و في اول ايام الفطير تقدم التلاميذ الى يسوع قائلين له اين تريد ان نعد لك لتاكل الفصح . فقال اذهبوا الى المدينة الى فلان و قولوا له المعلم يقول ان وقتي قريب عندك اصنع الفصح مع تلاميذي . ففعل التلاميذ كما امرهم يسوع و اعدوا الفصح . و لما كان المساء اتكا مع الاثني عشر . و فيما هم ياكلون قال الحق اقول لكم ان واحد منكم يسلمني . فحزنوا جدا و ابتدا كل واحد منهم يقول له هل انا هو يا رب . فاجاب و قال الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني . ان ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه و لكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الانسان كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد . فاجاب يهوذا مسلمه و قال هل انا هو يا سيدي قال له انت قلت . و فيما هم ياكلون اخذ يسوع الخبز و بارك و كسر و اعطى التلاميذ و قال خذوا كلوا هذا هو جسدي . و اخذ الكاس و شكر و اعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم].

وإلى هنا يختم النصرانى كلامه ظنا منه أنه القم السائل الحجر واقام عليه الحجة وقد يهتز قلبه طربا من النعمة التى يظن أنها انسكبت من شفتيه فى إجابة السؤال وإفحام السائل ولعله يتابع قائلا : الا يكفيك كل هذه النصوص لأثبات صحة معتقدنا ؟

وبالطبع نحن كأهل حق يكفينا بالفعل تلك النصوص الثلاثة وحتى لو كان نص واحد لكان وفى وكفى لأثبات ان معتقدهم من داخل كتبهم المقررة عليهم من قبل الكنيسة , ولكن لنا هنا أن نسأل النصارى ورهبانهم سؤالا بسيطا لماذا لم نجد ردا من إنجيل يوحنا ؟ هل يوحنا لم يكتب عن هذا الموضوع ولماذا لم تبينوا لنا رأيه وحتى لا أطيل على القارئ دعونا معا نرى مايقوله كاتب إنجيل يوحنا حول هذا الطقس والذى هو أحد الأسرار السبعة التى لا مناص منها مادمت مسيحى , علشان الرب يحبك يقول يوحنا 18: 28 :
[ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا الى دار الولاية و كان صبح و لم يدخلوا هم الى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فياكلون الفصح ]

ويلاحظ القارئ هنا ان يوحنا يقر ان المسيح كان مقبوضا عليه قبل الفصح فبما انه كان مقبوضا عليه فى صباح الفصح فهذا يعنى انه لم يتناول عشاء الفصح مع التلاميذ .

وحتى نكون اكثر دقة وحتى نجيب على كل ما سيحاول به الكهنة إصلاح ما أفسده مؤلفى الأناجيل دعونا نتعرف على عيد الفصح وعشاء الفصح من نصوص كتابهم المقدس , فحول تاريخ وتوقيت عيد الفصح يقول مؤلف سفر العدد 23: 5 – 6 :
[في الشهر الاول في الرابع عشر من الشهر بين العشاءين فصح للرب . و في اليوم الخامس عشر من هذا الشهر عيد الفطير للرب سبعة ايام تاكلون فطيرا ].

أى أن ميعاد تناول الفصح يكون يوم الرابع عشر من شهر نيسان العبرى ويتم تناوله بين العشاءين ثم يليه فى اليوم التالى عيد الفطير والذى يستمر سبعة أيام .

وهو مايؤكده أيضا مؤلف سفر العدد حيث يقول 9: 2 - 5 :
[و ليعمل بنو اسرائيل الفصح في وقته . في اليوم الرابع عشر من هذا الشهر بين العشاءين تعملونه في وقته حسب كل فرائضه و كل احكامه تعملونه . فكلم موسى بني اسرائيل ان يعملوا الفصح . فعملوا الفصح في الشهر الاول في اليوم الرابع عشر من الشهر بين العشاءين في برية سيناء حسب كل ما امر الرب موسى هكذا فعل بنو اسرائيل].

ولنا هنا ان نوضح للقارئ الكريم أن عيد الفصح يكون فى اليوم الرابع عشر من شهر نيسان فقط وميعاد تناول حمل الفصح يكون بين العشاءين ثم يليه فى اليوم التالى أى يوم الخامس عشر من نيسان عيد الفطير والذى يستمر لمدة سبعة ايام , وعيد الفصح وعيد الفطير عيدان منفصلان وإن كان متتابعان .

وحتى لا يكذب الكهنة على اتباعهم من النصارى كمحاولة منهم لخداع عوام النصارى الذين هم فى عمومهم لم يقروا كتابهم ولو من باب الفضول أو يقرؤا اجزاء معينه منها بحسب ما يأمرهم رهبانهم فدعونا نوضح الموضوع بشكل اكبر من خلال نصوص كتابهم حتى لا ينخدع النصرانى أو لا يخدعه الكاهن وحتى نؤكد له ان عشاء الفصح لا يتناوله اليهود سوى بين عشاءين يوم الرابع عشر من نيسان فقط وحول هذه النقطة يخبرنا سفر الخروج 12: 5 - 10 :
[تكون لكم شاة صحيحة ذكرا ابن سنة تاخذونه من الخرفان او من المواعز . و يكون عندكم تحت الحفظ الى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر ثم يذبحه كل جمهور جماعة اسرائيل في العشية . و ياخذون من الدم و يجعلونه على القائمتين و العتبة العليا في البيوت التي ياكلونه فيها . و ياكلون اللحم تلك الليلة مشويا بالنار مع فطير على اعشاب مرة ياكلونه . لا تاكلوا منه نيئا او طبيخا مطبوخا بالماء بل مشويا بالنار راسه مع اكارعه و جوفه و لا تبقوا منه الى الصباح و الباقي منه الى الصباح تحرقونه بالنار].

وكما هو جلى وواصح من النص السابق فإن اليهود يذبحون حمل الفصح فى وقت واحد (يذبحه كل جمهور جماعة اسرائيل في العشية) ويأكلونه فى وقت واحد أيضا (و ياكلون اللحم تلك الليلة مشويا بالنار مع فطير على اعشاب مرة ياكلونه) ولا يصح تناوله فى أى يوم غير يوم الرابع عشر من نيسان بين العشاءين بل انه ايضا لا يجوز تناول ماتبقى منه فى أى يوم اخر أو حتى الإحتفاظ به (و لا تبقوا منه الى الصباح و الباقي منه الى الصباح تحرقونه بالنار) لذا يقوم اليهود بحرق ماتبقى من حمل الفصح قبل حلول صباح اليوم التالى يوم الخامس عشر من نيسان الذى يوافق أول ايام عيد الفطير بحسب مايخبرنا سفر الخروج ايضا 12: 15 :
[سبعة ايام تاكلون فطيرا اليوم الاول تعزلون الخمير من بيوتكم فان كل من اكل خميرا من اليوم الاول الى اليوم السابع تقطع تلك النفس من اسرائيل].

والآن بحسب الأناجيل الثلاثة الأولى بحسب الترتيب (متى – مرقس – لوقا ) فإن المسيح كان حاضرا مع تلاميذة عشاء الفصح وتناوله معهم ثم القى القبض عليه بعدها . أما إنجيل يوحنا فيخبرنا بأن المسيح كان مقبوضا عليه فجر يوم الفصح أى قبل أن يذبح اليهود حمل الفصح من اساسه وقبل ان يتناولوه بالطبع .

ولنا هنا ان نكرر سؤالنا مرة أخرى على النصارى .. هل حضر المسيح فعلا العشاء الأخير أو عشاء الفصح المزعوم ؟



(1). النص الأصلى لكاتب إنجيل برنابا :
[الآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى ، مبشرين بتعليم شديد الكفر ، داعين المسيح ابن الله ، ورافضين الختان الذي أمر به الله دائما ، مجوزين كل لحم نجس ، الذين ضل في عدادهم أيضا بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى ، وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق
].

أبن الفاروق المصرى
ebn_elfarouk@yahoo.com