بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان وبعد:

أخرج ابن حبان في صحيحه حديثاً رواه أبو هريرة رضي الله عنه، يقول فيه الرسول : " ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم ".

هذه دعوة الصائم، لا تُرَدّ، هذه دعوة الصائم الذي كان خلوف فمه أطيب عند الله من ريح المسك، دعوته لا ترد، يترك شهوته ويترك طعامه ويترك شرابه لوجه الله تعالى، فحينما يدعو لا ترد دعوته، فكيف بدعوة سيد البشر ؟

يا ترى هل نسي الصحابة رضوان الله عليهم هذه المكرمة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما عذّبوا في مكة قبل الهجرة إلى المدينة حتى اضطر بعضهم إلى الهجرة إلى الحبشة فراراً من الفتنة عن دينه؟ أنّى لهم ذلك وهو بينهم.

اسمعوا ما يرويه البخاري رحمه الله في صحيحه عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال: ( قد كان مِن قبلـِكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ليَتُمّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ).

استعجلوا وحق لهم الاستعجال، لأنهم لم يتوانوا عن مؤازرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عمله لإقامة دولة الإسلام . أفلا نستحيي من أنفسنا حينما نرفع أيدينا إلى الله عز وجل وندعو بالنصر والتمكين ونحن لا نعمل لهما؟

سيدي يا رسول الله لماذا لم تدع لك ولصحابتك الكرام بالنصر؟ لماذا وأنت دعوتك مستجابة؟

إنّ كل الأمة الإسلامية تستنصر وتدعو فأين الاستجابة؟ إنكم تدعون أيها الصائمون القائمون الكرام فأين الاستجابة؟

إن الجواب على هذا السؤال لا يكون إلا إذا كنا صادقين مع أنفسنا ومع ربنا تبارك وتعالى.أفلا نعتبر من صنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فلنسألْ أنفسنا: هل اكتفى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالدعاء فقط؟

ارجعوا إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لترَوا كيف أنّ عمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مكة مقروناً بشكوى كان كافياً لأن يتنزل جبريل عليه السلام وملك الجبال معه.

أجل، بسبب شكوى ولا أقول بسبب دعاء بالنصر، قال: " اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي " ولم يقل: اللهم انصرني.

هكذا عباد الله يستجيب الله سبحانه لعباده . حينما يعملون إلى إقامة حكم دينه في الأرض، ويتحملون الأذى المادي والمعنوي في سبيل ذلك، حتى إذا رفعوا أيديهم إلى السماء يشكون ضعفهم ويسترضون ربهم، أنزل الله بشارته عليهم وأيدهم.

إننا لسنا بحاجة إلى الدعاء بالنصر بقدر الحاجة إلى العاملين لإقامة الدولة الإسلامية ، فالدعاء بالنصر هو تحصيل حاصل بعد الالتزام بالعمل الجادّ لإقامة دولة الاسلام التي وعدنا بها الحبيب .

والحمد لله رب العالمين.