4-إنجيل يوحنا

من كتب إنجيل يوحنا ؟
وإذا لم يكن يوحنا هوكاتب الإنجيل ، فمن هو الكاتب الحقيقي ؟!
يجيب القس /فهيم عزيز قائلاً : ( هذا السؤال صعب ، والجواب عنه يتطلب دراسة واسعة غالباً ما تنتهي بالعبارة : لا يعلم إلا الله وحده من الذي كتب هذا الإنجيل ) .

وحاول البعض الإجابة عن السؤال من خلال تحديد صفات كاتب الإنجيل دون ذكر اسم معين ، جاء في مدخل الإنجيل للكاثوليك عن كاتب الإنجيل ما نصه : ( وليس لنا أن نستبعد استبعادًا مطلقاً الإفتراض القائل بأن يوحنا الرسولي هو الذى أنشأه , ولكن معظم النقاد لا يتبنون هذا الإحتمال . فبعضهم يتركون تسمية المؤلف ، ويصفونه بأنه مسيحي كتب باليونانية في أواخر القرن الأول في كنائس آسية حيث كانت تتلاطم التيارات الفكرية بين العالم اليهودى والشرق الذى اعتنق الحضارة اليونانية . وبعضهم يذكرون بيوحنا القديم الذى تكلم عليه بابياس . وبعضهم يضيفون أن المؤلف كان على اتصال بتقليد مرتبط بيوحنا الرسول , فلا عجب أن يكون " التلميذ الذى أحبه يسوع " تلك المكانة السامية . فوحد بينه وبين يوحنا بن زبدي ) .
ثم تتحفنا المقدمة بطلسم عجيب هذا نصه : ( ومن الغريب أن يوحنا الرسول الكبير الوحيد الذي لم يرد اسمه قط في الإنجيل الرابع - ! - ) ( الترجمة الكاثوليكية ص 287 ) .

وكما أشرنا مسبقًا أن بوليكارب (150م) تلميذ يوحنا بن زبدي لم يذكر إنجيل منسوب إلى يوحنا بن زبدي في قوائمه وفهارسه , وكذلك أسقف آسيا الصغرى بابياس الذي كان خبيرًا بروايات الرسل لم يشر إلى هذا الإنجيل !

تقول الموسوعة الكاثوليكية الحديثة : ( تعيين مؤلف الإنجيل الرابع مشكلة معقدة ) .
(New Cathloic encyclopaedia, vol.7,p.1080.)

ويقول مفسر إنجيل يوحنا/جون مارش عميد كلية مانسيفلد باكسفورد وعضو اللجنة المركزية لمجلس الكنائس العالمى في مقدمته للإنجيل ص 80 : ( ومن المحتمل أنه خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن الأول الميلادي قام شخص يدعى يوحنا ، من الممكن أن يكون يوحنا مرقس خلافاً لما هو شائع من أنه يوحنا بن زبدى .. وقد تجمعت لديه معلومات وفيرة عن يسوع ، ومن المحتمل أنه كان على دراية بواحد أو أكثر من الأناجيل المتشابهة ، فقام حينئذ بتسجيل جديد لقصة يسوع ) .

وذكر جورج إيلتون في كتابه " شهادة إنجيل يوحنا " أن كاتب هذا الإنجيل أحد ثلاثة : تلميذ ليوحنا الرسول أو يوحنا الشيخ ( وليس الرسول ) أو معلم كبير في أفسس مجهول الهوية . ( سلسلة " الهدى والنور " – د/منقذ السقار ) .

ومن هذا كله يثبت أن إنجيل يوحنا لم يكتبه يوحنا الحواري ، ولا يُعرف كاتبه الحقيقي ، ولا يصح بحال من الأحوال أن ننسب العصمة والقداسة لكاتب مجهول لا نعرف من يكون .


رسائل العهد الجديد


الرسائل ! ...... ما علاقتها بالوحي ؟ وما علاقتها بالمسيح عليه السلام ؟!
نعم..هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه ؟ نود بالفعل أن نعرف ما علاقة تلك الرسائل بالوحي وبالمسيح وبخلاص البشرية ؟

تخبرنا مقدمة الكتاب المقدس طبعة دار المشرق(الكاثوليكية) بالأطوار المختلفة التى شهدتها تلك الرسائل والتي تمثل الجزء الثانى من العهد الجديد والتي هى عبارة عن مذكرات ورسائل لبعض الأشخاص المجهولين , فليس هناك أي دليل مادي على صحة تلك الرسائل حتى إلى من نسبت إليهم!

تقول المقدمة ص 10 : ( فهكذا يجدر بالذكر ما جرى بين السنة 150م والسنة 200م , إذ حُدد على نحو تدرجي أن سفر أعمال الرسل مؤلف قانوني , وقد عده في أواخر القرن الثاني ايريناوس أسقف مدينة ليون , سفرًا مقدسًا واستشهد به على أنه شهادة لوقا في كلامه على الرسل ) .

وجاء في المقدمة ما نصه : ( ويبدوا أن المسيحيين , حتى ما يقرب من السنة 150 مسيحيًا تدرجوا من حيث لم يشعروا بالأمر إلا قليلاً جدًا إلى الشروع في إنشاء مجموعة جديدة من الأسفـار المقدسة, وأغلب الظن أنهم أجمعوا في بدء أمرهم رسائل بولس واستعملوها في حياتهم الكنسية , ولم تكن غايتهم فقط أن يؤلفوا ملحقًا بالكتاب المقدس , بل كانوا يدعون الأحداث توجههم , فقد كانت الوثائق البولسية مكتوبة في حين أن التقليد الإنجيلي كان لا يزال في معظمه متناقلاً على ألسنة الحفاظ ) ( المقدمة ص 8 ) .

ويستطرد علماء الكتاب المقدس قائلين : ( ومهما يكن من أمر , فإن كثيرًا من المؤلفين المسيحيين أشاروا منذ أول القرن الثاني إلى أنهم يعرفون عددًا كبيرًا من رسائل كتبها بولس فيمكننا أن نستنتج من ذلك أنه أقيمت من غير إبطاء مجموعة من هذه الرسائل وأنها انتشرت انتشارًا واسعًا , لما كان للرسول من الشهرة ومع ما كان لتلك النصوص من الشأن , فليس هناك قبل أول القرن الثاني(2 بط 3/16) أي شهادة تُثبت أن هذه النصوص كانت تعد اسفارًا مقدسة لها من الشأن ما للكتاب المقدس ) ( المصدر السابق ) .

" كتبت جميع رسائل بولس قبل ظهور المخطوطات القديمة للأناجيل والأعمال . وكونه قد اطلع على مجموعة من الأوراق والوثائق – قبل ظهور الأناجيل – والتي احتوت على تعاليم يسوع وأمثاله ومعجزاته والتي تعتبر مصدرًا حزئيًا , للأناجيل الأربعة المعترف بها , أمر مشكوك فيه " .
(C.F.Potter : The Lost Years Of Jesus Revealed,1959,p.115)

فـ " رسائل بولس أقدم من الأناجيل , بل إنها أقدم من معظم المصادر التي اعتمدت عليها الأناجيل".
(Hastings' Dictionary Of The Bible,1963,p.478)

( أما رسائل بولس فيكاد أن يكون من الأكيد أنها لم تدخل إلى القانون الواحدة بعد الأخرى , بل إن مجموعتها أُدخلت إليه برمتها يوم أخذ يغلب على الكنيسة الرأى القائل بأنه لا بد من الحصول على قانون للعهد الجديد ) ( الترجمة الكاثوليكية ص 9 ) .

وتقول دائرة المعارف البريطانية : ( يعزى أكثر من نصف هذه الرسائل – رسائل العهد الجديد- إلى بولس , ورغم ذلك اعترض الدارسون النقاد على صحة هذه النسبة في بعض الأحوال ) .
(Encyclo.Brit.(1973),vol.3,p574.)

" واعتراضات النقاد الدارسين على رسالة بولس إلى العبرانيين , ورسالتيه إلى تيموثاوس , ورسالته إلى تيطس ( الثلاثة الأخيرة منها تعد خاصة بأنظمة الكنائس المسيحية ) قوية جدًا يصعب الرد عليها, ولا سيما الرسائل الثلاثة الأخيرة منها . فالكلمات والتركيب المستخدمة فيها تبدو أقرب إلى العبادات اللغوية المستعملة في القرن الثاني , كما أنها تختلف اختلافًا كبيرًا عن الألفاظ الموجودة في الرسائل الأخرى المنسوبة إلى بولس , فالمراتب المذكورة في هذه الرسائل الثلاث مثل الأسقف والقس والشماس وجدت بعد عصر بولس , كما أن أسلوبها يختلف عن الرسائل الأخرى " .
(R.H Fuller : Acritical Introduction to the New Testament (London 1979),pp133-134 ; Encyclo.Brit.(1973), vol.17,pp.444,476)

ومما يتضمنه العهد الجديد (ماعدا رسائل بولس) من رسائل ونصوص مثل رسالة يعقوب , ورسالة بطرس الثانية , ورسالةيوحنا الثانية والثالثة , ورسالة يهوذا , ورؤيا يوحنا اللاهوتي , فكل ذلك إعتُرف بصحته في العصور المتأخرة إذ وافقت الكنيسة المسيحية على مشروعيتها الكاملة , والسبب في ذلك بَـيَّـنَه لنا علماء الكتاب المقدس في مقدمتهم للترجمة الكاثوليكية ص 10 : ( ويبدوا أن مقياس نسبة المؤَلف إلى الرسل استعمل استعمالاً كبيرًا , ففقد رويدًا رويدًا كل مؤَلف لم تثبت نسبته إلى رسول من الرسل ما كان له من الحظوة . فالأسفار التي ظلت مشكوكة في صحتها , حتى القرن الثالث , هى تلك الأسفار نفسها التي قام نزاع على صحة نسبتها إلى الرسل في هذا الجانب أو ذلك من الكنيسة . وكانت الرسالة إلى العبرانيين والرؤيا ( رؤيا يوحنا اللاهوتي ) أشد المنازعات . وقد أنكرت صحة نسبتهما إلى الرسل إنكارًا شديدًا مدة طويلة . فأُنكرت في الغرب صحة الرسالة إلى العبرانيين وفي الشرق صحة الرؤيا . ولم تُقبل من جهة أخرى إلا ببطء رسالتا يوحنا الثانية والثالثة ورسالة بطرس الثانية ورسالة يهوذا . ولاحاجة إلى أن نتتبع تتبعًا مفصلاً جميع مراحل هذا التطور الذي أدى خلال القرن الرابع إلى تأليف قانون هو في مجمله القانون بعينه الذي نعرفه اليوم , ما عدا التردد في ترتيب الأسفار في القانون . وإن الإهتمام بالوحدة في الكنيسة , وقد ازداد فيها يومًا بعد يوم الإقرار بحق الصدارة لسلطة كنيسة رومة , قد ساهم مساهمة غير قليلة في تخفيف ما ظهر من الخلافات فى هذه المرحلة أو تلك من التطور الذى رافق تأليف القانون ) .

( لقد ظلت الكنيسة تتردد وتشك في نسبة تلك الرسائل إلى المؤلفين الذين كانت تعزى إليهم ).
(Daniel-Rops:Life Of Jesus,p.29)
ويوجد هذا الشك منذ العصر الأول للمسيحية , يقول أوريجان (ت/253م)على سبيل المثال معبرًا عن رأيه في رسالة بولس إلى العبرانيين : ( الله وحده أعلم من الذي كتب هذا السفر ) .
(Bratton's History Of The Bible ,p.122 )
لقد كان للمجامع الكنسية المنعقدة الدور الأساسي في اعتماد هذه الرسائل وتجنب غيرها , ولا أقصد أن مجمعًا كنسيًا اجتمع في وقت معين واتخذ القرار مرة واحدة على أساس التصويت , وإنما تم اتخاذ القرارات بصحة أسفار وببطلان أخرى على أيدي أصحاب المجامع الكنسية في عصور مختلفة , ولم يتم على أيدي الرسل والأنبياء أنفسهم .

ومن أمثلة المجامع التي عقدت لهذا الغرض : مجمع العلماء المنعقد سنة 382م والذي اعترف بقراراته البابا داماسوس والبابا جلاسيوس في القرن الخامس . ومن أمثلتها أيضًا مجمع لوديسيا المنعقد في سنة 363م , ومجمع هبو في سنة 393م , ومجمع كارثيج المنعقد سنة 397م , ومجمع الكنيسة المنعقد سنة 642م , والمجمع الذي عقد في فلورنس سنة 1441م , ومجمع ترنت سنة 1546م , ومجمع فاتيكان الأول (1870م).


وفي النهاية لا تبقى إلا نتيجة واحدة ألا وهى : أن الأناجيل القانونية ومعها الرسائل ما هى إلا كتب مؤلفة بكل معنى الكلمة , ولا يمكن الإدعاء ولو للحظة واحدة أنها كتب إلهام , لقد كتبها أناس مجهولون , في أماكن غير معلومة , وفي تواريخ غير مؤكدة , فعن أى سند يتحدثون ؟! وأي دليل عقلي هذا الذي يستدل به القمص / يوحنا فوزي ؟!

يقول الباحث/ برنارد أللين : ( لا تشير الأناجيل نفسها إلى مؤلفيها , وأما العناوين الموجودة عليها (إنجيل متَّى وإنجيل مرقس وغيرهما) فهى لم تطلق قبل مضي جيلين من تأليفهما , وذلك حينما جمعت في كتاب واحد , وكانت هناك حاجة إلى التمييز بينهما ) .
(Bernard M.Allen : The Story Behind the Gospels(London,1926),pp4-5)

وتقول دائرة المعارف البريطانية : ( الحق أن الأناجيل وكتاب الأعمال نشرت مجهولة والعناوين الموجودة عليها الأن جاءت في القرن الثاني ). (Encyclo.Brit.(1973),vol.13,pp.32-33)

ويقول القس المهتدي / نوح كلر : ( ... وعندما التحقت بجامعة " غانزاغا " الكاثوليكية بولاية واشنطن خريف 1972م اكتشفت أن مصداقية هذا الكتاب المقدس – لا سيما " العهد الجديد منه " – تعرضت لتشكيك كبير من قِبَل كثير من الباحثين المسيحيين أنفسهم , نتيجة للدراسات الحديثة في تأويل النصوص وإعادة قراءتها . وفي أثناء دراستي مادة اللاهوت قرأت ترجمة نورمان بيرين الإنجليزية لكتاب " إشكالية يسوع التاريخي " الذي كتبه يواكيم يريمياس , وهو واحد من أبرز علماء " العهد الجديد " في القرن العشرين الذين أمضوا سنوات طويلة في دراسة هذه النصوص دراسة متعمقة , ساعده فيها تمكنه من اللغات القديمة التي كتبت بها أصول هذه النصوص . وقد اتفق يريمياس في نهاية الأمر مع اللاهوتي الألماني رودلف بولتمان على أنه " يمكن القول دون أدنى ريب : إن الحلم بكتابة السيرة الذاتية ليسوع قد انتهى للأبد ! " . وهذا يعني أن حياة السيد المسيح – كما عاشها بالفعل – لا يمكن إعادة نسجها إعتمادًا على ما ورد في العهد الجديد بلا أي درجة من الثقة ) ( هكذا أسلمت , رحلة البحث عن معنى ص 11 -12 ) .

وأختم بكلمة للشيخ الجليل العلامة المحدث / أبي إسحاق الحويني أمد الله في عمره ونفع الأمة بعلمه , سمعتها منه في إحدى محاضراته التي حملت عنوان " علموا أولادكم حب الصحابة " : ( لو علمنا أن طالب علم في مجلس علم لأحد المشايخ المحدثين غفل لمدة دقيقة عن شيخه , فهذا لا تقبل روايته عن شيخه ! ) .
فكيف الأمر إذا ما أصبحت الدقائق ساعات , وأصبحت الساعات أيام , وأصبحت الأيام سنوات , وأصبحت السنوات قرون , أجيبونا أيها النصارى آهذا يحدث في كتاب من عند الله ؟!