نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين‏*‏
‏(‏ الواقعة‏:60)‏
هــذه الآية الكريمة جاءت في ختام الثلث الثاني من سورة الواقعة‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها ست وتسعون‏(96)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بذكر القيامة‏,‏ و‏(‏الواقعة‏)‏ من أسمائها لتحقق وقوعها‏,‏ ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية البعث‏,‏ وحتمية وقوعه‏,‏ والرد علي منكريه‏.‏

وتبدأ هذه السورة الكريمة بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ إذا وقعت الواقعة‏*‏ ليس لوقعتها كاذبة‏*‏ خافضة رافعة‏*‏
‏(‏الواقعة‏:1‏ ـ‏3)‏

ومن معاني ذلك‏:‏ إذا وقعت صيحة القيامة وهي حتما واقعة وذلك حين ينفخ في الصور النفخة الأولي فيدمر الكون‏,‏ ويهلك كل حي‏,‏ ثم ينفخ فيه النفخة الثانية فيبعث كل من في القبور‏,‏ ويقوم الموتي بعد تحلل أجسادهم وبلاها‏,‏ وحينئذ لايمكن لأحد تكذيبها‏,‏ وفيها يخفض أقوام إلي أسفل سافلين‏,‏ ويرفع آخرون إلي أعلي عليين‏.‏

هــذه الآية الكريمة جاءت في ختام الثلث الثاني من سورة الواقعة‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها ست وتسعون‏(96)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بذكر القيامة‏,‏ و‏(‏الواقعة‏)‏ من أسمائها لتحقق وقوعها‏,‏ ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية البعث‏,‏ وحتمية وقوعه‏,‏ والرد علي منكريه‏.‏

وتبدأ هذه السورة الكريمة بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ إذا وقعت الواقعة‏*‏ ليس لوقعتها كاذبة‏*‏ خافضة رافعة‏*‏
‏(‏الواقعة‏:1‏ ـ‏3)‏

ومن معاني ذلك‏:‏ إذا وقعت صيحة القيامة وهي حتما واقعة وذلك حين ينفخ في الصور النفخة الأولي فيدمر الكون‏,‏ ويهلك كل حي‏,‏ ثم ينفخ فيه النفخة الثانية فيبعث كل من في القبور‏,‏ ويقوم الموتي بعد تحلل أجسادهم وبلاها‏,‏ وحينئذ لايمكن لأحد تكذيبها‏,‏ وفيها يخفض أقوام إلي أسفل سافلين‏,‏ ويرفع آخرون إلي أعلي عليين‏.‏
ثم تتتابع الآيات بوصف عدد من الأحوال المصاحبة لهذا الحدث الجلل فتقول‏:‏ إذا رجت الأرض رجا‏*‏ وبست الجبال بسا‏*‏ فكانت هباء منبثا‏*‏
‏(‏الواقعة‏:4‏ ـ‏6)‏

أي إذا زلزلت الأرض زلزلة شديدة‏,‏ وزلزلة الآخرة تفوق زلازل الدنيا مجتمعة أضعافا كثيرة‏,‏ بمعدلات غير مسبوقة‏,‏ وبصورة لايمكن مقارنتها بأي من زلازل الدنيا مهما تعاظمت قوتها‏,‏ ويسميها القرآن الكريم باسم‏(‏ زلزلة الساعة‏)‏ ويصفها بأنها‏(‏ شيء عظيم‏),‏

وهذا هو من معاني قوله‏(‏ تعالي‏):‏ إذا رجت الأرض رجا‏*‏ ومن معاني قوله‏(‏ تعالي‏):‏ وبست الجبال بسا‏*‏ فكانت هباء منبثا‏*‏

أي فتتت الجبال تفتيتا حتي صارت هباء منثورا‏,‏ كرهج الغبار الذي ذرته الريح فتشتت وتفرق‏,‏ أو نسفت نسفا فأصبحت كالدقيق المبتل بالماء‏(‏ البسيس‏).‏

وتصنف الآيات الناس في هذا اليوم العصيب إلي أزواج ثلاثة علي النحو التالي‏:‏
‏(1)(‏ السابقون السابقون‏)‏ وهم ثلة من الأولين‏,‏ وقليل من الآخرين‏,‏ رجالا ونساء‏,‏ وهؤلاء ثوابهم من الله‏(‏ تعالي‏)‏ عظيم‏.‏

(2)‏ أصحاب اليمين‏:‏ وهم الأبرار المؤمنون‏,‏ ومنهم ثلة من الأولين‏,‏ وثلة من الآخرين‏,‏ وهم عند الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ من الناجين من النار‏,‏ المكرمين بالجنة‏.‏

(3)‏ أصحاب الشمال‏:‏ وهم أغلب البشر‏,‏ وعامة أهل النار‏,‏ الذين سوف يعذبون في الآخرة ويهانون مهما كانت مناصبهم في الدنيا‏,‏ وذلك بسبب كفرهم بالله‏(‏ تعالي‏)‏ أو شركهم به‏,‏ وتجاوزهم لحدوده بإنكارهم لما أنزل من دين‏,‏ وأخبر خاتم رسله من غيب‏,‏ أو بظلمهم لعباده‏,‏ وتجبرهم علي خلقه‏,‏ وتعديهم علي حقوق الضعفاء‏,‏ أو إفسادهم في الأرض‏,‏ وإشاعتهم للفواحش بين الخلق‏,‏ أو غير ذلك من موجبات سخط الله عليهم

وتفصل الآيات جزاء كل مجموعة من هذه المجموعات الثلاث مؤكدة أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق الإنسان ـ ولو أن كثيرا من الناس لا يسلم بذلك ـ وتستدل علي حقيقة الخلق بخلق النطف‏(‏ الخلايا التناسلية التي تحمل صفات البشر من لدن أبينا آدم عليه السلام إلي آخر إنسان علي وجه الأرض‏),‏ كما تستدل عليه بحتمية الموت الذي فرضه الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ علي عباده ـ وهو‏(‏ تعالي‏)‏ حي‏,‏ دائم‏,‏ باق لايموت‏,‏ ولا يفوت ـ وحتمية البعث في غيب لايعلمه إلا الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وقد أنكر غالبية الناس إمكانية حدوث ذلك لعجزهم هم عن تحقيقه وقياسهم علي الله تعالي بمعاييرهم الهزيلة‏,‏ ونسيانهم أن قدرة الله‏(‏ تعالي‏)‏ لا تحدها حدود‏,‏ ولو تأملوا حقيقة الخلق الأول ما تشككوا في إمكانية البعث أبدا‏

وفي ذلك تقول الآيات‏:‏نحن خلقناكم فلولا تصدقون‏*‏ أفرأيتم ماتمنون‏*‏ ء أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون‏*‏ نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين‏*‏ علي أن نبدل أمثالكم وننشئكم في مالا تعلمون‏*‏ ولقد علمتم النشأة الأولي فلولا تذكرون‏*‏
‏(‏الواقعة‏:57‏ ـ‏62)‏

وتضيف الآيات مزيدا من الأدلة الشاهدة علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الخلق ومنها إنبات الزروع‏,‏ ولو شاء الله تعالي ما أنبتها أو أهلكها بعد أن أنبتها وأثمرها‏,‏ ومنها دورة الماء حول الأرض‏,‏ وإنزاله من المزن‏(‏ أي السحب الممطرة‏)‏ عذبا زلالا سائغا للشاربين وذلك من رحمة الله‏(‏ تعالي‏)‏ وفضله‏,‏ ولو شاء لجعله مرا زعافا‏,‏ لولا شكر الصالحين من الخلق‏.‏ ومنها إعطاء الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ للشجر الأخضر القدرة علي تخزين قدر من طاقة الشمس علي هيئة عدد من الروابط الكيميائية التي تتحول بعد جفاف النبات‏,‏ أو تفحمه‏,‏ أو تحوله إلي دهون في أجساد ما يأكله من الحيوانات‏,‏ تتحول بتحللها بمعزل عن الهواء إلي النفط والغاز‏,‏ وهذه كلها من مصادر الطاقة‏(‏ أو النار‏)‏ التي يحتاجها الناس في حياتهم ـ خاصة المسافرون منهم في القفار الخالية من العمران ـ وقد جعلها الله‏(‏ تعالي‏)‏ تذكرة للناس بنار جهنم التي حذرهم من أهوالها‏

وفي ذلك تقول الآيات‏:‏ أفرأيتم ما تحرثون‏*‏ أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون‏*‏ لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون‏*‏ إنالمغرمون‏*‏ بل نحن محرومون‏*‏ أفرأيتم الماء الذي تشربون‏*‏ أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون‏*‏ لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون‏*‏ أفرأيتم النار التي تورون‏*‏ أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون‏*‏ نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين‏*‏ فسبح باسم ربك العظيم‏*‏
‏(‏الواقعة‏:63‏ ـ‏74)‏

ثم تأتي الآيات بقسم من الله‏(‏ تعالي‏)‏ ـ وهو الغني عن القسم ـ ويأتي القسم بمواقع النجوم‏,‏ وليس بالنجوم ذاتها ـ علي عظم شأنها ـ ويأتي العلم مؤكدا أن الإنسان لا يمكنه أن يري النجوم أبدا من علي سطح الأرض ولكن يري مواقع مرت بها النجوم‏,‏ وهذا نظرا لضخامة أبعادها عنا‏,‏ ولأن الضوء‏(‏ كباقي صور الطاقة ومختلف صور المادة‏)‏ لايمكنه التحرك في صفحة السماء في خطوط مستقيمة‏,‏ بينما عين الإنسان لا تري إلا ماهو علي امتداد البصر‏,‏ ومن هنا فإن جميع ما نراه من نجوم السماء هي مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها‏,‏ وقد يكون النجم قد انفجر واندثر منذ زمن بعيد ولايزال الضوء الذي انبثق منه يتحرك إلي الأرض من مواقع مختلفة‏,‏ نظرا لضخامة أبعاد النجوم عن أرضنا‏.‏ وتؤكد الآيات عظم القسم بمواقع النجوم ـ لو علم الناس ذلك ـ ويأتي جواب القسم تشريفا للقرآن الكريم وتعظيما لشأنه‏

وذلك بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
فلا أقسم بمواقع النجوم‏*‏ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم‏*‏ إنه لقرآن كريم‏*‏ في كتاب مكنون‏*‏ لايمسه إلا المطهرون‏*‏ تنزيل من رب العالمين‏*‏
‏(‏الواقعة‏:75‏ ـ‏80)‏

وبعد ذلك توجه الآيات الخطاب إلي الكفار والمشركين الذين كذبوا بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وأنكروا الوحي بالقرآن الكريم‏,‏ وتتهددهم الآيات بلحظة الاحتضار‏,‏ ونزع الروح‏,‏ وحشرجة الصدر‏,‏ ولا أحد في الوجود يملك دفع قضاء الله وقدره‏,‏ ولا رد الروح الي المحتضر إذا بلغت الحلقوم‏,‏ والله أقرب إلي المحتضر بعلمه وقدرته من جميع من حوله وهم لايدركون ذلك‏

وتتحداهم الآيات أن يعيدوا الروح إلي المحتضر إن استطاعوا وفي ذلك تقول‏:‏ أفبهذا الحديث أنتم مدهنون‏*‏ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون‏*‏ فلولا إذا بلغت الحلقوم‏*‏ وأنتم حينئذ تنظرون‏*‏ ونحن أقرب إليه منكم ولكن لاتبصرون‏*‏ فلولا إن كنتم غير مدينين‏*‏ ترجعونها إن كنتم صادقين‏*‏
‏(‏ الواقعة‏:81‏ ـ‏87)‏

وكما بدأت سورة الواقعة بتقسيم الناس في يوم القيامة إلي السابقين وأصحاب اليمين‏,‏ وأصحاب الشمال‏,‏ فإنها تقسمهم ساعة الاحتضار إلي المقربين‏,‏ وأصحاب اليمين‏,‏ وإلي المكذبين الضالين‏.‏

وكما أوضحت هذه السورة المباركة في اولها جزاء كل صنف من الأصناف الثلاثة في يوم القيامة‏,‏ أكدت في ختامها أن كل إنسان يدرك جزاءه في الآخرة لحظة احتضاره‏

وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ فأما إن كان من المقربين‏*‏ فروح وريحان وجنة نعيم‏*‏ وأما إن كان من أصحاب اليمين‏*‏ فسلام لك من أصحاب اليمين‏*‏ وأما إن كان من المكذبين الضالين‏*‏ فنزل من حميم‏*‏ وتصلية جحيم‏*‏
‏(‏ الواقعة‏:88‏ ـ‏94)‏

وتختتم هذه السورة المباركة بتأكيد كل ماجاء بها من حتمية القيامة ومصائر الناس في الآخرة‏,‏ وحقيقة سكرات الموت وأهواله‏,‏ وعجز الدنيا كلها عن رد قضاء الله وقدره‏,‏ ومعرفة كل نفس بمصيرها في الآخرة لحظة الاحتضار‏,‏ وفرحها أو هلعها آنذاك‏,‏ وكل ذلك من حق اليقين الذي أنذر الله‏(‏ تعالي‏)‏ به كل واحد من الخلق المكلفين في حياته الدنيا‏,‏ حتي لايدعي أحد منهم أنه كان جاهلا به‏,‏ وتوجه السورة المباركة الخطاب في ختامها إلي سيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ـ وإلي كل مؤمن برسالته من بعده ـ أن يسبح باسم ربه العظيم تسبيحا يليق بجلاله‏

وفي ذلك تقول : إن هذا لهو حق اليقين‏*‏ فسبح باسم ربك العظيم‏*‏
‏(‏الواقعة‏:96,95)‏

من ركـــــــــــائز العقيـــــدة في ســـــــــورة الواقعـــــــــــــــــــة
‏(1)‏ الإيمان بحقيقة الآخرة‏,‏ وبحتمية وقوعها‏,‏ وبأهوالها‏,‏ وبتمايز الناس فيها إلي السابقين‏,‏ وأهل اليمين‏,‏ وأهل الشمال‏,‏ والتسليم بجزاء كل منهم

(2)‏ اليقين بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء‏,‏ ومدبر كل أمر‏,‏ ومقدر الآجال‏,‏ ومجري الموت علي العباد‏,‏ وهو الحي الباقي الذي لايزول ولا يحول‏,‏ وكل ما سواه عارض زائل‏,‏ ولذلك فهو وحده المستحق للعبادة‏,‏ والتسبيح‏,‏ والتمجيد‏,‏ والتقديس

ـ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة‏,‏ ولا ولد ـ وهو وحده المستحق للذكر الدائم بكل اسم ووصف يليق بجلاله‏,‏ وذلك من قبيل الشكر له علي عظيم نعمه‏.‏

‏(3)‏ التصديق بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية ـ ولم يقطعه لرسالة أخري من رسالات السماء ـ وحفظه في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ ـ ولم تحفظ رسالة من الرسالات السابقة في نفس لغة وحيها أبداـ وحفظه علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية وتعهد بذلك إلي قيام الساعة حتي يبقي حجة علي الناس جميعا‏,‏ وشاهدا علي أن كل ماجاء فيه هو حق اليقين‏.‏

(4)‏ التسليم بأن الموت حق علي العباد‏,‏ وهو قرار إلهي لا يستطيع أحد من الخلق إيقافه أو تأجيله‏,‏ وأن كل محتضر يري مكانه عند ربه في لحظة الاحتضار‏,‏ وهو يغادر الدنيا الفانية إلي الآخرة الباقية‏.‏

(5)‏ الإيمان بضرورة تسبيح الله العظيم تسبيحا يليق بجلاله‏,‏ وتنزيهه تنزيها كاملا عن كل وصف لا يليق بجلاله‏,‏ وذكره بأسمائه الحسني التي سمي ذاته العلية وصفاته العليا التي وصفها بها‏.‏

من الإشارات الكونية في سورة الواقعة
‏(1)‏ التأكيد علي حقيقة الخلق‏,‏ وعلي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يخلق الإنسان من النطف الذكرية والأنثوية‏(‏ ما تمنون‏)‏ والتي تحمل صفات الجنين من الأبوين إلي آدم وحواء عليهما السلام‏.‏

(2)‏ الإشارة إلي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قدر الموت علي العباد ـ كل حسب أجله ـ والعلوم الحديثة تثبت أن بداخل كل خلية حية آلية خاصة تتحكم في عمرها علي هيئة غطاء طرفي لكل جسيم صبغي في نهايته‏,‏ وهذا الغطاء يتناقص طوله مع كل انقسام‏,‏ فإذا وصل طوله إلي حد معين توقفت عمليات الانقسام وماتت الخلية الحية‏.‏

(3)‏ التأكيد علي حقيقة البعث‏,‏ والعلوم المكتسبة قد بدأت في تلمس طريقها إلي اثبات ذلك‏.‏
‏(4)‏ الاشارة إلي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي ينبت النبات بعلمه وقدرته وحكمته‏,‏ والإنبات صورة من صور الخلق بيد القدرة الإلهية المبدعة من تراب الأرض‏,‏ والتي لولاها ما أنبتت الأرض‏,‏ ولا أثمر النبات‏,‏ ولو شاء ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ إفناء النبات بعد إنباته وإثماره لفعل‏,‏ وما ذلك علي الله بعزيز‏.‏
‏(5)‏ ذكر إنزال الماء عذبا زلالا طيبا من المزن‏(‏ وهي السحب المشبعة بالبخار‏),‏ وفي ذلك اشارة إلي دورة الماء حول الأرض‏,‏ ولو شاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ أن ينزله مرا زعافا‏,‏ مالحا‏,‏ أجاجا لا يستساغ له طعم‏,‏ ولا تصلح به حياة لفعل‏,‏ ولكن ينزله عذبا رحمة بعباده‏,‏ وإعمارا للحياة علي الأرض‏.‏

‏(6)‏ الإشارة إلي عملية التمثيل الضوئي بإعطاء الشجر الأخضر امكانية خزن جزء من طاقة الشمس بشكل معظم صور الطاقة المتاحة للإنسان‏,‏ والتي عبر القرآن الكريم عنها بتعبير‏(‏ النار‏).‏
‏(7)‏ التلميح إلي حقيقة أن الإنسان لا يمكنه رؤية النجوم من مكانه علي الأرض أبدا‏,‏ ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم‏,‏ والعلوم المكتسبة تؤكد ذلك لضخامة أبعاد النجوم عنا‏,‏ وسرعة جريها في مدارها‏,‏ ولتعذر كل من سير ضوء النجوم في خطوط مستقيمة‏,‏ ورؤية عين الإنسان الأشياء إلا في خطوط مستقيمة‏,‏ ومن هنا جاء القسم بمواقع النجوم‏,‏ وليس بالنجوم ذاتها علي الرغم من تعاظم شأنها‏.‏

‏(8)‏ التأكيد علي حقيقة عدم وجود قوة في الوجود ـ غير قدرة الله الخالق ـ تستطيع إنقاذ محتضر من سكرات الموت‏,‏ وذلك لأن الأجل من قدر الله‏(‏ تعالي‏)‏ وقضائه الذي لا يرد‏.‏
‏(9)‏ الجزم بأن كل ما جاء بالقرآن الكريم هو حق مطلق يقيني‏,‏ لأنه كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وتعهد بحفظه بالوعد الذي قطعه علي ذاته العلية‏,‏ فحفظ في نفس لغة وحيه علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية‏,‏ وحفظ حفظا كاملا‏:‏ كلمة كلمة‏,‏ وحرفا حرفا‏,‏ وسوف يظل محفوظا بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي أن يشاء الله تحقيقا لهذا الوعد الإلهي القاطع‏.‏ وكل ما تم من دراسات لكتاب الله المحفوظ بحفظه‏,‏ واتسمت بشيء من الموضوعية والحيدة أكدت أنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق‏.‏

وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا علي النقطة الثانية من القائمة السابقة والتي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين‏*‏
‏(‏الواقعة‏:60)‏

من الدلالات العلمية للآية الكريمة
تعريف الموت‏:‏
جاء ذكر‏(‏ الموت‏)‏ في القرآن الكريم خمسا وثلاثين‏(35)‏ مرة‏,‏ وجاء الفعل‏(‏ مات‏)‏ بمختلف تصريفاته ـ بما في ذلك الموت ـ في مائة وخمسة وستين‏(165)‏ موضعا‏.‏
ويعرف‏(‏ الموت‏),‏ بأنه مفارقة الحياة‏,‏ وهو مصير محتوم علي كل حي بتقدير من الله تعالي فلا يهرب منه أحد‏,‏ ولا يتأخر أو يتقدم عنه أحد‏,‏ وذلك من أجل استمرارية الحياة علي الأرض جيلا بعد جيل حتي يرث الله تعالي الأرض ومن عليها والموت مرحلة مكملة لمرحلة الحياة الدنيا‏,‏ ونقلة منها إلي الآخرة‏.‏ و‏(‏الموت‏)‏ لغة ضد الحياة‏,‏ يقال‏:(‏ مات‏)(‏ يموت‏)‏ و‏(‏يمات‏)‏ فهو‏(‏ ميت‏)‏ و‏(‏ ميت‏)‏ مشددا ومخففا‏,‏ ويقال‏:‏ قوم‏(‏ موتي‏)‏ و‏(‏ أموات‏)‏ و‏(‏ميتون‏)‏ مشددا ومخففا‏,‏ ويستوي فيه المذكر والمؤنث لقول الله تعالي‏:‏ لنحيي به بلدة ميتا‏...*‏
‏(‏ الفرقان‏:49)‏

و‏(‏الميتة‏)‏ ما لم تلحقه الزكاة‏,‏ و‏(‏ الموات‏)‏ بالضم الموت‏,‏ وبالفتح ما لا روح فيه‏,‏ أو الأرض التي لا مالك لها ولا ينتفع بها أحد‏,‏ و‏(‏ الموتان‏)‏ بفتحتين ضد الحيوان‏.‏ ويقال‏(‏ أماته‏)‏ الله و‏(‏ موته‏)‏ أيضا‏,‏ و‏(‏المتماوت‏)‏ من صفة المرائي المتظاهر بالموت‏,‏ و‏(‏المستميت‏)‏ المتعرض للموت‏;‏ وقد يعبر عن النوم بتعبير‏(‏ الموتة الصغري‏).‏
وذلك لقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ وهو الذي يتوفاكم بالليل‏...(‏ الأنعام‏:60).‏ وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ الله يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت ويرسل الأخري إلي أجل مسمي‏...*(‏ الزمر‏:42).‏

كيف يحدث الموت؟‏:‏
يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
أفرأيتم ما تمنون‏*‏ أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون‏*‏ نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين‏*‏ علي أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون‏*‏ ولقد علمتم النشأة الأولي فلولا تذكرون‏*‏
‏(‏الواقعة‏:58‏ ـ‏62)‏
ولعل من المقصود بقول ربنا‏(‏ وهو أحكم القائلين‏):(‏ ما تمنون‏)‏ أي ما تنتجون من نطف مخصبة‏(‏ أمشاج مختلطة‏)‏ وذلك لقوله‏(‏ تعالي‏)‏ في مقام آخر‏:‏ وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي‏*‏ من نطفة إذا تمني‏*‏
‏(‏النجم‏:46,45)‏

ولما كانت هذه النطف علي قدر من التعقيد في البناء‏,‏ والدقة في الالتقاء وتكوين النطفة الأمشاج‏,‏ وما يتم فيها من تحديد صفات الجنين بدقة بالغة فلا يمكن أن تكون نتاج الصدفة أو العشوائية‏,‏ بل لابد أنها مخلوقة بتقدير خالق عظيم له من طلاقة القدرة‏,‏ وإحاطة العلم‏,‏ وكمال الحكمة ما أمكنه من خلقها‏,‏ ولذلك جاء السؤال الإنكاري‏,‏ التقريعي‏,‏ التقريري الذي يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون‏*‏
ويأتي الرد قاطعا‏,‏ حاسما‏,‏ جازما‏:‏
نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين‏*‏

مما يشير إلي أن تقدير الموت هو عملية مبرمجة في الشيفرة الوراثية التي تتكون بإلتقاء كل من نطفتي الرجل والمرأة‏,‏ وبتكامل عدد الجسيمات الصبغية إلي‏(46)‏ حيث تحمل كل واحدة من النطفتين نصف هذا العدد‏(23‏ صبغيا فقط‏).‏ وبتكامل عدد الصبغيات يتحدد كل من الصفات السائدة التي سوف تظهر علي الجنين في مستقبل حياته ـ إذا قدرت له الحياة ـ كما يتحدد عدد من الصفات المتنحية التي تختزن في شيفرته الوراثية لتظهر في نسله من بعده‏.‏
ومن هذه الصفات الأجل‏,‏ وفي ذلك يروي الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ قال‏:‏ حدثنا رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وهو الصادق المصدوق قال‏:‏ إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما‏.‏ ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك‏,‏ ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك‏,‏ ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات‏:‏ يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد

وقد بدأت الكشوف العلمية في إثبات حقيقة أن الأجل مبرمج في داخل كل خلية حية بدقة بالغة‏.‏
ففي سنة‏(1971‏ م‏)‏ اقترح العالم الروسي أولوفنيكوف‏(Olovnikov)‏ ضرورة وجود آلية محددة تخرج عملية الانقسام في الخلايا السرطانية عن السيطرة‏.‏

وفي سنة‏(1985‏ م‏)‏ اكتشف كل من جريدر‏,‏ وبلاكبيرن‏(Greider&Blackburn)‏ غطاءين طرفيين لكل جسيم صبغي‏(Chromosome)‏ عرف كل منهما باسم الغطاء الطرفي‏(EndCaporTelomere),‏ واكتشفا إنزيما خاصا ببناء هذين الغطاءين سمي باسم الإنزيم الباني للأغطية الطرفية للجسيم الصبغي أو إنزيم تيلوميريز‏(Telomerase).‏
في سنة‏(1986‏ م‏)‏ اكتشــــف هـــــــوارد كوك‏(HowardCooke)‏ أن طول هذين الغطاءين الطرفيين للجسيم الصبغي يتناقص مع كل انقسام تقوم به الخلية الحية‏,‏ وأن هناك علاقة مطردة بين فقد أجزاء من طول هذين الغطاءين الطرفيين وشيخوخة الخلية حتي وفاتها عندما يصل هذا الطول إلي حد معين يتوقف عنده انقسام الخلية وتبدأ في الاحتضار‏.‏ وتأكدت هذه الملاحظة بإثبات أن طول الأغطية الطرفية في كل من الخلايا الجذعية‏(SremCells)‏ والخلايا المستنبتة من صغار السن أطول منها في خلايا الكهول وكبار السن‏,‏ وأن لها قدرة أكبر علي الانقسام لعدد أكبر من المرات‏,‏ ومن هنا أطلق علي كل واحد من هذه الأغطية الطرفية للجسيمات الصبغية المبرمجة لعدد محدد من الانقسامات اسم عداد المضاعفات‏(Replicometer)‏ أو عداد الأجل‏(LongivityMeter).‏ وثبت بذلك أن الأجل محدد في داخل كل خلية حية بعدد محدد من انقسامها‏,‏ تتوقف بعده عملية انقسام الخلية فتفسح المجال لعمليات الهدم حتي تموت الخلية‏.‏

في سنة‏(1989‏ م‏)‏ لاحظ مورين‏(Morin)‏ أن هناك علاقة واضحة بين زيادة إفراز إنزيم التيلوميريز‏(Telomerase)‏ في الخلية الحية وبين نشاطها في الانقسامات غير العادية المتسارعة والمعروفة باسم النشاط السرطاني‏,‏ وذلك بسبب التعويض المتصل لما يفقد من طول الأغطية الطرفية بتأثير الافراز الزائد لانزيم التيلوميريز‏,‏ ولذلك تستمر الخلية السرطانية في الانقسام المتسارع بلا توقف حتي تقتل أو تموت‏,‏ مما يشير إلي امكانية القضاء علي الأورام والأمراض السرطانية الأخري بإيقاف نشاط هذا الإنزيم الباني للأغطية الطرفية للكروموسومات‏,‏ وذلك بتحضير عقار يوقف عمله أو عمل المورث المتسبب في زيادة افرازه‏.‏
وبإثبات أن الأجل مقدر في داخل الخلية الحية ثبت أيضا أن كلا من الأمراض والشيخوخة وغيرهما من الأحداث الحيوية مقدر‏,‏ وذلك باكتشاف حدود مقدرة لعدد انقسامات كل خلية من الخلايا الحية في جسم الانسان‏.‏ واكتشاف الموت المبرمج لكل من الخلايا الحية وللعضيات الخلوية الدقيقة من مثل المتقدرات‏(Mitochondria).‏

فباستثناء الحوادث التي تنتج عنها اصابات قاتلة‏,‏ فإن الموت يدب بالتدريج في كل جسد حي من عضيات الخلايا‏,‏ إلي الخلايا‏,‏ فالأنسجة‏,‏ ثم الأعضاء والنظم منتهيا بانهيار الكائن الحي إنهيارا كاملا والذي يعلن عنه طبيا بتوقف كل من القلب والرئتين عن العمل‏,‏ وانتشار الزرقة في الأطراف والشفاه‏,‏ وتوقف حركة العينين‏,‏ والانخفاض الملحوظ في درجة حرارة الجسم‏,‏ وتخشبه وتصلبه وظهور عدد من البقع الدموية علي الجلد‏.‏ والسبب الحقيقي في ذلك هو انتهاء الأجل بوصول الأغطية الطرفية للصبغيات إلي نهاية سمكها‏.‏
وباستخدام الأجهزة المتطورة في غرف العناية المركزة يمكن استنهاض عمل كل من القلب والرئتين‏,‏ وعلي ذلك فإن الموت الحقيقي يتحدد بموت الدماغ‏(CerebralDeath)‏ والذي من ظواهره الدخول في إغماء كامل لا فواق منه‏.‏ وقد لوحظ أنه بمجرد فقد الخلية الحية لقدرتها علي الانقسام فإنها تبدأ في الاحتضار وذلك عن طريق فقد جزء من محتواها البروتيني من كل من السائل الخلوي والنواة‏,‏ ثم تتورم الخلية حتي تنفجر ملقية بمحتوياتها في الأنسجة المجاورة‏,‏ ويعرف انفجار الخلية باسم‏(cytolysis),‏ كما يعرف انفجار النواة باسم‏(Karyolysis),‏ وقد تتعرض النواة إلي التفتت‏(Karyorhexis)‏ أو للانكماش‏(Pyknosis).‏
ويعرف ذلك باسم الموت الخلوي المبرمج في داخل الخلية أو‏(Apoptosis)‏ ويتم علي مراحل متتالية منها مايلي‏:‏

(1)‏ انتفاخ الخلية ومابها من عضيات مثل المتقدرات نتيجة لفقد غشاء البلازما قدرته علي التحكم في مرور كل من الماء ومايحمل من الأيونات إلي داخل الخلية أو خروجا منها‏.‏
‏(2)‏ انفجار الخلية وتسرب محتوياتها إلي كل من الخلايا والأنسجة المجاورة ممايؤدي إلي التهابها‏.‏ وقد تلتهم هذه المحتويات بواسطة بعض الخلايا‏.‏

‏(3)‏ وقد تنكمش الخلية مكونة عددا من الفقاقيع الغازية علي سطحها‏.‏
‏(4)‏ انفجار نواة الخلية وتسرب مافيها من جسيمات صبغية‏,‏ وأحماض نووية ومواد بروتينية‏,‏ وكذلك انفجار العديد من العضيات من أمثال المتقدرات‏,‏ والريباسات‏,‏ وأجهزة جولجي‏,‏ والجسيمات الحالة وغيرها‏.‏ وهذه العمليات تتم بدقة فائقة مما حدا بالعلماء إلي تسميتها باسم الموت الخلوي المبرمج‏(‏ أو الموت المقدر

(TheProgrammedCellDeathorPCD).‏
ويطلق عليه باللاتينية اسم‏(Apoptosis)‏ هو خاصية داخلية في الخلية الحية‏,‏ لازمة لإزالة العديد من الخلايا والأنسجة التي أدت دورها كالأغشية الجلدية بين أصابع اليدين والقدمين في الجنين البشري‏(‏ الحميل‏),‏ وإزالة بطانة الرحم مع كل دورة شهرية في الأنثي البالغة‏.‏ وفي إزالة بعض الخلايا المعترضة لاقامة الوصلات العصبية الدقيقة في المخ‏,‏ وفي التخلص من الخلايا التي غزتها الفيروسات‏,‏ أو من خلايا جهاز المناعة المعطوبة كي لا تبدأ بمهاجمة خلايا الجسد السليمة بدلا من مهاجمتها للأجسام الغريبة‏,‏ وكذلك التخلص من الخلايا التي تصاب بشيء من العطب في شيفرتها الوراثية‏.‏ وعلي ذلك فإن عملية الموت المبرمج للخلايا لازمة في كثير من مراحل النمو المتتالية‏,‏ وتتم بواسطة أوامر خاصة تعرف باسم عوامل الأمر بالموت‏(Apoptosis-InducingFactorsorAIF),‏ ومن هذه العوامل أعداد من المواد البروتينية الخاصة تختزن في المسافات بين الطيات الغشائية في المتقدرات‏(Mitochondria),‏ وعندما تتلقي الخلية الحية الأمر بدنو أجلها يطلق بروتين خاص من المتقدرات ويتحرك ليصل إلي نواة الخلية فيلتصق بالحمض النووي في الصبغيات‏,‏
ويبدأ في تدميره بالتدريج حتي يأذن بموت الخلية فيتفتت الحمض النووي مما يحول النواة إلي كتلة مفرغة من الأحماض النووية فتتفتت الخلية ذاتها إلي عدد من الشظايا تلتهمها بقية الخلايا‏,‏ ويعرف ذلك باسم التنخر الخلوي‏(Necrosis)‏ وبرنامج الموت المقدر يحدد في اللحظات الأولي لخلق النطفة والأمشاج‏,‏ ويظهر بشكل جلي في خلايا الأجهزة المناعية‏,‏ فتفرز خلايا دفاعية تعرف باسم المعدلات‏(Neutrophils)‏ في نخاع العظام بطريقة مستمرة‏,‏ ومنها تنتقل إلي الدم للمساهمة في الدفاع عن الجسم وذلك بالبحث عن مسببات الأمراض الغازية له‏(InvadingPathogens)‏ فإن وجدتها احتوتها وقتلتها وماتت معها موتا مقدرا‏,‏ فإن لم تجدها ماتت بعد يوم واحد موتا مقدرا كذلك ليحل محلها خلايا احدث عمرا‏,‏ وتتعرض الخلايا التي تموت هذا الموت المقدر لسلسلة من التغيرات كالتي ذكرناها من قبل ومنها انتفاخ الأغشية المعروف باسم‏(Zeiosis),‏ ويتم ذلك وفق عدد من السنن والقوانين المنضبطة والمحكمة والتي أودعها الله‏(‏ تعالي‏)‏ في جميع خلايا الأجساد الحية ومنها جسم الانسان‏.‏

ومن قبل ألف وأربعمائة سنة نزل القرآن الكريم مؤكدا أن الآجال بيد الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده ـ حددها مكانا وزمانا قبل أن يخرج الجنين من بطن أمه ومن هنا جاءت الآية الكريمة التي نحن بصددها والتي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين وجاء التأكيد علي هذه الحقيقة في عشرات من أي القرآن الحكيم نختار منها قوله‏(‏ تعالي‏):‏
وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا‏..‏
‏(‏آل عمران‏:145).‏

كل نفس ذائقة الموت‏...*‏
‏(‏ آل عمران‏:185,‏ الأنبياء‏:35.‏
العنكبوت‏:57)‏
وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون‏*.‏
‏(‏الحجر‏:23).‏
قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلي ربكم ترجعون‏*‏
‏(‏السجدة‏:11)‏

الله يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت ويرسل الأخري إلي أجل مسمي إن في ذلك لأيات لقوم يتفكرون‏*‏
‏(‏الزمر‏:42).‏
قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلي يوم القيامة لاريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏*(‏ الجاثية‏:26)‏
إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير‏*(‏ ق‏:43)‏

هذه الحقائق تؤكد لكل ذي بصيرة ربانية القرآن الكريم وإعجازه للعالمين في كل أمر من أموره‏,‏ كما تشهد للنبي والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏,‏ فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه وعلي من تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏)‏ وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين‏.‏