يتبع تاريـــــــــــــخ القدس وأحداثها


الرومان وطرد اليهود من بيت المقدس:

صَبَّتْ أحداث الزمن الروماني في بيت المقدس في اتجاه تفريغ المدينة من اليهود، حتى جاء الفتح الإسلامي للمدينة وليس فيها يهودي. ومن المناسبات الكبيرة التي طُرد فيها اليهود من بيت المقدس ما جرى عام سبعين من الميلاد على يد الحاكم الرومي القوي تيطس، الذي دمر المدينة. ثم طُرد اليهود بالكامل منها سنة خمس وثلاثين ومائة من الميلاد.

وحينما أقبلت جحافل الفرس في القرن السابع الميلادي من المشرق، تزحف على ممتلكات الروم البيزنطيين، استولوا على بيت المقدس ضمن ما استولوا عليه، ووقف اليهود حينئذ بجانبهم، وشاركوهم في التنكيل بالرومان. وحين نجح هرقل في دحر الفرس عند نينوى، وأجلاهم عما احتلوه، وأزاحهم عن بيت المقدس، كان لابد له أن يصفِّي الحساب مع اليهود، ونفَّذ ذلك بصورة قاسية، حيث قتل من اليهود أعدادًا كبيرة، وفرَّ كثيرون تحت سِيَاطِ الاضطهاد والتنكيل، وصارت بيت المقدس خالية من اليهود تماما.

وهكذا نتج عن السحق المتكرر لليهود باليدِ الرومانية الباطشة، تدمير المدينة على يد القياصرة، وأجليت عنها أعداد كبيرة من اليهود، ونُكّل بالكثير منهم، وجرى لهم شتات عام، وضعفت البنية السكانية اليهودية في عموم أرض فلسطين بسبب كثرة القتلى والفارين من وجه الرومان.

وقد حرص أهل بيت المقدس عند الفتح الإسلامي لها على اشتراط أن لا يدخل اليهود المدينة المقدسة، حينما صالحوا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على تسليم المدينة المباركة للمسلمين عام ستة عشر من الهجرة النبوية.


تَنَصّر الدولة الرومانية وتأثيره في بيت المقدس:


لم يُتَحْ لدعوة المسيح ـ عليه السلام ـ أنصار كثيرون في الفترة التي قضاها على الأرض قبل سعي اليهود والرومان إلى قتله، وإنْجاء الله ـ تعالى ـ له. إلا أنه بعد هذا الحادث بما يزيد على قرنين ونصف من الزمان، قامت دولة كبرى بإعلان اتباعها لدين المسيح، وإن كان ذلك بتفسير خاص لرسالة المسيح ـ عليه السلام ـ وتلك هي الدولة الرومانية نفسها، التي أعلن إمبراطورها قسطنطين عام ثلاثة عشر وثلاثمائة من الميلاد أن المسيحية هي الديانة الرسمية لدولته، حسب التفسير الذي جاء به شاول المشهور ببولس الرسول.

وقد كان لهذا الحدث تأثير كبير في مجرى تاريخ مدينة القدس، فلأول مرة أصبحت تحت سلطة تعلن إيمانها بصدق المسيح ـ حسب الصورة التي يعتقدونها ـ وقد كان وجود هذه السلطة إذنًا بعقاب أصحاب الأديان والعقائد التي اضطهدت المسيحيين الأوائل، فتتابع طرد اليهود من بيت المقدس.

كما زارت الإمبراطورة "هيلانة" والدة قسطنطين، بيت المقدس، بعد ثلاثة وعشرين عامًا من إعلانه الديانة الجديدة لدولته، وتفقدت المواضع التي شهدت دعوة المسيح ـ عليه السلام ـ وأقامت كنيسة القيامة الشهيرة في الموضع الذي يعتقدون أن المسيح دُفن فيه.


البناء الروماني لبيت المقدس:


"إيليوس أدريانوس" أو "هادريانوس".. هذا هو الإمبراطور الروماني الكبير ـ ويُوصف بأنه "كان من أقدر الرجال الذين شغلوا منصب الإمبراطور على مر التاريخ" ـ الذي ارتبط اسمه ببناء مدينة بيت المقدس، وتشييدها على الطراز الروماني، ففي عام اثنين وثلاثين ومائة للميلاد ضيق الإمبراطور على اليهود، ومنعهم من تأدية بعض طقوسهم العبادية في بيت المقدس، فثاروا ضده، ونجحوا في السيطرة على المدينة المقدسة ثلاث سنوات، إلا أن الإمبراطور جرد حملة قوية لإخضاع المدينة، فاستولى الرومان على خمسين قلعة، ودمروا قرابة ألف قرية، وقتلوا عددًا كبيرًا من اليهود، "أما مَنْ لاقَوْا حَتْفَهُمْ جوعًا، أو بالطاعون، أو في الحدائق، فلا يستطيع أحد أن يُحْصِيَهُمْ ـ كما يقول بعض المؤرخين ـ وهكذا خُرِّبت يهوذا تقريبًا"، وصارت قرية مدمرة.

وأصبحت القدس محظورة "الدخول على مَنْ بقي من اليهود بعد الحرب، وشتت الرومان من بقي منهم فوق جبل صهيون، ولم تعد هناك جماعات يهودية في ضواحي المدينة".

لقد كان اعتزام أدريانوس عام مائة وثلاثين إنشاء مدينة جديدة فوق أطلال القدس، هو السبب الرئيسي الذي دعا اليهود إلى الثورة عليه، إذ كان إنشاء هذه المدينة يعني إنشاء معابد وثنية، وتمجيد معتقدات الإمبراطور في المدينة المقدسة.

وبعد أن تخلص أدريانوس من المعارضة اليهودية لمشروع مدينته، عهد إلى روفوس تيمايوس بإنشاء مدينته الجديدة، التي أسماها إيليا كابيتولينا، لتحمل اسمه، وتكرم معبوداته الوثنية في الكابيتول في روما، اعتقادًا منه أنهم سيَرْعَوْنَها له.

وعند التنفيذ قام العاملون بفلح أرض المدينة وإعدادها للبناء، وأقيمت مدينة حديثة، فيها معابد ومسرح، وتجمعات سكنية، وبِركة مياه، وسوقان.

يتبع