قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 51) المائدة،
فما معنى عدم موالاة أهل الكتاب؟ ولماذا نهى الله تعالى عن موالاتهم؟
عدم موالاتهم أي أن لا نثق بغير المسلمين ولا نعطيهم أسرار المسلمين ولا ننصرهم على المسلمين ولا نستنصر بهم ولا نصافيهم ولا نعاشرهم مصافتنا ومعاشرتنا للمسلمين.
والله فسّر لنا سبب النهي عن موالاتهم بأن بعضهم أولياء بعض، وهذا ما يشهد به تاريخهم كلّه.
(منذ أن كتموا صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلّم في كتبهم، وكانوا يؤمنون أوّل النهار ويكفرون آخره لزعزعة إيمان المسلمين، وقالوا لكفار قريش عبدة الأصنام أنّهم خيرٌ من محمد وأصحابه، واتّخذوا صلاة المسلمين لهواً ولعباً، وحالفوا قريشاً في غزوة الأحزاب ونقضوا العهد مراراً وتكراراً، وحاولوا اغتيال النبيّ صلى الله عليه وسلّم أكثر من مرّة وسبّوه (راعنا، اسمع غير مسمع)، وشنّوا حروباً وحشيّةً باسم الرب، ولم يهدأ لهم بالٌ حتى هدموا الخلافة الإسلاميّة، وأنكروا فضل الحضارة الإسلاميّة عليهم، واستعمروا بلاد العرب والمسلمين مرتكبين ما لا يوصف من جرائم وفتّتوا بلاد المسلمين تفتيتاً منصّبين على كلّ بلدٍ حاكماً موالياً لهم معادياً لشعبه، وتلذّذوا بالسخرية بنبيّنا في إعلامهم ودنّسوا مصحفنا في معتقلاتهم الرهيبة التي يعذّبون فيها أبناء المسلمين، وبعد كلّ هذا ألصقوا تهمة الإرهاب بالمسلمين مسخّرين لذلك وسائل إعلامهم وعرّفوا الإسلام بأنّه الدين المعادي لليهوديّة والمسيحيّة!)
وكان الأولى أن يعرّفوه بأنّه الدين الذي لم يتوقّف عن تلقّي الضربات والطعون في ظهره واضطهاد أهله من قبل اليهوديّة والمسيحيّة، وما له من ذنبٍ إلّا أنه جاء ليصلح غيّ اليهوديّة وضلال المسيحيّة.
الإسلام لا يقاتل الآخرين بسبب انتمائهم لدين معيّنٍ أو ثقافةٍ معيّنة، فقد عاش أهل الكتاب في ظل الحضارة الإسلاميّة كأحسن ما عاشوا في تاريخهم كلّه،فاسألوا اليهود عن الفراعنة واسألوهم عن الأمم التي غزتهم واسألوهم عن بختنصّر وعن الرومان وعن الأوروبيين وعن هتلر... واسألوا البروتستانت عن الكاثوليك والكاثوليك عن البروتستانت ...
والصراع معهم ليس دينيّاً ولكن سياسيّاً، نحن فيه في موقع المظلوم والمعتدى عليه والمدافع عن نفسه وعن كرامته وأرضه وشرفه.
والله تعالى لم ينهنا عن أن نبرّ الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا ولم يعاونوا أعداءنا علينا، وإنّما نهانا عن موالاة الظالمين الذين يعتدون علينا (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 8 إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 9) الممتحنة.
والمؤمن الحقيقي لا يمكن أن يجتمع في قلبه حب الله وحب أعدائه حتى لو كانوا من أقرب الناس إليه (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 22) المجادلة، فكيف نحبّ ونصادق من يحارب الله ورسوله؟
سيقولون فما بال الفتوحات الإسلاميّة والإرهاب..؟
الفتوحات الإسلاميّة كانت نشراً لدعوة الله تعالى وإعلاءً لدينه وأدخلت معها الحضارة والإعمار والهداية والعدل والسلام إلى كلّ بلدٍ فتحته، ولم تكن كالاستعمار الغربي للقتل والتدمير والسرقة وانتهاك الحرمات، كما أتاحت الفرصة لجميع الشعوب بالعيش في ظلها في كرامة ونعمة، ولم تكن لإظهار القوة والرياء ولا للعتوّ والفساد في الأرض ولا لسرقة ثروات الشعوب.
أمّا الإرهاب الذي ينسبونه إلى المسلمين ولم تقم حتى اليوم أدلّةً قاطعةٌ على أنّه صدر منهم، فعلى فرض أنّه صدر منهم فهو إرهابٌ ردّاً على إرهاب والبادئ أظلم.
والغريب من أهل الكتاب أنّهم ينتقدون ثقافة الولاء والعداء على عدلها ومنطقيّتها في الإسلام ولا يذكرون ما في كتبهم من ثقافة الولاء والعداء على عنصريّتها وتناقضها وما هو موقفهم الأيديولوجي من العرب والمسلمين.
ففي اللاويين يدعوهم الرب لاتّخاذ العبيد من الأمم الذين حواليهم والّا يتسلّطوا على بعضهم (لاويين 25/ 44-46)،
وفي سفر أشعياء أنّ الأمم تسجد لهم وتلحس غبار رجليهم (أشعيا 49/ 23)،
وحتى الأكل من ذبيحة الفصح مستكثرٌ على الغريب (لا يأكل الغريب من ذبيحة الفصح) الخروج 12/ 43،
وكتبهم تنهى عن حب الذين يبغضون الرب، فقد قال النبي ياهو بن حناني الرائي للملك يوشافاط: " كيف تنصر الشرير وتحبّ الذين يبغضون الرب؟ لذلك أنت تستحق غضب الرب" أخبار الأيام الثاني 19/ 1-2
وفي رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 6 (14- لا تكونوا تحت يدٍ مع غير المؤمنين لأنّه أيّة خلطةٍ للبر والإثم وأي شركةٍ للنور مع الظلمة 15- وايّ اتّفاقٍ للمسيح مع بليعال وأيّ نصيبٍ للمؤمن مع غير المؤمن 17- لذلك أخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الربّ ولا تمسّوا نجساً فأقبلكم)،
وأمر باعتزال كلّ منكر لألوهيّة المسيح ووصف المنكرين بالنجاسة (كورنثوس 6/ 77 )
وفرّق بين أبناء الموعد (النصارى) وأبناء الجسد (ذرية إسماعيل) ودعا إلى طردهم "اطرد الجارية وابنها لأنّ ابن الجارية لن يرث مع ابن الحرّة" (غلاطية 4/ 30-31)،
ومع أنّ في كتبهم ما يدعو إلى العدل وعدم مضايقة الغريب إلّا أنّ ذلك لا يبدو في سياستهم إلّا قليلاً، (انظر الخروج 23).
على كلّ حال السلوكيّات خير ترجمةٍ للمعتقدات، والتاريخ الذي فيه الرسول محمّد صلى الله عليه وسلّم وأتباعه مثل عمر بن الخطّاب وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم كثييييييير يشهد بتسامح الإسلام وعدله، على خلاف التاريخ الذي فيه الأب أوربان الثاني ومحاكم التفتيش وجورج بوش الابن وغيرهم كثيييييييير.
المفضلات