عيادة المريض . . تعبير راقٍ عن الأخوة الإسلامية

الجمعة 30/09/2011

واجب المسلم أن يشارك أخاه المسلم أفراحه وأحزانه ليحقق معنى الأخوة وليؤكد الشعور الواحد الذي يجمع بين المسلمين الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” .

عيادة المريض من الآداب التي جاء بها الإسلام وحث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث الصحيحة، وقد اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم من حقوق المسلم على أخيه المسلم . يقول عليه الصلاة والسلام: “حق المسلم على المسلم ست” قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: “إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه” .

وإلى جانب هذا الحق، وهذا الأدب الإسلامي الرفيع، فقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذا الإنسان رقيق المشاعر مرهف الحس عميق الوجدان له أجر وثواب كبير عند الله على حرصه على زيارة المرضى والاطمئنان عليهم والتخفيف عنهم، حيث يقول صلوات الله وسلامه عليه: “إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرقة الجنة حتى يرجع” . فهذا الحديث يؤكد أن العائد يظل في خرقة الجنة حتى تنتهي مدة الزيارة . والخرقة فسرها الرسول الكريم في حديث آخر بقوله “جناها” أي ثمارها . وفي رواية “مخرقة الجنة” أي الطريق بين ثمرها بحيث يتيسر للمسلم أن ينال من أي ثمار الجنة شاء . والمراد هنا كما يوضح الدكتور إسماعيل الدفتار أستاذ السنة النبوية بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية رحمة الله وبركاته التي تتنزل على زائر المريض خلال الزيارة . كما أخبرنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه بأن عائد المريض له مكان في الجنة حيث يقول في حديث آخر “من عاد مريضاً ناداه منادٍ من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً” .

كما يرغبنا صلوات الله وسلامه عليه في عيادة المريض فيقول: “إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني! قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟” . ولا يجد المسلم أروع ولا أبلغ من هذا التصوير لفضل عيادة المريض ومثوبته عند الله، حتى إن الله جل جلاله ليجعل عيادة المريض كأنما هي عيادة له!!

وهذه الأحاديث النبوية السابقة تدل كلها كما يقول الداعية والفقيه الكبير د .يوسف القرضاوي على أهمية هذا الأدب الإسلامي، الذي رغبت فيه السنة النبوية القولية والفعلية، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهودياً مريضاً فعرض عليه الإسلام فأسلم .

ويتأكد استحباب هذا الأدب الذي عدته بعض الأحاديث حقاً للمسلم على المسلم إذا كان بين المسلم والمسلم صلة وثيقة مثل القرابة والمصاهرة والجوار والزمالة والأستاذية، ونحو ذلك مما يجعل لبعض الناس حقاً أوكد من غيره .

عيادة الرجل للمرأة

لكن: هل يجوز للرجل أن يعود امرأة مريضة والعكس؟

يقول د .القرضاوي: الملاحظ أن هذه الأحاديث جاءت بألفاظ عامة تشمل الرجل والمرأة على السواء، فأحاديث “عودوا المريض” أو “من عاد مريضا” أو “إذا مرض فعده” ليست خاصة بالرجال، بلا جدال، وهذه الأدلة العامة كافية في مشروعية عيادة النساء للرجال في ظل الآداب والضوابط الشرعية المقررة . ومع ذلك هناك أدلة خاصة تدل على مشروعية عيادة المرأة للرجل، فقد نقلت لنا الراويات الصحيحة أن أم الدرداء عادت رجلاً من أهل المسجد من الأنصار، وروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبوبكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: “يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟” ومعنى “كيف تجدك” أي كيف تجد نفسك؟ كما نقول نحن: كيف صحتك؟

كل هذه الروايات وغيرها تؤكد أنه لا مانع من أن تعود المسلمة أخاها المسلم المريض مادامت ملتزمة بالقواعد الشرعية والآداب المرعية، فلا خلوة ولا تبرج ولا تعطر، ولا خضوع بالقول .

وكما تجوز زيارة النساء للرجال المرضى في ظل الضوابط الشرعية والحرص على الآداب العامة التي تحكم سلوك المرأة ولباسها، تجوز زيارة الرجل للنساء المريضات وهناك روايات كثيرة تنقل لنا كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والعديد من الصحابة يعودون المريضات، ويرفعون من معنوياتهن، وهذا كله يؤكد حرص الشريعة الإسلامية على توثيق العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الناس، وحرص الإسلام بصفة خاصة على العناية بالمرضى يعود إلى أن هذه العناية تزيد قدرتهم على مواجهة المرض، حيث أكدت العديد من الدراسات والأبحاث الطبية والنفسية أن دعم المريض معنوياً والتخفيف عنه وعدم تركه للوساوس من الوسائل الفاعلة التي تقوي جهازه المناعي وبالتالي تكون لديه قدرة أكبر على مقاومة المرض .

مندوبة . . أو واجبة

وعن الحكم الشرعي لعيادة المريض يقول د .محمد رأفت عثمان أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر: الأصل في عيادة المريض أنها مندوبة، وقد تصل إلى الوجوب في حق البعض حسب حال المريض واحتياجه إلى من يزوره وأنسه به . ويلحق بعيادة المريض تعهده وتفقد أحواله والتلطف به، وهذا كله له أجر وثواب مضاعف . فأجر من يحرص على زيارة مريض أكثر من مرة وتقديم أي عون مادي أو معنوي له ليس قطعاً كأجر من يزوره مرة أو مرتين ثم ينصرف بعد دقائق .

وإذا كانت مجرد زيارة المريض لها هذه المنزلة التي أشارت إليها الأحاديث النبوية، فما بالنا بمن يضحي بوقته وماله ويتحمل أذى المريض ويقدم له مساعدة؟

إن من يفعل ذلك يحجز لنفسه مكاناً في جنة الخلد التي أعدها الله عز وجل لعباده الصالحين الحريصين على فعل الخيرات الذين يتسابقون في تقديم كل عون ومساعدة للمرضى والضعفاء .

توجيهات نبوية

ولزيارة المريض آداب وأخلاقيات ينبغي أن نحرص عليها كما يوضح د .محمد رأفت عثمان حتى نحظى بالأجر والثواب ونتركه وهو على حال أفضل مما رأيناه عليه عند دخولنا لعيادته حيث ينبغي أن نتخير الأوقات المناسبة للزيارة، وهي تجوز ليلاً ونهاراً ما لم يكن في ذلك مشقة على المريض، ومن الأدب ألا نطيل عنده الجلوس لأن للمريض أحوالاً قد يؤلمه أن يراها الآخرون .

ومن السنة التنفيس عن المريض بمعنى بث الأمل فيه، وتهوين مرضه ورفع معنوياته . وقد وجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأدب الراقي فقال: “إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئاً وهو يطيب نفس المريض” . ومن السنة أيضاً الدعاء للمريض، وهناك أحاديث كثيرة في رقية المريض أثناء عيادته، وقد جاء الحديث الصحيح الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضاً أو أتى به إليه قال: “أذهب البأس رب الناس، اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً” .

وفي حديث صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: “من عاد مريضاً لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض” .

بعد كل هذه التوجيهات النبوية الكريمة في فضل عيادة المريض والآداب والأخلاقيات والسلوكيات الراقية التي تحكم هذه الزيارة، هل نعود إلى تعاليم ومبادئ ديننا ونحرص على هذه الفضيلة ونحظى برضا الله عز وجل ومن بعده رضا الناس واستحسانهم ونفوز بالجنة؟!