ما معنى الأحرف السبعة ؟
قالوا : ما معنى الأحرف السبعة ؟ وهل هي القراءات السبعة ؟ وما هي ضوابط هذه القراءات كي يقبلها المسلم وغيره ..... ؟
تعلقوا على ذلك بما جاء في صحيح البخاري برقم 2241 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ : سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ r أَقْرَأَنِيهَا وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ r فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا فَقَالَ لِي أَرْسِلْهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ اقْرَأْ فَقَرَأَ. قَالَ : " هَكَذَا أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَالَ لِي: اقْرَأْ فَقَرَأْتُ .فَقَالَ : " هَكَذَا أُنْزِلَتْ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ" .
الرد على الشبهة
إن القراءات السبع المشهورة هي جزء من الأحرف السبعة ، وقد اختُلف العلماء في تعريف الأحرف السبع إلى أكثر من ثلاثين قولًا...
والذي فهمتُه ومالت إليه نفسي هو قول النووي – رحمه الله- لما قال : انزل عَلَى سَبْع لغات مِنْ لهجات العرب و هِيَ كَيْفِيَّة النُّطْق بِكَلِمَاتِهَا مِنْ إِدْغَام وَإِظْهَار وَتَفْخِيم وَتَرْقِيق وَإِمَالَة وَمَدّ وَقَصْر وَتَلْيِين ، لِأَنَّ الْعَرَب كَانَتْ مُخْتَلِفَة اللُّغَات فِي هَذِهِ الْوُجُوه فَيَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِيَقْرَأَ كُلٌّ بِمَا يُوَافِقُ لُغَتَهُ وَيَسْهُلُ عَلَى لِسَانِهِ...
قلتُ : كان ذلك في عصر رسول اللهr في بادئ الأمر للتخفيف والتيسير على القبائل العربية ؛ ولما تعلموا القرآن وكثر نطقه على ألسنتهم ...
حمل القرآن على قراءة ولهجة قريش ؛ وهذا ما أشار إليه بعض العلماء في أقوالهم كما يلي :
1- قَالَ الطَّحَاوِيُّ . وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِمَا كَانَ يَتَعَسَّرُ عَلَى كَثِير مِنْهُمْ التِّلَاوَة بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْكِتَابَةِ وَالضَّبْط ، وَإِتْقَان الْحِفْظ ثُمَّ نُسِخَ بِزَوَالِ الْعُذْر وَتَيْسِير الْكِتَابَة وَالْحِفْظ قَالَهُ فِي الْمِرْقَاة.
2- وَقَالَ الْقُتَيْبِيّ : لَا نَعْرِفُ فِي الْقُرْآنِ حَرْفًا يُقْرَأُ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف ...
قلتُ : لعله قصد أن مصحف عثمان الذي بين أيدينا ؛ ليس فيه السبعة أحرف...
3- قَالَ السِّنْدِيُّ : عَلَى سَبْعَة أَحْرُف أَيْ: عَلَى سَبْع لُغَات مَشْهُورَةٍ بِالْفَصَاحَةِ وَكَانَ ذَاكَ رُخْصَة أَوَّلًا تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ ثُمَّ جَمَعَهُ عُثْمَان حِين خَافَ الِاخْتِلَاف عَلَيْهِمْ فِي الْقُرْآن وَتَكْذِيب بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى لُغَة قُرَيْش الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا أَوَّلًا.
وبعد هذا العرض جاء الدور إلى أن أترك المجال للقارئ لكي يقرأ أقوال العلماء كما يلي :
1- عون المعبود في شرح سنن أبي داود :
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْح مُسْلِم أَصَحّ الْأَقْوَال وَأَقْرَبهَا إِلَى مَعْنَى الْحَدِيث قَوْل مَنْ قَالَ : هِيَ كَيْفِيَّة النُّطْق بِكَلِمَاتِهَا مِنْ إِدْغَام وَإِظْهَار وَتَفْخِيم وَتَرْقِيق وَإِمَالَة وَمَدّ وَقَصْر وَتَلْيِين ، لِأَنَّ الْعَرَب كَانَتْ مُخْتَلِفَة اللُّغَات فِي هَذِهِ الْوُجُوه فَيَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِيَقْرَأَ كُلٌّ بِمَا يُوَافِقُ لُغَتَهُ وَيَسْهُلُ عَلَى لِسَانِهِ . اِنْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ . قَالَ الْقَارِيّ : وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ ، فَإِنَّ الْإِدْغَام مَثَلًا فِي مَوَاضِع لَا يَجُوزُ الْإِظْهَار فِيهَا وَفِي مَوَاضِع لَا يَجُوزُ الْإِدْغَام فِيهَا وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي . وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ اِخْتِلَاف اللُّغَات لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي هَذِهِ الْوُجُوه لِوُجُوهِ إِشْبَاع مِيمِ الْجَمْعِ وَقَصْره وَإِشْبَاع هَاء الضَّمِير وَتَرْكه مِمَّا هُوَ مُتَّفِقٌ عَلَى بَعْضه وَمُخْتَلِف فِي بَعْضه وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : إِنَّ الْمُرَاد سَبْعَة أَوْجُه مِنْ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَة بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَة نَحْو أَقْبِلْ وَتَعَالَ وَعَجِّلْ وَهَلُمَّ وَأَسْرِعْ فَيَجُوزُ إِبْدَال اللَّفْظ بِمُرَادِفِهِ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ لَا بِضِدِّهِ ، وَحَدِيث أَحْمَد بِإِسْنَادٍ جَيِّد صَرِيح فِيهِ ، وَعِنْده بِإِسْنَادٍ جَيِّد أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة : " أُنْزِلَ الْقُرْآن عَلَى سَبْعَة أَحْرُف عَلِيمًا حَكِيمًا غَفُورًا رَحِيمًا " وَفِي حَدِيث عِنْده بِسَنَدٍ جَيِّد أَيْضًا : " الْقُرْآن كُلّه صَوَاب مَا لَمْ يَجْعَلْ مَغْفِرَةً عَذَابًا أَوْ عَذَابًا مَغْفِرَةً " وَلِهَذَا كَانَ أُبَيٌّ يَقْرَأُ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ سَعَوْا فِيهِ بَدَل مَشَوْا فِيهِ ، وَابْن مَسْعُود أَمْهِلُونَا أَخِّرُونَا بَدَل أَنْظِرُونَا .
قَالَ الْقَارِيّ : إِنَّهُ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا مِنْ الصَّحَابَة خُصُوصًا مِنْ أُبَيٍّ وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمَا يُبَدِّلَانِ لَفْظًا مِنْ عِنْدهمَا بَدَلًا مِمَّا سَمِعَاهُ مِنْ لَفْظ النُّبُوَّةِ وَأَقَامَاهُ مَقَامَهُ مِنْ التِّلَاوَة ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مِنْهُمَا أَوْ سَمِعَا مِنْهُ r الْوُجُوهَ فَقَرَأَ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا كَمَا هُوَ الْآن فِي الْقُرْآن مِنْ الِاخْتِلَافَات الْمُتَنَوِّعَة الْمَعْرُوفَة عِنْد أَرْبَاب الشَّأْن ، وَكَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ . وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِمَا كَانَ يَتَعَسَّرُ عَلَى كَثِير مِنْهُمْ التِّلَاوَة بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْكِتَابَةِ وَالضَّبْط ، وَإِتْقَان الْحِفْظ ثُمَّ نُسِخَ بِزَوَالِ الْعُذْر وَتَيْسِير الْكِتَابَة وَالْحِفْظ قَالَهُ فِي الْمِرْقَاة .
وَقَالَ الْحَافِظ الْإِمَام الْخَطَّابِيُّ : قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الْحُرُوف اللُّغَات يُرِيدُ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى سَبْع لُغَات مِنْ لُغَات الْعَرَب هِيَ أَفْصَح اللُّغَات وَأَعْلَاهَا فِي كَلَامِهِمْ . قَالُوا وَهَذِهِ اللُّغَاتُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْقُرْآن غَيْر مُجْتَمِعَة فِي الْكَلِمَة الْوَاحِدَة ، وَإِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا أَشَارَ أَبُو عُبَيْد ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيّ : لَا نَعْرِفُ فِي الْقُرْآنِ حَرْفًا يُقْرَأُ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف ... وَقَالَ السِّنْدِيُّ : عَلَى سَبْعَة أَحْرُف أَيْ: عَلَى سَبْع لُغَات مَشْهُورَةٍ بِالْفَصَاحَةِ وَكَانَ ذَاكَ رُخْصَة أَوَّلًا تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ ثُمَّ جَمَعَهُ عُثْمَان حِين خَافَ الِاخْتِلَاف عَلَيْهِمْ فِي الْقُرْآن وَتَكْذِيب بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى لُغَة قُرَيْش الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا أَوَّلًا اِنْتَهَى .أهـ بتصرف .
2- كتاب شبهات مغرضة حول القرآن :
إن القراءات السبع ليس المقصود بها الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن, كما قال رسول الله : ((أُمِرتُ أن أقرأ القرآن على سبعة أحرُف كُلُّها شافٍ كافٍ)) [صحيح الجامع:1374] وهذا من تيسير الله عز وجل على أمة الإسلام, لأن قبائل الحجاز العربية لها لهجات مختلفة, مثل القُرَشية, والتميمية, والْهُزَلية, والثقيفية, والغِفارية, والأَسَدية, وغيرها, فمثلاً قوله تعالى: {وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} [البقرة:259] فقد صحت قراءة أخرى متواترة {ننشرها} وقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} قرأها أنس {وأصوب قيلا} فقال له البعض: يا أبا حمزة إنما هي {وَأَقْوَمُ} فقال: أقوم وأصوب وأهيأ واحد. أما القراءات السبع, قال أبو شامة: ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث, وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة, وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل. وقال مكي بن أبى طالب: هذه القراءات التي يُقرأ بها اليوم, وصحَّت روايتها عن الأئمة, هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
ومن حكمة تعدد القراءات, التعرف من خلالها على حكم الصحيح, وحسم مادة الخلاف عند التعارض في أقوال الفقهاء, أو ترجيح بعضها على بعض, فإن الفقيه يلجأ في تصويب رأيه إلى وجوه القراءات, لعلمه أن القرآن يفسر بعضه بعضاً, ولقد وضع العلماء الأقدمون ضوابط محكمة للقراءات الصحيحة التي هي وحى من عند الله, وتلك الضوابط هي :
1) صحة السنَد الذي يؤكد سماع القراءة من رسول الله .
2) موافقة القراءة لرسم المصحف العثماني الذي أجمعت عليه الأمة.
3) أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه تراكيب اللغة العربية.
4) أن يكون معنى القراءة غير خارج عن قِيَم الإسلام ومقاصده الأصول والفروع.
وعملاً بهذه الضوابط تميزت القراءات الصحيحة من القراءات غير الصحيحة, أو ما يسمى بالقراءات الشاذة.
فإن سأل سائل فقال: فما الذي يُقبَل من القرآن فيُقرَأ به؟ وما الذي يُقبَل ولا يُقرَأ به؟ فالجواب: أن جميع ما رُوِىَ في القرآن على ثلاثة أقسام :
القسم الأول: قسم يقرأ به اليوم, وهو ما اجتمعت فيه الشروط الأربعة المتقدمة.
القسم الثاني: ما صحَّ نقله عن الآحاد, وصح وجهه في العربية, وخالف لفظه خط المصحف, هذا يقبل ولا يقرأ به.
القسم الثالث : هو ما نقله غير ثقة, أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية, فهذا لا يقبل وإن وافق خط المصحف, والله أعلم.
كتبه / أكرم حسن مرسي
المفضلات