الشيخ أسامة حافظ

صفي الدين العسال هو أحد أفراد عائلة قبطية شهيرة برزت في القرن الثالث عشر الميلادي – نهايات عصر الدولة الأيوبية – وكانت عائلة من كبار مثقفي الأقباط تركوا وراءهم ذخيرة كبيرة من المؤلفات الدينية التي شملت فروعا عديدة في اللاهوت والعقيدة واللغة القبطية وغيرها .. وقد اشتهر من كتبهم كتاب " المجموع الصفوي " لأبي اسحق صفي الدين بن العسال .. وهو كتاب مسهب في القوانين جمعه الكاتب من نصوص الكتاب المقدس ومتفرقات من قوانين الكنيسة وقد ألف الكاتب له مختصرا .

ومنذ أن كتب هذا الكتاب – عام 1238 – والكتاب هو المرجعية الأولي في الأحكام الكنسية ومجالسها الملية .

في سنة 1938 اصدر المجلس المللي لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس والتي حوت خيارات من كتاب العسال الذي كان مطبقا من قبل بعد صياغته صياغة قانونية حديثة – قام المجلس الملي باعداده وليس الأكليروس لأن المجلس كان يحوي رجال قانون أقدر علي الصياغة القانونية – وقد عرضت اللائحة علي الكنيسة ووافق البابا يؤانس التاسع عشر - المشهور بتشدده - عليه حيث انتقلت للتنفيذ بعد أيام – لم تنشر في جريدة الوقائع المصرية في ذلك الوقت لأنها لم تكن قانونا يطبق في المحاكم وإنما لائحة يطبقها المجلس الملي في الحكم بين الأفراد النصاري في الأحوال الشخصية.

وعلي مدار عقود ظلت هذه اللائحة هي المطبقة حتي بعد الغاء المحاكم الشرعية والمللية حيث انتقلت الي المحاكم للحكم بها بين الأقباط تحت عنوان " قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين وقام علي التنفيذ دون اعتراض البابوات الثلاثة الذين تلو البابا يؤانس – مكاريوس ويوساب وكيرلس - وكل من عمل معهم من القسس والاساقفة والمطارنة ولم نسمع من أحدهم انكارا أو اعتراضا .الا مزاعم نسبت إلي أموات لم يسمعها منهم إلا من حكوها .

لما تولي البابا الحالي كرسي البطريركية واشتدت في عهده الدعوة إلي تطبيق الشريعة الإسلامية وسرت الأنباء عن السعي لتقنينها تمهيدا للتطبيق تقدم البابا بمشروع قانون للأحوال الشخصية لغير المسلمين أجري فيه تغييرات في القانون السابق فحفظ مع قوانين الشريعة في أدراج المجلس الموقر .

سكنت الكنيسة وتجاهلت وصايا الرب طوال السنوات التالية لتعطي الفرصة للحكومة للتفرغ للقضاء علي شباب الجماعات الإسلامية ولكي لاتشغلها عن مهمتها .. فلما هدأ غبار المعارك وحدثت المصالحة التي كانت ثمرة مبادرة وقف العنف بدأت الكنيسة تثير المشاكل للدولة وكان من وسائل ذلك هذا القانون .. ولنا علي هذه المشكلة عدة ملاحظات

1 – أين كانت الكنيسة طوال هذه المدة الطويلة وهي تطبق هذا القانون ليس منذ لائحة 1938 فقط ولكن منذ اخذوا بقوانين ابن العسال من قبل وهل كان كل هؤلاء البابوات والقسس الذين عملوا بهذا القانون من الهراطقة والمجدفين ام انهم كانوا جهالا بالاناجيل واحكامه التي علمها فجأة الجهاز الكنسي الحالي .

2- لماذا اصر بعض القسس علي الاستمرار في منح تصاريح الزواج رغم تعليمات البابا المشددة وتجاهلوا تلك التعليمات حتي اضطرت الكنيسة لتقديم بلاغات للنيابة تشتكي بعضهم لاعطائه تصريحات الزواج دون تصريح من الكنيسة وقد حكمت محكمة الجنايات بالبراءة واسست حكمها علي ان القانون لم يشترط اذن المجمع المقدس لذلك .

3- لماذا تحاول الكنيسة الارثوذكسية أن تتحدث باسم جميع النصاري وتعلن وصايتها علي اجتهاداتهم في فهم الكتاب المقدس بدعوي عمل قانون موحد في الوقت الذي يرفض فيه الكثير هذه الاجتهادات فالبروتستانت مثلا يفضلون بقاء لائحة 1938 ويرون أنها أقرب لروح النصوص الانجيلية والكاثوليك بكل طوائفهم يرفضون كليهما إذ أنهم يؤمنون بالإنفصال الجسدي بل إن الارثوذكس السريان والاقباط الارثوذكس لايوافقون علي هذا القانون الجديد .

4 – اماذا تشهر الكنيسة في وجه القسس سيف الإرهاب فتنذر بالشلح – العزل – أي قسيس يعطي تصريحا بالزواج لمطلقي المحكمة وما الذي جد لتوقع هذه العقوبة .

والعجيب أن تحاول الكنيسة تقنين جريمتها مع وفاء قسطنطين وأمثالها بادخال مادة في هذا القانون الجديد تنص علي أنه لايعتد بتغيير احد الزوجين لملته او طائفته او ديانته اثناء قيام الزوجيةبمعني أن تظل الزوجية منعقدة للمرأة المسيحية حتي بعد اسلامها وتبقي تحت ولاية الزوج النصراني يسومها العذاب أو يسلمها الكنيسة لتفعل بها ذلك وليس للمسلمين ولاية عليها

والاعجب أن تحاول تقنين تجارة الأطفال وسرقتهم لبيعهم في الخارج عن طريق محاولتهم تقنين التبني ليكون الستار القانوني الذي يرتكبون به جريمتهم .

وبعد :

أشياء كثيرة تثيرها هذه الضجة التي تتبناها الكنيسة ليست كلها في صالح البلد واستقرارها بل ولا في صالح النصاري والكنيسة واستقرار علاقتهما بالمسلمين ولا بالدولة .. فعندما يتحدي اكبر رأس في الكنيسة احكام القضاء الباتة ويرفض متحديا تنفيذها ويدعو شعب الكنيسة للتظاهر والاعتصام متحديا القوانين التي تمنع ذلك معلنا أنه سيرينا الوجه الآخر منه – بالطبع هو يقصد الدولة التي حكمت عليه بالقانون الذي لايعجبه – فإنه بمثل هذه التصرفات غير المسئولة واشاعته للفوضي والاستهانة بالقانون والقضاء إنما يشيع في المجتمع التهاون بالقانون والقضاة بما يترتب علي ذلك من مخاطر تهدد وحدة الوطن ولحمة نسيج الوطن الواحد .ولو أن كل من لايعجبه حكم قضائي أو قانون تعامل معه مثلما حدث من الكنيسة فإن أول المضارين من سقوط سطوة القانون وأحكام القضاء هم .. إذ أنه الذي يقوم علي حمايتهم والدفاع عنهم .

http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=33209