شهادة الأناجيل على نجاة المسيح من الصلب !
إن خبر تنبؤ المسيح بقتله وصلبه كما يزعم النصارى ، معارَض بنصوص كثيرة ، أخبر المسيح فيها بنجاته ، ومنها :
1- قوله حسبما جاء في إنجيل يوحنا : " فأرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خداماً ليمسكوه، فقال لهم يسوع: أنا معكم زمانا يسيراً بعد ثم أمضي إلى الذي أرسلني، ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا ".
وقد فهم منه اليهود أنه أراد نجاته منهم : " فقال اليهود فيما بينهم: إلى أين هذا مزمع أن يذهب حتى لا نجده نحن ؛ ألعله مزمع أن يذهب إلى شتات اليونانيين ، ويعلم اليونانيين ، ما هذا القول الذي قال: ستطلبونني ولا تجدونني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا" ( يوحنا 7/32 – 36 ).
فأي مكان على الأرض من الممكن أن يكتشفه أعداء المسيح عليه السلام , فما الذي عناه المسيح حين قال : " وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا " ؟! أي مكان هذا إن لم تكن السماء التي رفع إليها ؟! بل إن مصداق قوله عليه السلام : " ثم أمضي إلى الذي أرسلني " تجده في القرآن الكريم حين قال تعالى : {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ }آل عمران55 .
2- ومرة أخرى جاهر المسيح بنجاته منهم قائلاً : " أعلم من أين أتيت، وإلى أين أذهب، وأما أنتم، فلا تعلمون من أين آتي، ولا إلى أين أذهب …. قال لهم يسوع أيضاً: أنا أمضي، وستطلبونني وتموتون في خطيتكم، حيث أمضى أنا، لا تقدرون أنتم أن تأتوا. فقال اليهود: ألعله يقتل نفسه حتى يقول: حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا. فقال لهم: أنتم من أسفل. أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم … فقال لهم يسوع: متى رفعتم ابن الإنسان، فحينئذ تفهمون إني أنا هو، ولست أفعل شيئاً من نفسي، بل أتكلم بهذا كما علمني أبي، والذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الأب وحدي، لأني في كل حين أفعل ما يرضيه " ( يوحنا 8/21 - 29 ).
3- ثم مرة أخرى، لما أعطى يهوذا اللقمة قال لتلاميذه: " يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعد، ستطلبونني، وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، أقول لكم أنتم الآن..... قال له سمعان بطرس: يا سيد، إلى أين تذهب، أجابه يسوع: حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني، ولكنك ستتبعني أخيراً " ( يوحنا 13/32 - 36 ).
وقد رأى المحققون في هذه النصوص نبوءة واضحة بنجاة المسيح عليه السلام من يد أعدائه، وأنه سيرفع للسماء، فهو المكان الذي لا يقدرون عليه، ولو كان مقصده الموت، فإن ذلك أمر يطيقه كل أحد، لقد كان المسيح يتحدى أعداءه وهو يقول: " هو ذا بيتكم، يترك لكم خراباً، لأني أقول لكم: إنكم لا ترونني من الآن، حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب " ( متَّى 23/28 - 29 ).
4- ومن النصوص التي تحدثت أيضاً عن نجاة المسيح قوله: "هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن، تتفرقون فيها، كل واحد إلى خاصته، وتتركونني وحدي، وأنا لست وحدي، لأن الآب معي، قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام، في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " (يوحنا 16/32 - 33) فأين هذا من القول بصفع المسيح وصلبه وضربه ؟!
5- ومن النصوص الدالة أيضاً على نجاة المسيح قول كاتب إنجيل يوحنا: " من عند الله خرج، وإلى الله يمضي " ( يوحنا 13/3 ) ولو كان المقصود الموت، فكل الناس إلى الله تمضي، والقول بأن مضيه إنما يكون بعد الدفن ثلاثاً، يحتاج لدليل يثبت ذلك.
6- ومن النصوص الدالة أيضاً على نجاة المسيح ما جاء في إنجيل متَّى : " فقال لهم يسوع: هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا مادام العريس معهم ؛ ولكن ستأتي أيام، حين يرفع العريس عنهم، فحينئذ يصومون " ( متَّى 9/15 )، ومقصده رفعه للسماء بغير قتل أو صلب . وهذا ما يفهمه من عنده مسحة من عقل , ومن المحال أنه يعني برفعه صلبه وموته وقيامته, فظاهر النص يفيد الرفع والنجاة , ولا يفيد الصلب والهلاك .
7- ومن أظهر الأدلة الإنجيلية التي تصرح بنجاة المسيح عليه السلام من القتل أو الصلب ورفعه إلى السماء بعد إلقاء الشبه على غيره , ما جاء في إنجيل لوقا : " ولما سأله الفريسيون : متى يأتي ملكوت الله ؟ أجابهم وقال : لا يأتي ملكوت الله بمراقبة ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك , لأن ها ملكوت الله داخلكم . وقال لتلاميذه: ستأتي أيام فيها تشتهون أن تروا يومًا واحدًا من أيام ابن الإنسان ولا ترون , ويقولون لكم هوذا ههنا أو هوذا هناك . لا تذهبوا ولا تتبعوا لأنه كما أن البرق الذي يبرق من ناحية تحت السماء يضيء إلى ناحية تحت السماء كذلك يكون ايضًا ابن الإنسان في يومه ولكن ينبغي أولاً أن يتألم كثيرًا ويُرفض من هذا الجيل . وكما كان في أيام نوح كذلك يكون ايضًا في أيام ابن الإنسان .كانوا يأكلون ويشربون ويزوجون ويتزوجون إلى اليوم الذي فيه دخل نوح الفلك وجاء الطوفان واهلك الجميع . كذلك ايضًا كما كان في أيام لوط كانوا يأكلون ويشربون ويشترون ويبيعون ويغرسون ويبنون ولكن اليوم الذي فيه خرج لوط من سدوم أمطر نارًا وكبريتًا من السماء فأهلك الجميع هكذا يكون في اليوم الذي فيه يظهر ابن الإنسان في ذلك اليوم من كان على السطح وامتعته في البيت فلا ينزل ليأخذها والذي في الحقل كذلك لا يرجع إلى الوراء اذكروا امراة لوط من طلب أن يخلص نفسه يهلكها ومن اهلكها يحييها . أقول لكم : إنه في تلك الليلة يكون اثنان على فراش واحد فيؤخذ الواحد ويترك الأخر ! تكون اثنتان تطحنان معًا فتؤخذ الواحدة وتترك الأخرى ! يكون اثنان في الحقل فيؤخذ الواحد ويترك الأخر ! فأجابوا وقالوا له : أين يا رب ؟! فقال لهم : حيث تكون الجثة هناك تجتمع النسور ! " ( لوقا 17 : 22 – 37 ) .
لقد بَيَّنَ المسيح عليه السلام أنه ستأتي أيام على الحواريين يشتاقون فيه لرؤيته , وذلك بعد رفعه عليه السلام وإلقاء الشبه على غيره كما سيأتي من سياق كلامه عليه السلام , ثم وضح لهم أن كثيرين سيظنون أنه هنا أو هناك , لأنهم لم يعلموا حقيقة ما حدث من إلقاء الشبه على غيره , ولهذا نهاهم عليه السلام أن يصدقوا كلامهم قائلاً لهم : " لا تذهبوا ولا تتبعوا لأنه كما أن البرق الذي يبرق من ناحية تحت السماء يضيء إلى ناحية تحت السماء كذلك يكون ايضًا ابن الإنسان في يومه " . وهذا تشبيه واضح يُبـين إلقاء شبهه على غيره كما أن مصدر البرق تحت السماء يضيء في ناحية أخرى فيظن الناس أن هذا مصدر البرق , ويؤكد ذلك المعنى الترجمة التفسيرية " كتاب الحياة " إذ جاء فيها : " فكما أن البرق الذي يلمع تحت السماء من إحدى الجهات يضيء في جهة أخرى " .
ثم ذكر المسيحُ نوحًا عليه السلام مذكرًا تلاميذه بمعاناته مع قومه حتى أنجاه الله ومن معه في الفلك المشحون , وكذلك لوطًا عليه السلام إذ أنجاه الله من القوم الظالمين , ثم قال عليه السلام : " هكذا يكون في اليوم الذي فيه يظهر ابن الإنسان " , وابن الإنسان هنا هو يهوذا يوم أن يُظهر خيانته لسيده , ولا يعقل أن يكون المسيح هو ابن الإنسان في هذه الفقرة , لأن حديث المسيح عليه السلام عن نوح ولوط جاء فيه نجاتهم من الهلاك , وهلاك من أرادوا بهما السوء , وهذا هو القاسم المشترك بينهما , فهل يعقل أن يضرب المسيح هذه الأمثلة لكي يشير إلى قتله وصلبه وانتصار الخائن عليه أم أنه يتحدث عن نصر الله له بعد البلاء والإيذاء الواقع عليه - كما نصر الله نوحًا ولوطًا - وهلاك من أراد خيانته ؟!
ثم أمر المسيح عليه السلام تلاميذه المقربين بالإبتعاد والفرار عندما يظهر ابن الإنسان يهوذا بخيانته , ثم قال – والنص لا يحتاج إلى تعليق - : " أقول لكم : إنه في تلك الليلة يكون اثنان على فراش واحد فيؤخذ الواحد ويترك الأخر ! تكون اثنتان تطحنان معًا فتؤخذ الواحدة وتترك الأخرى ! يكون اثنان في الحقل فيؤخذ الواحد ويترك الأخر ! " . ونتساءل : ما الذي جعل المسيح يأمر تلاميذه بالفرار في تلك اللحظة قائلاً لهم : " من كان على السطح وامتعته في البيت فلا ينـزل ليأخذها والذي في الحقل كذلك لا يرجع إلى الوراء " ؟! إن هذا ليس له معنى سوى أن يهوذا سيُلقى عليه شبه المسيح عليه السلام , وقد يفتن هذا الصفوة من أتباع المسيح ولهذا أمرهم بالفرار , لكنه كان يعلم أنهم لن يلتزموا بما قال ولهذا قال المسيح لهم : " كلكم تشكون فيَّ في هذه الليلة" ( مت 26 : 31 , مر 14 : 27 ) .
لقد ذهب علماء الكتاب المقدس إلى تأويل الفقرات السالفة الذكر حول المجيء الثاني للمسيح في نهاية الزمان وذلك لما ورد في إنجيل متَّى ( 24 : 36 – 41 ) , ومن يقارن بين الفقرات الواردة في إنجيلي متَّى ولوقا لا يستطيع أن يجزم بذلك .
المفضلات