تفسير الإنجيل بالقرآن(5)
جوع ، وطعام ، ونوم ، ونسيان، وعدم علم السيد المسيح
النص الأول:" وبينما كان يأكل فى بيت متى جاء جامعوا ضرائب وخطاة كثيرون وأكلوا مع يسوع وتلاميذه " (متى:9-10) .
النص الثانى: " ثم أخذ يسوع أرغفة الخبز الخمسة والسمكتين وشكر الله "
( متى :19-14).
النص الثالث: " فجاءوا إليه وأيقظوه وقالوا له : يا سيد ، يا سيد ، إننا نغرق حينئذ قام وانتهر الريح والأمواج ، فسكنت الريح وهدأت البحيرة "
( لوقا:8-24)
النص الرابع: " جاع يسوع . وشاهد من بعيد شجرة تين مورقة . فتوجه إليها لعله يجد فيها بعض الثمار ، لكنه لم يجد سوى الأوراق ، وذلك لأن الموسم لم يكن موسم إثمار التين " ( مرقص:11-13:12) .
النص الخامس: " فقال يسوع من لمسنى .." ( لوقا:8- 45).
هذه خمسة نصوص إنجيلية ، تدل دلالة واضحة ، ولا تحتمل التأويل أو اللف والدوران ، تدل دلالة كاملة على بشرية المسيح الخالصة ، وعدم أولوهيته.
ففى النص الأول كان المسيح يأكل مع التلاميذ ، ففيه دلالة على أن الرجل كان يأكل مثل الناس ، أى يأكل بطريقة بشرية ، حتى لا يقولوا كان يأكل بطريقة إلهية ؟!!
وكان يأكل مما يأكل منه البشر ، حتى لا يقولوا ، أن له طعاما إلهيا !!
وأكثر من ذلك أنه كان يشكر من أنعم عليه بالرزق ، أى يشكر الله الرزاق سبحانه ، كما دل عليه النص الثانى ، ولم يشكر نفسه ، لأنه مرزوق غير رزاق .
أما النص الثالث ، ففيه أنه كان نائما ، كما ينام البشر جميعا ، وأيقظوه واستيقظ ، وأخبروه أنهم كانوا يغرقون ، فدل ذلك على عدم علمه بما يجرى عند نومه .
وتجد النص الرابع ، يزيد الأمر بيانا ، حيث يجهل المسيح حال الشجرة ، فيظنها مثمرة، ثم يتبين له أنها غير مثمرة ، وقد نسى أيضا موسم التين.
وفى النص الأخير تلمسه امرأة من خلفه ، ولا يعرف من لمسه ، ويسأل عن ذلك .
هل هذه الصفات إلهية ؟ أم بشرية ؟ أم بشرية إلهية ؟؟
الواقع البشرى كله ، يدل على أنها صفات بشرية محضة .
كل البشر يجوعون ، ويأكلون ، وينسون ، ويجهلون ، وينامون ، فإن كان المسيح بهذه الصفات إلها فكلنا آلهة ، أو صفاتنا صفات إلهية على أقل تقدير.
هذا عبث بالعقول ، ما عرفت الدنيا له نظيرا.
وصف ربنا سبحانه الإنسان بهذه الصفات فقال:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }[البقرة:172]، وقد رأينا كيف شكر المسيح ربه بعد الطعام .
وقال سبحانه : { وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } [الروم:23]. فالنوم آية من أيات الله ودليلا على ألوهيته ، وصورة من صور قهره لعباده ، فالنائم لا حول له ولا قوة ، وقد رأينا السفينة تغرق والمسيح مقهورا بالنوم ، لم يفعل شيئا وهو نائم .
وقد نزه ربنا سبحانه نفسه عن كل الصفات البشرية ، فقال : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ } [ الإخلاص: 1-2]
فالأحد هو المتفرد فى ذاته وصفاته ، فلا مثل له ولا ند له ولا نظير له سبحانه.
والصمد هو القائم بذاته الغنى عن جميع خلقه ، فهو سبحانه لا يحتاج إلى طعام ولا شراب ولا نوم ولا شىء غير ذلك.
وقد نفى عن نفسه النوم سبحانه فقال : { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ..} [البقرة:255]. لا تأخذه سبحانه سِنة ، أى مقدمات النوم ، الغفوة التى لا تستغرق زمنا ، مستحيلة فى حق الله سبحانه .
ونفى ربنا عن نفسه النسيان ، كما ذكر على لسان موسى عليه السلام ، قال:
{ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى } [طه:52]
وعلمه سبحانه محيط بكل كبيرة وصغيرة فى الوجود ، غيبا كان أو شهادة.
قال تعالى:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر:22]
وقال سبحانه : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}[لقمان:16]
وبهذا القدر نكتفى ، وإلى لقاء قريب إنشاء الله .
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .