بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
استغاثة أهل النار بخزنتها..
"وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ".
قوله عز وجل: "وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا"(أي: خرجوا من قبورهم إلى الله وظهروا جميعا) " فَقَالَ الضُّعَفَاءُ " يعني: الأتباع، " لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا " أي: تكبَّروا على الناس وهم القادة والرؤساء: " إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا " جمع تابع، مثل: حَرَس وحارس، "فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ" دافعون، "عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ".
" قَالُوا " يعني القادة المتبوعين: " لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ " أي: لو هدانا الله لدعوناكم إلى الهدى، فلما أضلَّنا دعوناكم إلى الضلالة، " سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ" مهربٍ ولا منجاةٍ.
قال مقاتل: يقولون في النار: تعالوا نجزع، فيجزعون خمسمائة عام، فلا ينفعهم الجزع، ثم يقولون: تعالوا نصبر، فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم، فحينئذ يقولون: " سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ".
قال محمد بن كعب القرظي: بلغني أن أهل النار استغاثوا بالخزنة. فقال الله تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ"(غافر -49)، فردت الخزنة عليهم: "أو لم تَكُ تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى"، فردت الخزنة عليهم: "ادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ"(غافر -50).
فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا: "يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ"(الزخرف -77) سألوا الموت، فلا يجيبهم ثمانين سنة والسنة ستون وثلاثمائة يوما، واليوم كألف سنة مما تعدون، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين إنكم ماكثون.
فلما يئسوا مما قَبْله قال بعضهم لبعض: إنه قد نزل بكم من البلاء ما ترون فهلموا فلنصبر، فلعل الصبر ينفعنا كما صبرَ أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم، فأجمعوا على الصبر، فطال صبرهم ثم جزعوا فنادوا: "سواءٌ علينا أجَزِعْنا أم صبرنا ما لنا من مَحيص"، أي: من منجى.
قال: فقام إبليس عند ذلك فخطبهم، فقال: "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " (الآية 22 من سورة إبراهيم).
فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم فنودُوا: "لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمَانِ فَتَكْفُرُونَ"(غافر -10).
قالوا فنادوا الثانية: "فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون"، فردّ عليهم: "وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا"(السجدة -12، 13) .
فنادوا الثالثة: "رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ" (إبراهيم 44)، فردّ عليهم: "أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ"(إبراهيم -44).
ثم نادوا الرابعة: "رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ" فرد عليهم: "أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ"(فاطر -37) .
قال: فمكث عليهم ما شاء الله، ثم ناداهم: "ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون"، فلما سمعُوا ذلك قالوا: الآن يرحمنا، فقالوا عند ذلك: "ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قومًا ضالين، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون"، قال عند ذلك: "اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ"(المؤمنون 105-108) فانقطع عند ذلك الرجاء والدعاء عنهم، فأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجوه بعض، وأطبقت عليهم النار.
"... رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا".
اللهم إنا نعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل..
اللهم أجرنا من النار
اللهم أجرنا من النار
اللهم أجرنا من النار
ـــــــــــــــــــــ
(تفسير البغوي ج 4 ص ص 343, 344).
المفضلات