السؤال: أرغب فى تربية كلب للحراسة لأني أعمل فى الخارج و أهلي يعيشون وحدهم وأنوي أن أبني غرفة صغيرة داخل المنزل أو ما يسمى بلكونة أو شرفة فقط للحراسة ولن يتجول داخل المنزل أبدا_ سؤالي الأهم إذا لمس لسانه ملابسي أو أولادي أو يدي ما الحكم فكلنا نصلى والحمد لله. وقد نويت أن اشترى منزلا كبيرا لهذا الغرض وشكرا.
الجواب:
الظاهر أن لعاب الكلب طاهر بدلالة قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (المائدة، 4)
لم يرد في الآية السابقة أمر بغسل لعاب الكلب عن المصيد، كما لم يرد أمر من النبي صلى الله عليه في ذلك، مما يوحي أنه غير نجس، ولكن ورد قوله عليه الصلاة والسلام «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا»[1] وفي رواية أخرى للنسائي زيادة ” أولاهن بالتراب”[2]وقد استند جماعة من العلماء على هذا الحديث كدليل على نجاسة لعاب الكلب.
والحق أنه لا يُفهم من الحديث نجاسة لعاب الكلب، لأنه ليس صريحا في ذلك، وربما يكون قول النبي للتأكيد على نظافة آنية الطعام، ومن المعلوم أن الكلب وما شاكله من الحيوانات المفترسة يكثر مسببات المرض في لعابها لذا شدد النبي في الغسل، للتحقق من نظافته، والتراب معروف بتعقيمه الأشياء، ولو كان الغسل للطهارة لكفى غسله مرة واحدة بالماء.
وينبغي التنويه إلى الفرق بين التعقيم والتطهير؛ فالتعقيم يُقصد به إزالة مسببات المرض كالجرثوم والميكروب، أما التطهير فيقصد به رفع النجاسة.
وربما يتساءل البعض لماذا أمر النبي بغسل الآنية التي ولغ فيها الكلب بينما لم يأمر بغسل لعابه عن المصيد؟
ويمكننا توجيه ذلك من زاويتين:
الأولى: من المعلوم أنه يشتد إفراز لعاب الكلب عند إرادة الأكل، فيصير الوعاء ملوثا بلعابه مما يستدعي تعقيمه، ولكن إن صاد لصاحبه فلا ينزل الكثير من اللعاب على المصيد بخلاف لو صاد لنفسه أو ولغ في وعاء. وعندما لا يأكل الكلب المعلَّم من المصيد دلَّ أن لعاب الشهية لم ينزل فيكون بذلك كآلة الصيد.
الثانية: ما يصيب المصيد من اللعاب اليسير الذي يسيل لا لشهية الطعام فمعفو عنه بحكم الحاجة، ولأنه سيهلك بالطبخ لا محالة. ولو كان نجسا لأمر النبي بغسله قبل طبخه.
إن اقتناء الكلاب يجوز في البيوت لحاجة نافعة كالصيد والحراسة. والكلب من الحيوانات التي يكثر اختلاطها بالانسان كما رود في قوله تعالى {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} (الكهف، 18)
ولا يصح اقتناء الكلاب لغير حاجة نافعة؛ حتى لا يكون اقتناؤها عبثا ولهوا، فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم (من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان)[3] وفي رواية أخرى أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من اتخذ كلباً إلا كلب زرع أو غنم أو صيد ينقص من أجره كل يوم قيراط)[4] .
وفي حديث آخر عن سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص كل يوم من عمله قيراط)[5] .
يقول الحافظ ابن عبد البر: (وفي معنى هذا الحديث تدخل عندي إباحة اقتناء الكلاب للمنافع كلها ودفع المضار إذا احتاج الإنسان إلى ذلك إلا أنه مكروه اقتناؤها في غير الوجوه المذكورة في هذه الآثار لنقصان أجر مقتنيها والله أعلم)[6].
وينبغي التحذير من اقتناء الكلاب لغير حاجة والمبالغة بالإعتناء بها في الوقت الذي يموت فيه الناس جوعا في غير مكان من هذا العالم، والأموال أمانة في أيدينا سنُسأل عنها من أين اكتسبناها وفيم أنفقناها.


[1] صحيح البخاري، رقم الحديث 172 وأخرجه مسلم في الطهارة باب حكم ولوغ الكلب رقم 279

[2] النسائي، 339

[3] رواه مسلم. رقم الحديث، 1574

[4] رواه مسلم. رقم الحديث، 1575

[5] رواه البخاري، رقم الحديث، 2323 ومسلم. رقم الحديث، 1576

[6] التمهيد، لابن عبد البر، باب الحديث الثالث والثلاثون، 14/219