.
من الموضوعات التي أثارت ضجة إعلامية كبيرة على مستوى القنوات الفضائية والصحف وفتحت أبواب للجهلة أعداء الدين للتشكيك في صحة الأحاديث النبوية الشريفة وأيضاً للإنتهازين للسخرية على صفحات الجرائد وشبكة المعلومات .
وقد ذكرنا من قبل :
نحن نناقشكم بالعقل وبالمنطق ، فالقرآن نزل بأسلوب عربي والسيرة النبوية جاءت بالجزيرة ، وتحدى الله برسوله العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان وأصحاب التعبير الجميل والأداء الرائع ، وظهر في قريش التي جمعت في لغتها كل لغات القبائل العربية ، وقد خرج منها صناديد كذبوا محمداً ، وكفروا بدعوته ، فهل سمعنا منهم مَنْ يقول هذا أو ذاك ؟ واللهِ لو كان فيها مطعن ما تركوه .
ولكن طعونات اعداء الإسلام في الأحاديث النبوية لا تنتهي إما للجهل أو الحقد . فالآن نحن أمام حديث كثر الكلام فيه وتهويله حتى كثرت التشنيع به . وهو عن سالم الذي كان ولداً صغيراً نشأ عند آل أبي حذيفة كإبن لهم. لكن عندما كبر الولد بدأت المشكلة تحدث، إذ صار حذيفة يغار من دخول سالم على بيته بعد تحريم التبني وفيه زوجه سهلة. فهذا سبب سؤالها للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث أن سالم مضطر للدخول عليهم لأنه يعيش معهم.
نص الحديث:
أخرج مسلم في صحيحه (2\1076) عن عائشة قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت: «يا رسول الله، إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه». فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «أرضعيه». قالت: «وكيف أُرضِعُهُ وهو رَجُلٌ كبير؟». فتبسّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال: «قد عَلِمْتُ أنه رجُلٌ كبير».... فأرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة.
موضع الشبهة:
يقول اعداء الإسلام : كيف أرضعت سهلة بنت سهيل ذلك الرجل؟ وهل يجوز لها أن تكشف عورتها أو ترضعه ؟
الجواب :
المرأة تحرم على الرجال بثلاث :
1) النسب
2) المصاهرة
3) الرضاع
والحديث ذَكَرَ الرّضاعة، ولم يَذكر مباشرتها الرجل بالرضاعة أو مصّ الثدي أصلاً ! بل قامت سهلة بنت سهيل بوضع اللبن في الإناء وسقيه له. قال الإمام ابن عبد البر في التمهيد (8\257): «هكذا إرضاع الكبير كما ذكر: يحلب له اللبن ويسقاه. وأما أن تلقمه المرأة ثديها – كما تصنع بالطفل – فلا . لأن ذلك لا يَحِلُّ في الإسلام . وقد أجمع فقهاء الأمصار على التحريم بما يشربه الغلام الرضيع من لبن المرأة، وإن لم يمصه من ثديها. وإنما اختلفوا في السعوط به وفي الحقنة والوجور وفي حين يصنع له منه ، بما لا حاجة بنا إلى ذكره هاهنا».
وقال ابن حجر في الفتح (9\148): «التغذية بلبن المرضعة يحرِّم، سواء كان بشرب أم بأكل، بأيِّ صفةٍ كان، حتى الوجور والسعوط والثرد والطبخ، وغير ذلك إذا ما وقع ذلك بالشرط المذكور من العدد، لأن ذلك يطرد الجوع». الوجور هو صب اللبن في الفم، والثرد هو خلط اللبن بالخبز.
فمن الواضح أن العلماء مجمعون على أنه لا يجوز بحال أن يرى ويمس ثدي المرأة من الرجال غير زوجها. وإلا فإن التعسف والقول بالرضاعة المباشرة فيه نكارة شديدة. ذلك أن حذيفة يغار من دخوله على زوجه. فكيف يأمرها النبي بأمرٍ يغار منه المرء أشد من غيرته من الدخول، ألا وهو الرضاعة؟! هذا إذا افترضنا أن الرضاعة لا بد أن تكون من الثدي مباشرة.
وإلى هذا تشير روايةٌ أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (8\271): «أخبرنا محمد بن عمر حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن أبيه قال: كانت سهلة تحلب في مسعط أو إناءٍ قدر رضعة، فيشربه سالمٌ في كل يومٍ حتى مضت خمسة أيام. فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسِرٌ رأسها، رُخصة من رسول اللّه (:salla-icon: ) لسهلة بنت سهيل».
وأخرج عبد الرازق في مصنفه (7\458): عن ابن جريج قال: سمعت عطاء يُسأل، قال له رجل: «سقتني امرأة من لبنها بعدما كنت رجلاً كبيراً، أأنكحها؟». قال: «لا». قلت: «وذلك رأيك؟». قال: «نعم. كانت عائشة تأمر بذلك بنات أخيها». ويتضح من هذين الأثرين أن تناول الكبار اللبن كان من إناء، كما وضح كيفيته الأثر الأول، وكما هو واضح من لفظة "سقتني" في الثاني.
وليس القول ان رضاعة الكبير رخصة في سالم وحده أنه للرضاعة بالمص من الثدي بل المقصود هو ان الرضاعة لما أنبت اللحم وأنشز العظم لذلك كانت رضاعة الكبير هي رخصة لسلم وحده .
قال القاضي عياض : لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها وهذا أحسن (اضــ( هنــــا )ـــغط )
وبهذا تزول الشبهة.
فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
والله أعلم
.
المصدر : شبكة الدفاع عن السنة
.
المفضلات