هل قدّمَ نبيُّ اللهِ لوطٌ بناتَه للزنا من قومه...؟!
أُثيرَت شبهةُ حولَ قصّةِ نبيِّ اللهِ لوطٍ الثابتةِ في القرآنِ الكريمِ، تقولُ: لوطٌ النبيُّ كان يدعو قومَه ليزنوا ببناتِه بدلًا مِنَ الضيوفِ الذكورِ... هل هذه الفعلةُ تتّفقُ مع عِصمةِ الأنبياءِ عندَ المسلمين؟!
استدلّوا على ذلك بقولِه : وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ(78) (هود).
الردُّ على الشبهةِ
أولًا: إنّ الآيةَ الكريمةَ التي استدلَّ بها المعترضون للطعنِ في عصمةِ نبيِّ اللهِ لوطٍ ليس فيها أنّه دعا قومَه الفسّاقَ ليزنوا ببناتِه على الإطلاق ...
فالآيةُ حاكية عن لوطٍ تقولُ : قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ؟!
وأتساءل: كيف يجتمعُ الزنا(النجسُ) مع الطهارةِ، وهو يقولُ لهم: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ.
فهل الزنا طهارةٌ؟!
وهل الزنا مِن تقوى اللهِ أم هو هادمٌ لها؟!
الجوابُ: الآيةُ بسياقِها ليس فيها ما ادّعى المعترضون...لأنّ ادّعاءَهم يتعارضُ مع الطهارةِ وتقوى اللهِ كما في تتمّةِ الآيةِ...!
ثانيًا: إنّ المفسّرين اختلفوا في تفسيرِ الآيةِ الكريمةِ على أقوالٍ عدّةٍ، ذكرَها الإمامُ الشنقيطيُّ - رحمَه اللهُ - في تفسيرِه قال: واختلفَ العلماءُ في المُرادِ بقولِ لوطٍ - عليه وعلى نبيِّنا الصلاةُ والسلامُ-: { هَؤُلَاءِ بَنَاتِي } [ هود: 78 ] في المَوْضعين على أقوالٍ:
أحدُها - أنّه أرادَ المدافعةَ عن ضيفِه فقط، ولم يُردْ إمضاءَ ما قال، وبهذا قال عكرمةُ وأبو عبيدةَ.
الثانيّ - أنّ المرادَ بناتُه لصلبِه، وأنّ المعنى: دعوا فاحشةَ اللواطِ وأُزَوّجُكم بناتي. وعلى هذا فتزويجُ الكافرِ المسلمةَ كان جائزًا في شرعِه، كما كانت بناتُ نبيِّنا محمّدٍ r تحتَ الكفّار في أوّلِ الإسلامِ كما هو معروفُ. وقد أرسلَت زينبُ بنتُ رسولِ اللهِ r عقدَها الذي زفتَّها به أمُّها خديجةُ بنتُ خويلدٍ -رضيَ اللهُ عنها- إلى زوجِها أبي العاصِ بنِ الربيعِ، أرسلَته إليه في فداءِ زوجِها أبي العاصِ المذكورِ لمّا أسرَه المسلمون كافرًا يومَ بدرٍ، والقصّةُ مشهورةٌ، وعقدَها الشيخُ أحمدُ البدويِّ الشنقيطيِّ في مغازيه بقولِه في غزوةِ بدرٍ:
وَابْنُ الرَّبِيعِ صِهْرُ هَادِي الْمِلَّةِ ... إِذْ فِي فِدَاهُ زَيْنَبُ أَرْسَلَتْ
بِعِقْدِهَا الَّذِي بِهِ أَهْدَتْهَا ... لَهُ خَدِيجَةُ وَزَفَّفَتْهَا
سَرَّحَهُ بِعَقْدِهَا وَعَهْدًا إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا لَهُ غَدَا إِلَخْ.
القولُ الثالثُ - أنّ المرادَ بالبناتِ: جميعُ نساءِ قومِه، لأنّ نبيَّ القومِ أبٌ دينيٌّ لهم، كما يدلُّ عليه قولُه تعالى في نبيِّنا r: { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } ....وبهذا القولِ قال كثيرٌ مِنَ العلماءِ. وهذا القولُ تُقرّبُه قرينةٌ وتُبعدُه أخرى. أمّا القرينةُ التي تُقرّبُه فهي: أنّ بناتِ لوطٍ لا تسعُ جميعَ رجالِ قومِه كما هو ظاهرٌ، فإذا زوجَهنّ لرجالٍ بقدرِ عددِهم بقيَ عامّةُ رجالِ قومِه لا أزواجَ لهم. فيتعيّنُ أنّ المرادَ عمومُ نساءِ قومِه، ويدلُّ للعمومِ قولُه: { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } [ الشعراء 165- 166 ] وقولُه: { لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَآءِ } [ الأعراف 81 ] ونحوَ ذلك مِنَ الآياتِ.
وأمّا القرينةُ التي تُبعدُه: فهي أنّ النبيَّ ليس أبًا للكافراتِ، بل أبوّةُ الأنبياءِ الدينيّةِ للمؤمنين دونَ الكافرين، كما يدلُّ عليه قولُه: { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ } [ الأحزاب 6 ] الآية. وقد صرّحَ تعالى في الزارياتِ: بأنّ قومَ لوطٍ ليس فيهم مسلمٌ إلا أهلَ بيتٍ واحدٍ وهو أهلُ بيتِ لوطٍ، وذلك في قولِه { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ المُسْلِمِينَ } [ الزاريات 36 ].اهـ
قلتُ: إنّ التفسيرَ الصحيحَ للآيةِ الكريمةِ والذي تميلُ إليه نفسي هو القولُ الأوّلُ: وهو أنّه أرادَ المُدافعةَ عن ضيفِه فقط، ولم يُردْ إمضاءَ ما قال؛ لأنّه علِمَ مُسبقًا طباع قومِه أنهم لا رغبةَ لهم في الأناثِ....
كما أنّهم لا يريدون بناتَه للزواج؛ إذ طلبَ بعضُهم قديمًا الزواج منهن ورفض إما لكفرهم، وإما لسوء رغبتهم، الجنسية وهذا حق...
يدلّلُ على ذلك قولُه تعالى حَاكيًّا عنهم لَما قالوا للوطٍ: " لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ(79)"(هود).والمعنى : أنك يا لوط تعرف طباعنا جيدًا من خلال الجيرة مع مرور أيامك معنا أننا لا نريدُ بناتَكَ بل أضيافكَ....
أو يُحتملُ أنّه أمرَهم أنْ يكتفوا بنسائِهم(زوجاتِهم) ولا يقربوا من ضيوفِه، وقال عن نسائِهم (بناتي) نظرًا لكبَرِ سنّه ومكانتِه...كما أنّ النبيَّ وليٌ لكلِ نساءِ قومِه...
والأول أظهر ، فقد أرادَ المُدافعةَ عن ضيفِه فقط، ولم يُردْ إمضاءَ ما قال؛ لأنّه علِمَ مُسبقًا طباع قومِه أن لا رغبةَ لهم في الأناثِ....
أنّهم لا يريدون بناتَه للزواج بعد أن رفضهم...
ثالثًا: إنّ الكتابَ المقدّسَ ذكرَ تلك الواقعةَ بعينِها، وليس النصُّ في سِفرِ التكوينِ كما ثبتَ في القرآنِ الكريمِ بل إنّ النصَّ في سفرِ التكوينِ ذكرَ أنّه عرضَ ابنتَيْه على قومِه ليزْنوا بهما، لا ليتزوّجوا بهما...
وذلك نسبه الكتابُ المقدّسِ إلى لوطٍ في الإصحاح 19 عدد 1 " فَجَاءَ الْمَلاَكَانِ إِلَى سَدُومَ مَسَاءً، وَكَانَ لُوطٌ جَالِسًا فِي بَابِ سَدُومَ. فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ لاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. 2وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، مِيلاَ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَاغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا، ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا». فَقَالاَ: «لاَ، بَلْ فِي السَّاحَةِ نَبِيتُ». 3فَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا جِدًّا، فَمَالاَ إِلَيْهِ وَدَخَلاَ بَيْتَهُ، فَصَنَعَ لَهُمَا ضِيَافَةً وَخَبَزَ فَطِيرًا فَأَكَلاَ. 4وَقَبْلَمَا اضْطَجَعَا أَحَاطَ بِالْبَيْتِ رِجَالُ الْمَدِينَةِ، رِجَالُ سَدُومَ، مِنَ الحَدَثِ إِلَى الشَّيْخِ، كُلُّ الشَّعْبِ مِنْ أَقْصَاهَا. 5فَنَادَوْا لُوطًا وَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ الرَّجُلاَنِ اللَّذَانِ دَخَلاَ إِلَيْكَ اللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا». 6فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ إِلَى الْبَابِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَرَاءَهُ 7وَقَالَ: «لاَ تَفْعَلُوا شَرًّا يَا إِخْوَتِي. 8هُوَذَا لِي ابْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلًا. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَافْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَأَمَّا هذَانِ الرَّجُلاَنِ فَلاَ تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا، لأنّهما قَدْ دَخَلاَ تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي»".
نُلاحظُ: " 8هُوَذَا لِي ابْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلًا. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَافْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ".
قلتُ: إنّ الوقت قد أن بعد هذا العرضِ ليتضح للقارئ مِنَ الذي أساء إلى نبيِّ الله لوطٍ النصُّ ألقراني أم النصُّ التوراتي...؟!
رابعًا: إنّ الكتابَ المقدّسَ إساءة بالغةً لما نسبَ لنبيِّ اللهِ لوطٍ أقبحَ الأفعالِ التي لم يُقدِمْ عليْها المجرمون مِنَ النــاسِ بل ويشمــئزّون منها….. فعد أن نسبَ للوطٍ أنّه دعا قومَه ليزنوا بابنتَيْه وهذا ما تقدّمَ معنا، نسبَ له جُرمًا عظيمًا أنّه زنا بابنتَيه(زنا محارمٍ) بعد أنْ سكِرَ مِن شُربِ الخمرِ... !
جاءَ ذلك في سفرِ التكوينِ إصحاح 19 عدد 30 " وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الْجَبَلِ، وَابْنَتَاهُ مَعَهُ، لأَنَّهُ خَافَ أنْ يسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ وَابْنَتَاهُ. 31وَقَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: «أَبُونَا قَدْ شَاخَ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كلِّ الأَرْضِ. 32هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْرًا وَنَضْطَجعُ مَعَهُ، فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلًا». 33فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَدَخَلَتِ الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ أَبِيهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. 34وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: «إنّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْرًا اللَّيْلَةَ أَيْضًا فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ، فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلًا». 35فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضًا، وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا، 36فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا ". لا تعليقُ !
كتبه / أكرمُ حسن مرسي
نقلًا عن كتابي : ردّ السهام عن الأنبياءِ الأعلام، بعد المراجع
المفضلات