أيُّها الإخوة ُالأكارمُ : لم تكتفِ النصوصُ القرآنية ُببيان ِوجُوبِ طاعةِ اللهِ وطاعَةِ الرسول ِصلى اللهُ عليهِ وسلمَ وحرمةِ الإحتكام ِإلى أيِّ قانون ٍسوى الشرع ِ. بلْ وَدَلـَّتْ على أن ما عَدَا الشرع ِمن قوانينَ وضعيةٍ إنما هيَ كفرٌ صُراح ، لأنها ليست مِمَّا أنزلـَهُ اللهِ , ولا أمرَ بهِ . ولا هيَ من سُنةِ رسولِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ , ولا أجمعت عليهِ الصحابة , ولم يَثبت بالقياس . بل كانَ العقلُ هوَ الذي يُشرع ُ.
وكلُّ ما يُشرعُهُ العقلُ من أحكام ٍتتعلقُ بأفعال ِالإنسان ِكونـُهُ يحيا في هذا الكون ِيترتـَّبُ على أفعالِهِ المدحُ والذمُّ في الدنيا , والثوابُ والعقابُ في الآخرةِ ، إنما هوَ طاغوتٌ أمَرَ اللهُ العبادَ أن يَكفروا بهِ.
وصدقَ اللهُ العليُّ العظيمُ :( ألم ترَ إلى الذينَ يَزعُمُونَ أنهم آمنوا بما أنزلَ إليكَ وما أنزلَ من قبلِكَ يُريدونَ أن يَتحاكموا إلى الطاغوتِ وقد أ ُمروا أن يَكفروا بهِ, ويريدُ الشيطانُ أن يضلهم ضلالاً بعيداً{60} ) النساء.
وفي هذهِ الآيةِ الكريمةِ يقولُ ابنُ كثيرٍ في تفسيرهِ : ـ هذا إنكارٌ منَ اللهِ تباركَ وتعالى على مَن يَدَّعِي الإيمانَ بما أنزلَ اللهُ على رسولِهِ وعلى الأنبياءِ الأقدمينَ ، وهو مَعَ ذلكَ يريدُ أن يتحاكمَ في فصل ِالخصوماتِ إلى غيرِ كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِهِ كما ذكرَ في سببِ نزول ِهذهِ الآيةِ أنها نزلت في رجل ٍمنَ الأنصارِ ورجل ٍمنَ اليهودِ تخاصَمَا , فجعلَ اليهوديُّ يقولُ: بيني وبينـَكَ محمدٌ. وذاكَ يقولُ: بيني وبينِـَكَ كعبُ بنُ الأشرفِ. وقيلَ في جماعةٍ منَ المنافقينَ مِمَّن أظهرُوا الإسلام . أرادوا أن يتحاكموا إلى أعرافِ الجاهليةِ. وقيلَ غيرُ ذلكَ. والحقُّ أن الآية َأعَمُّ من ذلكَ كلـِّهِ ، فإنها ذامَّة ٌ لمن عَدَلـُوا عن الكتابِ والسنةِ . وتحاكموا إلى ما سِـواهُما منَ الباطل ِ, وهوَ المُرادُ بالطاغوتِ هنا .
والصحيحُ أن الطاغوتَ, أعَمُّ منَ الباطل ِ، بلْ هوَ أفحشُ منهُ بكثير،إذِ الطاغوتُ ما قابلَ الحُكمَ بما أنزلَ اللهُ , أي: هوَ الحُكمُ بالجاهليةِ , أي الكفر.
وهذا ما ذهبَ إليهِ ابنُ القيِّم ِ حين قال ـ إن مَن تحاكمَ أو حَاكـَمَ إلى غيرِ ما جاءَ بهِ الرسولُ فقد حَكـَّمَ الطاغوتَ, وتحاكـَمَ إليهِ. والطاغوتُ: كلُّ ما تجاوزَ بهِ العبدُ حَدَّهُ من مَعبودٍ أو متبوع ٍأو مطاع. فطاغوتُ كلِّ قوم ٍمَن يتحاكمونَ إليهِ غيرَاللهِ ورسولِهِ، أو يتـَّبعُونه على غيرِ بصيرةٍ منَ اللهِ . لأن عمومَ الأدلةِ تـُرشدُ إلى وجوبِ اتباع ِما جاءَ بهِ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لأنَّ ما جاءَ بهِ هوَ وَحدَهُ الحقُّ والهدى . قالَ تعالى : ( ومَن يُشاقِـق ِالرسولَ من بعدِ ما تبينَ لهُ الهُدَى ويَتبعْ غيرَ سبيل ِالمؤمنينَ نـُوَلـِّهِ ما تـَولى ونـُصلِهِ جهنمَ وساءتْ مصيراً{115} ) النساء .
وعليهِ : فكلُّ منهاج ٍغيرَ منهاج ِالهُدى الذي جاءَ بهِ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ هوَ غيرُ سبيل ِالمؤمنينَ .
وكلُّ ما هوَ من سُبُل ِغيرِ هذا السَّبيل ِ, هوَ الكفرُ باللهِ ، لأن الكفرَ باللهِ ورسولِهِ غيرُ سبيل ِالمؤمنينَ وغيرُ مِنهاجـِهم ـ تفسيرُ الطبري ـ .
وبناءً عليهِ: فكلُّ مَن عزفَ عن حكم ِاللهِ وحكم ِرسولِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وكفرَ بهما أو أشركَ معهما من معبودٍ أو متبوع ٍ فقد اتـَّهَمَ رسولَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في الحكم ِفهوَ كافرٌ, كما ذكِـرآنفا . لأنهُ خالفَ عمومَ الأدلةِ القطعيةِ التي ربطتْ بينَ الإيمان ِوبينَ وجوبِ اتباع ِما جاءَ بهِ الإسلامُ العظيم .
أيها الإخوة ُالمؤمنون : يقولُ اللهُ سبحانهُ وتعالى : ( وما أرسلنا من رسول ٍإلاَّ ليُطاع َبإذن ِاللهِ {64} ) النساء . أي: ما أرسَلتُ من رسول ٍإلاَّ فرضتُ طاعتـَهُ على مَن أرسلتـُهُ إليهم . ومحمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ من أولئكَ الرسُلُ ، فمن تركَ طاعتـَهُ أوِ الرِّضا بحُكمهِ, واحتكمَ إلى الطاغوتِ فقد خالفَ أمرهُ وضَيَّعَ فرضهُ, ووقعَ بالكفرِ أعاذنا اللهُ . لأنَّ من لوازم ِالإيمان ِالرِّضَا المطلقُ والتسليمُ بحكم ِاللهِ ورسولِهِ ونبذِ ما سواهُما .
واللهُ سبحانهُ وتعالى يُنكرُ على مَن خرجَ عن حكم ِاللهِ المُحكم ِالمُشتمل ِعلى كلِّ خير , الناهي عن كلِّ شر, وعَدَلَ إلى سِواهُ من الآراءِ والأهواءِ والإصطلاحاتِ التي وضَعَها الرجالُ بلا مُستندٍ من شريعةِ اللهِ , تماماً كما كانَ أهلُ الجاهليةِ يَحكـُمُونَ بهِ من الضلالاتِ والجهالاتِ مما يَضعونها بآرائِـهم وأهوائِـهم .
وقد حذرَ اللهُ من ذلكَ أشدَّ التحذير فقالَ عزَّمِن قائل: ( أفرأيتَ من اتخذ َإلهَهُ هَواهُ وأضلـَّهُ اللهُ على علم ٍوختمَ على سمعِهِ وقلبهِ وجعلَ على بصرهِ غشاوة ً, فمن يهدِيهِ من بعدِ اللهِ , أفلا تـَذكـَّرُونَ {23) ) الجاثية .
فأيُّ ضلال ٍأفحشُ من الحكم ِبغيرِ ما أنزلَ اللهُ ؟! وأيُّ أمرٍ أحَط ُّمن الإحتكام ِإلى الهوى !!
وأيُّ طاغوتٍ أكبرُ من جعل ِالإنسان ِالمخلوق ِيقومُ بما تكفـَّلَ الخالقُ بإقامتهِ. بأنْ جعلَ العقلَ الإنسانيَّ هوَ المُشرع َُوهوَ الحاكم !!. وأيُّ كفرٍ أبعدُ مدىً من اتباع ِالمخلوقينَ لمخلوقينَ مثلِهـِم . وتركِ ما أنزلَ اللهُ العليُّ العظيمُ على رسولِهِ الكريم ِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ .
فالحكمُ بما أنزلَ اللهُ اتباع ٌ للشرع ِ. والحكمُ بغيرِ ما أنزلَ اللهُ اتباع ٌ للكفر.
فشريعة ُاللهِ وحدَهَا الحقُّ , وباطلٌ ما سواها , فهل بعدَ الحقِّ إلاَّ الضلال .
وصدقَ اللهُ العليُّ العظيمُ إذ يقول : ( قلْ هلْ مِـن شرَكائِكم مِن يَهدي إلى الحقِّ , قل ِاللهُ يهدي للحقِّ , أفمَن يَهدِي إلى الحقِّ أحقُّ أن يُتـَّبعَ أمَّنْ لا يَهـِدِّي إلاَّ أن يُهدَى , فما لكم كيفَ تحكمُونَ {35} ) يونس .
ويقول : ( فليحذرِ الذينَ يخالفونَ عن أمرهِ أن تـُصيبَهُم فتنة ٌأو يُصيبَهُم عذابٌ أليمٌ {63} ) النور .
اللهمَّ أرنا الحَقَّ حقاً وارزقنا اتباعهُ , وأرنا الباطلَ باطلاً ووفقنا اجتابهُ, اللهمَّ رحمتكَ نرجوا فلا تكلنا لأنفسنا طرفة َعين, وآتنا الخيرَ كلـَّهُ في الدين ِوالدنيا والآخرةِ, واجعلنا اللهمَّ وإيَّاكم ممن يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنه .
اللهمَّ آمين , اللهمَّ آمين , اللهمَّ آمين , ربِّ , ربَّ العالمين .
المفضلات